ـ الشيعة:
الشيعة هم من شايعوا الإمام علي على
أنه أحق بالخلافة، وهناك دولتان تبنتا المذهب الشيعي كمذهب رسمي للدولة
هما دولة بني بويه في بغداد سنة 945م، ودولة الفاطميين في مصر 968م.
انتشر
هذا المذهب في فلسطين في القرن العاشر الميلادي، فكان أهل طبرية ونصف أهل
نابلس شيعة، وقد قال الرحالة ناصر خسرو عام 1045: إن عدد سكان القدس نحو 20
ألفاً جلهم شيعة.
أنشأت الدولة الفاطمية في بيت المقدس دار العلم
الفاطمية فرعاً للدار في القاهرة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة 1004م،
وكان لها أكبر الأثر في انتشار المذهب في فلسطين. وقد ظلت الدار قائمة حتى
سقطت القدس بيد الصليبيين.
في القرن السادس الهجري زار ابن جبير فلسطين
فوصفها قائلاً: وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة، وهم أكثر من السنيين،
وقد عموا البلاد بمذاهبهم، وهم فرق شتى منهم الرافضة والأمامية
والإسماعيلية والزيدية والنصيرية.
هدأت حركة التشيع بعد سقوط الدولة
الفاطمية، وحاول الأيوبيون بعد ذلك نزع ما غرسه الفاطميون في نفوس الناس،
أما في عهد أحمد باشا الجزار فقد وقعت عدة وقائع بينه وبين الشيعة عام
1780م في قرية يارون قرب صفد، وحاربهم الجزار لفترة عشر سنوات وأحرق آثارهم
العملية حتى أنه ورد في الأثر "كان لأفران عكا من كتب جبل عامل ما أشعلها
أسبوعاً".
لا وجود للشيعة اليوم كطائفة مستقلة في فلسطين، وقد نزح عنها
مئات الشيعة اللبنانيين الذين أقاموا في شمال فلسطين في عهد الانتداب.
62ـ السلجوقيون:
بدأ نفوذ الفاطمين في بلاد
الشام منذ منتصف القرن 11م، كان جنوب الشام يقسم إلى قسم فلسطيني مركزه
الرملة، ودمشقي مركزة دمشق، لقبيلتي طئ وكلب.
نتيجة للنزاع بين أمراء
الأسرة المرداسية في حلب، واتت الفرصة القبائل التركمانية الغزية للدخول
إلى بلاد الشام بعد أن استعان بهم المرادسة، وقد خطط السلطان السلجوقي ألب
أرسلان لغزو مصر بعد انتصاره على البيزنطيين شرق تركيا عام 1071م.
كانت
هناك فرقة مرتزقة تركية تسمى الناوكية، لم تدن بالولاء لألب أرسلان، وأخذت
تغير على دمشق من موقعها في طبريا، لكنهم لم يصمدوا أمام السلاجقة خاصة بعد
وفاة زعيمهم قرلو، أما القبائل السلجوقية بزعامة ألب أرسلان فقد زحفت
باتجاه فلسطين بعدما دخلت الشام.
حاول أتزين اوق الخوارزمي أحد أبرز
زعماء التركمان الجدد السيطرة على دمشق عام 1071م، ثم سار إلى فلسطين ففتح
الرملة وبيت المقدس واستولى على بقية فلسطين من الفاطميين ماعدا عسقلان،
وجعل الخوارزمي بيت المقدس بيتاً للحكمة وبدأ يعبئ قواته للسيطرة على المدن
المجاورة لتوسيع نفوذ السلجوقيين، وباتت القدس على عهده صاحبة النفوذ في
جنوب الشام، فأمده السلطان السلجوقي ملكشاه بالعون العسكري، فسيطر على عكا
سنة 1075م، ثم على دمشق 1076م. لكن حملته على مصر أخفقت وتبعه الفاطميون
حتى الرملة.
انتهز الفلسطينيون فرصة هزيمته أمام الفاطميين، فثار عليه
أهل القدس بزعامة القاضي فحاول إتسز مفاوضتهم، ثم حاصر المدينة ودخلها وقتل
3000 من أهلها.
بادر الفاطميون بإرسال جيش يقوده ناصر الدولة الجيوشي
سنة 1078م، فاحتل القدس ثم تقدم نحو دمشق حيث يوجد اتسز الخوارزمي، فاستجد
بتاج الدولة تتش بن ألب بن أرسلان في حلب، فتحرك تتش ودخل دمشق وقتل اتسز
وانفرد بالحكم. قام تتش بإقطاع القدس أحد قواده وهو أرتق بن أكسب
التركماني، وحين توفي أرتق تولاها ابنه ايلغازي حتى سقطت بيد الفاطميين سنة
1096م.
تعمقت خلافات السلاجقة بعد موت السلطان ملكشاه سنة 1092م، وقد
اصطدام تتش بابن أخيه بركيا روق، في موقعه حاسمة قتل فيها تتش وانهزم جيشه.
بعد
موت تتش ظهرت فئة من السلاجقة ولدت وترعرت في الشام وبهذا اختلفوا عن
أسلافهم من التركمان، فتولى رضوان بن تتش إمارة دمشق، لكن التمزق عاد إلى
بلاد الشام عام 1095م.
وقفت القدس إلى جانب حلب في الصراع ضد دمشق، ولم
يقف الفاطميون متفرجين، فقد أرسل الأفضل بن بدر الجمالي حملة عسكرية
استطاعت انتزاع القدس وأنحاء كثيرة من فلسطين من يد الآرائقة السلجوقيين
سنة 1095-1096م، وأعادتها إلى السيادة الفاطمية.
بدأت الحملات الصليبية
عام 1098م مستغلة ظرف الانقسام في المنطقة، وألحق طفتكين والي دمشق هزيمة
ساحقة بملك القدس بغدوين قرب طبرية سنة 1125م.
63ـ الفرنجة:
في أوائل حزيران 1099م وصلت طلائع الحملة
الصليبية الأولى إلى الرملة ثم زحفت إلى القدس التي سقطت في أيديهم في 15
تموز 1099م، فاستباحوا المدينة وقتلوا كل السكان فيها حتى النساء والأطفال.
المؤرخ الفرنسي فوشيه دي شارتر رافق الحملة، قال: كانت القدم تغوص حتى
الكاحل في دماء المسلمين، وذكر ابن الأثير أن الفرنج قتلوا في المسجد
الأقصى سبعين ألفاً منهم عشرة آلاف عالم وفقيه، وبعد احتلال القدس أقام
اللاتين فيها مملكة القدس اللاتينية وانتخبوا الأمير غود فري دي بوبون على
رأسها ولقب نفسه "حامي المدينة المقدسة"، ورغم عودة معظم أمراء الحملة
الصليبية الأولى إلا أن مسلمي الشرق لم يفكروا في استرداد المدينة، "بقي
فيها 300 فارس و200 من المشاة فقط".
رغم ذلك تمكنت هذه القوة الصغيرة من
الفرنجة من السيطرة على فلسطين فاستولت على قيسارية ويافا التي حصنوها
وعمروها وتحولت التجارة إليها بعد أن أصبحت سفن أوروبا ترسو فيها، بعد وفاة
غود فري سنة 1100م، تولى السلطة أخوة بغدوين الأول الذي عمد إلى زيادة
أملاك الفرنج في فلسطين وخارجها فاحتل مدينة حيفا من المصريين وفشلت
محاولات الدولة الفاطمية للتصدي للهجوم الصليبي، فاستمر بغدوين ليحتل عكا
في أيار 1104م، واندفع بقواته نحو جنوب الأردن بعد أن احتل شمالاً حتى
بيروت، واستقر في الشوبك وأعاد بناء فلعنها عام 1115م، وفي عام 1116م احتل
العقبة وبني فيها قلعتين، وبذلك أصبح الساحل الفلسطيني كله بأيديهم ما عدا
عسقلان.
طبق الفرنجة النظم الإقطاعية في فلسطين، وامتازت حياتهم بنشاط
اقتصادي غزير فتمكنوا من امتلاك الأراضي التي عمل فيها فلاحون فلسطينيون،
وقاموا بتصدير الزيت والزيتون والحمضيات إلى أوروبا الغربية وكذلك صدروا من
فلسطين الأقمشة والزجاج والبُسُط فحققوا أرباحاً هائلة .
بدأت الصحوة
العربية منتصف القرن 12م بظهور صلاح الدين الأيوبي الذي جهز الجيوش في
الشام وحرر القدس بعد معركة حطين الشهيرة عام 1187م.
لكن أوروبا أرسلت
الحملة الصليبية الثالثة التي احتلت عكا سنة 1191م، وبعد مفاوضات طويلة عقد
صلح الرملة سنة 1192م الذي نص على بقاء القدس للمسلمين شرط السماح بالحج
للمسيحيين، لكن وفاة صلاح الدين وغضب البابا من الصلح دعا إلى إرسال حملة
رابعة لم تصل إلى فلسطين ضمن ملابسات معقدة، فعاد الفرنج ليخرجوا بحملة
خامسة من عكا بقيادة يوحنا بربين فطردهم الأيوبيون فعادوا إلى عكا، لكن
الخلاف بين الأيوبيين جعل الكامل يستنجد بفردرك الثاني مقابل إعطائه القدس
ليساعده على أخيه، فاستجاب فردريك فسلمه الكامل القدس دون حرب عام 1229م.
أقيم
تحالف بين الفرنج والتتار بعد قيام دولة المماليك عام 1250م، لكن المماليك
هزموا الفرنج في معركة المنصورة سنة 1250م وأسروا لويس التاسع قائد
الحملة، وقد كانت آخر الحملات الصليبية، وقد كان للظاهر بيبرس الأثر الأكبر
في تخليص فلسطين من بقايا الفرنجة وتحرير باقي مدنها، وتابع بعده المنصور
سيف الدين قلاوون مسيرة تحرير الشام لكنه توفي عام 1290م فتابع ابنه الأشرف
صلاح الدين خليل، الذي حرر عكا عام 1291م وهرب ملكها إلى قبرص ومضى الأشرف
واستولى على بقية المدن، وهكذا سقطت معاقل الصليبين نهائياً عام 1291م.
64ـ مملكة القدس اللاتينية:
إذا كنا تحدثنا عن
الفرنجة في هذا الملف وأشرنا إلى كيفية إقامتهم لمملكة القدس اللاتينية
فلابد من الحديث عن هذه المملكة لما لها من تأثير في التاريخ الفلسطيني
وتاريخ الصراع الإسلامي مع الحملات الصليبية.
بعد أن أسست المملكة من
قبل الحملة الصليبية الأولى، توفي أول حكامها غود فري وجاء بعده أخيه
بغدوين وبدأ اللاتين في مملكة القدس بالتوسع في فلسطين نفسها، مع العلم أن
طابع هذه المملكة لم يكن دينياً بحتاً ولا سياسياً بحتاً نتيجة اختلاف
مشارب قواد الحملة الصليبية الأولى على فلسطين وبيت المقدس.
احتل بغدوين
عكا بمساعدة الجنويين فمنحهم بعض الامتيازات، وساعده الجنويون أيضاً في
احتلال جبلة وطرابلس وبيروت وهكذا قام الأسطول الجنوي بدور مهم في تثبيت
أركان المملكة.
بني اللاتين القلاع في الجليل وعلى طول نهر الأردن
لإحكام قبضتهم على القدس، ومن هذه القلاع الشقيف وتبين وبانياس وصفد والطور
وكوكب الهوا والكرك والشوبك وغيرها كي يمنعوا أي تسلل عربي من جنوب البحر
الميت أو من شرق الأردن، وأحكم اللاتين سيطرتهم على فلسطين فبدأوا في تنظيم
أمورهم الداخلية فقد واجهتهم المشكلة الديمغرافية، فهم كانوا قليلي العدد
وقد هاجر سكان المدن أو هجروا فتعطلت الزراعة، وقد قال وليم الصوري المؤرخ:
"إن مواطني القدس بصعوبة يملأون شارعاً واحداً"، لذا فقد عمل الفرنجة على
تشجيع الهجرة من المناطق المجاورة لاسيما إلى القدس حتى أنهم سمحوا لمسلمي
القدس بالعودة للمدينة مع بعض الامتيازات.
توفي بغدوين عام 1118م،
فتعاقب على المملكة بغدوين الثاني وبعده فولك الأنجوي الذي أكمل تحصينات
مملكة القدس وأعاد بناء قلعة الكرك، وتوفي عام 1143م وخلفه ابنه بغدوين
الثالث الذي بدأت في عهده اليقظة العربية الإسلامية، والتي كان أبرز
مظاهرها استيلاء عماد الدين زنكي على قلعة الرها عام 1144م حتى أن ابن
الأثير شبهها بمعركة بدر، وقد صدمت معركة الرها الفرنجة فاهتز كيانهم مما
حذا باوروبا أن ترسل حملة صليبية ثانية عام 1147-1149م لكنها هزمت أيضاً
حين حاولت احتلال دمشق.
توفي عماد الدين زنكي عام 1146م فخلفه نور الدين
زنكي الذي ضم دمشق إلى سلطانه رداً على احتلال عسقلان.
توفي بغدوين
الثالث سنة 1163م فخلفه أخوه أموري الأول الذي تسابق مع نور الدين على
احتلال مصر، ونجح نور الدين في الاستيلاء عليها واستوزار صلاح الدين سنة
1171م، وفي 1174م توفي نور الدين زنكي، فحاولت مملكة القدس احتلال الشام
وفشلت، وتوفي أمور الأول عام 1174م فبدأت مملكة القدس بالضعف كونه آخر
ملوكها الأقوياء، إذ دب الصراع بين الأمراء بعد موته، وقام الأمير الفرنسي
أرناط بمحاصرة قلعة العقبة وسار إلى اليمن وتهامه وعسير فأرسل صلاح الدين
أحد قواده الذي هزم أرناط ففر إلى الكرك.
حكم مملكة القدس في تلك
الأثناء بغدوين الرابع الذي لم يتجاوز عمره حين مات أبيه 12 عاماً، وفي
أثناء حكمه توزعت السلطة بين العائلات الإقطاعية مما أدى إلى إضعاف مملكة
اللاتين وتفتيت قوتها فدب النزاع بين بغدوين الرابع وزوج أخته الذي حاول
عزله فرفض، لكنه تنازل عن العرش لابن أخته الصغير سنة 1185م، وكان بغدوين
في الرابعة والعشرين وما لبث أن توفي، ولحق به الملك الصغير بغدوين الخامس
سنة 1186م ولم يكن قد بلغ التاسعة، فأعلنت أمه سبيلا نفسها ملكة، فاستنكر
القائد ريموند ذلك فدب الصارع في جسد مملكة اللاتين، يضاف إلى ذلك كله
إصابة البلاد بالقحط والجفاف لانحباس المطر، وفي نهاية 1187م استولى أرناط
على قافلة تجارية قادمة من القاهرة إلى دمشق رغم المعاهدة التي عقدوها مع
صلاح الدين، فكانت النتيجة أن أعلن صلاح الدين الجهاد ودخل الكرك بقواته
سنة 1187م وفتك بالفرنجة وعاد محملاً بالغنائم.
في نفس العام التقى صلاح
الدين بقوات الفرنجة في حطين وأباد أكبر قوة حشدها الفرنج، وتمكن
الأيوبيون من سحق الفرنج وأسر أرناط وقتله صلاح الدين وعفا عن بقية القادة،
وهكذا سقطت مملكة القدس بعد 88 سنة من الحكم وذلك عام 1187م.
65ـ البنادقة:
في القرن العاشر الميلادي ضعفت
روما، فكان أن نشأت جمهوريات صغيرة منها البندقية، حيث سعت للسيطرة على
تجارة المتوسط.
كانت أوروبا قد بدأت حملاتها الصليبية ، فكانت البندقية
تشجع الحجاج للذهاب إلى فلسطين، ونقلتهم بسفنها وقدمت لهم الخدمات، ولبى
البنادقة دعوة الحرب الصليبية وكان لهم دور بحري كبير، ومقابل خدماتهم
حصلوا على امتيازات بحرية وقضائية وتجارية، ففي عام 1100م عقد معهم غودفري
ملك مملكة القدس اللاتينية معاهدة إعفاء جمركي وضريبي، ومنحهم ثلث أي مدينة
يساعدون في احتلالها، وبعد شهرين من المعاهدة أسهم أسطولهم في احتلال
حيفا، وفي عام 1111م منحهم الملك بغدوين الأول حياً خاصاً في عكا وامتيازات
تجارية في القدس مقابل مساعدته في احتلال صيدا وبيروت، وفي عام 1124م وقعت
القدس معاهدة مع البنادقة نالوا بموجبها كثيراً من الإعفاءات والامتيازات
والحق في امتلاك أحياء والحق في استخدام مقاييسهم ومكاييلهم الخاصة في
تجارتهم وأيضاً في وجود محاكم خاصة بهم.
دارت بينهم وبين الجنويين معارك
استمرت لعدة سنوات في عكا عرفت بحرب القديس سابا عام 1250م.
66ـ البيازنة:
ينسبون إلى مدينة بيزا
الإيطالية، ونشأتهم تشبه نشأة البنادقة والجنويين، وقد حصلوا على عدد من
الامتيازات في القدس، فكان لهم أحياء خاصة ومنحوا ربع مدينة يافا، وهذا حدث
في الحملة الصليبية الأولى 1099م بعد المساعدات التي قدموها للفرنجة، وذلك
بتحصين القدس ويافا، وفي سنة 1157 منحهم أموري الأول كونت يافا منطقة في
يافا لإقامة سوق خاص بهم، وفي سنة 1187م عقدت معاهدة بين كونراد مونتفرات
صاحب صور وملك القدس والبيازنة منحهم فيها الكثير من الامتيازات والإعفاءات
الضريبية في المدن والموانئ مقابل مساعدتهم لمواجهة صلاح الدين، ولما تفجر
الصراع بين كونراد مونتفرات وغي لوزنيان 1190-1192م حول عرش مملكة القدس،
وقف البيازنة إلى جوار غي لوزينان في عكا، ووقف الجنويون إلى جانب خصمه
الذي ربح المعركة وطرد البيازنة من صور، وتبعه ذلك صدام دموي داخل عكا بين
البيازنة والجنوبيين، وسعي ريتشارد قلب الأسد للتوفيق بين الفريقين
المتخاصمين، لكن الأمر انتهى بطرد البيازنة من صور وعكا وغيرهما ولم يعودوا
إلى أحيائهم إلا عام 1195م.
في القرن 13 وصل الإمبراطور فرديك الثاني
إلى فلسطين فتجدد الصراع بين البيازنة والجنوبيين، سنة 1231م في عكا،
وتجددت مرة أخرى عام 1249م. وقد تحالفوا مع فريدريك الثاني هذه المرة، لكن
أمرهم ضعف بعد وفاة فريدريك الثاني سنة 1250م وأزيحوا عن مسرح الصراع.
67ـ
الجنويون:
هم أهل جنوة، الضلع الثالث للبيازنة والبنادقة، وقدم
الجنويون مساعدات للحملات الصليبية التي لم تكن تملك أساطين بحرية، وساهموا
في مد محاصري القدس بالمواد الغذائية عام 1099م، ونالوا حصة من مغانم
القدس بعد سقوطها، وفي عام 1109م وقعت معاهدة بينهم وبين ملك القدس بغدوين
الأول في مدينة يافا منحهم ثلث غنائم أي مدينة يساعدون في احتلالها وامتلاك
شارع واحد منها، وأن يتم إعفاؤهم من الضرائب، ومنحوا شارعاً في القدس
وشارعاً في يافا مع تعهد الملك بحماية تجارتهم وتسليمهم ممتلكات أي جنوي
يموت في الحرب، كل هذا مع تعهدة بدفع 300 ليرة ذهبية لهم كل سنة.
وأسهم
الجنويون فعلاً في احتلال عكا عام 1112م، وبيروت عام 1118م، ومنحوا حق
إقامة محاكم خاصة بهم.
سقطت عكا إثر الحملة الصليبية الثالثة (1187م)
وحدثت صدامات دموية وقف فيها الجنويون مع كونراد، وطرد البيازنة من عكا
وتصادم الجنويون مع البنادقة أيضاً صداماً عنيفاً في القرن الثالث عشر،
وعندما لم تفلح جهود المصالحة، تحالف الجنويون مع بيبرس ووعدوا بمساعدته في
فتح عكا.
68ـ الأرثوذوكسية:
أرثوذوكس
مفردة يونانية تعني "الرأي المستقيم" وقد أطلقت على أتباع الدين القويم في
المسيحية لتمييزهم عن أصحاب المذاهب الأخرى في المسيحية، وفي القرن 11م
انقسمت الكنيسة إلى شرقية وغربية، فعرفت الشرقية باسم الأرثوذوكسية
والغربية باسم الكاثوليكية.
الكنائس الأرثوذوكسية جمعيها ممثلة في
فلسطين، وفي كنيسة القيامة نفسها، الكنيسة اليونانية العربية الأرثوذوكسية
وأتباعها الروم الأرثوذوكس، والكنيسة اليعقوبية "كنيسة السريان
الأرثوذوكس"، والكنيسة الملكية.
بعد القرن 11م أصبحت الكنيسة
الأرثوذركسية كنيسة مستقلة في فلسطين بطابع متميز عن الكنيسة العامة بدءاً
من سنة 1054م.
بعد الفتح الإسلامي استقرت اللغة العربية في الكنيسة
الأرثوذوكسية وكان بعض القساوسة يجيدون اليونانية والعربية، لكن اللاتينية
حلت محلها أثناء الغزو الصليبي، فأصبح رعايا الكنيسة خاضعين لإدارة مملكة
القدس اللاتينية.
تعرضت الكنيسة بعد رحيل الصليبين إلى اضطهاد المماليك،
وتم تعيين بطاركة عرب في القدس، وكان آخرهم البطريك عطا لله أو دوروتاوس
الثاني (1505-1534)، وبعدها بدأ العثمانيون بمنح حرية العبادة للمسيحيين
وبالتالي تعيين بطاركة يونانيين، ومنذ القرن 19 بدأت العناصر العربية في
الكنيسة بالمطالبة بحقوقها نتيجة لتعدد المدارس التي أنشأتها الكنيسة
الكاثوليكية في فلسطين والكنيسة الروسية الأرثوذوكسية التي نشطت وحاولت أن
تحل محل الكنيسة اليونانية، ونتيجة لاعتماد اليونانيين على تأييد السلطان
العثماني فقد رفضوا المطالب العربية حتى أن السلطان أقر أول نظام كنسي عام
1875 ولم يراع فيه حقوق العرب، تبدل هذا النظام عام 1934 من قبل
البريطانيين لكن هذا النظام أيضاً ظل عاجزاً عن أنصاف العرب الأرثوذوكس،
ومازال الصراع بين اليونان والعرب قائماً.
تشمل الكنسية الأرثوذوكسية في
فلسطين الكرسي البطريركي في القدس وست مطرانيات في قيصرية وبيسان والبتراء
وعكا وبيت لحم والناصرة، وست مراكز رئيس أساقفة في اللد وغزة وسيناء ويافا
ونابلس وسبسطية وجبل الطور.
69ـ الأيوبيون:
يمكن
القول إن الدولة الأيوبية وليدة الحركة الصليبية، عندما أدرك المسلمون
وجوب توحدهم لمواجهة الخطر الصليبي، فشرع عماد الدين زنكي حاكم الموصل في
تنفيذ خطة التوحيد، واكتمل توحيدها على يد نور الدين محمود بن زنكي الذي
توفي عام 1174م تاركاً لصلاح الدين الأيوبي تحويل هذه الوحدة إلى طاقة تقوض
الوجود الصليبي في الشام. ويقسم العصر الأيوبي في فلسطين إلى 3 أقسام:
الأيوبيون
قبل حطين (1174-1186م): يبدأ هذا العصر باستقلال صلاح الدين بمصر وخروجه
إلى الشام لتوحيد المسلمين، وينتهي باكتمال بناء الجبهة المتحدة سنة 1186م.
حيث أحاط صلاح الدين بالفرنجة بعد أن فرض سلطانة على مصر والمغرب والنوبة
وغرب الجزيرة وفلسطين وسورية والموصل.
في ذلك الوقت كانت مملكة القدس
اللاتينية قد بلغت غاية اتساعها حيث بسطت نفوذها على فلسطين من الساحل إلى
الكرك ومن الجليل إلى وادي عربة.
الأيوبيون من حطين إلى وفاة صلاح الدين
(1187-1192م): شن صلاح الدين حرباً شاملة على الفرنجة في هذه المرحلة،
وأنزل بهم هزيمة ساحقة في حطين سنة 1187م، واسترد معظم المدن الساحلية على
شاطئ فلسطين واستعاد بيت المقدس مما غير ميزان القوى بين الفرنجة
والمسلمين، وحسب صلح الرملة 1192م فقد احتفظ الفرنجة بمملكة على شاطئ
فلسطين كان لها طابع تجاري وليس سياسي.
وبانحسار النفوذ الصليبي عاد
لفلسطين طابعها الإسلامي وعاد الازدهار لبيت المقدس وغدا المسجد الأقصى
مقصد العلماء، ولم يمنع صلاح الدين الحجاج المسيحيين من زيارة أماكنهم
المقدسة في المدينة بل كلف حراساً بحمايتهم.
الأيوبيون بعد صلاح الدين
(1193-1260م): هذه المرحلة استمرت حتى نهاية الدولة الأيوبية، فقد ترك صلاح
الدين دولة مترامية الأطراف من الفرات إلى النيل، ولم يستطع أحد ملء
الفراغ الذي تركه بعد وفاته في 1193م. لكن نفوذ الأيوبيين ظل في فلسطين حتى
معركة عين جالوت سنة 1260م.
لم تلبث أن نشبت حرب الوراثة بين أبناء
البيت الأيوبي، وفي نهاية 1200م كان الملك العادل سيف الدين أبو بكر قد وحد
الدولة الأيوبية مرة أخرى تحت زعامته، وحارب الألمان الذين انتشروا على
الساحل وانزل بهم هزيمة عند تل العجول في غزة عام 1197م، وعقد صلحاً مع
الفرنجة عام 1198م مدته ثلاث سنوات، ثم عقد صلحاً آخر عام 1204م بين الملك
العادل والملك آموري الثاني ملك عكا، واقتضى هذا الصلح أن يترك العادل
للفرنجة نصف صيدا واللد والرملة كما منحهم الناصرة ورد يافا إليهم، وكان
هذا تساهلاً من العادل مع الفرنجة وصل إلى حد التفريط وهو ما اشتهر به طوال
عمره وتوارثه عنه أبناؤه.
عام 1210م قام فرسان الرهبان الداوية
باستفزاز المسلمين فخرج الملك عيسى بن العادل بجيش إلى عكا وأنزل بالفرنجة
خسائر جسيمة وغنم المسلمون كثيراً وأسروا كثيراً، وعادوا إلى جبل الطور حيث
أقام المعظم عيسى قلعة تشرف على الناصرة وتحمي الجليل فأسرع الفرنجة لعقد
هدنة مع الملك العادل لمدة ست سنوات (1211-1217م).
في خريف 1217م هاجم
الصليبيون القلعة للسيطرة على الجليل، لكنهم فشلوا، غير أنهم استولوا على
بيسان، فقام السلطان العادل بتخريب القلعة لأنه لا يمكن حفظها.
عاد
أبناء السلطان العادل إلى التفرق خصوصاً الكامل محمد في مصر والمعظم عيسى
في دمشق واستعان كل منهما بقوة خارجية.
عقدت معاهدة لمدة عشر سنوات سنة
1229م بين الإمبراطور فردريك الثاني والسلطان الكامل الذي منح الفرنجة بيت
المقدس وبيت لحم والناصرة على أن تكون سائر قرى القدس للمسلمين، وألا يجدد
سور القدس وأن الحرم والمسجد الأقصى بأيدي المسلمين.
دب الخلاف عميقاً
في الأسرة الأيوبية، ووسط هذا الخلاف انتهى أجل الصلح، فانتهز الناصر داوود
إقامة الفرنجة للأسوار حول القدس خلافاً للمعاهدة فاستولى على القدس وأخرج
منها الفرنجة، لكن الصالح إسماعيل مد يده إليهم طالباً مساعدته على الصالح
نجم الدين أيوب في مصر والناصر داوود في الكرك مقابل إعطائهم القدس
وعسقلان وقلعة الشقيف وقلعة صفد وقسمة طبريا وصيدا بينهما، وهكذا عادت بيت
المقدس للفرنجة.
هزم الفرنجة عند غزة، فعقدوا صلحاً مع الصالح نجم الدين
أيوب سنة 1240م، وعاد الصالح إلى الاستعانة بالخوارزمية بعد أن قرر
الفرنجة الوقوف مع الصالح إسماعيل، فاندفع الخوارزمية ليستولوا على طبرية
ونابلس والقدس عام 1244م وبذلك عادت بيت المقدس للمسلمين.
وتوجه
الخوارزمية إلى غزة ولاقوا مع جيوش الصالح أيوب الفرنجة في معركة غزة
الثانية وهزموهم هزيمة ساحقة سنة 1244م. وسميت الموقعة "حطين الثانية".
عاقب
الصالح أيوب الفرنجة في فلسطين واستولى على طبرية واقتحم عسقلان ودمر
تحصيناتها عام 1247م فانحسر الفرنجة إلى حدود يافا.
انتهت الدولة
الأيوبية بسبب قيام دولة المماليك، وبسبب زحف التتار على المنطقة، حيث قام
الأيوبيون بالخضوع للتتار وحاولوا استرضاءهم، وتخاذلوا عن حربهم وكان ذلك
فصل الختام في دولة الأيوبيين.
70ـ المماليك
حكام مصر والشام في
الفترة بين 1250ـ1517م، وقد ضموا أقواما من الأتراك والشركس وجنسيات أخرى
ممكن أسروا في الحروب.
ألف الأيوبيون منهم فرقاً عسكريةً خاصة، لكن اسم
المماليك الدال على العبودية لم يدل مطلقا على الدور الحضاري الذي لعبوه في
التاريخ.
قسم عهد المماليك إلى عهدين، المماليك البحرية [الأتراك]
والمماليك البرجية [الشراكسة]، ونحن هنا لسنا بصدد استعراض تاريخ المماليك
إلا بقدر علاقتهم بفلسطين.
بعد عدة مؤامرات، تولى السلطان سيف الدين
قطز، وفي عهده وصل التتار إلى بلاد الشام، فجهز الجيوش إلى عين جالوت في
فلسطين عام 1260م، بقيادته وقيادة الظاهر بيبرس، وحقق نصراً حاسماً على
التتار حمى المنطقة من دمار شامل.
قتل قطز على يد بيبرس، فاستولى الأخير
على السلطة، ويعد بيبرس المؤسس الحقيقي لدولة المماليك، بل هو أعظم قادتها
على الإطلاق، فقد جرد عدة حملات على الصليبيين، وقضى على مملكة أنطاكية
الصليبية، وساهم ذلك بشكل فعال في القضاء على الوجود الصليبي في الشام
ومصر، وقد قام بفتح قيسارية وصفد وهونين وتبنين والرملة وقلعة الشقيف،
وهاجم صور وعكا، وإلى جانب ذلك عمر الأسطول ونظم الجيش وحسّن الموانئ وبنى
الجوامع وأقام المؤسسات الدينية وجدد الخلافة العباسية في القاهرة.
بعد
بيبرس جاء المنصور قلاوون ثم إبنه الأشرف [1290ـ1293م] الذي توج حركات
الصراع مع الفرنجة بفتح عكا وإنهاء الوجود الصليبي فيها عام 1292م، واسترد
جميع مدن الساحل.
في عهد المماليك البحرية [1250ـ1382م] اكتسبت فلسطين
موقعاً خاصاً كونها بلدا ساحليا يقع بين مصر والشام، ولوجود الصليبيين
فيها، وقد قسمت إلى ثلاث نيابات هي القدس وغزة وصفد، وقد كانت غزة عقدة
البريد المملوكي بين القاهرة ودمشق والكرك.
أسكن المنصور قلاوون جنوده
في أبراج القلعة في القاهرة فعُرفوا بالمماليك البرجية [1382ـ1517م]،
واستطاع سيف الدين برقوق القضاء على دولة المماليك الأتراك وأنشأ بذلك دولة
المماليك الشراكسة، وقد وضع سياسته على أساس مواجهة المغول والصليبيين،
فلم يغير التقسيمات الإدارية القديمة.
خلف المماليك الشراكسة في فلسطين
الكثير من المنشآت، مثل مزار سيدي بشير في جسر بنات يعقوب وخان الباشا في
صفد ووكالة الفروجية في نابلس والمدرسة الأشرفية في الحرم القدسي وكثير من
التكايا والربط والزوايا، كما انشأ الأمير يونس النوروزي خاناً أصبح فيما
بعد مدينة خان يونس الحالية، واحتفظت غزة بأهميتها السابقة، وظهرت في عهدهم
أيضاً مؤلفات الفقه والتراجم ومؤلفات ذات طابع موسوعي، ثم سقطت دولة
المماليك الشراكسة على يد العثمانيين سنة 1517م في موقعة مرج دابق، وقد كان
من أسباب سقوطها تكرر الجفاف والقحط والجراد والمجاعات والأوبئة وهجمات
تيمورلنك التتري، أضف إلى كل ذلك اعتماد الأتراك على الأسلحة النارية
المخترعة حديثاً حينها.
71ـ العثمانيون
ينحدر
العثمانيون من قبائل الغز التركمانية، أقاموا منذ 1237م إمارة حربية شمال
الأناضول تمكنوا بعدها من إزاحة السلاجقة في عهد السلطان عثمان بن أرطغرل
(1280-1300م)، و الذي حملت الأسرة اسمه، ثم خلفاؤه من بعده.
أصبح
العثمانيون القوة الرائدة في العالم الإسلامي بعد أن استطاع محمد الفاتح
(1451-1481م) فتح القسطنطينية سنة 1453م، وبدأ العثمانيون بعدها في التوجه
صوب القوي الإسلامية في الشرق منذ مطلع القرن 16م فتمكن السلطان سليم الأول
(1512-1520م) من فتح بلاد الشام وفلسطين 1516م، بعد انتصاره في معركة مرج
دابق بالشام وقتل السلطان المملوكي قنصوه الغوري وسقطت دولة المماليك مما
أدى إلى انتقال زعامة العالم الدينية والسياسية إلى الدولة العثمانية.
عام
1516م احتل العثمانيون مدينة القدس، وكان حكم العثمانيون في فلسطين الأطول
على مر العصور حيث امتد إلى 400 سنة. بداية العهد العثماني امتاز بظاهرة
البناء والتطور في مختلف أنحاء البلاد وفي القدس. ولكن بعد فترة زمنية
طويلة بدأ تدهور السلطة المركزية, وثانية تم إهمال البلاد. بالنسبة لأسوار
البلدة القديمة والتي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا, تم إصلاحها وترميمها
طيلة خمس سنوات (1536–1541م) على يد السلطان العثماني "سليمان القانوني".
في
نهايات العهد العثماني جرت الكثير من الأحداث على أرض فلسطين خصوصا بعد
سيطرة والي مصر محمد علي عليها ومنازعة العثمانيين في ولاية مستقلة تضم
فلسطين، أرسل محمد على باشا جيشًا بريًّا وآخر بحريًا إلى بلاد الشام
بقيادة إبراهيم باشا، وسيّر الخليفة العثماني له جيشًا بقيادة رشيد باشا
ولكنه هُزم أمام إبراهيم باشا. بعد انتصارات إبراهيم باشا على العثمانيين
في الشام اتفقت الدولة العثمانية ومحمد على باشا على توقيع معاهدة
"كوتاهية". وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني بدأت تظهر بعض الجمعيات
والمؤسسات التي تدعو إلى التعصب القومي ومنها جمعية تركيا الفتاة وجمعية
الاتحاد والترقي، بعضها كان يسيطر عليها اليهود بشكل أو بآخر، وعملت هذه
الجمعيات على إسقاط الخلافة الإسلامية والدعوة إلى القومية التركية. وفى
هذه الفترة أيضًا كانت الدول الأوربية تشجع الثورة والتمرد على الدولة
العثمانية فبدأت الدولة العثمانية تسير خطواتها الأخيرة في طريق الأفول،
وبعد الحرب العالمية الأولى تسارعت خطوات التدهور فانتهى التواجد العثماني
في فلسطين تماما عام 1921م.
72ـ التتار:
تعرضت
فلسطين لخطر التتار مرتين أيام المماليك، الأولى كانت عام 1259م حين اجتاح
هولاكو الشام ووقعت مدن الخليل وبيت جبرين وغزة تحت سطوة السلب والنهب
والقتل والتدمير.
وعلى أرض فلسطين كانت المعركة الفاصلة في عين جالوت
بين جيوش المماليك بقيادة قطز وجيوش التتار بقيادة "كبتغاوين" انتهت
بانتصار المماليك (1259م) وطاردوا التتار حتى بيسان. لكن المناوشات ظلت
قائمة، وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون استولى التتار بقيادة غازان التتري
على دمشق وقام جنوده بنهب القدس وغزة.
أما المرة الثانية، فكانت في عهد
الظاهر برقوق بن آنص، فقد هدد تيمورلنك الشام عام 1394م فأرسل السلطان
برقوق الجنود إلى الشام للتصدي لتيمورلنك، لكن يتمورلنك لم يقدم على ملاقاة
الجيوش، وعاد لتهديد دمشق عام 1400م بعد وفاة برقوق وتولي ابنه فرج، الذي
خرج لملاقاة تيمورلنك فهزم وتشرد الناس من صفد والقدس والرملة وغزة، وهربوا
إلى مصر.
73ـ الإشكنازيون:
أطلق لفظ
الإشكنار على أحد الشعوب التي وردت في سفر التكوين، وأصلها اسم أحد أحفاد
نوح، وقد أخذت تطلق على اليهود الألمان خصوصاً وعلى يهود أوروبا عموماً
ابتداء من القرون الوسطى.
تميز الإشكنازيون بعدم تقبل حضارة الشعوب التي
يعيشون على أرضها، وحافظوا على لغة الإيدش الخاصة بهم، وقد توصل قسم كبير
منهم إلى غنى فاحش بسبب إدارة أموال الأمراء واحتكار المحالج والمناجم.
عقب
التطور الاجتماعي الذي حدث في أوروبا الغربية، بدأت عملية طرد الإشكنار،
وذلك بسبب رغبة البرجوازية في الحلول محلهم في إدارة الأموال، لأن الأشكناز
تعسفوا حتى أصبحوا مضرباً للمثل في الجشع والاحتكار. فشهد القرن الرابع
عشر الميلادي مجازر وحرائق ضدهم، وقد أخرجوا من انجلترا نهائياً مع نهاية
القرن الثالث عشر، ومن فرنسا في نهاية القرن الرابع عشر ومن ألمانيا في
نهاية القرن الخامس عشر. وذهب معظمهم إلى أوروبا الشرقية. وفي القرن 19 كان
87%منهم يعملون في التجارة . مع نفس الجشع والاحتكار والعمل بالربا الذي
أخرجهم من أوروبا الغربية فتكررت محاربتهم عندما انتقلت أوروبا الشرقية من
الإقطاع إلى الرأسمالية.
يعتبرون المؤسس الفعلي للحركة الصهيونية، وقد
شغلوا أهم المناصب في دولة إسرائيل بعد قيامها، وشكلوا حتى نهاية الخمسينات
أغلبية سكان إسرائيل.
ظلوا حتى في إسرائيل متعالين على بقية الطوائف
ولهم حاخامهم المستقل ويرفضون الاندماج مع بقية اليهود "السفارديم".
74ـ السفرديون:
هم يهود إسبانيا وحوض المتوسط
(أي الذين ليسوا أشكناز)، وتحمل الكلمة (سفرد) دلالة دينية إلى جانب
الدلالة الاجتماعية، لأن طقوسهم الدينية هي استمرار للطقوس اليهودية التي
نشأت في بابل، كما أن عبريتهم مختلفة عن عبرية الاشكناز، ولكن بالنسبة
للحديث اليومي فإنهم يتحدثون اللغة التي تتبع البلاد التي جاؤوا منها.
يشكل
السفرديون 10% من يهود العالم، ولم تبذل الحركة الصهيونية جهداً لتهجيرهم
في البدايات لأن اليهودي بتعريفها هو (الاشكنازي). بل ذهب بعض الباحثين
اليهود إلى القول بأن السفرديم "ليسوا يهوداً"، ومع ذلك فقد استمرت هجرتهم
إلى أن أصبحوا 50% من سكان إسرائيل، لكن السفرديم مازالوا يعانون من
التفرقة، فهم لا يحتلون مراكز عليا، فالتفرقة متغلغلة على المستوى الثقافي
كذلك (5% من مجموع الخريجين، ولا يزيد معدل التزواج مع الاشكناز عن 17%.)
75ـ البابية:
ليس لهذا المذهب علاقة قوية
بفلسطين، غير أن قبر مؤسسة نقل خلسة إلى حيفا وله فيها ضريح أصبح مزاراً
لأتباعه.
البابية مذهب ديني ظهر في 1843م في إيران على يد الميرزا علي
محمد رضا الشيرازي الذي أدعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر المستور فعرف
مذهبه بالبابية.
كتب كتاباً ضم تعاليمه اسماه البيان، وأصدر العلماء
فتوى بارتداده عن الإسلام وبقتله، وقد سجن ثم أعدم عام 1850م.
76ـ البهائية:
حركة دينية تنسب إلى البهاء حسين
بن علي المازندراني (1817-1892م)، الذي كان هو وأخوه الأكبر من أتباع
البابية، وبعد إعدام الباب سنة 1850م، نفاهما العثمانيون، الكبير إلى قبرص،
والبهاء إلى مكان قرب عكا يدعي البهجة، وقد دفن البهاء في عكا وخلفه ابنه
عباس أفندي الملقب عبد البهاء (1844-1921م).
تركزت دعوة البهاء على
إنشاء دين جديد فكتب كتاباً سماه الأقدس وهو نسخ لكتاب البيان للباب، ثم
كتب الإيقان والإشراقات، وجعل كتابه الأقدس في عداد الكتب السماوية، وادعى
أنه المسيح المنتظر وأنه يرى الله، وأخيراً ادعى الإلوهية.
كانت هناك
علاقة وطيدة بينه وبين اليهود الذين دفعوه ليعلن نفسه رباً للجنود، وقد
أكمل ابنه دعوة اليهود للاجتماع في الأراضي المقدسة، وفي المؤتمر 37 لضباط
المقاطعة التابع لجامعة الدول العربية تقرر مقاطعة البهائيين واعتبارهم
مرتبطين بالصهيونية، لكن البهائيين العرب يدفعون هذه التهمة عن أنفسهم.
77ـ الصهيونية:
حركة تهدف إلى تجميع اليهود في
أرض فلسطين، أخذها المفكر اليهودي ناثان برنباوم من كلمة صهيون، وتستند
إلى اعتقاد يهودي بعودة المسيح ليحكم العالم من جبل صهيون في فلسطين وقد
قام الصهاينة بتحويل هذا المعتقد إلى برنامج سياسي، يعتمد في الأساس على
مقولة أنه لا يمكن حل مشاكل الشعب اليهودي المشتت إلا بالعودة إلى فلسطين.
ويعيد
الصهاينة جذور الحركة الصهيونية إلى الدين اليهودي ذاته مع العلم أن
التوراة تحرم العودة إلى أرض الميعاد إلا عن طريق مبعوث إلهي هو المسيح.
ولذلك فإن هناك جماعات يهودية عارضت الصهيونية أبرزها جماعة "ناطوري
كارتا".
ولنعد إلى البداية في تشكيل هذه الحركة، فقد شهد شرق أوروبا
تحولاً من الإقطاع إلى الرأسمالية صاحبة انفجار سكاني نتج عنه وجود أعداد
كبيرة من اليهود لم تتمكن المجتمعات الرأسمالية من استيعابها فنشأت بذلك
"المسألة اليهودية". ومن ضمن الحلول العديدة التي طرحت للمسألة اليهودية
برز الحل الصهيوني الذي قال بعودة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها.
بدأ
هرتزل بتنظيم المسألة ابتداء من نهايات القرن 19م، ودعا إلى عقد المؤتمر
الأول في بال بسويسرا 1897م، وقد قرر من البداية الاعتماد على دولة
امبريالية كبيرة ولذا فقد توجه إلى العثمانيين والفرنسيين والألمان
والانجليز كدول لها نفوذ ومصالح في المنطقة وقد توجت جهوده بالحصول على وعد
بلفور عام 1917م.
وتقسم المدارس الصهيونية إلى فرقتين أساسيتين:
صهيونية استيطانية وصهيونية تدعيمية الأولى تهدف إلى تجميع اليهود وتوطينهم
في فلسطين والثانية تهدف إلى تجنيد اليهود أينما كانوا لخدمة الأولى. ومن
مؤسسات الصهيونية الاستيطانية مثلاً: الهستدروت والكيبوتس والهاغاناة أما
الصهيونية التدعيمية فاشتهر من مؤسساتها الوكالة اليهودية "المنظمة
الصهيونية العالمية".
وتنكر الصهيونية على يهود الشتات حقهم في الانتماء
إلى الشعوب التي يعيشون فيها، ولذا فإن بعض اليهود الأرثوذوكس يعتبرونها
نوع من الكفر.
78ـ الشركس:
شركس أو جركس
تعني في الأصل أفراد قبيلة كركت الأديفية القديمة، لكنها عممت لتشمل معظم
سكان القفقاس الشمالي.
وعهد الشركس في الشرق العربي يرجع إلى عهد
الدولة الأيوبية والتركية والشركسية في بلاد الشام ومصر أيضاً إذ حكموا
لمدة 135 سنة ثم انصهروا بين السكان العرب.
بعد الهزائم التي مني بها
العثمانيون، قاموا بنقل الشركس من أوروبا إلى بلاد المشرق العربي، وهكذا
وصل الشركس إلى فلسطين وسورية والأردن (1878م) ومعظم الشركس في فلسطين
جاؤوا عن طريق ميناء حيفا، وقد فتكت بهم الأمراض وهم في البحر، وعندما
وصلوا أقاموا في مناطق وزعتها عليهم الحكومة العثمانية، وكانت أحوالهم
قاسية، إذ قطنوا منطقة المستنقعات في بيسان وبالقرب من جبولة وقيسارية
وقرية لوبيا وخربة كفر كما وعلما، وأنشأوا بعد ذلك قرية الريحانية وقرية
كفر كما، واستوطنت مجموعة أخرى خربة شركس وخربة أسطاس في الخليل وقرية
صميل، وكان ذلك في عهد السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد، وكان عددهم عند
قدومهم عام 1878 حوالي 900 نسمة.
تحسنت أحوال الشركس بعد أن غادروا
الأراضي السيئة التي قطنوها في البداية، حتى أن قرية الريحانية أصبحت من
أهم قرى طبريا، وكانت مدرسة كفر كما من أقدم مدارس المنطقة (1897)، وبلغ
عدد الشركس 950 نسمة عام 1945 وانخفض إلى 806 عام 1949، وقد غادرت عشرون
أسرة شركسية فلسطين واستقرت في قرية مرج السلطان قرب دمشق بصفة لاجئين.
حاول
الإسرائيليون إبعاد الشركس عن العرب وتمييزهم، فقاموا بإقرار تدريس اللغة
الشركسية في مدارسهم ولكن الشراكسة رفضوا إلغاء اللغة العربية، لكن إسرائيل
فرضت عليهم التعليم بالشركسية والعبرية، وأحضرت لهم عام 1973 أستاذاً
أمريكياً ليعلمهم الكتابة بلغتهم هو (كاتفورد) المتخصص في القفقاسيات.
عام
1969 بلغ عدد الشركس في فلسطين 1745 نسمة، وتجب الإشارة إلى يهود جبال
القفقاس الذين يرجعون إلى عهد نبوخذ نصر واستوطنوا بحر الخزر، وقد هاجرت
أفواج منهم إلى فلسطين مطلع القرن العشرين، استوطنوا بير يعقوب وأقام بعضهم
في القدس وفي الحي القفقاسي في تل أبيب. ورغم أن هذه الطائفة ترتدي زي
الشركس وتتكلم لغتهم إلا أنهم يختلفون عن الشركس الأصليين.
79ـ الحالوتسيم:
كلمة عبرية تعني رواد أو طلائع، وقد
أطلق هذا الإسم على تيار الهجرة الثانية بين 1904-1914م. وكان كثير من
هؤلاء المهاجرين أعضاء في جمعيات ثورية روسية وترجع أصول هذا التيار إلى
أحداث 1905 في روسيا والاضطرابات ضد اليهود، ويفترض في الحالوتس أن يكون
مضحياً بذاته وعلى استعداد لحياة النسك من أجل الجماعة. وأن يكون مهتماً
بالعمل الزراعي وبإحياء اللغة والثقافة العبريتين.
وقد رفض الحالوتسيم
فكرة الشتات وآمنوا بفكرة عودة يهود العالم إلى فلسطين، وقد أوجزوا أهدافهم
في ثلاث نقاط: أرض عبرية وعمل عبري ولغة عبرية. وبرزت في تلك الفترة
الدعوة إلى احتلال الأرض وممارسة العمل العبري، وساهم الحالوتسيم في فكرة
الحراسة الذاتية للمستعمرات الصهيونية في فلسطين، وهذا سبب ارتباط الريادة
بالكيبوتسات الزراعية.
يعتبر أهارون غوردون الأب الروحي المؤسس
للحالوتسيم الذي استمد دعوته من التوراه وهي تنص على تقديس العمل كجزء من
الدين.
المراجع:
1ـ الموسوعة الفلسطينية
ـ الأجزاء من 1 إلى 4
2ـ إبن جرير الطبري ـ تاريخ الأمم والملوك
3ـ
الحافظ ابن كثير ـ البداية والنهاية
4ـ مصطفى مراد الدباغ ـ بلادنا
فلسطين