ألا إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه و عظيم سلطانه ، و صلى الله على سيدنا محمد النبي الامي الامين و على اله و صحبه و سلم تسليما كثيرا .

* قال رسول الله صلى الله عليه وآله و صحبه وسلم : * إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها * .

* و قال صلى الله عليه و سلم : * ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ، ألا فتعرضوا لها، فلعلها أن تصيب أحدكم فلا يشقى بعدها أبدا *

و قال تعالى * و نحن اقرب اليه من حبل الوريد *

فمع قرب الله من العبد بالعناية و الاحاطة ، الا أن العبد تحجبه عن ربه الحجب ، فاحتاج الى شهود ربّه ، و توحيد خالص يجعله مع الله في احواله و افعاله و اقواله ... هناك تثمر عبادة المرء قربا من الله ، أمّا ان بقي محجوبا عن الله بنفسه و أهوائه ، فلا تنفعه عبادة و لا ريادة .

و خير مثال : مثال الخوارج يقرؤون القرآن لكن لا يجاوز حناجرهم .

و يقومون الليل و يصومون أكثر من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكنّهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .

اذن فمسالة القرب هي مسألة أخرى غير الطاعة الظاهرية و العبادة الشكلية . و إلا لما جاز أن يكون هؤلاء في المبعدين .

فالله اقرب الينا من أنفسنا ، و لكن يحجبنا عنه حجاب الهوى و النفس .

لذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه و سلم بقوله تعالى * فاعلم أنّه لا إله إلا الله *

أمره أن يعلم و يعلّم من حوله التوحيد الخالص ، توحيد الشهود الذي يجعل المرء قريبا من الله في عباداته ، بل في سائر اوقاته ، لا يغيب عنه .

ثمّ إنّ الله جعل تجليّات نفحاته و رحماته في رسوله صلى الله عليه و سلم ، فكان الرسول صلى الله عليه و سلم باب رحمة الله و رضاه .

قال الله تعالى * قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله *

فعلم الصحابة ذلك و شهدوها شهودا تجليات رحمات الله و نفحاته في رسوله الاكرم صلى الله عليه و سلم فما كان احب اليهم منه ، طلعته البهية و طلّته العليّة و كل شيء فيه صلى الله عليه و سلم ، حتى تنخمّه ، لا يفوتهم . لا يقع الا على يد احدهم . ذلك أنّهم علموا أنّه مظهر تجليّات الله و مظهر رحمته و مظهر رضاه ، المظهر الأكبر و الحجاب الأعظم . فكانوا بذلك خير الناس و افضلهم بعد الأنبياء رضي الله عنهم أجمعين ، لا لشيء إلا لصحبتهم و رفقتهم لخير البريّة أكمل و أتمّ و أسنى و أجلّ مظهر لتجليّات الله و رحمته و بركاته و فيض أنوراه و اسراره .

ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، اشرقت أنواره و فاضت على أصحابه فورثوها منه ، فكانوا هم كذلك مظهر رحمات الله و تجليّاته و أنواره ، كلّ بقدره و قدر ميراثه للحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم .

ثم كان التابعون خلف الصحابة ، فحملوا ما حملوه رضي الله عنهم ، و اشرقت الارض بنور ربها ، اذ انتشر الصحابة و التابعون في الارض فعمرت الارض أنوار رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و صار الناس قريبين الى نفحات الله .

ثم اتسعت الرقعة ، فاختصّ البعض بالوراثة الكاملة للمظاهر السنية و الانوار العليّة و الاخلاق الزكية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و صاروا كملا في الارض ، و مظهرا لتجليات نفحات الله و رحمته و انواره على العباد . و تتابعت السلاسل الذهبية من شاهد كامل عن شاهد كامل .

كل هذا الاستطراد أردناه لنبيّن فكرة النفحات الربانية ، و التعرّض لها .

فمن سعد بالشيخ الكامل و الوارث المحمدي الكامل سعد بالتجليات الربانية في كل وقت و حين ، و ذلك متى استمدّ من شيخه و استحضره في قلبه بالتعظيم و المحبة و الاستمداد . فكان شيخه مظهر النفحات فهو متعرّض لنفحات الله في كل وقت و حين ، و ذاك سعيد ما وفقه الله للتعرّض الى نفحاته بمحبة شيخه و التسليم له و الايمان به على هذا الوجه العظيم .

أمّا من لم يكن من أتباع الشيوخ العارفين الكمّل رضي الله عنهم اجمعين ، و ما أكثرهؤلاء الذين ليسوا من اتباع الكمل في أمّة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، و خصوصا للازمان المتأخرة بعد القرون الخيرية .. فقد كانت تلك الاحاديث الشريفة التي بيّنت لنا التعرّض لنفحات الله و لحظات تجليات رحمته و استجابته .

فكان قوله صلى الله عليه و سلم * إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها *

و كان قوله صلى الله عليه و سلم : * ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول : أنا الملك أنا الملك ثلاثا. من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فاغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر *

و قوله صلى الله عليه و سلم : * تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة *

و قوله صلى الله عليه و سلم : *إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه ..*

و مثل هذه الاحاديث الشريفة التي تعرّضت لأوقات نفحات الله ، كمثل شهر رمضان المبارك ، و العشر الأواخر منه ، و ليلة القدر على الخصوص ، و العشر الاوائل من ذي الحجة .. و سائر الايام المباركة التي اختصّها الله بفضل و جعل باب نفحاته فيها اقرب للعباد .

كل ذلك ليترصّد العبد الصادق تلك النفحات و يتعرّض لها ، و مازال العبد يطرق الباب و يلحّ و يتعرّض للنفحات الالهية حتى ينظر الله اليه بعين الرحمة ، فيتوب عليه توبة ليس بعدها شقاء .

و ذلك مصداق قوله صلى الله عليه و سلم : * ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ، ألا فتعرضوا لها، فلعلها أن تصيب أحدكم فلا يشقى بعدها أبدا *

****

و صلى الله على سيدنا محمد و على اله و صحبه و سلم تسليما ابدا .

شكر الله لكم

ونما لكم عنده سبحانه أجركم

وبسيد السادات متع الله عينكم

وعلى أبواب الجنان كانت كتف المصطفى فى كتفكم

وللذات العلية أدام الله نظركم

ولا يسعنى إلا أن أقول

( شكر الله لكم )