شهر كريم
استدار الزمان .. وعاد شهر رمضان ...
عاد إلينا بعد أن نسينا كثيرا , وبعد أن سبحنا فى شئون دنيانا سبحا طويلا .
عاد رمضان , وقدر لنا أن نعود معه لنشهد أيامه الغراء ونحيى لياليه الزهراء ..
ترى هل يمتد بنا العمر , فنعود إليه كرة أخرى ؟
أم هل يسبق الأجل , فلا نلقاه بعد عامنا هذا ؟
ألا من اتخذ عند الله عهدا أنه سينسأ له فى أجله , حتى يلقى رمضان فى عام قابل ,
معافى فى بدنه , موفورا فى رزقه , ممكنا من تدارك أمره , صادقا فى نيته ،
راشدا فى عزيمته ..
من اتخذ عند الله عهدا بذلك فليبطىء ما شاء أن يبطىء فى عمله ,
وليسترسل ما شاء أن يسترسل فى أمله ، وليسوف وليؤجل ,
ما بدا له أن يسوف ويؤجل .
أما والقدر مستور محجب , والأجل قد ينتهى فى لمحة ,
والساعة لا تأتى إلا بغتة ,
فمن الحمق والله أن نبيع حاضرا بغائب , وأن نستبدل شكا بيقين ..
{{ أفرأيتم إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون }}
الشعراء ـــ 205 : 207 ــــ
{{ أولم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأى حديث بعده يؤمنون }}
الأعراف ـــــ 185 ـــــ
وفى أى فرصة بعدها يتداركون ؟
أفينتظر كل امرئ منا حتى يجيئه اليوم الذى يقول فيه :
{{ رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت }}
المؤمنون ـــ 99 : 100 ـــ
{{ رب أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين }}
المنافقون ـــ 10 ــــ
كلا , بل الحزم كل الحزم , والكيس كل الكيس , أن نغتنم هذه
الفرصة السانحة وألا نضيع هذه الصفقة الرابحة .
نعم , إنها لفرصة سانحة .
ألا تعرف من فصول الزمان , فصلا خصيبا يورق فيه الشجر ,
ويتفتح فيه الزهر , وتطيب فيه التربة , وتبارك فيها الحبة ,
فتؤتى أكلها ضعفين أو أضعافا كثيرة ؟
إنه الربيع
يتحينه الزراع ويترصدونه ليلقوا فيه بذرهم وليغرسوا فيه غراسهم .
**** ====== ***
هكذا رمــــضــــــــــــان ,
هو ربيع الأرواح ، كل ما أزلفت فيه النفس من خير وبر يزكو وينمو ويربو :
صيامه وقيامه وصدقاته وغدواته وروحاته
كلها مباركة مضاعفة الأجر , وحسبه أن فيه ليلة القدر .
{{ وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر }}
القدر ــــ 2 : 3 ـــــ
فما أجد المتخلفين منا عن الركب أن يتداركوا فى هذا الربيع ما فاتهم ,
وأن يحاولوا اللحاق بالقافلة , قبل أن ينقطع الطريق بهم .
وما أقدر السائرين منا فى هذه القافلة السماوية على أن يضاعفوا اليوم جهودهم ,
وأن يستحثوا مطاياهم وركائبهم , ليزدادوا اقترابا من مثلهم العليا.
ألا وليكن أول ما نبدأ به حين نستمع إلى هذا النداء ,
أن نلتفت إلتفاتة يسيرة إلى الوراء , لنحصى على أنفسنا سقطاتنا وذلاتنا ,
ولنمحو بماء الندم ما مضى من تفريطنا فى حق ربنا ,
ولنوطن العزم على الجد والاستقامة فى مستقبل أمرنا ..
تلك هى الخطوة الأولى فى الاستجابة لداعى الله ,
وتلك هى حقيقة الاستغفار الذى جعله الله ضمانا للأمن والأمان , فى هذه الحياة , وفيما بعد هذه الحياة ,
وذلك حيث يقول جل شأنه مخاطبا رسوله الرؤوف الرحيم :
{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون }
الأنفال ــــ 33 ـــــ
فكان للأمة إذ ذاك حصانتان من البلاء :
حصانة بوجود سيدنا الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم
بين ظهرانيهم ,
وحصانة باستغفارهم لذنوبهم .
فلنبدأ عملنا فى هذا الشهر الكريم بالإقلاع عن كل ظلم
والتوبة والإنابة من كل إثم :
{{ ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا }}
ـــ آل عمران ـــــ 147 ـــــ
{{ ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }}
ــــ الأعراف ــــ 23 ــــــ
فإذا أتممنا هذه الخطوة السلبية بالتنزه والتطهر ،
بقى علينا أن نتبعها خطوة إيجابية
بالتجمل والتكمل ، والبناء والإنشاء ...
نعم ،
بعد أن نفرغ قلوبنا من ظلمات الشهوة ،
يجب أن نملأها بنور الحكمة ،
فليس الشأن كل الشأن فى رمضان أنه شهر الجلد والمقاومة ,
ولكنه فوق ذلك هو شهر الهدى والرحمة ..
هدى ورحمة منشوران على الأرض ,
وهدى ورحمة مرسلان من السماء .
فيه تزدحم بيوت الله ليلا ونهارا بالراكعين والساجدين ،
والقارئين والذاكرين , والمرشدين والمسترشدين .
فيه تفيض قلوب المؤمنين رحمة وحنانا , وبرا , وإحسانا ,
بالفقير والمسكين , واليتيم وابن السبيل .
فلذلك هو الهدى وتلك هى الرحمة المنشوران على الأرض .
فيه أنزل القرآن ,
هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
فيه تصب الرحمات , وتستجاب الدعوات
{{ وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الدع إذا دعان }}
ـــــ البقرة ـــــ 186 ــــ
فلذلك هو الهدى وتلك هى الرحمات المرسلان من السماء
*** = = = *** = = = ***
ربنا فاجعلنا أهلا لرحمتك , وأوزعنا أن نهتدى بهدايتك
وأسعدنا بعظمتك ومتعنا بحضرتك
وصل رب على الهادى بقدرتك
_________________
<br>