^يوميات طبيب ^حصريا [1]

بسم الله الرحمن الرحيم

لا شك أن بداخل حياة كل واحد فينا اسرار وحكايات غريبة ومفارقات عجيبة لا تخلو

من حكمة وعظة ، ومدرسة الحياة مليئة بالدروس والمواعظ البالغة لمن يعتبر .

ولا شك أيضا أن حياة الاطباء على وجه الخصوص مليئة بتلك العبر ، لأنهم يتعاملون

مع الاحياء ومع من هم على مشارف الموت ،ويعيشون اليأس والامل مئات المرات .

لذا فقد استأذنت صديقنا الدكتور محمد فى نشر بعض مذكراته مع الحفاظ التام على

اسرار المرضى والاموات ،وانما نلتمس العبرة من واقع الحياة العلمية والعملية

لصديقنا دونما المساس او التعرض للاسرار .

صديقنا الدكتور محمد خريج كلية طب القصر العينى جامعة القاهرة ،وحاصل على

دبلوم طب الاطفال كلية طب عين شمس ،وسوف ننشر له بعض مذكراته ، وقصص

من واقع الحياة ،وسوف نبدأ ان شاء الله اولى صفحات مذكراته قريبا وهى بعنوان

"اليوم الاول فى دروس التشريح داخل المشرحة "

هرول على اثرها

كل الزملاء الى باب الغرفة فهالهم ما شاهدوه بداخلها ..

كان عم زكريا منحنيا على صندوق كبير وعميق وكانت يداه مغمورتان داخل الصندوق

كمن يحاول ان يجذب شيئا وفجأة وقف عم زكريا معتدلا وممسكا بساق بشرية مقطوعة

من اعلى مفصل الفخذ وجلد الفخذ مسلوخ تماما وبعض عضلات الفخذ مقطوعة من

منشأها وكان الفورمالين يتقاطر منها كما يتقاطر الماء من الثوب المبتل ، وكان عم

زكريا يرفعها من غير ان تهتز له شعرة وكأنه ممسك بباقة ورد او غصن زيتون ،ولما

رأى عم زكريا خوف الطلاب ضحك قائلا :بكرة تتعودوا على كده وقلبكم يجمد ،وان

كان شيئ قد تجمد فينا فهو الدم الذى توقف فى عروقنا ،وكان بالحجرة العديد من

الصناديق المليئة بالاجزاء البشرية المحفوظة فى الفورمالين ،وايضا كان هناك منضدتان

من الرخام على احداها جثة فتاة ذات شعر اشقر وعلى الاخرى جثة شاب اسمر اللون

مفتول العضلات ،وكانت الفتاة فى العقد الثالث من عمرها ذات بشرة بيضاء صافية

وعلى وجهها مسحة من الجمال لم يزحف عليها الموت بعد فيغيرها ،وكانها ماتت من

ساعات قليلة ،وكانت بيدها دبلة فضية رخيصة الثمن فخمن صديقنا محمد انها من اسرة

فقيرة الحال ،وعلمنا بعد ذلك ان التشريح يدرس على الجثتين لنعرف الفوارق بين

الجنسين داخليا وخارجيا ،وكذلك يستمر التشريح على نفس الجثتين حتى نهاية العام

وراح صديقنا محمد فى تفكير عميق ،ترى هل هذا هو الجمال الذى تختال به الاناث

وقد يقعن فى معصية الله ؟ وما ضر تلك الفتاة لو عاشت عمرها فى اشد الشقاء ثم

لقيت ربها راضية مرضية ؟ وما بال هذا الفتى المفتول العضلات ؟هل مات وربه

راض عنه أم ...؟ لقد صدق الحسن البصرى : ( لقد فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي

لب بها فرحاً ) .او كما قال مطرّف : إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم

فاطلبوا نعيماً لا موت فيه ) .يا صاحبى ان مانحن فيه هى منح وهبات من الحق

سبحانه ،سرعان ما تسلب وتسترد منا ،ثم نسأل عما فعلنا بها ،وراحت ابيات شعر

تنسب لمالك بن دينار تتوارد على ذهن صديقنا محمد

أتيت القبور فناديتُها
أين المعظّم والمُحتقر ؟؟


وأين المُذلّ بسلطانه؟؟
وأين المزكى إذا ما افتخر؟؟


تفانوا جميعاً فما مخبرٌ
وماتوا جميعاً ومات الخبر


تروحُ وتغدوا بنات الثري !!
فتمحوا محاسن تلك الصور


أيا سائليّ عن اُناس مضوا
أما لك فيما مضى مُعتبر !!

رحمك الله يا بن دينار ..

ولم يستفق صديقنا الا على صوت زميله طارق :يلا بينا يا محمد ،كل الزملا مشوا

ونكمل المرة القادمة ان شاء الله