كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، وبذلك تنفي الإلهية عما سوى الله ونثبتها لله وحده (1) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) وهي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين) (2) أما شقها الثاني (محمد رسول الله) فمعناه تجريد متابعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
ومن هنا كانت (لا إله إلا الله) ولاء وبراء، نفياً وإثباتاً.
ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين.
وبراء من كل طاغوت عبد من دون الله (3) :
* فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ * [سورة البقرة:256] .
_________
(1) انظر فتح المجيد ص 36.
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (ج 28/32) . جمع عبد الرحمن بن قاسم ط أولى مطبعة الحكومة سنة 1381 هـ.
(3) عرف ابن القيم الطاغوت تعريفاً جامعاً فقال: الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله انظر فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسين ص 16 ط 7 سنة 1377 هـ مطبعة أنصار السنة
وفي هذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت والدليل هذه الآية (1) يعني الآية السابقة 256 سورة البقرة.
وكلمة التوحيد ولاء لشرع الله: *
اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * [سورة الأعراف:3] .
* فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا * [سورة الروم:30] .
وبراء من حكم الجاهلية:
* أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون * [سورة المائدة:50] .
وبراء من كل دين غير دين الإسلام:
* وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * . [سورة آل عمران:85] .
ثم هي نفي وإثبات تنفي أربعة أمور. وتثبت أربعة أمور.
(تنفي: الآلهة، والطواغيت، والأنداد، والأرباب.
_________
(1) الدرر السنية (ج1/95) جمع عبد الرحمن بن قاسم.
فالآلهة: ما قصدته بشيء من جلب خير أو دفع ضر، فأنت متخذه إلهاً.
والطواغيت: من عبد وهو راض، أو رشح للعبادة.
والأنداد: ما جذبك عن دين الإسلام، من أهل، أو مسكن، أو عشيرة، أو مال: فهو ند لقوله تعالى: * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ * [سورة البقرة: 165] .
والأرباب: من أفتاك بمخالفة الحق وأطعته، مصداقاً لقوله تعالى:
* اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله * [سورة التوبة:31] .
وتثبيت أربعة أمور:
القصد: وهو كونك ما تقصد إلا الله.
والتعظيم والمحبة: لقوله تعالى:
* وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ * [سورة البقرة:165] .
والخوف والرجاء: لقوله تعالى:
* وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ راد لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * [سورة يونس: 107] .
فمن عرف هذا قطع العلاقة مع غير الله ولا تكبر عليه جهامة الباطل، كما أخبر تعالى عن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بتكسير الأصنام وتبريه من قومه:
* قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ * [سورة الممتحنة: 4] . (1)
ولقد جاء القرآن من أوله إلى آخره يبين معنى لا إله إلا الله، بنفي الشرك وتوابعه، ويقرر الإخلاص وشرائعه، فكل قول وعمل صالح يحبه الله ويرضاه هو من مدلول كلمة الإخلاص، لأن دلالتها على الدين كله إما مطابقة وإما تضمناً وإما التزاماً (2) ، يقرر ذلك أن الله سماها كلمة التقوى.
والتقوى: أن يتقي سخط الله وعقابه بترك الشرك والمعاصي، وإخلاص العبادة بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله) (3) .
أما كيف تم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة هذه الكلمة والتزام أحكامها والعمل بمقتضياتها ولوازمها فيشرح ذلك الإمام الجليل سفيان بن عيينة: (4) .
_________
(1) بضع رسائل في عقائد الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص35) تحقيق محمد رشيد رضا الطبعة الأولى سنة 1349 مطبعة المنار بمصر.
(2) دلالة المطابقة: هي دلالة اللفظ على كل معناه.
دلالة التضمن: هي دلالة اللفظ على جزء معناه.
دلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على معنى خارج عنه لكنه لازم له.
(3) انظر المورد العذب الزلال ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (ج4/99) تحقيق رشيد رضا. الطبعة الأولى سنة 1346 هـ مطبعة المنار بمصر.
(4) هو الإمام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي، الحافظ، أحد أعلام الإسلام ولد سنة 107 هـ وتوفي سنة 198هـ وله إحدى وتسعون سنة قال فيه الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز وقال فيه أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن من ابن عيينة وكان كبير القدر. ومن العباد. حج سبعين سنة. انظر شذرات الذهب (1/354) والأعلام (3/105) ط - 4.
(حدث محمد بن عبد الملك المصيصي قال: كنا عند سفيان بن عيينة في سنة سبعين ومائة، فسأله رجل عن الإيمان؟ فقال: قول وعمل. قال: يزيد وينقص؟ قال: يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه مثل هذه، وأشار سفيان بيده. قال الرجل: كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون: أن الإيمان قول بلا عمل؟ قال سفيان: كان القول قولهم قبل أن تقرر أحكام الإيمان وحدوده.
إن الله عز وجل بعث نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا: لا إله إلا الله، وأنه رسول الله. فلما قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل، فلما علم الله عز وجل صدق ذلك من قلوبهم، أمره أن يأمرهم بالصلاة، فأمرهم ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم (1) .
(فلما علم الله جل وعلا صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالهجرة إلى المدينة فأمرهم ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم، فلما علم الله تبارك وتعالى صدق ذلك من قلوبهم أمرهم بالرجوع إلى مكة ليقاتلوا آباءهم وأبنائهم حتى يقولوا كقولهم، ويصلوا صلاتهم ويهاجروا هجرتهم، فأمرهم ففعلوا، حتى أتى أحدهم برأس أبيه فقال: يا رسول الله: هذا رأس شيخ الكافرين، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا هجرتهم، ولا قتالهم، فلما علم الله عز وجل صدق ذلك أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبداً، وأن يحلقوا رؤسهم تذللاً ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول، ولا صلاتهم، ولا هجرتهم، ولا قتلهم آباءهم، فلما علم الله عز وجل صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم بها، فأمرهم ففعلوا حتى أتوا بها قليلها وكثيرها، والله لو لم يفعلوا
_________
(1) هكذا بالنص، والذي يبدو لي - والله أعلم - أن سياق الكلام يقتضي أن يكون هكذا (ما نفعهم الإقرار الأول) يدل على ذلك ما سيأتي في بقية النص.
ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم، ولا هجرتهم، ولا قتلهم آباءهم، ولا طوافهم. فلما علم الله تبارك وتعالى الصدق من قلوبهم فيما تتابع عليهم من شرائع الإيمان وحدوده قال عز وجل: قل لهم:
* الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا * [سورة المائدة:3] .
(قال سفيان: فمن ترك خله من خلال الإيمان كان بها عندنا كافراً، ومن تركها كسلاً أو تهاوناً بها، أدبناه وكان بها عندنا ناقصاً. هكذا السنة أبلغها عني من سألك من الناس) (1) .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله شروطاً سبعة لـ (لا إله إلا الله) لا تنفع صاحبها إلا باجتماع هذه الشروط فيه. وإليك شرحها:
_________
(1) كتاب (الشريعة) لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ص104) الطبعة الأولى سنة 1369 هـ تحقيق محمد حامد الفقي. الناشر: مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر.