[size=41]تلبيس الحق بالباطل[/size]
قال رسول الله " صلي الله عليه وسلم " فيما رواه معقل بن يسار : ( يأتي علي الناس زمان ، يخلق فيه القرآن في قلوب الرجال كما تخلق الثياب علي الأبدان ، أمرهم كله ان يكون طمعاً لا خوف معه ، إن أحسن أحدهم قال : يتقبل مني . وإن أساء قال : يغفر لي ) فأخبر أنهم يضعون الطمع موضع الخوف ، لجهلهم بتخويفات القرآن وما فيه .
والقرآن من أوله تحذير وتخويف ، لا يتفكر في متفكر إلا ويطول حزنه ويعظم خوفه إن كان مؤمناً بما فيه ، وترى الناس يهذونه هذا ، يخرجون الحروف من مخارجها ، ويتناظرون علي خفضها ورفعها ونصبها . وكأنهم يقرؤون شعراً من أشعار العرب ، لا يهمهم الالتفات إلي معانيه ، والعمل بما فيه ، وهل في العالم غرور يزيد علي هذا ؟
ويقرب منه غرور طوائف لهم طاعات ومعاص ، إلا أن معاصيهم أكثر وهم يتوقعون المغفرة ويظنون أنهم تترجح كفة حسناتهم ، مع أن في كفة السيئات أكثر ، وهذه غاية الجهل ، فتري الواحد يتصدق بدراهم معدودة من الحلال والحرام ، ويكون ما يتناول من أموال المسلمين والشبهات أضعافه ولعل ما تصدق به هو من أموال المسلمين ، وهو يتكل عليه ، ويظن أن أكل ألف درهم حرام ، يقاومه التصديق بعشرة من الحرام أو الحلال ، وما هو إلا كمن وضع عشرة دراهم في كفة ميزان ، وفي الكفة الأخري ألفاً وأراد أن يرفع الكفة الثقيلة بالكفة الخفيفة . وذلك غاية جهله . ومنهم من يظن أن طاعته أكثر من معاصيه ، لأنه لا يحاسب نفسه ، ولا يتفقد معاصيه ، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها كالذي يستغفر الله بلسانه ، أو يسبح الله في اليوم مائة مرة ، ثم يغتاب المسلمين ، ويمزق أعراضهم ، ويتكلم بما لا يرضاه الله طول النهار من غير حصر وعدد ، ويكون نظره إلي عدد سبحته أنه استغفر الله مائة مرة ، وغفل عن هذيانه طول نهاره الذي لو كتبه لكان مثل تسبيحه مائة مرة أو الف مرة ، وقد كتبه الكرام الكاتبون وقد أوعده الله بالعقاب علي كل كلمة ، فقال : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عنيد ) ( ق آية 18 ) فهذا أبداً يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات ، ولا يلتفت إلي ما ورد من عقوبة المغتابين ، والكذابين والنمامين ، والمنافقين الذي يظهرون من الكلام ما لا يضمرونه ، إلي غير ذلك من آفات اللسان . وذلك محض الغرور . _________________
اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا