مما للمسلم على المسلم
حقوق المسلم على أخيه المسلم التي كفلها له الشارع كثيرة جداً، وعظيمة حقاً، لو التزمها المسلمون أو بعضها، لسعدوا في الدنيا والآخرة، ولما أصابهم الذي أصابهم من الذل والهوان وتداعي قوى الشر عليهم من
كل ناحية، ولما سادت بينهم هذه الإحن، والأحقاد، والخصومات. هذه الحقوق تنقسم إلى قسمين، من حيث ماهيتها: 1- حقوق عينية على من يلي المسلم، من إخوانه المسلمين بقرابة، أو جوار، أو تقوى، أو صلاح وعلم. 2- وحقوق كفائية على من بعد منه. وتنقسم إلى أربعة أنواع من حيث خطورتها وأهميتها، هي: أ- حقوق شخصية: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه». ب- حقوق النصرة: يجب على كل مسلم أن يُوالي أي مسلم مهما كان، حسب التزامه بالشرع، فمن كان ملتزماً، يوالى موالاة كاملة، ومن ضعف التزامه، يُوالى ولو بنطقه للشهادتين وعدم إتيانه بناقض من نواقض الإسلام: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا» (أخرجه البخاري في كتاب الصلاة). ويندرج تحت عقيدة الولاء هذه أمور، أهمها: 1- نصرته. 2- وعدم خذلانه. 3- عدم تسلميه لأعدائه من الكفار. 4- عدم تسليمه لحاكم طاغية ظالم. 5- عدم التجسس عليه إن كان مستور الحال، سِيما العلماء، وذوي الهيئات. 6- عدم إعانة المشركين والكفار عليه. ج- حقوق كفائية: إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وإذا تواطأت الأمة على تركها أو بعضها أثمت: 1- السلام عليه، ورد السلام. 2- عيادة المريض. 3- تشميت العاطس. 4- إجابة دعوته سيما دعوة العرس وغيرها، مالم يكن مانع من ذلك. 5- تشييعه إذا مات. 6- الصلاة عليه. 7- تعزيته. 8- تهنئته بالأفراح. 9- ومواساته في الأتراح. 10- نصحه. 11- الإصلاح بين المتخاصمين. د- حقوق التكافل والمواساة: التكافل والمواساة، يكون بالمال وبالسؤال عن الحال، والدعاء، وبالاهتمام بأمر المسلمين كافة. أولى المسملين بذلك هم: 1- الأقارب. 2- الجيران. 3- الأيتام والأرامل. 4- الفقراء والمساكين. 5- والعلماء وطلاب العلم. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: إنَّ خليلي أوصاني: «إذا طبختَ مرقاً فأكثر ماءه، ثمًّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منه بمعروف». وفي رواية: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك» (مسلم رقم [142]، [143]). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المسلمات لا تحقرنَّ جارة لجارتها، ولو فِرْسِنَ شاة» (متفق عليه، مسلم رقم [1030]). وعنه رضي الله عنه يرفعه: «لا يمنع جار جاره أنْ يغرز خشبة في جداره»، ثم يقول أبو هريرة: "مالي أراكم عنها معرضين! والله لأرميِنِ بها بين أكتافكم" (متفق عليه، مسلم رقم [1609]). لقد أجمل هذه الحقوق ابن مفلح فقال: "ومما للمسلم على المسلم: أن يستر عورته، ويغفر زلته، ويديم نصيحته، ويرد غيبته، ويرحم عبْرته، ويقبل معذرته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويواليه ولا يعاديه، ويحسن نصرته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، ويرد ضالته، وينصره على ظالمه، ويكفه عن ظلمه غيره، ولا يسلمه، ولا يخذله، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه" (الآداب الشرعية لابن مفلح - ذكر ذلك في الرعاية ج [1/305]). لا شك أن هذه الحقوق أو جلها، سيما حقوق النصرة والاستغاثة، وحقوق التكافل والمواساة، ضائعة كلها أو جلها إلاَّ القليل النادر، وسبب كل ذلك إغفال المسلمين وإهمالهم لهذه الأخوة الإيمانية، وضياعهم وتفريطهم في عقيدة الولاء والبراء التي كانت سبباً رئيساً بعد الله عز وجل في عِزَّة المسلمين، وتوحيد كلمتهم وإرهابهم لعدوهم. فمن الآن للمستغيثين والمستغيثات سوى رب البريات، بينما جل المسلمين الآن يستغيثون، وهم مهضوموا الحقوق، مكسوروا الأجنحة؟! فما أكثر المستغيثين والمستغيثات، وما أقل وأندر أصحاب المروءات والقلوب الرحيمة والنفوس الأبية، لقد حلّت الأثرة والأنانية محل الإيثار، فأصبح الكثيرون شعارهم: نفسي نفسي. بينما أهل المروءة في انقراض، نجد أن أهل الصفاقة والأثرة في ازدياد حتى شكت المروءة موت أبنائها، ولله در القائل: مررتُ بالمروءة وهي تبكي *** فقلت على ما تبكي الفتاة؟ فقالت مالي لا أبكي وأهلي *** كلهم دون خلق الله ماتوا.