المقصود بعيد الميلاد المجيد اليوم الذى يحتفل فيه النصارى بذكرى مولد السيد المسيح (عيسي بن مريم )عليه السلام وقد وردت قصة عيد الميلاد فى (إنجيل لوقا) و(إنجيل متى) ولكن ولكن أول ذكر لاحتفالات عيد ميلاد السيد المسيح ورد سنة (336)م فى تقويم رومانى قديم جاءت الإشارة فيه إلى يوم – 25 ديسمبر على أنه يوم الإحتفال , وظل هكذا خلال العصور الوسطى .
وبحلول القرن السابع عشر الميلادى تبنى كثير من الدول الغربية تقويما معدلا يسمى التقويم الجريجورى حتى الآن , وفيه صار الأول من يناير عيدا لرأس السنة الميلادية , ويحتفلون به بصورة تتسم بكثير من البهجة والسرور والتزاور وتبادل الهدايا فضلا عن الممارسات الدينية التى تبدأ عند معظم النصارى فى أقرب يوم أحد ليوم ـــ 30 نوفمبر ــ ,وهو يوم عيد القديس أندراوس , أحد حوارى السيد المسيح الاثنى عشر .
وأقرب يوم أحد هو أول أيام المجىء , أى قدوم السيد المسيح فى يوم الميلاد , كما يعتقدون ويصل موسم عيد الميلاد ذروته بقداس منتصف الليل أو الصلوات الدينية الأخرى عشية عيد الميلاد , وينتهى موسم العيد فى يوم ـــ 6 يناير ــ .
أما عيد شم النسيم فهو عيد فرعونى يرجع إلى سنة ـــ 2700 ـــ ق . م , وكان يرمز إلى بعث الحياة , حيث كان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان , أو بدء خلق العالم , وفيه يتساوى الليل والنهار .
وتحول احتفال المصريين به إلى مهرجان شعبى , يخرجون فيه إلى الحدائق والحقول يحملون أنواعا معينة من الأطعمة كما هو مشهور .
وكان اليهود قد أخذوا عن الفراعنة الاحتفال بيوم شم النسيم , لأنه وافق يوم هروب بنى إسرائيل من الاستعباد على يد فرعون فى مصر فى حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد , وأسموه عيد ( الفصح ) وجعلوه رأسا للسنة العبرية .
كما أخذ النصارى عن الفراعنة الاحتفال بيوم شم النسيم , فعندما دخلت المسيحية مصر جاء عيد القيامة موافقا لاحتفال المصريين بعيدهم , فكان احتفال النصارى بعيد القيامة الذى يَدَّعون فيه قيام السيد المسيح بعد صلبه ويسمى أيضا ( عيد الفصح ) يوم الأحد ويليه مباشرة شم النسيم يوم الاثنين من شهر برمودة من كل عام , كما ورد ذلك فى الموسوعة العربية العالمية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونظرا لحميمية الترابط الوطنى بين المصريين والتى تغيظ أعداءها , فإن أكثر المسلمين منهم يحتفلون بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم
احتفالا اجتمـــــــــــــــــاعيـــــــــــــــــــــــــــا
ويعبرون فيه عن سماحتهم وحسن تعاملهم مع المسيحيين من الأقباط , وبرز ذلك جليا فى مطلع القرن العشرين الميلادى محاولات الفتن الطائفة التى أثارها الاستعمار , ولا يزال الأعداء يثيرونها .
وقــد أفــرز هـــذا الاحتفـــال خلافــــا فقهيــــا معاصـــرا حول مشروعيته فى الجانب الاجتماعى بعد اتفاقهم على تحريمه فى الجانب الدينى .
فمن الجانب الدينى
لا يجوز للمسلم أن يعتقد بأن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم قد صار احتفالا دينيا إسلاميا , كما لا يجوز للمسلم أن يمارس الطقوس والصلوات الدينية غير الإسلامية المعروفة فى مثل هذه المناسبات عند أصحاب الأديان التى تعدها أعيادا دينية .
أما من الجانب الاجتماعى
فالاحتفال بهما على أنهما من المناسبات الاجتماعية التى تؤلف القلوب وتقوى علائق الجوار
فقد اختلف فى حكمه الفقهاء المعاصرون
الاتجاه الأول / يرى تحريم احتفال المسلمين بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم , وهو اتجاه مشهور ينصره بعض المنتسبين للفقه السلفى .
حجتهم /
1- أن عيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم من الأعياد الدينية عند النصارى واليهود , وقد نهينا شرعا عن اتباعهم فى دينهم ,
قال الله تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) المائدة (48)
وأخرج الطبرانى والترمذى بإسناد ضعيف من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال :
( ليس منا من تشبه بغيرنا , لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ,فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع , وتسليم النصارى الإشارة بالأكف )
2- أن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم يهدم الهوية الإسلامية المتميزة عن غيرها ، لأن الإسلام لا يعرف إلا عيدى الفطر والأضحى , لما أخرجه النَّسائى وأبو داود وأحمد من حديث أنس
أن سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال لأهل المدينة ( كان لكم يومان تلعبون فيهما , وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى )
فكان الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم من التخليط المردود ,
فيما أخرجه الشيخان عن أمنا أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها
أن سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد ) وفى رواية ( ما ليس منه ) .
3-أن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم / يخالطه ارتكاب المنكرات غالبا , مثل شرب الخمر , والتلامس الماجن بين الرجال والنساء, فكان البعد عنه واجبا , لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
4- أنه لم يثبت عن حضرة سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه احتفل بعيد الميلاد المجيد أو عيد شم النسيم
فكان الأصــــــــــــــــــــــل فيـــــــــــــــــــــــــه المنـــــــــــــــــــع
الاتجــــــــــــــاه الثانــــــــــــــــــــى
يرى جواز الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم احتفالا
اجتمــــــــــــــــــــــــــــــاعيـــــــــــــــــــــــــــــــا
إذا لم يخالطه محظور من شرب خمر وأعمال فسق وهو الاتجاه الغالب فى الفقه المعاصر , وما عليه العمل عند عامة المسلمين فى مصر .
حجتهم /
1- عموم قول الله سبحانه وتعالى
( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )(الممتحنة 8 )
2- أن جمهور الفقهاء فى المذاهب المذاهب الأربعة والظاهرية يرون مشروعية إجابة غير المسلم فى دعوته لولائم المعتادة التى لا يخالطها محظور , استدلالا بعموم قول الله سبحانه وتعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ) ( المائدة 5 ) وما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر أن الحبيب النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها ) . وذهب بعض الحنفية والمالكية والحنابلة إلى كراهية إجابة دعوة غير المسلم , خشية اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة . وإذا كان الجمهور على مشروعية إجابة غير المسلمفهذا دليل على مشروعية مشاركتهم فى أعيادهم اجتمـــــــاعيـــــــــــا وليس دينيا .
3- أن المسلمين هم الأولى بالاحتفال بعيد الميلاد المجيد بطريقة شرعية , لما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وجد يهود يصومون يوم عاشوراء , فسئلوا عن ذلك ؟ فقالوا : هذا اليوم أظهر الله فيه موسى وبنى إسرائيل على فرعون , فنحن نصومه تعظيما له , فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( نحن أولى بموسى منكم ) . فأمر صلى الله عليه وآله وسلم بصيامه .
4- أن الاحتفال بعيد شم النسيم يرجع أساسا إلى الاحتفال باستقبال فصل الربيع الذى تتفتح فيه الزهور , ويعتدل فيه الطقس , فهو احتفال بالطبيعة وليس احتفالا دينيا .
5- أن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم يكون من المسلم فى الجانب الاجتماعى وبمظاهره الحياتية من التهادى وتبادل تحايا المجاملة وفق أصول الشرع الآمرة بالتعاون على البر والتقوى ومراعاة حقوق الأخوة الإنسانية , وليس فى هذا تخليط فى الدين , لأن المسلم لا يمارس شعائر صلاة اليهود أو النصارى .
6- أن عدم احتفال حضرة سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم اجتماعيا بعيد الميلاد المجيد أو عيد شم النسيم قد يرجع إلى عدم احتفال النصارى واليهود فى زمنه صلى الله عليه وآله وسلم بهما , وقد يرجع إلى أن الدعوة الإسلامية فى أول أمرها كانت فى حاجة إلى أن تتميز عن غيرها حتى تظهر وتستقر وإلا فقد ثبت فى البخارى من حديث أنس رضى الله تعالى عنه وأرضاه أن غلاما ليهود كان يخدم حضرة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فمرض فأتاه الرؤف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم يعوده , فقعد عند رأسه , فقال له ( أسلم ) فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده , فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم . فأسلم , فخرج حضرة سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول ( الحمد لله الذى أنقذه من النار ) . وفى هذا إشارة إلى أن حسن الجوار والمعايشة سبب لهداية غير المسلمين إلى الإسلام .
7- أن ممارسة المسلمين فى مصر ــ بصفة عامة ــ الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم على الوجه الاجتماعى ـ فيه دلالة على مشروعيته , لما أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك أن حضرة سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن أمتى لا تجتمع على ضلالة , فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم ). وأخرجه الترمذى والطبرانى بسند رجاله ثقات عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما بلفظ ( إن الله لا يجمع أمتى ـ أو قال أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ على ضلالة , ويد الله مع الجماعة , ومن شذ شذ إلى النار ) .
الاتجاه المختار/
مما سبق يتضح أن الفقهاء المعاصرين اختلفوا فى حكم احتفال المسلمين بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم فى الجانب الاجتماعى وليس فى الجانب الدينى بسبب شبهة اختلاط الجانبين الاجتماعى والدينى , ولعدم ثبوت مشاركة سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم غير المسلمين فى أعيادهم .
ونرى أن الاتجاه الثانى الذى يرى مشروعية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم احتفالا اجتماعيا إذا لم يخالطه محظور هو الأولى بالاختيار , لقوة أدلتهم , ولأن فى مثل هذه الاحتفالات متنفسا للناس يعينهم على الطاعة والإعمار ،
فقد أخرج مسلم عن حنظلة الأسيدى , وكان من كتاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه دخل على ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : نافق حنظلة يارسول الله فقال : الحبيب المحبوب صلى الله عليه وآله وسلم ( وما ذاك ) ؟ قال : نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين , فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا , فقال الحبيب المحبوب شافى العلل ومفرج الكروب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
( والذى نفسى بيده لو تدومون على ما تكونون عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفى طرقكم , ولكن ياحنظلة ساعة وساعة ) ثلاث مرات
صدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين
_________________
<br>