أبوعبدو عضو نشيط
العمر : 32 الدولة : لبنان عدد المساهمات : 75 نقاط : 175 تاريخ التسجيل : 03/09/2010 العمل/الترفيه : معلم المزاج : رايق
| موضوع: سورة التكاثر الخميس نوفمبر 18, 2010 10:29 am | |
| بعد أن جاءت سورة العصر مبيِّنة قيمة العمر وعظيم شأن هذه المدة التي يقضيها الإنسان في هذه الحياة، جاءت سورة التكاثر تُحذِّر الإنسان من تضييع عمره في جمع حطام الدنيا، وتبيِّن له أن هنالك مسؤوليةً كبرى سيكون مُعرَّضاً لها، ولذلك قال تعالى: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ }: وألهاكم: بمعنى شغلكم، والتكاثر: هو الاستزادة والتسابق إلى تكثير الشيء. ويكون المراد من آية: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ }: أي: شغلكم التكاثر في الأموال والأولاد، وألهاكم ما في الدنيا من المناصب والسلطان واللذائذ المادية عن التمتُّع بذلك الكنز الثمين، وهو معرفة الله. وبالحقيقة: الدنيا وما فيها من أموال وأولاد، وجميع ما يسعى الناس إليه من عزٍّ وسلطان، كل ذلك لهو باطل وظل زائل، والعبرة كل العبرة من هذه الحياة والمقصود منها أن يتعرَّف الإنسان منها على ربِّه، وأن تحصل له الصلة بالله، فإن وصل إلى ذلك فقد أصبح إنساناً وفاز بالسعادة في الدنيا والآخرة، وهنالك يحيا حياة طيبة. وفي الحديث القدسي الشريف: « ابن آدم: اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فِتُّك فاتك كل شيء، وأنا أحَبُّ إليك من كلِّ شيء »(1). ولكن ضيَّع الناس ذلك الكنز الثمين، واشتروا بتلك السعادة الحقيقية الخالدة متاعاً زائلاً، ولهواً باطلاً، وثمناً قليلاً، غير شاعرين بالخسران الذي يلحق بهم وينالهم، فهم لا يزالون كذلك حتى يوافيهم أجلهم، وهنالك يستفيقون من نومهم، ويصحون من غفلتهم، والناس نيام إذا ماتوا انتبهوا. ولذلك قال تعالى: { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ }: فعند الموت وحين تنكشف الحقائق يرى كلُّ امرئٍ نتائج سعيه ولهوه وعظيم خسرانه، وقد جاء التعبير عن الموت بقوله: { زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } لتبيِّن للإنسان أن هذه المدة التي يقضيها في القبر مهما طالت منذ موته إلى يوم بعثه إنما هي زيارة مؤقتة، وستكون بعد الموت عودة إلى الحياة، تلك الحياة الأبدية التي يمتد فيها شقاء الكافرين، فلا ينتهي ولا ينقضي، ويستمر فيها نعيم المحسنين أبداً، ذلك كله تُوحيه لنا كلمة ( زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ). وفي كلمة ( زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) عظة بليغة تجعل حدّاً بين الإنسان وبين مطامعه الدنيوية. وقد أراد الله تعالى أن يُنبِّه الإنسان إلى تلك المعرفة التي ستحصل له عند موته، وردعه عن الاستمرار في لهوه وضلاله فقال تعالى: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ }: وكلاَّ: كلمة زجرٍ وردع. تردعُ المخاطب عن الاستمرار في غيِّه، وتزجره عن التمادي في ضلاله، وسوف تعلمون: أي: ستعلمون عند الموت ما أنتم الآن فيه من الضلال، وما تجرُّونه لأنفسكم من الخسران في لحاقكم بالدنيا وتضييعكم لمعرفة الله، ستعلمون أن هذه الحياة التي أنتم الآن فيها ليست بالحياة الهنيئة وأن جميع ما تبذلونه في سبيلها لا يصل بكم إلى السعادة الحقيقية، وستعلمون خسارتكم في تضييعكم معرفة ربكم، تلك المعرفة التي تسمو بالنفس فتجعلها نفساً إنسانية وتجعلها تحيا حياة سعيدة. { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ }: وقد كرَّر تعالى كلمة ( كلاَّ ) زيادة في الرَّدع والزَّجر، وجاءت كلمة ( ثم ) وبعدها ( سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) لتبيِّن لنا أن هنالك معرفة ثانية تلي المعرفة الأولى التي تكون عند الموت، وهذه المعرفة الثانية ستكون غداً عند البعث والحشر، وقت الصيحة بالحق والخروج من القبر، وحينئذٍ يعلم المفرِّطون في جنب الله العظيم خسارتهم، ويرون أن ما جمعوه من الدنيا وتكاثروا به إنما هو حسرة عليهم. وقد أراد تعالى أن يُتمم الردع والزجر، وأن يبيِّن للإنسان الطريق الذي يخرج به من هذا الضلال، ويصل به إلى الهدى والرشد، فقال تعالى: { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ }: واليقين: هو ثبوت الأمر واستقراره في النفس: والعلم: هو الرؤية والمشاهدة، وهذه الرؤية على نوعين: 1ـ رؤية ترى بها النفس صورَ الأشياء. 2ـ رؤية ترى بها حقائق الأشياء، أي: ما فيها من الشرِّ والخير. فأما رؤية الأشياء، فهذا يكون بواسطة العين. إذ أن النفس في هذه الحال ترىالخيال المرتسم في العين، والعلمُ المبنيُّ على هذه الرؤية المذكورة ليس بعلم اليقين. وأما رؤية الحقيقة، فإنما هي إدراك النفس بذاتها ما في الأشياء من الشرِّ والخير سواءً كان هذا الإدراك مبنياً على سماعٍ أو رؤيةٍ بالعين. وهذا العلم المبني على هذا النوع من الرؤية هو: علم اليقين، ولكن كيف تستطيع النفس أن تدرك ما في الأشياء من الشرِّ أو الخير؟. أقول: هذا الإدراك لا يكون إلاَّ إذا أقبلت النفس على ربِّها. وهذا الإقبال لا يكون إلا بالصلاة، تلك الصلاة التي تجتمع فيها النفس بكلِّيتها مقبلة على ربِّها، وبهذا الجمع والإقبال تستنير بنور الله، ذلك النور الذي يكشف لها الحقائق المستكنَّة وراء الصور والظواهر. فالمدارُ إذاً كله على الصلاة، وعلم اليقين لا يكون إلا بالصلاة، وما الخلاص من الشرور إلا بالصلاة، قال تعالى: (... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ...) سورة العنكبوت (45). ولكن كيف تجتمع النفس في الصلاة بكلِّيتها؟.وما هي الشروط التي إذا تحققت استطاعت النفس أن تُقبل على ربِّها؟.أقول هنالك شرطان أساسيان: 1ـ فأما الأول: فهو الاستقامة على أمر الله، ومن دونه لا تكون الصلاة، لأن النفس المجرمة إذا وقفت في الصلاة وقفت خجلى من ربِّها فلا تستطيع أن تقبل عليه تعالى. 2ـ وأما الشرط الثاني: فهو أن تستقبل النفسُ الكعبةَ، ذلك البيت الذي طهَّره الله بتجلِّيه المتواصل عليه من دخول الشيطان فيه. فإذا وقفت النفس للصلاة في ذلك البيت المحرَّم، انقطعت عنها الوساوس، وأصبحت مستعدَّة للإقبال. ومن جهة ثانية: النفس وهي قبسٌ من نورٍ، إذا وقفت في تلك البقعة المباركة فهنالك يجتمع نورها بكلِّيته ولا يعود مشتتاً هنا وهناك، ويكون مثلها كمثل شمعة حُصرت في غرفة صغيرة مظلمة، فعندها يضيء نورها ما حولها، بخلاف ما إذا كانت موقدةً في فلاةٍ واسعة. فهذه النفس المحفوظة من الوسوسة والمجتمعُ نورها إذا هي أقبلت على ربها فعندها يستطيع نورها أن يكشف لها من صفات ربِّها، فتشهد طرفاً من الكمال الإلهي الذي لا يتناهى، وهنالك تستعظم خالقها وتحبُّهُ، وتجد أن الحمد والثناء على ربِّها في صلاتها وأن ذلك التسبيح والتمجيد الذي تتلوه بلسانها في قراءتها إنما هو حقائق ظاهرة لها، فهي تشعر بها وتتذوقها بذاتها. ثم إنها بهذا الشعور والذوق تنطبع فيها انطباعات من الكمال الإلهي الذي شهدته، فإذا هي تَلَتْ أوامر ربِّها شهدت ما فيها من الخير، وإذا هي تَلَتْ نواهيه رَأَتْ ما في مخالفتها من الشرِّ، ويكون هذا العلم الذي تكسبه النفس في مثل هذا الحال علماً بحقائق الأشياء، أي: بما فيها من الشرِّ أو الخير، فذلك هو العلم الحقيقي الذي سمَّاه تعالى بعلم اليقين. ونريد الآن أن نضرب مثلاً نميِّز به العلم الظاهر عن العلم بحقيقة الشيء، فنقول: السمكة بعينها الظاهرة لا ترى إلا قطعة اللحم التي رماها لها الصياد في صنارة الشصِّ، ولو كان لها بصيرة ونور نافذ قوي لرأت الشوكة التي انطوت عليها قطعة اللحم، ولشاهدت الموت المستكن وراء الطعم، وهنالك تعاف قطعة اللحم فلا ترغب فيها ولا تميل إليها. ولو أن الكلب كان ذا بصرٍ نافذ لرأى السمَّ الذي يدسُّ له أحياناً في قطعة اللحم، ولشاهد ما يتبع تناوله لها من الآلام التي تنتهي به حتماً إلى الموت. وكذلك الإنسان إذا أصبح ذا بصيرة، وإن شئت فقل ذا نفسٍ مستنيرة بنور الله، فعندها يرى حقائق الأشياء ولا تعود تغرُّه الشهوات الدنيا، أي: الدنيئة، أي: أنه يرى ما فيها من المضارِّ، وما تنطوي عليه من النار، تلك النار التي ستضطرم في نفسِ من يتناولها، وذلك ما سمَّاه الله تعالى بالجحيم، فقال تعالى: { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ }: أي أنكم لو أقبلتم واستنرتم وعلمتم علمَ اليقين لرأيتم ما في الشهوات الدنيا من الجحيم. ثم بيَّن تعالى أن كل إنسان لا بدَّ وأن يشهد حقيقة الدنيا ويراها رؤية حقيقية، فيرى الشرَّ المستكن في شهواتها بعد الموت، كما رآه في الدنيا من حصل له علم اليقين. قال تعالى: { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ }: أي: سترون حقائق الشهوات والشرَّ الذي انطوت عليه بعين اليقين، أي: بعين النفس لا بعين الرأس، ببصائركم لا ببصركم، وسترون الحقائق ظاهرة لكم، تشهدون حقائق ما كسبتم. { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }: فهذا النعيم الذي ينعُمُ به المعرضون عن الله في الدنيا، وتلك اللذائذ المحرَّمة ستنقلب عليهم حسرات، وسيجدون من ورائها مسؤولية كبرى تتبعها أنَّات وزفرات، ورُبَّ لذّة آنية أعقبتها آلام أبدية، ومن عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها، وإذاً فالمدار كلُّه على الصلاة، تلك الصلاة التي تكلَّمنا عنها، حيث تشهد النفس فيها الحقائق فترى ما في المعاصي من الشرور والأذى، وما في الطاعة من الخيرات. (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) سورة العنكبوت (6). والحمد لله رب العالمين. هذا الشرح من كتاب تأويل جزء عم لفضيلة العلامة الكبير محمد أمين شيخو
[/size]
| |
|
ابو احمد العراقي عضو ذهبى
العمر : عابر سبيل الدولة : العراق التوقيع : لا اله الا الله محمد رسول الله عدد المساهمات : 1535 نقاط : 2252 تاريخ التسجيل : 02/03/2010 العمل/الترفيه : مدير فني المزاج : الحمد لله
| |
نبيلة محمود خليل مديرة موقع الرحمة والمغفرة
الدولة : مصر عدد المساهمات : 17831 نقاط : 28644 تاريخ التسجيل : 31/08/2009 العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة المزاج : الحمد الله تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها
| موضوع: رد: سورة التكاثر الخميس ديسمبر 01, 2011 1:04 pm | |
| منتهى الابداع والتميز من ابو عبده
فى انتقاء وطرح الموضوعات الرائعة والهادفة
بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء
_________________ اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
| |
|