ابليس عليه اللعنة
روي أن ابليس كان اسمه في سماء الدنيا العابد ، وفي الثانية الزاهد ، وفي الثالثة العارف ، وفي الرابعة الولي ، وفي الخامسة التقي ، وفي السادسة الخازن ، وفي السابعة عزازيل ، وفي اللوح المحفوظ إبليس وهو غافل عن عاقبة أمره . فأمره الله أن يسجد لآدم فقال : أتفضله علي وأنا خير منه خلقتني من نار ، وخلقته من طين ؟ فقال تعالي : أنا أفعل ما أشاء . فرأى لنفسه شرفاً ، فولي آدم ظهره أنفه وكبراً ، وانتصب قائماً إلي أن سجدت الملائكة المدة المارة ، فلما رفعو رؤوسهم ورأوه لم يسجد ، وهم قد وقفوا للسجود ، سجدوا ثانياً شكراً ، وهو قائم يري معرضاً عنهم غير عازم علي الاتباع ، ولا نادم علي الإمتناع ، فمسخه الله من الصورة البهية ، فنكسه كالخنزير ، وجعل رأسه كرأس البعير ، وصدره كسنام الجمل الكبير ووجهه بينهما كوجه القردة ، وعينيه مشقوقتين في طول وجهه ، ومنخريه مفتوحتين ككوز الحجام ، وشفتيه كشفتي الثور ، وأنيابه خارجة كأنياب الخنزير ، وفي لحيته سبع شعرات ، وطرده من الجنة بل من السماء بل من الأرض إلي الجزائر ، فلا يدخل الأرض إلا خفية ، ولعنه إلي يوم الدين لأنه صار من الكافرين .
وانظر كان بهي الصورة ، رباعي الأجنحة ، كثير العلم ، كثير العبادة طاووس الملائكة وأعظمهم ، سيد الكروبيين إلي غير ذلك فلم يغن عنه شيئاً ( إن في ذلك لذكري ) ( الزمر آية 21 ) .
وفي الأثر : لما مكر بإبليس ، بكي جبرائيل وميكائيل . فقال الله لهما : ما يبكيكما ؟ قالا : ربنا ما أمنا مكرك . فقال الله تعالي : هكذا كونا لا تأمنا مكري .
وروي أن ابليس قال : يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم ، وأنا لا أقدر عليه إلا بتسليطك . قال : أنت مسلط عليه . أي علي أولاده ، لعصمة الأنبياء منه . قال : زدني . قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثلاه . قال : زدني . قال : صدورهم مساكن لك تجري فيها مجري الدم . قال : زدني . قال : ( وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ) . ( الإسراء آية 64 ) .
أي : استعن عليهم بأعوانك من راكب وماش ( وشاركهم في الأموال ) ( الإسراء آية 64 ) أي : بحملهم علي كسباً وصرفها في الحرام ( والأولاد ) ( الإسراء آية 64 ) أي : بالحث علي التوصل إليهم بالسبب المحرم كالوطء في الحيض ، والإشراك فيهم بتسميتهم بنحو عبد العزى والتضليل بالحمل علي الأديان الباطلة ، والحرف الذميمة ، والأفعال القبيحة ( وعدهم ) ( الإسراء آية 64 ) المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة ، والاتكال علي كرامة الآباء ، وتأخير التوبة بطول الأمل ، وهذا علي طريق التهديد كـ ( اعملوا ما شئتم ) ( فصلت آية 40 ) .
فقال آدم : يا رب قد سلطته علي فلا أمتنع منه إلا بك . قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من الملائكة . قال : زدني . قال : الحسنة بعشر أمثالها ، قال : زدني . قال : لا أنزع منهم التوبة ما دامت أرواحهم في أبدانهم . قال : زدني . قال : أغفر لهم ولا أبالي . قال : اكتفيت .
فقال ابليس : يا رب ، جعلت في بني آدم الرسل ، وأنزلت عليهم الكتب ، فما رسلي ؟ قال : الكهان . قال : فما كتبي ؟ قال : الوشم . قال : فما حديثي ؟ . قال : الكذب . قال : فما قرآني ؟ قال : الشعر . قال : فما مؤذني قال : المزمار . قال : فما مسجدي ؟ قال : الأسواق . قال : فما بيتي ؟ قال : الحمام . قال : فما طعامي ؟ قال : الذي لم يذكر عليه اسمي . قال : فما شرابي . قال : السكر . قال : فما مصايدي ؟ قال : النساء .
الغزالى
_________________
اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا