~ منتديات الرحمة والمغفرة ~
. منتديات الرحمة والمغفرة على منهج اهل السنة والجماعة

: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله )

نداء إلى أنصار رسول الله " صلى الله عليه وسلم "أنضم الينا لنصرة رسولنا من خلال منتدى الرحمة والمغفرة

. لزوارنا الاعزاء ومن يرغب بالتسجيل بمنتدانا ... بادر وسجل نفسك بالمنتدى لنشر الإسلام

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم,
~ منتديات الرحمة والمغفرة ~
. منتديات الرحمة والمغفرة على منهج اهل السنة والجماعة

: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله )

نداء إلى أنصار رسول الله " صلى الله عليه وسلم "أنضم الينا لنصرة رسولنا من خلال منتدى الرحمة والمغفرة

. لزوارنا الاعزاء ومن يرغب بالتسجيل بمنتدانا ... بادر وسجل نفسك بالمنتدى لنشر الإسلام

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم,
~ منتديات الرحمة والمغفرة ~
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

~ منتديات الرحمة والمغفرة ~

~ معاً نتعايش بالرحمة ~
 
الرئيسيةالمنشوراتأحدث الصورقناة الرحمة والمغفرة يوتيوبالتسجيلدخولفيس بوكتويتر
منتديات الرحمة والمغفرة .. منتدى ثقافى - عام - أدبى - دينى - شبابى - اسرى -طبى - ترفيهى - سياحى - تاريخى - منتدى شامل
". لزوارنا الاعزاء ومن يرغب بالتسجيل بمنتدانا . بادر وسجل نفسك بالمنتدى .
.مديرة الموقع / نبيلة محمود خليل



مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
» شركة عزل خزانات بجدة
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeأمس في 10:47 am من طرف مريم صلاح

» افضل شركة مكافحة حشرات
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeأمس في 9:43 am من طرف مريم صلاح

» سماعة ايفون اصلية
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالخميس نوفمبر 21, 2024 10:48 am من طرف مريم صلاح

» شركة مكافحة حشرات بجدة
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالخميس نوفمبر 21, 2024 8:34 am من طرف مريم صلاح

» اسعار السيارات الصينية في السودان
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 11:09 am من طرف مريم صلاح

» شركة نظافة شقق بالدمام
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 18, 2024 7:49 am من طرف مريم صلاح

» شركة تنظيف خزانات بمكة
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالسبت نوفمبر 16, 2024 1:49 pm من طرف مريم صلاح

» غسيل سجاد بالدمام
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالخميس نوفمبر 14, 2024 10:08 am من طرف مريم صلاح

» افضل عطر رجالي في السودان
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 13, 2024 10:25 am من طرف مريم صلاح

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
مشروع تحفيظ القران
 
تلفزيون الرحمة والمغفرة
نشرة اخبار منتدى الرحمة واالمغفرة
توك توك منتديات الرحمة والمغفرة

كاميرا منتديات الرحمة والمغفرة



شركة طيران منتديات الرحمة والمغفرة

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأكثر نشاطاً
مع كل إشراقة شمس ^ بصبح عليك^ مع ونبيلة محمود خليل ^ ووعد حصرياً
مشروع حفظ القرآن والتجويد"مع نبيلة محمود خليل"" حصرى"
^ من اليوم أنتهى عهد نبيل خليل ^ أدخل وشوف مطعم منتديات الرحمة والمغفرة مع نبيلة ونبيل ^
بريد منتديات الرحمة والمغفرة ^ ظرف جواب ^ مع نبيلة محمود خليل وكلمة حق ^ حصرياً
تليفزيون منتديات الرحمة والمغفرة يقدم لكم "برنامج الوصول إلى مرضات الله " مع نبيلة محمود خليل" كلمة حق"
^ نشرة أخبار منتديات" الرحمة والمغفرة " مع نبيلة محمود خليل"حصرياً "
* كلمة للتاريخ * مع نبيلة محمود خليل ود / محمد بغدادى * حصرى
^ كاميرا منتديات الرحمة والمغفرة ^ إبتسامة كاميرا ^ مع نبيلة محمود خليل وكلمة حق ^ حصرياً ^
^^ دورة التبسيط فى دقائق علم التجويد ^^
,, قلوب حائرة ,, وقضايا شبابية متجدد ,, مع نبيلة محمود خليل ونبيل خليل ,,

 

 الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:27 pm

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
طبعا لمشاغلنا الكثيره هحاول باذن الله احضار كل حلقات الدكتور هدايه مكتوبه وذلك للاستفاده
اللهم اجزه عنا جميعا كل خير

}الحياة سجن المؤمن وجنّة الكافر{
(من برنامج طريق الهداية على قناة دريم 2 للدكتور محمد هداية عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمستشار برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرّمة ويقدّمه الأستاذ علاء بسيوني والبرنامج يُعرض أسبوعياً يوم الثلاثاء الساعة الثامنة مساءً بتوقيت مكة المكرمة ويُعاد الأربعاء الساعة الرابعةة عصراً بتوقيت مكة المكرمة (التوقيت الصيفي).
الحلقة الأولى
موضوع الحلقة: الروح والنفس والموت
ما هو الموت والحياة ؟ وهل هما مخلوقات من مخلوقات الله تعالى؟
الموت مخلوق كسائر مخلوقات الله تعالى وإن تدبرنا آيات القرآن الكريم لوقفنا عند بعض الكلمات التي يجب تدبر معانيها فقد قال تعالى في سورة تبارك الملك (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2}) فكأنما يريد الله تعالى أن يقول تبارك الذي خلق الموت وخلق الحياة. والفرق بين المسلم وغير المسلم أن للمسلم قرآن قال تعالى عنه أنه روح فيجب أن يحيا المسلم بالقرآن حياة تختلف عن حياة الآخرين على سبيل المثال الموت في القرآن هو بداية الحياة للمسلم فتوصيف الموت على هذا النحو في القرآن يجعل المسلم يتفاعل مع الموت على أنه بداية لحياة جديدة هي الحياة الآخرة والله تعالى كتب الموت على كل نفس ووصف تعالى الحياة الدنيوية بـ (الدنيا) ووصف الآخرة بـ (الحيوان) وهي دلالة على أنها ممتلئة والتي لا موت بعدها أو الحياة الحقيقية، وصيغة فعلان في اللغة تدل على الإمتلاء وليس لها مثيل مثل صفة رحمن وهذه صفة لا تطلق إلا على الله تعالى على عكس صفة رحيم فهي قد تطلق على البشر وقد أطلقها تعالى على الرسول r في قوله (بالمؤمنين رؤوف رحيم) . والحيوان واحد وهي الحياة الآخرة. ويوم القيامة الذي بعده خلود دائم لا يجب أن يكون فيه موت ولذلك فإن الله تعالى يُجسّد الموت على الصراط ويسأل أهل الجنة إذا كانوا يعرفونه فيجيبون بنعم ويسأل أهل النار إن كانوا يعرفونه فيجيبون بنعم ثم يُذبح على الصراط فلا موت بعد اليوم إما خلود في الجنة أو خلود في النار. والموت ينقل من دار الفناء إلى دار الخلود والبقاء ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة وهو شيء محتوم. وعلى المسلم الحقّ أن لا يفزع أو ينهار إذا سمع بموت أحد الناس حتى لو كان من أقرب أقاربه لأنه إذا كان يقرأ القرآن ويفهمه لعرف أن وراء هذا الموت للمسلم حياة نعيم وخلود أبدي وأن الله تعالى يجازي الصابرين كما في الحديث القدسي "قبض ولد العبد المؤمن" "يسأل الله تعالى ملائكته هل قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي يقولون حمدك واسترجع فيقول تعالى ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة سمّوه بيت الحمد" وورد في الأحاديث أنه إذا قُبض صفيّ العبد فصبر فلا جزاء له إلا الجنّة. وإنما الصبر عند الصدمة الأولى والموت إنما هو ابتلاء من الله تعالى للمسلم فإذا عرف المسلم معنى قوله تعالى (خلق الموت والحياة) لقال الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون. والصبر هو ركن من كل أركان الإسلام فالصلاة والصيام والحج كلها تحتاج لصبر فالصبر هو الأساس في كل هذه الأركان ومما يجب التنبيه له أنه عادة ما يسأل المسلم عن عذاب القبر والأولى أن يسأل عن حساب القبر لأنه بمجرد أنه ذكر عذاب القبر فقد افترض الأسوأ والمسلم لإيمانه برحمة الله وعدله ولطفه قوي جداً والمسلم الذي هو على يقين بكل ما جاء في القرآن والسنّة يعلم أن في القبر حساب يعقبه نعيم أو عذاب. ومن المؤسف أن نرى كثيراً من الدعاة يرهبون الناس بعذاب القبر ويوردون الأحاديث الضعيفة عن عذاب القبر وأهوال القبر حتى وكأنما يظهر للناس أن الله تعالى يتشفّى من عباده وحاشا لله أن يكون هكذا فهو رؤوف رحيم رحمن الدنيا والآخرة. إذن على المسلم أن يسأل عن حساب القبر. ولنبدأ بمراحل الخلق. أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ومن تقدير الله تعالى أن تكون هناك حياة يترقبها موت فكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى يترقب الموت (وقضى أجلاً وأجل مسمى عنده) وخلق الله تعالى الخلق وقضى آجالهم وحدد وقت القيامة. ومع اختلاف الفلاسفة حول أمور كثيرة إلا أنهم جميعاً اتفقوا على أن الحقيقة الواحدة هي الموت. ولمّا خلق الله تعالى آدم كتب الموت والفناء والهلاك على جميع خلائقه وأوجب الوجود لجلاله وأوجب الوجود لعظمة ذاته كما جاء في قوله تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم ثم إلى ربكم تُرجعون) وقوله تعالى (إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (كل شيء هالك إلا وجهه). فهو تعالى الحيّ الذي لا يموت وما غيره يموت حتى الموت نفسه فما من مخلوق إلا ويموت أو يفنى أو يهلك بطريقة ما. فكلمة الحياة تختص بكل مخلوق على حدة فالإنسان له قوام حياة تُسمّى الروح والحيوان له قوام حياة والجماد أيضاً له قوام حياة. فالإنسان يموت وكل المخلوقات على وجه الأرض يفنى فلو جبلنا بعض الإسمنت بالماء وبنينا به جداراً ثم وقع هذا الجدار لا يمكننا أن نعيد جبل الجدار المنهار مرة أخرى لأنه بكل بساطة مات. ننتقل الآن إلى موضوع الروح ودلالاتها في القرآن الكريم حتى نفهم معنى الروح والموت بشكل أوضح. وعندما نتكلم عن الموت فإننا نتكلم عن نقض الحياة وقد أجمع علماء اللغة أن الموت هو نقض الحياة. ولو نظرنا إلى سهم الحياة لوجدناه يسير على الشكل التالي:
ماء + تراب ¬ طين لازب ¬ صلصال من حمأ مسنون ¬ صلصال من فخّار ¬ ينفخ الله تعالى الروح
وإذا نظرنا إلى سهم الموت لوجدنا أنه عكس سهم الحياة:
الروح ¬ صلصال من فخّار ¬ صلصال من حمأ مسنون ¬ طين لازب ¬ ماء + تراب
فالروح هي آخر ما يدخل في الجسد في مرحلة الخلق والحياة وهي أول ما يخرج من الجسد في مرحلة الموت أو نقض الحياة
وردت الروح في القرآن الكريم بستة معاني وهي :
الروح التي هي قوام الحياة وهي الروح الوحيدة التي نٌسبت إلى الله تعالى كما في قوله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وقوله تعالى (ثم سواه ونفخ فيه من روحه).
الروح بمعنى عيسى u كما في قوله تعالى (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه).
الروح بمعنى جبريل uكما في قوله تعالى (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين)
الروح بمعنى السكينة والنصر والتأييد كما في قوله تعالى (وأيّدهم بروح منه).
الروح بمعنى الوحي كما في قوله تعالى (يُلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) وهو الوحي الذي يعطيه الله تعالى للأنبياء الذين اصطفاهم وهذا الوحي قد يكون عن طريق الإلهام أو جبريل أو غيره. إذن الروح هنا هي بمعنى الوحي على الإطلاق.
الروح بمعنى القرآن خاصة لأن القرآن يُسمى روحاً كما في قوله تعالى في سورة الشورى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {52}) وهذه الآية في سورة الشورى حلّت الإختلاف بين المفسرين حول آية سورة الإسراء (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) لأن بعض المفسرين فسروا الروح هنا على أنها القرآن ولكنها في الحقيقة هي قوام الحياة. فالروح التي هي من أمر الله إما أن تكون الوحي (يُلقي الروح من أمره) وإما أن تكون القرآن (أوحينا إليك روحاً من أمرنا). وسُمّي الوحي روحاً وسُمي القرآن روحاً لأنهما يجعلان للمسلم أو المتّبع عامة حياة جديدة مصداقاُ لقوله تعالى (استجيبوا للرسول إذا دعاكم لما يحييكم) بمعنى يحييكم بالقرآن وكذلك في قوله تعالى (نزل به الروح الأمين على قلبك) الضمير (به) يعود على القرآن. وفخر لكل عربي أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين فيجب علينا أن نتلقى منه الروح التي تنقلنا إلى حياة جديدة. وللمسلم حياتان الحياة الأولى بالروح التي هي قوام الحياة والثانية بالقرآن ومن عظمة القرآن أن الوحي كلّه سُمّي روحاً والقرآن وحده سُمّي روحاً. أما الروح التي هي قوام الحياة فهي سر من عند الله تعالى وهي كما أسلفنا الروح الوحيدة التي نُسبت إلى الله تعالى في القرآن الكريم.
الفرق بين الموت والوفاة: ننتقل الآن إلى تعريفات الموت في القرآن. فقد ورد في القرآن أمثلة على الموت وأراد تعالى أن يُعلمنا كُنه الموت وحقيقة الوفاة. وحتى نفهم الموت يجب أن نستعرض القرآن الكريم. فهل قبض الروح هو بداية الموت؟ يقول تعالى (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى) فالموت شيء والوفاة شيء آخر. والوفاة قد تكون موتاً وقد لا تكون. وفي الآية وردت حالتان للوفاة (حين موتها) و (التي لم تمت في منامها) فالنوم إذن وفاة وليس موتاً مع أنه يُسمى الموتة الصغرى لأن فيه شِقّ موت. ملك الموت يقبض الروح بعد هذا فيه وفاة الروح نفسها أي خروجها من الجسد. ساعة الموت وخروج الروح يقبض ملك الموت الروح والله تعالى يتوفّى النفس (وهنا عُبّر عن النفس بالروح مجازاً) إذن تخرج الروح بالموت والنائم روحه متوفاة عند الله تعالى وسمّاها الرسول r الموتة الصغرى لأن روح النائم هي متوفاة عند الله تعالى كما يشير إليه دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النوم "باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت روحي ارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" وكذلك الدعاء الذي ورد عنه r عند الإستيقاظ من النوم "الحمد لله الذي ردّ علي روحي" ولهذا جاء في الحديث أنه على المسلم أن ينام على وضوء. فكل موت وفاة وليست كل وفاة موتاً. إذن تكون الوفاة قبل الموت هي النوم والوفاة ساعة الموت هي بعد قبض الملك للروح. النفس: النفس جاءت في القرآن الكريم بثلاثة أوصاف: نفس لوّامة ونفس أمّارة بالسوء ونفس مطمئنة. والنفس الأمارة بالسوء واللوامة تستخدم في الكلام عن النفس التي تمثّل الحياة وليس الموت، أما النفس المطمئنة فهي لا تكون إلا بعد الموت لأن النفس لا تطمئن إلا ساعة الموت لأنها لو اطمأنت في الدنيا لضاعت (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) وهذا مصداقاً لقوله تعالى في سورة الفجر (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي {30}) هذه هي النفس التي توفّت ساعة الموت وعند الوفاة لأن الوفاة تكون للنفس وليس للروح. ولهذا قال تعالى (ارجعي) ولم يقل اعملي فهذا دليل على أن النفس المطمئنة هي النفس بعد الموت.
بُثت هذه الحلقة بتاريخ 22/2/2004م
.

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:28 pm


}الحياة سجن المؤمن وجنّة الكافر{
(من برنامج طريق الهداية على قناة دريم 2للدكتور محمد هداية عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمستشار برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرّمة ويقدّمه الأستاذ علاء بسيوني والبرنامج يُعرض أسبوعياً يوم الثلاثاء الساعة الثامنة مساءً بتوقيت مكة المكرمة ويُعاد الأربعاء الساعة الرابعةة عصراً بتوقيت مكة المكرمة (التوقيت الصيفي).
للإستماع إلى الحلقات اضغط هنا ولملاحظاتكم حول البرنامج أو لإرسال أسئلتكم واستفساراتكم
إضغط على الحلقة المُراد قراءتها باللغة المطلوبة
تنويه: ترجمة الحلقات وتصحيحها تتم من قِبل الإخوة والأخوات من فريق دار الترجمة وقد أخذوا على عاتقهم ترجمة كل الحلقات بعد أن صححوا بعض الحلقات الأولى التي ترجمتها بعض الأخوات المتطوعات جزاهم الله تعالى جميعاً خير الجزاء وأعانهم على خدمة هذا الدين وبارك الله بهم وبعلمهم.
ترجمة حلقات التوبة والاستغفار إلى اللغة الانجليزية
برنامج الرحمن علّم القرآن للدكتور محمد هداية


الحلقة الثانية
الروح والنفس (2)
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الروح ومعانيها المختلفة كما وردت في القرآن الكريم وعن الخلق والحياة ونؤكّد في هذه الحلقة على هذه المعاني. الروح وردت في القرآن في أكثر من موضع وإنما اجتماع المواضيع يعطي ستة معاني مختلفة لكلمة الروح وهذا ما تتميز به اللغة وما يتميز به القرآن وأن الكلمة الواحدة قد يكون لها أكثر من معنى. أخذنا الروح كمثال لنؤكد ما فيها من معاني عميقة لمعنى الروح فجاءت كما قلنا في الحلقة السابقة بمعنى عيسى u وُصف بأنه روح بحدّ ذاته (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) وبمعنى جبريل سُمي روحاً وهذا توصيف لجبريل في القرآن (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) وبمعنى السكينة والنصر والتأييد (وأيّدهم بروح منه) والمعنى العام لكلمة الروح والمشهور عند الناس هو قوام الحياة (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهنا أحب أن أشدد على أنه يجب أن نأخذ اللغة من باطن الفصحى لا من باطن العامّية لأن بينهما فرق كبير. وقلنا أن آية سورة الشورى حلّت الإشكال الذي وقع فيه بعض المفسرين في تفسيرهم لكلمة الروح التي جاءت في سورة الإسراء (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) وقالوا إنها قوام الحياة لكن الآية الوحيدة التي نُسبت فيها الروح لله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهي الروح التي أقام الله تعالى بها حياة آدم u. وبقي معنيان آخران للروح وهما الروح بمعنى الوحي مطلقاً (يُلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) وبمعنى القرآن خاصة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى) فالوحي مطلقاً سُمي روحاً والقرآن خاصة سُمي روحاً والملك المكلّف بتبليغ الوحي على الرسول r سُمي روحاً أيضاً. وعندما نزلت الآيات واستقر القرآن في سورة الاسراء (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الغالب على المفسرين أنهم يقولون بأنها قوام الحياة لكن منهم من يقول إنها القرآن لأن ما قبلها وما بعدها يدل على ذلك وأكّد ذلك كما قلنا في سورة الشورى الآية 52. فالروح من أمر الله تعالى هي الوحي والقرآن والروح عموماً بمعنى عيسى u لأما الروح قوام الحياة فهي من أسرار الله تعالى.
أما النفس فهي جِماع الروح والبدن في الغالب ويجب أن نقف عند توصيف النفس في القرآن لنؤدّي مُراد الله تعالى في الحياة. والنفس أنواع : النفس الأمّارة والنفس اللوامة والنفس المطمئنة. وقلنا في الحلقة السابقة أن النفس إذا اطمأنّت في الدنيا ضاعت لأنه إذا اطمئن الإنسان لإيمانه لن يصلي ولن يصوم ولن يعمل صالحاً. النفس على إطلاقها أمّارة فإذا رضي الله تعالى عنها جعلها لوّامة لذا أقسم تعالى بها (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) القيامة) أما النفس المطمئنة يشرحها المفسرون في بعض التفاسير أنها النفس التي صاحبها عمِل صالحاً هذا كلام جيد لكننا ننتبه إلى قول الله تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) الفجر) قال تعالى ارجعي ولم يقل اعملي وهذا يدلنا على أن النفس المطمئنة هذه لا تكون مطمئنة إلا ساعة الموت. فالنفس اللوامة تطمئن ساعة الموت (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق) سكرة الموت تأتي بالحق فالنفس اللوامة التي كانت تلوم صاحبها تطمئن ساعة الموت (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) ويمكن أن نأخذ حلقة كاملة في النفس المطمئنة. النفس الأمارة على الإطلاق واللوامة للمؤمنين والمتقين والمحسنين هؤلاء هم أصحاب النفس المطمئنة ساعة الموت. فلو قلنا أن النفس المطمئنة هي في الدنيا تأتي الآيات في القرآن لتعطينا عكس هذا المفهوم قال تعالى في سورة الفجر (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)) فلو كان المقصود بالنفس المطمئنة تلك التي اطمأنت في الدنيا لركن الغني إلى الغنى واطمئن وركن الفقير إلى الفقر واطمئن وجاء الرد من الله تعالى بعد هذه الآية (كلا) وفيها الإجابة و(كلا) هذه كلمة زجر وردع لأنه لا الفقر دليل الإهانة ولا الغنى دليل الكرم إنما حلّ القضية قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ويكون المتّقي في الدنيا صاحب النفس المطمئنة عند الموت بدليل كلمة (ارجعي) في الآية ولم يقل (اعملي).
والغنى والفقر هما من الابتلاءات في الحياة من الله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك)، والإبتلاء يأخذ أشكالاً كثيرة كالإبتلاء في الصحة والمال والولد والغنى والفقر وغيرها.
ويسأل المقدم حول صحة ما يقال عن أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء فيردّ الدكتور أن هذه مسألة غير مطلقة فقد يكون هناك فقراء غير مسلمين وأغنياء مسلمين وصالحين والمهم هنا أن نسأل هل سننجح في هذا الاختبار وهل يصبر الفقير على فقره وهل يشكر الغني على غناه؟ وكل لفظ في القرآن له دافع لأدائه فالفقر يوجب الصبر والغنى يوجب الشكر والصحة تحتاج لتلقي سليم. وساعة الهجرة هاجر الفقير والغني والفرق بينهما أن الفقير يحتاج لمن يساعده ليهاجر والغني يدفع ليهاجر والرسول r عندما كان في المدينة قال لعبد الرحمن بن عوف وكان من أغنياء المسلمين "أولِم عنهم" بعد أن كان يقول لكل من تزوج "أولم بشاة" وهذه الوليمة هي لاشهار الزواج والمعنى أن الرسول r طلب من عبد الرحمن بن عوف ممازحاً إياه أن يولِم عن الباقين لغناه. وعلينا أن نغتنم الأيام فبل انقضائها كما جاء في حديث الرسول r " اغتنموا خمساً قبل خمس" لأن اليوم الذي ينقضي لا يعود كل فجر يقول يا ابن آدم أنا فجر جديد على عملك شهيد فاغتنمني فإني لن أعود إلى يوم القيامة. فالصبر إذن هو ركن ركين في كل عمل من أعمال المسلم.
نعود إلى مسألة الخلق ويسأل المقدم الدكتور أن يتحدث عن موضوع بداية الخلق خلق السماوات والأرض والبشر والقرآن وهنا يقطع الدكتور على المقدم ليبيّن خطورة القول بخلق القرآن ويقول: حاول الكثيرون أن يعتبروا أن القرآن مخلوق وهو ليس مخلوق ومات من أجل هذه القضية علماء كُثُر وعُذّب علماء كثر منهم الإمام أحمد ابن حنبل ونقول أن القرآن إنما هو كلام الله تعالى باقٍ ببقاء الله عز وجل. والذين افتعلوا هذه الفتنة أرادوا أن يصلوا منها إلىأن كل الخلق سيموتون وبما أن القرآن مخلوق سيموت أيضاً وهذا كلام لا يليق فقد رفضه علماء كثيرون وماتوا لاجل الدفاع عن هذا الأمر فالقرآن باق إلى يوم القيامة والله تعالى ينادي به (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر) فالقرآن ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله باقٍ ببقاء الله تعالى.
وقبل أن نبدأ الحديث عن الخلق وكيف بدأ الخلق نقول أن الموت مخلوق لله وطالما نتحدث عن الموت نتحدث عنه كنقض للحياة ويجب أن نتكلم عن الحياة لنستوعب قدرة الله تعالى في الخلق حتى إذا تكلمنا عن الموت يكون أهون علينا مما هو الآن لأن بعض الناس أو معظمهم يخاف من الموت ويجب أن ننظر إلى الموت على أنه السبيل للقاء الله عز وجل "من أحبّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه". وأُحذر نفسي والمشاهدين من أمور يفتعلها الشيطان حتى نسرح بخيالنا من سؤالنا عمن خلق السماوات وخلق الأرض إلى السؤال من خلق الله؟ والرسول r يعلّمنا أن تقف عند حدّ معين عندما نتفكر ونتدبر في الخلق هذا الحدّ هو الله تعالى ونهانا الرسول r عن إطلاق التفكّر. وأذكر أنه جاء أناس من اليمن للرسول r فقالوا: جئنا نسألك عن هذا الأمر (أي الخلق) فأجابهم الرسول r إجابة بليغة حاسمة فقال: كان الله ولم يكن شيء قبله (في رواية أحمد) وكان الله ولم يكن شيء غيره (في رواية البخاري). ومن هذا الحديث يعلّمنا الرسول rأن الله تعالى هو البداية فالله تعالى هو الأول ليس قبله شيء وهو الآخر فليس بعده شيء وهو الظاهر فلا شيء وقه وهو الباطن فلا شيء دونه وقد علمنا الدكتور رمضان عبد التواب أن نأخذ بينهما أيضاً فالله تعالى هو الأول والآخر وما بينهما وهكذا. فالله تعالى هو كل بداية كل شيء ويتعالى أبو هريرة ويباهي الصحابة على الحديث الذي قال فيه: "أخذ رسول الله r بيدي وقال خلق الله عز وجل التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء (المكروه هو كل ما يكرهه الانسان) وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدوابّ يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل". وللأسف أن العوام من الناس يتناقلون حديثاً أنه في يوم الجمعة ساعة نحس وهذا القول يُخرج من المِلّة لأنه في الحديث الصحيح عن رسول الله r أنه قال:"خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خُلِق آدم وفيه أُدخِل الجنة وفيه أُخرِج منه وفيه تقوم الساعة" رواه أحمد. وعلينا أن نأخذ الكلام من فم رسول الله r.
وحديث أيام الخلق الستة يوضح أن الله تعالى خلق كل شيء بقدر وحكمة وكأن الحديث يقول أن الله تعالى خلق كل الكائنات لأجل آدم ومسخّر له. وفي حديث آخر عندما خلق الله تعالى الأرض جعلت تميد فألقى الله تعالى الجبال لتثبيتها وتعجبت الملائكة فقالوا أهناك شء أشد من الجبال فقال تعالى الحديد فسألوا أهناك شيء أشد من الحديد فقال النار ثم النار تُذيب الحديد ثم الريح تُطفئ التار ثم ابن آدم إذا تصدّق بيمينه ما لم تعلمه شماله.
يسأل المقدم عن خلق الله تعالى لآدم وأنواع الخلق فيجيب الدكتور أن الله تعالى خلق آدم من دون ذكر وأنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى (من آدم)، وخلق البشر جميعاً من ذكر وأنثى وبقي هناك نوع من الخلق وهو الخلق من أنثى بلا ذكر فكان عيسى ابن مريم وأمه وبهذا يثبت الله تعالى لعباده أن قدرته الرباعية على الخلق بكافة أشكاله مكتملة وقال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران) يضرب الله تعالى المثل في عيسى ثم تأتي الآية بعدها بخلق آدم من تراب وكأننا بالله تعالى يقول يا من حاججتم في خلق عيسى من أم بلا أب كان يجب أن تحتجوا على خلق آدم الذي خُلق بدون ذكر ولا أنثى فعيسى كان له أمٌ تحمله أما آدم فلا فإن لم تسألوا عن خلق آدم فلِمَ تسألون عن خلق عيسى؟ فالذي لا يستوقف في خلق آدم ويستوقف في خلق عيسى فكلامه مردود عليه والقادر على الخلق بلا ذكر وأنثى قادر على أن يخلق من أنثى بلا ذكر وقادر على أن يبعث الخلق من جديد يوم القيامة (كما بدأنا أول خلق نعيده).
خلق آدم:
لمّا قضى الله تعالى الخلق خلق القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق وعندما قال تعالى (إتي جاعل في الأرض خليفة) هذا الأمر كان مقضياً به ساعة خلق القلم. يقول الرسول r أن الله تعالى أخذ قبضة من الأرض فجاء الناس على قدر الأرض فيقول الرسول r فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك وجاء منهم السهل والحزن وبين ذلك. ومعنى على قدر الأرض أنه عندما تحلل التربة نجدها تتكون من عناصر كثيرة مختلفة وليست كلها من مادة واحدة وكذلك البشر ليسوا سواء ولكل إنسان طبعه وشكله ونشاهد في الحج كل ألوان البشر وكل الطباع. والمفروض أن يغيّر الاسلام طباع البشر فيصبح الإنسان المسلم راضياً صابراً تعلوه السكينة والسلام وهذا يبيّن قدرة الله تعالى في الخلق.
قلنا في الحلقة السابقة أن سهم الحياة (تراب + ماء تعطي طيناً هذا الطين وصفه تعالى بأنه طين لازب وهذه المرحلة محددة بدقة وهي بين المرحلة السائلة والمرحلة الصلبة تماماً ثم نجد أن الحمأ المسنون لا يكون إلا بعد الطين اللازب (صلصال من حمأ مسنون) وهنا تظهر كلمة لا يقولها الله تعالى بعد من صلصال كالفخار هذه الكلمة هي (فسوّيته) ولو استعرضنا القرآن كله نجد أن كلمة سوّيته لا تأتي إلا بعد ذكر صلصال كالفخار وهذه هي آخر مرحلة وهي مرحلة التصوير. وهناك فرق بين الخلق والتصوير كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف) فالخلق هو ما كان من ماء وتراب ثم أصبح طيناً لازباً ثم صلصال من حمأ مسنون أما التصوير فهو عند الفخار وهذه هي التسوية.
ثم بعد أن سوّى الله تعالى آدم تركه أربعين سنة جثة كما يقول البخاري ستون ذراعاً طول وفي رواية انفرد بها الإمام أحمد ستون ذراعاً طول في سبعة أذرع عرض، هذا الخلق تركه الله تعالى لحكمة وهي استعراض الملائكة لهذا المخلوق واستعراض ابليس له. والملائكة كانت ترى هذا المخلوق ولا تقول شيئاً رهبة من الله تعالى أما ابليس فهو الذي تساءل عن هذا المخلوق وهذا يعلّمنا أن العداء بين ابليس وابن آدم قديم لأن الشيطان كان يدور حول آدم ويقول : من أجل أمر ما خُلِقت. ثم زال خوف ابليس من هذا المخلوق لمّا وجده أجوفاً لأنه علِم أنه لن يتمالك بمعنى أن الشهوة تغلِب عليه (شهوة البطن والفرج) فيسمع كلام ابليس. فقال ابليس للملائكة لا تخافوا من هذا فإنه أجوف وربّكم صمد. والصمّد في اللغة الشيء المُصمد هو الشيء الذي لا جوف له. وفي قوله تعالى (الله الصمد) قال بعض المفسرين أنها تعني المصمود إليه في الحوائج وهذا المعنى لا يشفي الغليل من اللفظ ولكن الصمد هو الذي لا يحتاج إلى ولد أو زوجة وهذه الكلمة (الصمد) لم تأت في القرآن إلا مرة واحدة وهي من الكلمات الفريدة. وفي بعض البلاد العربية يسمون الصمد المكان الذي ليس فيه طعام ولا شراب ونحن نقول إذا كان للقنينة غطاء يلف لفّاً نسميه غطاء فإن كان يدخل فيها ويُحكِم إغلاقها نسميه صماد.
فلمّا علِم ابليس أن آدم أجوف اطمئن وقال لآدم جملة يجب أن نفهمها جيداً ونفهم معناها: لئن سُلِّطتُ عليك لأُهلكنّكَ ولئن سُلِّطتَ عليَّ لأعصينّك. وهذا يبيّن أن العداوة بين ابليس وآدم واقعة من وقت أن أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم وكان ابليس حاضراً عند الأمر بالسجود.
ثم نفخ الله تعالى في آدم من روحه فدخلت الروح وكلما دخلت إلى جزء من جسد آدم تحول الفخار إلى لحم وجلد ودم ويقال أن أول ما دخلت الروح إلى رأسه من الأنف فعطس آدم وهناك حديثان حول هذا الأمر أحدهما أنه ساعة عطس آدم قال الحمد لله فقال الله تعالى يرحمك الله والثاني أن الملائكة علّمت آدم أن يقول الحمد لله وهذا العطس والدعاء بعده هو دعوة للعاطس بالرحمة. إذن دخلت الروح من المداغ وهذا الموضوع دخلت فيه الكثير من الاسرائيليات ثم مشت الروح حتى وقفت عند البصر فنظر آدم إلى ثمار الجنة ثم أول ما وصلت الروح إلى بطنه اشتهى الطعام فشبّ ليأكل منه ولم تكن الروح قد وصلت لرجليه بعد (خُلِق الإنسان من عجل) وهذا عيب الشهوة لأنه كان متعجلاً للطعام ومن هنا كان فضل الله تعالى علينا بالصيام لتأديب النفس وتعويدها على الطاعة ففي الصيام منع النفس عن الحلال فإن استطاعت هذه النفس أن تمتنع عن الحلال فيمكنها أن تمتنع عن الحرام وهذا من فضل الله تعالى علينا. ثم وصلت الروح إلى القدمين واستوى الخلق وساعة تمّت تسوية آدم ودخول الروح إلى سائر أعضائه أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم وهذا الأمر بالسجود صدرمن الله تعالى قبل الخلق وليس بعده ولهذا ضاق ابليس بهذا المخلوق (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
وساعة خُلِق آدم وساعة سوّاه الله تعالى وساعة أتمّ الخلق كتب الله تعالى في كتاب فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي فكأن الله تعالى يقول إن هذا المخلوق خُلِق للمعصية وساعة عصى آدم ربه كانت التوبة جاهزة (فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) والله تعالى غفّار وغفور وفي الحديث : إن لم تّذنبوا لاستبدل الله قوماً غيركم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم.
فأسأل الله تعالى أن نستوعب هذه القضية ونعلم أن الشيطان يتربص لنا كالموت وأسأل الله تعالى أن يُجنّبنا الشيطان وأن يجنّب الشيطان ما رزقنا. واختتم الدكتور الحلقة بدعاء.
أسئلة المشاهدين:
سؤال 1: سألت إحدى المشاهدات عن عذاب القبر وهل يكون في القبر حساب مع العلم أن الحساب يكون يوم القيامة فكيف نقضي الفترة بين القبر والقيامة؟ وما صحة ما يُقال في عذاب القبر وضيقه والثعبان الأقرع؟ وهناك سؤال آخر عن ما يُعرف بـ(عِدّية يس) وهي أن تُقرأ أربع مرات وتكرر كل آية عدد معين من المرات؟
الجواب: أولاً دعونا نقول حساب القبر وليس عذاب القبر فهل عندنا في القرآن عذاب فقط أليس عندنا نعيم؟ سورة الرحمن التي تتكلم عن الجنان أليست نعيماً؟ فواجب المتكلمين أن يتصدوا لهذا الأمر لأن كلمة عذاب تكون نتيجة شيء وهذا الشيء يجب أن يكون له إحدى نتيجتين العذاب أو النعيم فلماذا نشدد على العذاب وبصراحة وللأسف لقد عشنا فترة طويلة من الدعوة بأسلوب الترهيب ولا ننكر أن أسلوب الترهيب هو من وسائل الدعوة لكن لا ننسى أسلوب الترغيب أيضاً ونأخذ ما جاء عن ابن عباس رضي الله لنتعلم : جاء رجل الى ابن عباس وسأله أللقاتل توبة؟ فنظر إليه وقال نعم للقاتل توبة وبعد أربعة أيام جاءه رجل آخر فسأله أللقاتل توبة؟ فنظر إليه ابن عباس وقال لا ليس للقاتل توبة فسأله أحد الحاضرين يا إمام أنت تكيل بكيالين قال ابن عباس إن الذي جاء أولاً جاء وقد قتل ويريد أن يتوب (وتعلّم من حديث رسول الله r عن رجل من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً) فكالما قتل ويريد التوبة فالتوبة بابها مفتوح ليل نهار أما الثاني فيسأل قبل أن يقتل هو يريد معرفة الحكم قبل أن يقتل فلو أجابه ابن عباس بنعم لثتل ثم عاد ليتوب فأراد ابن عباس أن يمنعه من القتل فقال لا ليس للقاتل توبة وكأننا بابن عباس يمنع جريمة. وهذه من فراسة ابن عباس كما في الحديث:" اتقوا فراسة المؤمن فنه ينظر بنور الله". فالترغيب ينفع في أوقات والترهيب ينفع في أوقات.
هناك حساب يعقبه نعيم إذا كان الرجل (بمعنى الرجل والمرأة) من أهل الصلاح أو يعقبه عذاب إذا كن الرجل من أهل الطلاح.
أما بالنسبة للسؤال حول عدية يس فليس هناك ما يسمى بهذا وإنما أقرأ يس لأنها سورة من سور القرآن وليس للتكرار الذي سألت عنه الأخت أي صحة ولا سند له في السنّة الصحيحة. ويجب أن نخرج من هذه الألفاظ وسنستعرض في حلقة لاحقة موضوع الأحاديث في سورة يس وعرض لها بالتفصيل ونبين الصحيح منها من الموضوع. ونقول إن سورة يس هي سورة من القرآن نقرأها لما شئنا.
سؤال 2 : قال الدكتور في الحلقة الماضية بخصوص الروح والنفس هداية أن الروح هي قوام الحياة وذكر الأدلة من كتاب الله وأنا أوافقه الرأي لكن كما قرأت فإن الروح خالدة لا تموت، ومن هذا المبدأ أرى والله أعلم أن الروح عندما تدخل الجسد ينتج عنها النفس التي هي الأحاسيس والتفاعلات الروح مع الجسد ثم إن هذه النفس إما تُقتل (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق) أو تموت (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) أو يتوفّاها الله تعالى (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها). فهل هذا التفسير منطقي؟ لأننا إذا جزمنا أن الروح قوام الحياة وهي التي تعطي الحياة للجسد فلماذا يُعبّر عن النفس بأنها هي التي تموت أو تُقتل أو تُتوفّى؟ أتمنى أن تتوسع في هذا الموضوع لأنه موضوع حسّاس وقد يُضيّع الكثيرين.
الجواب: النفس عُبّر بها عن الروح أحياناً معينة وعلينا أولاً أن نفرّق بين الموت والقتل:
الموت هو الحالة التي تخرج فيها الروح من بدن الإنسان بعد أن أدّت مهمتها في هذا البدن وبعد أن بقيت فيه المدة التي شاءها الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) الأنعام).
والقتل هو عندما يُهدم الجسد أو الوعاء الذي يحتوي الروح فيصبح هذا الجسد غير صالح لاستيعاب الروح فتخرج الروح من هذا الجسد لفساده.
والموت والقتل هما بأمر الله تعالى وبإذنه. وقد تطلق كلمة النفس على الروح في القرآن لكن الروح لا تُطلق على النفس فالتي تتوفى في الحقيقة هي الروح عُبّر عنها بالأنفس (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) لأنه يوجد من هو نائم فلو أن النائم روحه خرجت يكون قد مات ولهذا لا يصح أن نقول الروح بدل النفس لأنه لو قالها مع النائم لأوجب أن يموت هذا النائم ولذها أطلق الله تعالى كلمة النفس هنا بمعنى الروح ، واطلاقات النفس بدل الروح في القرآن لهدف في القرآن ففي الآية (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) الأنفس بمعنى الأرواح والتي تُمسك هي التي ستموت والتي تُردّ هي روح النائم. والفرق بين الموت والوفاة أن كل موت وفاة وليس كل وفاة موت وأيّ موت يشمل الوفاة وللتأكد من الفرق بينهما ننظر إلى قوله تعالى في قصة عيسى u (إني متوفّيك ورافعك إلي ومطهرك) عيسى لم يمت ولكنه متوفّى ولهذا قال تعالى متوفيك ولم يقل مميتك وكذلك نفى عنه الصلب والقتل في آية أخرى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) هذا ليس موتاً وإنما وفاة لذا فعيسى u متوفّى وليس ميتاً.
سؤال 3: تسأل إحدى المشاهدات عن سكرات الموت وهل هي دليل على صلاح الميت؟
الجواب: لا تأخذوا سكرات الموت على أنها قضية مسلّم بها فمنهم من يُشدّدُ عليه وهو من الصالحين ومنهم العكس فلا نأخذها بشكل عام ونحن لا نملك أن نقول هذا في الجنة وهذا في النار فهل إذا مات أحدهم فجأة يكون هذا دليل على عدم صلاحه؟ الله أعلم قد يكون هذا الرجل من الصالحين وسنستعرض في حلقات قادمة موت الرسول r ويعض الصحابة. وأقول أن علامات الصلاح والطلاح تظهر على الإنسان في حياته فهل كان هذا الإنسان محسناً مصلياً صائماً مصلحاً بين الناس أو كان على عكس هذا؟ فالسكرات ليست دلالة على صلاح أو فساد المتوفى.
سؤال 4: تسأل إحدى المشاهدات أن أباها مات من شهرين مبطوناً بالقلون فهل يُعتبرشهيداً؟
الجواب: في الحديث عن رسول الله r أن المبطون شهيد. ولا نملك إلا أن نسأل لهذا الميت الرحمة والمغفرة وسنعود للحديث عن الشهيد في حلقات قادمة. فالشهيد قبل أ يكون مبطوناً أو غيره إن كان من العلماء فهو من الشهداء مصداقاً لوله تعالى في سورة البقرة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فمن أمة محمد r من قرأ القرآن وفهمه وأصبح قادراً على أن يكون شهيداً على الناس. وأقول للأخت السائلة أكثري من الصلاة والقيام وقراءة القرآن وتدبره فيطمئن الأهل إلى أنك ستكونين من الشهداء.
سؤال 5: من له الحق بالدخول على المتوفي قبل التكفين ومن يحق له تغسيل الميت؟
الجواب: رجال من أهل بيت الميت الأدنى فالأدنى إن كان رجلاً أو نساء من أهل بيت الميتة الأدنى فالأدنى وهذا لأن القريب لا يفضح الميت إن رأى فيه عيباً أو ما شابه بل يستر عليه. وسنأخذ بالتفصيل في الحلقات القادمة هذا الموضوع والرسول r كان عنه الصدّيق وبعض الصحابة فسألوه من يلي غُسلك يا رسول الله؟ قال رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى. والدخول على الميت له آداب وليس كما يفعل الناس هذه الأيام وإنما يدخل عليه أولاده وزوجته وأهله كما سنشرح في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى.
سؤال 6: هل إذا عُذِّب الانسان في القبر يخفف عنه من عذاب يوم القيامة؟
الجواب: عذاب القبر لا يخفف من عذاب الآخرة ولا علاقة له بعذاب الآخرة وإنما هو عبارة عن مقعد الإنسان يوم القيامة يراه في قبره.
سؤال 7: إحدى المشاهدات اتصلت وسألت أن ابنة خالتها البالغة من العمر عشرون عاماً توفيت في رمضان ودخلت في غيبوبة مدة 13 يوماً لكنها لم تكن تصلي وكانت السائلة معها في المستشفى فطلبت منها ابنة خالتها أن تعطيها بعض الهواء علماً أنهم وضعوا لها الكسجين فلم تعرف الأخت ماذا تفعل فأخذت تهويّ لها بثيابها لكنها تشعر الآن أنها قد تكون قصّرت في حق ابنة خالتها فهل عليها وِزر؟ ثمإن السائلة لا تحافظ على الصلاة.
الجواب: لا ذنب عليك إن شاء الله ونسأل الله أن يغفر لها ويرحمها. ويجب على الإنسان أن يأخذ عظة مما يحصل أمامه وعلى السائلة أن تأخذ من هذا الموقف دافعاً لها لتحافظ على صلاتها ولا يؤلم الإنسان ساعة الموت إلا تقصيره في الصلاة والعبادات.

بُثّت الحلقة بتاريخ 29/2/2004م









_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:29 pm


الحلقة الثالثة (بداية ومراحل الخلق)
خلق الله تعالى الخلق في أربع أنواع: خلق آدم u بدون أب ولا أم، وخلق حوّاء من ضلعه أي من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى u من أنثى بلا ذكر، وخلق بني آدم جميعاً ومنهم الرسول r من ذكر وأنثى.
وجاء في الحديث الشريف عن الرسول r أن أهل اليمن جاءوا إلى الرسول r قالوا: جئناك لنسألك عن أوّل الأمر (بمعنى كيف بدأ الخلق) ففهم الرسول r السؤال وعرف أنه يحتاج إلى إجابة منه حتى لا يترك الناس للأهواء والعبث والشيطان فقال r: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض." وفي رواية أخرى (ولم يكن شيء غيره). والماء الذي عليه العرش هو الماء كله الي خلقه الله تعالى وكتب في الذكر معناها اللوح المحفوظ. فيجب أن نجعل الله تعالى بداية تفكيرنا حتى لا ننتقل من سؤال من خلق كذا ومن خلق كذا لنصل إلى سؤال من خلق الله؟ وهذا من عبث الشيطان ببني آدم.
وللإجابة عن السؤال كيف بدأ الكون؟ يجد الإجابة في حديث الرسول r فكتابة كل شيء في الذكر كان بل خلق السمولت والأرض والحديث يتفق مع حديث آخر (إن الله خلق القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) إذن خلق الله تعالى العرش ثم القم وأمره أن يمتب كل شيء ثم السموات والأرض وهذا كله قبل خلق آدم u. إذن آدم خُلق بعدما خلق الله تعالى له الخلق كلّه كما جاء في حديث أبو هريرة: أخذ رسول الله r بيدي وقال: " خلق الله التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدواب يوم الخميس وخلق آدم آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل في آخر الخلق." لأن الله تعالى كرّم آدم على سائر المخلوقات وقال في سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) هذا التكريم يدلّ على أنه خلق آدم بين شريف (وهم الملائكة) ووضيع (الحيوان) فكان آدم وسط بين الإثنين وجعل له مفاتيح إن أخذها يستطيع أن يتقرّب من الملائكية وإذا تركها تدنّى للحيوان (بالشهوة الحيوانية) يقال ليتيم الإنسان من فقد أبوه أما يتيم الحيوان فهو من فقد أمه لأن ذكر الحيوان يأتي شهوته ثم يترك صغاره فتربيهم أمهم. ولا يتدنى للشيطان لأن الشيطان خلق آخر مخلوق من مارج من نار. فالإنسان إما أن يكون من أولياء الله أو من أولياء الشيطان اتّباعاً وليس خلقاً وهناك فرق بين الإتباع والخلق. وحينما يصوم الإنسان يتجرّد من بشريته ويعلو ويتقرب من الملائكية بدليل ما جاء في القرآن الكريم على لسان مريم عليها السلام (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أُكلّم اليوم إنسيا) نفت كلامها مع الإنس لكن لو جاء جبريل لكلمته، فالصيام يرفع درجة الإنسان إلى درجة الملائكية وهي الطاعة العمياء لأن الملائكة جُبلت على ذلك والبشر الطائعين أفضل عند الله تعالى من الملائكة لأن الإنسان الطائع الذي أمامه الفجور والتقوى اختار الطاعة والتقوى أما الملائكة فهي طائعة بالكليّة. وقوله تعالى في سورة البلد (وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة) وقوله في سورة الشمس (فألهمها فجورها وتقواها) الإلهام هنا بمعنى الإرشاد أي أن الله تعالى يُرشد الإنسان إلى الطريقين طريق الخير وطريق الشر وهذا من رحمته ومن نعمه على الإنسان لأنه عندما يبيّن لنا طريق الشر يعيننا على تجنبه فلا نفع في المعاصي ولا نقع في شرور الأعمال وهذا من فضل الله علينا وعندما يُبيّن لنا طريق التقوى نتيعها وهذا لا يتعارض مع النفس البشرية التي جُبلت على الفطرة. إذن إلهام الفجور هو من فضل الله ونعمه علينا حتى نجتنب الفجور وما يؤدي إليه.
وإذا لاحظنا القرآن كله نجد أن الله تعالى ذكر أنه خلق بيده شيئين اثنين فقط هما آدم u (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) والسماء في قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) وهذا من باب تكريم آدم u. وهناك أربعة أمور كرّم الله تعالى بها آدم u هي:
كرّم الله تعالى آدم بأن خلقه بيده (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وكما أوضحنا سابقاً خلق الله تعالى آدم والسماء بيده فقط على ما نصّ عليه القرآن الكريم.
أن الله تعالى نفخ في آدم u من روحه (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهذا لم يحدث في أي خلق من خلق الله تعالى.
أسجد له الملائكة (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) وهذا أيضاً لم يحدث لخلق آخر من خلق الله تعالى.
علّمه الأسماء كلها (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة). والأسماء هي كل شيء خلقه الله تعالى حتى الكلام ولهذا لم يقل وعلّمه الكلام لأن الكلام ليس هو الأسماء أما الأسماء فهي تشمل الكلام. الكلام هو أسماء وأفعال وحروف لكن يوجد كلام ليس به أسماء وقد يكون أفعالاً وحروفاً فقط فلو قلنا مثلاً يلعب الولد بالكرة وأعربنا يلعب لقلنا أنها فعل مضارع، فإذا قلنا اعرب فعل مضارع نقول فعل مبتدأ ومضارع خبر إذن توصيف الفعل هو إسم كذلك (في) حرف جر وكلمة (في) اسم ولذلك قال تعالى علّمه الأسماء ولم يقل علمه الكلام أي علّمه الأسماء بما فيها من أفعال وحروف وكلام. ثم قوله تعالى (ثم عرضهم على الملائكة) تدل على صحة قولنا هذا وأنها ليست مجرد أسماء وإلا لقال تعالى ثم عرضها على الملائكة.
يردد الكثير من الناس مقولة أن آدم هو خليفة الله في الأرض وهذا كلام باطل وفيه كفر لأن القرآن الكريم لم يقلها أصلاً وإنما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) مطلقة ولم يقل خليفة لي. ثم إن هناك أمر آخر يقال خليفة في اللغة لمن يخلف غيره ويقوم مقامه في غياب المخلوف أو موته أو فنائه. وآدم u جاء خليفة في الأرض لمن كان قبله من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ولهذا في حوار الملائكة مع الله تعالى قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) لأنهم علموا ما فعل الجن سابقاً ثم لما أفسدت الجن في الأرض أمرهم الله تعالى بإخراجهم إلى جزائر البحور ولو فهمت الملائكة أن الله تعالى أراد أن يخلق آدم ويجعله خليفة له لما تساءلت كما ورد في الآية والملائكة أعلم بذات الله من حيث الطاعة والعبادة. ولا يمكن أصلاً أن يكون لله تعالى خليفة فالله تعالى ليس كمثله شيء، وأطرح سؤالاً مت يُعين خليفة؟ والجواب عندما يموت المخلوف ! الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه عُيّن خليفة لرسول الله r بعد وفاة الرسول r، أما الله تعالى فحيّ لا يموت ولا يجب علينا التجرؤ على الله تعالى بمثل هذه الأقوال . ومقولة الناس آدم خليفة الله في الأرض كلام خطأ باطل مفترى وكأن الله تعالى يحتاج لخليفة في الأرض وآخر في السماء وآخر في الجبال وحاشاه سبحانه وتعالى عما يقولون. البشر فقط هم من يحتاج إلى خلائف والحاكم الواحد قد يحتاج لأكثر من خليفة أما الله تعالى فليس كمثله شيء ولا يمكن أن يكون له خليفة. وقد اعتمد ابن كثير في تفسيره على قول الله تعالى (وجعلناكم خلائف الأرض) في تفسير آية سورة البقرة (إني جاعل في الأرض خليفة).
ذكرنا سابقاً أربعة أوجه لبيان قدرة الله تعالى في الخلق هي خلق آدم u، خلق حواء، خلق عيسى u وخلق باقي البشر ومنهم الرسول r، ونبيّن الفرق بينهم.
خلق الله تعالى آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض وتفرّد آدم u أنه خُلق من تراب وماء ثم كان طيناً لازباً ثم حمأ مسنوناً ثم فخاراً ثم نفخ الله تعالى فيه من روحه فتحول الفخار إلى الجسد البشري وآدم u خُلق بدون ذكر أو أُنثى. ثم خُلقت حواء من ضلع آدم u أي من ذكر بلا أنثى ثم خلق الله تعالى بقية الخلق من البشر من ذكر وأنثى فبقي أن يخلق تعالى بشراً من أنثى بلا ذكر فخلق عيسى u لتثبيت قدرته على الخلق بجميع أنواعه. وهنا نأتي لمن توقفوا عند خلق عيسى ونقول لهم كما قال تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) فيا من توقفتم عند خلق عيسى وقلتم خلق بطريقة غريبة كان الأولى بكم أن تتوقفوا عند خلق آدم فعيسى على الأقل كان له أم تحمله أما آدم فخُلق من دون ذكر ولا أنثى والتوقف عند خلق عيسى كان لمجرد الكفر لأن كان يجب عليهم أن يقولوا سبحان الله إن الذي خلق آدم بهذه الطريقة قادر على خلق عيسى من أنثى بلا ذكر.
أما بنو آدم فلننظر في آيات القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول r يتضح لنا مراحل خلق بني آدم. جاء في حديث الرسول r: " إن خلق أحدنا في بطن أمه يكتمل في أربعين يوماً ثم يصبح مضغة مثل ذلك ثم علقة مثل ذلك ثم يأتيه ملك من قِبل الله فيسأل أربع أسئلة عن رزقه وعن أجله وعن عمله وشقي أم سعيد" وفي رواية البخاري ينفخ فيه الروح قبل الأسئلة، وفي رواية مسلم ينفخ فيه الروح بعد الأسئلة، ورواية أحمد والترمذي جمعت الروايتين.
والفيصل في مراحل خلق الإنسان ما جاء في أوائل سورة المؤمنون فقد أوقع تعالى خلق الإنسان توقيعاً بليغاً فقال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) والآية تشير إلى خلق آدم (من سلالة من طين) وهو بداية الخلق ثم يأخذ من هذه البداية خلقاً آخر (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) وهذه طريقة خلق ذرية آدم u، وقد جاء في الآية في سورة الأعراف (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) وهذا حدث في عالم الذرّ والذي فيه يتكلم الناس ويشهدون ويلبّون ويفعلون ما يأمرهم الله تعالى تنفيذاً لحكم الله ولعلم الله وقدرته. وهذه الآية هي حقيقة حصلت فعلاً وكل البشر من آدم u إلى الساعة شهدوا بوحدانية الله تعالى وحينمت أمر تعالى ابراهيم u بأن يؤذن في الناس بالحج أجاب ابراهيم وما يبلغ صوتي فقال تعالى عليك الأذان وعلينا الإبلاغ فصعد ابراهيم u فوق جبل أبي قبيس ونادى: يا بني آدم إن الله تعالى بنى بيتاً فحجّوه فأجابت كل الأرواح في عالم الغيب الأمين لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك فالذي أجاب هم كل من كتب الله تعالى له الحج أو العمرة. وفي موضوع الخلق آية سورة الأعراف دليل على أن الله تعالى أخذ من أصلاب الآباء الحيوانات المنوية التي ستصبح بشراً فيما بعد. ولماذا أشهدهم الله تعالى على أنفسهم في عالم الذر؟ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، غير المسلم يأخذ باله وينتبه جيداً للتكنولوجيا وآخر المستجدات والأبحاث والإكتشافات العلمية ول يأخذ باله او يتفكر في بمن أوجد كل هذا الكون وخلقه من عدم بما يدلّ على وجود الخالق العظيم. وقد سُئلت امرأة على الفطرة هل جاءك الإسلام فقالت لا قالوا كيف عرفت أن الله واحد فأجابت البعرة تدل على البعير والخطى تدل على المسير كونٌ له بحار وأرض وجبال ألا يدل ذلك على وجود الحكيم الخبير؟. وابراهيم u لما خرج يتأمل في الكواكب يبحث عن الخالق لم يقتنع بأي من الكواكب أن تكون ربه لأنها كانت تأفل والآفل هو المتغير فقال ابراهيم في نفسه إن الذي يتغير له مُغيّر فالمغيّر هو الذي يستحق العبادة. وهو أولى بها. بقي ابراهيم u يبحث في المتغيرات إلى أن وصل إلى الذي يُغيّر ولا يتغيّر فقال (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلما) وابراهيم u كان من الذين اشهدهم الله تعالى على أنفسهم، فالفطرة السليمة تصل بالإنسان للتوحيد وآيات الخلق في سورة المؤمنون تدل على أن الفطرة السليمة تصل بالإنسان إلى الإله الحقّ.
شرّف الله تعالى آدم كما قلنا سابقاً إن خلقه بيده فكيف أعصاه؟ ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته ومن ضمن التشريف لآدم أن الشيطان لم يسجد له لأنه عاصي والتشريف الرابع أنه علّمه الأسماء كلها (علّم الإنسان ما لم يعلم) فلا يجوز للإنسان أن يقول اخترعت لكن يجب أن يقول اكتشفت لأن الإختراع أن تنشئ الشيء والمنشيء والواجد هو الله تعالى وأما البحوث فتصل بالإنسان إلى اكتشاف الأشياء.
أسئلة المشاهدين:
تحدثت في لقاء سابق عن توبة الملائكة فهل لك أن توضح لنا ماهية هذه التوية؟ الملائكة تابت توبة إنابة إلى الله تعالى عندما قالت في سورة البقرة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32}) باعتبارهم قالوا بغاية الإستفسار (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فقال الله تعالى (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) والملائكة عندما تكلمت تكلمت في نفسها (أن الله تعالى مهما خلق من خلق فلن يكون أكرم منّا على الله) ثم تنبهوا وتابوا إلى الله توبة إنابة لا توبة عن معصية لكن توبتهم كانت عن مجرد استفسارهم وسؤالهم أصلاً لم يكن من باب الإعتراض وإنما من باب الإستفسار. والإستفهام لغة الغرض منه الإستفسار فعندما نسأل مثلاً أنجح الولد لا يكون استفهاماً بل تحققاً ويدل على أن الولد نجح لكن أتأكد فقط. والملائكة جُبلت على الطاعة ولم يكونوا يعترضون على الله تعالى لكن كما قلنا سؤالهم كان سؤال استفسار لأن الملائكة علمت أن الجنّ سبقت آدم في الأرض وأفسدوا وسفكوا الدماء فظنوا أن من يكون على الأرض يكون وظيفته الإفساد وسفك الدماء ولهذا سألت الملائكة والآية فيها كلام كثير ربما تعرضنا له في حلقات قادمة.
وسأل المشاهد عن الشيطان وكيف سُلّط على آدم حينما رآه مخلوقاً أجوفاً والله تعالى صمد. الشيطان سُلّط علينا من كل جانب (لئن سُلّطت عليه لأغوينه) ونسمع كلامه بدليل المعاصي التي يرتكبها الإنسان فهي إما أن تكون من هوى النفس أو من الشيطان. ويحذرنا الله تعالى من اتباع الشيطان في قوله (إن الشيطان كان لكم عدواً فاتخذوه عدوا) ونحن نسمع كلامه على مدار اليوم ونتبعه مع أن الشيطان ليس قوياً بدليل قوله تعالى (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
ما الحكمة من خلق الشيطان؟ الشيطان بما له وما عليه من تركيبة عبادته أن يُغوي ابن آدم وعلى هذا الشيطان يؤدي وظيفته أحسن من البشر فقد قال لربه (وبعزتك لأغوينهم أجمعين) وهو يؤدي هذه الوظيفة أما نحن فلم نفعل ما أمرنا الله تعالى به وهو أن نحذر الشيطان ونجتنبه وعدم اتباعه. ولو فتشنا في القرآن كله نجد أن البشر إما أن يكونوا في معيّة الله تعالى أو في معيّة الشيطان . وخلق الشيطان ينطق بالحكمة التي من أجلها خُلق وهي غواية البشر (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {13} سورة السجدة) (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ {85}ص). فالإنسان عنده فرصة الطاعة أو المعصية واتباعنا للقرآن والرسول r والسنة النبوية يوصلنا إلى الجنة باذن الله ومن يتركهم يكون مصيره إلى النار والعياذ بالله. والشيطان يوسوسلكن لا يوجد مقابله ملك يقول لك لا تفعل وإنما مقابله قرآن كريم وحديث الرسول r فالعقيدة هي الأساس ونحن للأسف أسأنا فهم القرآن وفهم الرسول r وأسأنا طاعة الله تعالى وطاعة رسوله r فكان البديل ما نحن عليه.
سبق أن تحثت عن إعجاز عددي في بعض سور القرآن فهل لك أن تحدثنا عنها؟ سبق أن قلت في لقاء سابق أنه في سورة محمد الآية 13 (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ {13}) إشارة إلى 13 سنة قضاها الرسول r في مكة، وفي سورة التوبة (الجزء العاشر) إشارة إلى 10 سنوات قضاها الرسول r في المدينة. وفي نهاية الجزء 23 الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}الزمر) إشارة إلى موته r بعد ثلاث وعشرين سنة من الدعوة.
ما أهمية الإستبراء من البول بناء على ما جاء في الحديث الشريف عن الذين يعذبان وما يعذبان في كبير؟ كان أحدهما لا يسبرئ من بوله؟ البول نجس والنجاسة تُخرج الإنسان من معية الملائكة إلى معيّة الشيكان والله تعالى كرّم بني آدم. ومفاح الجنة أمرين الصيام والصلاة فالصيام يرقى بالناس إلى الملائكية والصلاة التي مقدمتها الوضوء تجعلك في معية الملائكة فإذا عاش الإنسان على وضوء فحياته كلها تكون في معيّة الملائكة وقد جاء في حديث الرسول r عن بلال رضي الله عنه أنه قال له إني لأسمع دف نعليك في الجنة فقال بلال رضي الله عنه ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين لله سنة وضوء. فالإنسان الواعي عليه أن يكون على وضوء دائماً حتى يبقى في معية الملائكة لأنها تبتعد وتتأذى من النجاسة. وفي حديث آخر للرسول r عن المحتضر بأن لا يدخل عليه لا جُنُب ولا حائض ولا نُفساء لأن الملائكة تتأذى من النجاسة. والذي يتبول عليه أن يستبرئ من البول ويتطهر بالماء ثم يتوضأ فيكون في معية الملائكة إن كانت هذه حاله دائماً.
شرح آية في سورة الأعراف 172 قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) . هذه الآية تحكي قصة الخلق أن الله تعالى جبل بني آدم على الفطرة السليمة ونحن في عالم الذرّ بالفطرة السليمة وحّدنا الله تعالى حتى من جاء بغير الإسلام كلهم شهدوا بالوحدانية لله تعالى. في عام 1985 في مؤتمر طبي في القاهرة رأينا إن الحيوانات المنوية التي يمكن أن تُلقّح البويضة تطوف حول البويضة 7 مرات عكس عقارب الساعة حتى الإلكترونات تدور عكس عقارب الساعة 7 مرات وهذه العملية تماماً كاطواف حول الكعبة وهذا يدل على أن كل شيء سيُخلق يُعلن التوحيد قبل خلقه. فالمولى بعزته وجلاله أسلم له من في السموات والأرض (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {83} آل عمران) فالمسلم وغير المسلم عندما يستيقظ صباحاً لا يمكن أن يعمل شيئاً لا يريده الله تعالى فهو مسلم كرهاً. وهذا يقودنا إلى سؤال آخر ويحتاج لحلقة بكاملها لتناوله وهي هل الإنسان مخير أو مسيّر. ونقول الآن باختصار أن الإنسان مخيّر في أمور العقيدة والعبادة والقضية يجب أن تدور في فلك علم الله تعالى وعلمه سابق أزلي، علِم الله أن سأكون في الجنة أو في النار وهذا لا يتناقض مع كوني أختار الإيمان وعكسه، ومنتهى علم الله شيء وكوني أختار شيء آخر وما أختاره أيضاً في علم الله وهذا ما أوجد لبساً عند الناس. وهناك من قال أن الإنسان مسيّر مطلقاً ومنهم من قال أنه مخيّر مطلقاً ومنهم من قال مسيّر في أمور ومخيّر في أمور أخرى.
ما تفسير الحديث الشريف (ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)؟ هذا الحديث هو تتمة حديث الخلق الذي ذكرناه سابقاً. نحن لا نعلم قضاء المولى لي بالجنة أو بالنار لكن كفاني فخراً أن الله تعالى اختارني مسلماً وكوني مسلماً يحتم علي منطقياً أن انطلق في الطاعات والعبادات لا بالمعاصي لئلا أُقبض عليها. وفي حديث الرسول r تحذير شديد وتوجيه إلى المداومة على الطاعة وعدم الإقتراب من المعاصي مهما صغّرها الشيطان في النفس فقد تكون هذه النهاية. المسألة تعود إلى الله تعالى من عاش في الطاعات ثم قرر مثلاً أن يذوق الخمر ثم قُبض على ذلك فكأنه كفر بكل ما سبق من طاعات. والله تعالى يشتر العصاة ليعطيهم فرصة للعودة والطاعة وحتى لا يكونوا قدوة لغيرهم، فمن نعم الله علينا ستر المعاصي وكأننا بالله تعالى يجعلنا على الطاعة فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. فالسارق يستره الله تعالى حتى لا يراه غيره ويقتدي به.
كيفية الإستواء على العرش؟ الإستواء معلوم والكيف مجهول ونحن نقول سمعنا وأطعنا. هذه المسألة حيّرت الفلاسفة والعلماء والرسول r علّمنا أن لا نقول كيف وأين ولماذا؟ وقوله تعالى (وكان عرشه على الماء) استخدامه له حكمة وهي أزلية كل شيء بالنسبة لله تعالى.
هل صحيح أن موسى عليه السلام وآدم رفضا ملك الموت عندما جاء ليقبضهما؟ موت آدم وموسى يفيدنا أن الموت يُرعب الناس جميعاً لكن يجب أن يُحب الناس لقاء الله حتى يُحب الله لقاءهم ويجب أن يكونوا مستعدين للموت. وعندما خُلق آدم رأى داوود فقال من هذا؟ قال نبي من آخر الزمان قال كم عمره قال ستون عاماً قال رب اتممهم مئة فقال تعالى لا يمكن أن اكمله إلا من عمرك فأخذ من عمر آدم أربعين عاماً (وهذا اختبار) وعاش آدم r ألف عام إلا أربعين عاماً جاءه ملك الموت فقال من أنت قال ملك الموت قال ماذا تريد قال ألم تُعطي داوود أربعين عاماً من عمرك فقال لم يحصل فقال النبي r فجحد آدم وجحدت ذريته من بعده ونسي آدم ونسيت ذريته. والشاهد من هذه القصة أن تُعطي وعداً ولا تنفّذه. أما موسى u فقد فقأ عين ملك الموت (صكّه) وفي رواية فقأ عينه وقال لا أريد أن أموت وعاد ملك الموت إلى ربه فقال عد إليه فقال إن الله أمرك أن تضع يدك على جسم ثور وسيزيد في عمرك على قدر الشعرات التي يمسّها كفك فقال موسى ثم ماذا قال الموت فقال إذن الآن. والشاهد من هذه القصة أن الموت قادم لا محالة وعلى الإنسان الإستعداد له وقال الرسول r أكثروا من ذكر هادم اللذات (أي الموت) وقال أيضاً (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه). ولما جاء ملك الموت للرسول r الذي فهم الموت وهو مؤمن بقضاء الله ويعرق قيمته عند ربه قال: "إن عبداً خيّره الله بين " فحزن أبو بكر وفهم كلام الرسول r بأن الأجل قد دنى. وكذلك موسى لا نقول أنه كره الموت لكن مهابة الموت في النفوس تجعلنا على هذا أما الرسول r فيعطي القدوة والمثل بالإستعداد للموت لأن المسلم مؤمن بالموت أنه آت لا محالة مصداقاً لقوله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم).

بُثّت الحلقة بتاريخ 7/3/2004م

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:30 pm


الحلقة الرابعة
موضوع الحلقة: كُنه الموت وآيات الموت في القرآن
نلخصّ في بداية الحلقة ما أوردناه في الحلقة السابقة حول الفهم الخاطيء للكثيرين الذين يقولون أن آدم خليفة الله على الأرض وهذا الأمر شاع خطأ بين الناس وكأنهم يتقولون على الله تعالى وحاشا لله أن يكون له خليفة في الأرض أو في غيرها. وتوصيف الله تعالى ليس كمثله شيء فإذا صحّ لأي مخلوق أن يكون له خليفة لا يمكن أن يكون لله خليفة حاشاه سبحانه. ومن المؤسف أننا سمعنا أحدهم يقول هكذا قال الله تعالى ويستشهدون بآية سورة البقرة فقلنا له أن هذا خطأ شائع وانظر إلى الآية في سورة البقرة فقد جاء فيه قوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) ولم ترد في الآية أنه تعالى قال خليفة لي أو نحوه وإنما قال خليفة في الأرض فعندما تبيّن له خطأه بكى واستغفر ربه. لذا يجب علينا أن نعيش الآية كما أرادها الله تعالى ولو ظنّت الملائكة أن الله تعالى سيجعل خليفة له فهل تتجرأ وتتساءل أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ فإذن توصيف الخليفة في منتهى الخطورة وبعضهم يقولون أن آدم خليفة الله كما كان الصّديق خليفة للرسول r فكأنهم يشبّهون الصدّيق بآدم u والرسول r بالله تبارك وتعالى سبحانه وتعالى عما يقولون.
ومعنى خليفة كما أوضحنا في حلقة الأسبوع الماضي هو إما أن يكون خليفة على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً أو خليفة لمن سبقه من الجنّ لذا قالت الملائكة (أتجعل فيها من يُفسد فيها)ويمكن أن يكون ما قالته الملائكة في نفسها (ليخلق الله تعالى ما يخلق سنكون أكرم على الله من هذا الخلق) لذا أدخلهم الله تعالى في الإختبار الحقيقي عندما سألهم عن الأسماء بعد أن علّمها لآدم u ولم يعلّمها لهم (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة)فلم يعلموا وقالوا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا) وقلنا أن قولهم هذا يُعتبر بمثابة توبة إنابة وأكدوا على قوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون).
ويأتي السؤال لماذا قال تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم) فلماذا قال تعالى عرضهم ولم يقل عرضها؟ وقلنا أن من الكلام ما ليس إسماً وقلنا أن الأسماء تشمل الكلام كلّه فالأفعال والحروف والأسماء هي أسماء (توصيف الفعل إسم وتوصيف الحرف إسم). أراد الله تعالى الكلمة بيقين فعلّمه كل شيء كما جاء عن ابن عباس. وهذا التعليم آدم u يصل إلينا إلى الآن مصداقاً لقوله تعالى (علّم الإنسان ما لم يعلم) والذين يصلون إلى الفضاء الخارجي والقمر وغيره لم يصلوا إلا بفضل الله تعالى ولذلك يجب علينا أن لا نصف العلماء بأنهم اخترعوا وإنما الأصح أن نقول اكتشفوا. مثلاً من علِم أن الحديد مطاوع لم يخترع شيئاً وإنما اكتشف هذه المعلومة والحديد مطاوع قبل أن يكتشفه أحد، فالفضل كلّه راجع إلى الله تعالى بآية (وعلّم الأسماء كلّها).
ويسأل مقدّم البرنامج إذا كانت الجنّ مخلوقات من نار وكانت تسكن الأرض قبل آدم فما معنى تسفك الدماء للجانّ؟ هذا تعبير مجازي وبعض العلماء يؤكدون وجود آدميين على الأرض قبل آدم ولكننا سنعود لهذه النقطة بالتفصيل في حلقات قادمة في تفسير القرآن الكريم من القرآن نفسه والسنّة الصحيحة (وننوه هنا أن الدكتور هداية لا يستشهد إلا بالقرآن الكريم و بالأحاديث الصحيحة فقط).
ونسأل كيف جاءت الذرية من آدم وحوّاء ؟ بعدما هيّأ الله تعالى السموات والأرض خلق تعالى آدم ثم حوّاء ثم الذرية. الزواج من الإخوة لا يجوز لكنه في بداية الخلق كان جائزاً حتى يتم إعمار الأرض بالذؤية. وقد حملت حواء بعشرين بطناً فيهم أربعون ولداً (والولد تطلق على الذكر والأنثى) في كل بطن ذكر وأنثى وكانت الحكمة الإلهية أن يتزوج ذكر البطن الأول من أنثى البطن الثاني والعكس بالعكس وهذا سبب مشكلة قايبل وهايبل، فقابيل أراد أن يتزوج أخته من نفس البطن أما هابيل فأراد أن يطبّق ما حكم به آدم وهو التزوج بالخلاف وهذا ما سبب أول عملية قتل على وجه الأرض. وزواج الإخوة هذا هو استثناء ليبدأ إعمار الكون لأن الفطرة السليمة ترفض هذا الأمر ثم استقرّت الأمور بعد ذلك في عهد سيدنا ابراهيم u واتضحت الأمور أكثر في الإسلام قوماً بعد قوم وصولاً إلى عهد الرسول r حيث حُددت الأمور كلها . فالإسلام دين وديانة والإسلام دين الله تعالى من آدم إلى رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً وأراد الله تعالى أن يختتم الديانات لأهل الأرض فسمّى ديانته باسم الدين العام فالشرع العام عند الله الإسلام. وإسلام الأنياء قبل محمد r هو دين فقط فاليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام، وقد جاء موسى u وكانت ديانته اليهودية والدين الإسلام والكتاب التوراة والمعجزات تسعة منها العصى واليد والجراد والدم ةالضفادع، وعيسى رسول ديانته النصرانية ودينه الإسلام وكتابه التوراة ومعجزاته إحياء الموتى بإذن الله و إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، أما محمد r ديانته الإسلام ودينه الإسلام وكتابه القرآن ومعجزته القرآن ورسالته القرآن، فالإسلام دين وديانة يظهر عنده الإسلام بكامل صورته من حيث الدين والديانة أما ما سبقه فالدين هو الإسلام والديانة تختلف وكذلك الرسالة والكتاب والنبوءة. وقد أرسل تعالى 124 ألف نبي منهم 115 رسول منهم خمسة من أولي العزم على رأسهم محمد r.
كُنه الموت وآيات الموت في القرآن الكريم:
قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ {2} سورة الأنعام) هذا عين الإبتلاء، فإذا عرف الإنسان أنه سيموت في تاريخ محدد فسيلعب ويلهو إلى ما قبل موعد موته فيعمل صالحاً ويُحسن العبادة ولو استعرضنا القرآن بهذا الترتيب النعجز بجمعه للقرآن نصّاً وفعلاً لتأكدنا أن الله تعالى هو الذي جمع القرآن وحفظه. في بدايات سورة البقرة يقول تعالى (الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4}) هذا الغيب فيه غيبيات خمسة استأثر بها الله تعالى لا يُطلع عليها أحد من خلقه وهذه الغيبيات وردت في ختام سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}‏) وحتى يصحّ إسلام أي مسلم يجب أن يؤمن بهذه الغيبيات الخمسة وهذا هو الغيب المقصود في آية سورة البقرة. وفي مؤتمر عقد في عام 1985 أو 1986 تحدثوا فيه عن السونار (وهو جهاز يكشف المولود في رحم الأم) ودائماً هناك من يتطاول على الإسلام فقال أحدهم أن هذه الآية عن الغيبيات التي تتحدثون عنها خطأ ولم تعد صالحة لأننا الآن بهذا الجهاز يمكن أن نعرف ماذا في رحم الأم، فقلنا له أنت لم تعرف الآية فقد قال تعالى (ويعلم ما في الأرحام) ولم يقل (من) وأنت بهذا الجهاز تعرف من في الرحم. (ما) هنا هي ما المبهمة شاملة ولا يعرف أحد عن الذي في الرحم هل هو شقي أو سعيد، غني أو فقير، مسلم أو كافر إذن أنت تعرف جزئية واحدة فقط من (ما) التي جاءت في الآية ولو عرفت كطبيب ما نوع المولود فلن تعرف أكثر من ذلك فبقية ما يعرفه الله تعالى لا يعلمه سواه وهذا من الغيبيات ومن تمام الغيبيات. (ولا تدري نفس بأي أرض تموت) حتى المعاد غير معروف وليس فقط المكان، ولو أقررنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى يجب أن نفطن إلى أدق الآيات عن الموت وهي قوله تعالى (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ {19} سورة ق) وهذه الآية هي الآية المحورية عن الموت. قيل في هذه الآية كلام كثير لكن عجباً نسمع من كلام الصًدّيق عندما يُفسر هذه الآية يقول رضي الله عنه وجاءت سكرة الموت بالحيق وجاءت سكرة الحق بالموت وهي تساوي بعضها فاعتبر أن الموت حق فمهما كان التعبير فالمعنى واحد. وهذا التفسير تفسير رجل فهم كُنه الموت بدليل ما جاء بعدها (ذلك ما كنت منه تحيد). من المخاطب هنا في الآية؟ قسم من المفسرين قال المخاطب هو الكافر فقط وقسم آخر قالوا أن المخاطب هو الإنسان على وجه الإطلاق. وهذه الآية تحدث أمامنا كل يوم يحدث موت ويحث لطم وشق جيوب وصراخ. فما معنى كلمة (بالحق) وما هو الحق الذي يأتي به الموت؟ الحق هو كل ما رفضه أو غاب عنه أو كفر به الإنسان وكأن الموت حين يأتي يأتي لصاحبه بالحق وإن كان صاحبه على كفر فيعلم أنه كان على خطأ فيقول (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {100} سورة المؤمنون) لماذا يقول هذا الكلام؟ لأنه في هذه اللحظة عرف الحقيقة فتمنّى أن يعود للدنيا فيعمل وهذه الآية توضح أن الله تعالى لا يظلم أحداً بدليل أن هذا الكافر أو المشرك عندما يتبين له الحق عند الموت يقول (لعلّي أعمل صالحا) ولا يقول (سأعمل صالحاً) وهذا دليل على أنه لو عاد فسيعمل كما كان يعمل سابقاً مع أنه علم الحق وهذه توضح أن الله لا يظلم أحداً سبحانه وهو سبحانه ليس بظلاّم للعبيد وهذه حقيقة لأنه لو عاد الذي مات لعمل ما كان يعمله سابقاً بنفس الأسلوب وطبعاً لو أنه أراد أن يتعظ لاتعظ من غير ذلك ، ويردّ تعالى عليه (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {100} سورة المؤمنون) ولم يُرد تعالى أن يكلّمه وإنما تكلّم عنه وقضى الأمر (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). فالآيتان في سورة ق وسورة المؤمنون تؤخذان مع بعضهما .
الموت هو في الحقيقة نقيض الحياة وتحدثنا في الحلقات السابقة عن كيف بدأ الخلق وأخذنا مثالاً على ذلك وهو خلق آدم وقلنا أن سهم الموت يسير بعكس سهم الحياة فالروح التي هي آخر ما يدخل إلى الجسد في مرحلة الحياة تكون أول ما يخرج من الجسد في حالة الموت. وتدخل الروح في الصلصال الذي كالفخار فيتحول إلى جلد ودم وعظم والجسد البشري كما نعرفه أما في الموت فتخرج الروح أولاً ثم ينشف الجسد ويتصلّب (صلصال كالفخار) ثم يطرى فيتحول إلى حمأ مسنون إذا تُرك من غير دفن فينبتن فإذا دُفن تحول إلى طين ثم يتحلل الطين إلى تراب وماء. والروح تخرج من الرجلين أولاً ثم تصعد ‘لى الركبة ثم الصدر ثم الحلقوم ثم تخرج وإذا كان هناك من يحتضر وجاءه الطبيب يتأكذ من احتضاره بشكّه بإبرة في رجليه فإذا لم يشعر بها يعلم أن الروح قد غادرت الرجلين ثم يشكّه في ركبته وهكذا ويعلم أن المحتضر سيموت بعد ساعات قليلة أو كثيرة، ويقال أن أول ما دخلت الروح في آدم من رأسه عطس.
وفي القرآن الكريم آيتين تحسمان هذا الموقف للبشر وهما آية سورة الواقعة (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ {83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ {84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ {85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ {86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {87}) وآية سورة القيامة (كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ {26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ {27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ {28}). وهاتات الآيات تقضيان بعجز الإنسان في موقف الموت عن أخيه الإنسان وآية سورة الواقعة (فلولا إذا بلغت الحلقوم) (لولا) هنا للتحضيض مثل هلاّ ستصل إلى الحلقوم آجلاً أو عاجلاً وأنتم تنظرون إلى المتوفّى ولا تبصرون وهذه تدل على عجز الإنسان الذي يقطع به الله تعالى حتى يستعدّ الإنسان للموت إذا حضر وفاة أحدهم. والبصر هنا من البصيرة كأنك ترى ولا تُبصر ببصيرتك ولا تتعظ فأثبت تعالى البصر في هذه الآية ولم يُثبت الرؤية، وقد يكون من بين الحاضرين للوفاة رجل مكفوف لكنه يُبصر ويعلم حقيقة الأمر وأن هذا الأمر أي الموت حق وأنه آت لا محالة فكم يذهب الناس في جنازة أحدهم ثم يعودون وينسون ما كان وهذه هي المشكلة فالميّت أفضى إلى عمله أما الذي يبقى على قيد الحياة يجب أن يتعظ ويقول بعد رجوعه من الجنازة: الحمد لله الذي نجّاني في هذا اليوم وأبقاني على قيد الحياة حتى أتوب إلى الله وأرجع إليه وأصحح أعمالي وأتذكر قوله تعالى (قال رب ارجعون) وأن الذي يموت يتمنى أن يعود ليعمل صالحاً. والذين يبكون على الميت حين وفاته قال كثير من علماء النفس إنهم إنما يبكون على أنفسهم إذا آلوا إلى نفس هذه اللحظة لأن القضية خطرة جداًَ فلو كان البكاء على فقد المتوفى فعلاً لا يعود الإنسان بعد دفن الجثة فيتزوح مثلاًوهذا يحصل في حياتنا وعلى المسلم أن يتعلم واجب الأحياء تجاه الأموات التي أمرنا بها الرسول r من تلقين الميت وغسله وتكفينه والصلاة عليه ثم دفنه والدعاء له بالتثبيت وهذا ما سنتناوله في حلقة قادمة بإذن الله. والموت مخلوق يترقب كل حيّ وقلنا أن النفس هي جماع الروح والبدن والتي تخرج ساعة الموت وساعة الوفاة هي الروح وسنتكلم في حلقة الوفاة عن تلقّي ملك الموت للروح والفرق بين روح المؤمن وروح الكافر من الحديث الصحيح الذي ورد بهذا الخصوص. وفي آية سورة الواقعة قوله تعالى (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) أي لو لم تكونوا خاضعين لله ترجعونها إن كنتم صادقين فمن يستطيع أن يُرجع الروح وإلى أين يرجعها؟ إلى البدن؟ هذا غير ممكن لأنها تكون كعملية الخلق أو يرجعونها إلى جسد المتوفّى وهي ما زالت في الحلقوم وهذا أيضاً غير ممكن فطالما أنكم غير قادرين فأسلِموا وآمنوا وهذا هو مراد الله تعالى في تحقيق آيات الموت في القرآن.

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته فإنه على آلة حدباء منقول
فإن حملت اليوم إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول
أما في آية سورة القيامة اختلف المفسرون فيها قسم قالوا قيل مَن، وقسم قال قيل مَن. وأهل اللغة يوقولون طالما لم يقل قالت أو قال وبيّن الفعل ولم يسمي الفاعل يكون بمعنى مَن أهل المحتضر من يرقيه أو يشفيه والرقية عند العرب تشفي وتُذهب المرض (أي من يرقي هذا الميت المحتضر؟) والميّت تُطلق على الذي مآله إلى الموت والذي تحضره الوفاة (إنك ميّت وإنهم ميّتون) والخطاب كان للرسول r وهو ما زال حيّاً، أما الميت بتسكين الياء فهو الذي مات ودّفن. ويقال للمحتضر ميّت وللذي خرجت روحه ميت بتسكين الياء.
حينما نقرأ في آية سورة القيامة (كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ {26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ {27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ {28}) هذا الظنّ هو بمعنى العلم لأن مراحل الإدراك عند الإنسان أربعة:
العلم وهو إدراك اليقين وهو أن ألعلم حقيقة كنه قضية ما مئة في المئة وهذا لا يكون للبشر وإنما لله تعالى فهما علَم الإنسان من قضية ما لا يمكن أن يصل إلى معرفتها بكامل نواحيها مئة في المئة. فإذا علمت قضية مئة في المئة أكون قد أدركت اليقين واليقين بإطلاق هو الموت وهو الحقيقة المؤكدة مصداقاً لقوله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) وكما قلنا هذا مستحيل للبشر وإن بدا لنا ذلك وإحاطة الأمر لا يكون إلا لله رب العالمين الذي له العلم المطلق سبحانه بدليل قوله تعالى مخاطباً رسوله r (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) استخدام ألم تر تعني أن الله تعالى سيخبر نبيّه r عن هذه الأمور التي جرت إخبار من رأى بل هو إخبار الله تعالى الرائي الأعظم وكأنك يا محمد حاضر.
الشك وهو مرحلة تساوي بين الطرفين: إذا تساوي علمي وجهلي بقضية ما يُسمى الشك فإذا علمت قضية بنسبة 50 في المئة وجهلتها بنفس النسبة أكون شاكاً.
مرحلة الوهم وهي مرحلة إدراك الطرف المرجوح كأن يكون جهلي بقضية ما بنسبة 60 أو 70 في المئة وعلمي بها بنسبة 40 أو 30 في المئة أي أن نسبة الجهل أكثر من نسبة العلم فأقول أنا أتوهم القضية.
مرحلة الظنّ وهي مرحلة إدراك الطرف الراجح: فإذا كانت نسبة العلم بالقضية 60 أو 70 في المئة ونسبة الجهل 40 أو 30 في المئة أكون ظانّاً أي أن نسبة العلم أكبر من نسبة الجهل بالقضية وهذا هو توصيف القرآن لكل علم البشر كما في قوله تعالى (وظنّ أنه الفراق) لا يقول علِم أنه الفراق فهو تعالى يستعمل أقرب نسبة للعلم وهي الظنّ فجاء التعبير بلفظ ظنّ وكذلك في قوله في سورة الحاقة (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ {19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ {20}) الذي سيأخذ كتابه بيمينه لا يقول إني علمت أني ملاق حسابيه ولا يمكن أصلاً أن نقول علِمت بحضرة علاّم الغيوب أدباً فيأتي بأقرب نسبة للعلم وهي الظنّ. وهكذا فعل تعالى بالموت(من راق) من الموجودين حول الميت من يرقيه؟ لا يستطيع إنسان ذلك لأن هذا يتطلب إرجاع الروح إلى الجسد فلذا قال في الآية (وظنّ أنه الفراق) إما مفارقة الحياة وإما مفارقة الروح للبدن وفي الحالتين سيموت. و(من راق) يحتمل أن تكون كلام ملك الموت بمعنى من يرقى بهذه الروح إلى بارئها فإن كان مؤمناً ترقى به ملائكة الرحمة وإن كان كافراً قتتلقاه ملائكة العذاب ومن رائحته النتنة لا يمرون على سماء إلا قالت الملائكة قيل من صاحب هذه الروح الخبيثة ويُطلقون عليه أقبح ما كان يطلق عليه في الدنيا من ألقاب.
ولأننا عاجزين عن إرجاع الروح لجسد المتوفّى علينا أن نعود إلى الله تعالى وكم سمعنا عن أناس عادوا إلى الله تعالى بعدما حضروا وفاة أحدهم لأنهم تخيلوا أنهم قادمون على مثل هذا الموقف الكبير الذي لا يقدر عليه أحد لذا كلام الرجل في قبره لملائكة الحساب ينمّ فعلاً عن صدق الله تعالى في الآيات الأولى من سورة البقرة (الذين يؤمنون بالغيب وبالآخرة هم يوقنون) تيقنت من الآخرة بداية بالموت أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون فمن تيقن بالآخرة ثم الموت والحساب عليه أن يعمل لها بدليل قوله تعالى في سورة الإسراء (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا). واليقين سُمي الموت (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق المطلق هو ضد الباطل وعندما تأتي سكرة الموت بالحق فالذي على باطل يعلم تماماً الحق عندما يأتيه لأنه ضد ما كان هو عليه تماماً كأنك لو لم تذق المالح لا تعرف طعم السكر والضدّ يُظهر حسنه الضِدُّ. فيجب أن نعيش هذه اللحظة وكيف أن الله تعالى أعجزنا أمام أنفسنا وساعة حضور الوفاة ساعة قاطعة وأسأل الله عندها أن نعيش هذه اللحظات ثم نعرف أنه بخروج الروح من البدن ستبدأ حياة جديدة خاصة بالأموات سمّاها تعالى حياة البرزخ كما في قوله تعالى (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وهو حاجز بين عالم الأحياء وعالم الأموات.
أسئلة المشاهدين خلال الحلقة:
سؤال: سأل أحد المشاهدين أن والده توفي منذ سنة ونصف في 12 رمضان بعد صراع مع مرض السرطان على مدى عامين فهل هذا يعتبر كفارة للذنوب؟
الجواب إن شاء الله نسأل الله تعالى له الرحمة فكما قال الرسول r (حتى الشوكة يشاكها) تكون تكفير ذنوب ورفع درجات ومن مات أفضى إلى عمله لكن نأخذ من السؤال عبرة ودرساً لنا ونرى كم يتألم هذا الإبن على أبيه حتى يطمئن على مصيره ونحن نحسبه على خير إن شاء الله ونأخذ من هذه الأسئلة عبرة لآنه رغم علمنا أن الموت قادم لا محالة هناك من ينصرف عن هذا المعنى ثم فجأة يداهمه الموت فيقول كالذي ذكره تعالى في القرآن (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) فإذا جاءه الموت لا يستقدم ساعة ولا يستأخر ساعة. وضربنا مثلاً في الحلقة السابقة لما جاء ملك الموت لموسى u. إذن علي أن أعمل صالحاً في كل شيء من حيث العبادات والمعاملات حتى إذا جاء الموت أكون مستعداً له لأن الموت سيدركنا حيث كنا (يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة).
سؤال: وعد الله تعالى المؤمنين الصالحين بالحور العين في جنات النعيم فهل للمؤمنات الصالحات حور عين؟
الجواب: هذا أيضاً خطأ شائع فمن قال أن الحور العين للرجال. ولا يمكننا أن نصنّف الحور في جنس ما لأن القرآن لم يحدد وهم ليسوا إناثاً بل أن القرآن الكريم نفى أن تكون الملائكة إناثاً ولا يعتبر الحور العين إناثاً وسنثبت ذلك في الحلقات التي تتحدث عن الجنة وما فيها.
سؤال: سألت إحدى المشاهدات عن أنهم سابقاً كانوا يجهلون أن شق الجيوب ولطم الخدود لا يجوز أنهم قد عملوا هذه الأمور فما الحكم في ذلك وهل يُعذّب الأموات بهذا؟
الجواب: لا أريد أن ألوم أحداً أو أعاتب لأن الله تعالى وسعت رحمته كل شيء (لمّا خلق الله الخلق كتب فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي) لكن لا يليق بالمسلم أن يُغضِب رب العالمين وكما علّمنا رسول الله r أن الصبر عند الصدمة الأولى كما في حادثة المرأة التي كانت تلطم فقال لها الرسول r اصبري قالت دعك عني لأنها لم تعرفه فانصرف عنها ولما علمت أنه رسول الله r ذهبت إليه لتعتذر وتستغفر الله فقال لها إنما الصبر عند الصدمة الأولى. فالموت ابتلاء للكل ما عدا الميّت (هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فالحياة ابتلاء للكلّ والموت ابتلاء للأحياء وليس للميت. ومن هنا أسأل الله تعالى أن يثبتنا جميعاً وكم من مسلم يموت أعزّ إنسان عنده لكن يقينه بالله تعالى يجعله يقول: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون. وكما قلنا سابقاً أن علماء النفس قالوا أن الإنسان يبكي على حاله عندما يموت أحد ما والبكاء يجب أن يكون في حدود عدم خروج الصوت أو النحيب كما علّمنا رسول الله r (إن القلب ليخشع وإن العين لتدمع) فدلّ على أن الحزن في القلب. ونقول للأخت عفا الله عمّا فعلوه وهذا يحتاج إلى التوبة والتوبة هي الندم وطلب المغفرة فالمسلم الحقّ يحزن أكثر حتى أن منهم من يموت حزناً على فقد أمه أو أبيه أو ولده. لكن يجب علينا التسليم لله تعالى ولهذا اختار الرسول r توصيف حالة القلب (إن القلب ليخشع) التي هي أسمى مراحل التسليم لله تعالى.
والسؤال هل يشعر المتوفى بها نقول لا تزر وازرة وزر أخرى لكن فقط يجب الإستغفار لأن بعض ما يحدث في الجنازات يحتاج لتوبة وإنابة وإلى تجديد إيمان فمنهم من يكفر بالله في تلك الحالات والعياذ بالله. ولا يصح أن نقول أن الميت يتألم ببكاء الآخرين فما ذنب رجل صالح توفى إن كان في جنازته من أساء التصرف.
سؤال: ما رأيكم فيمن يشتري كفنه ويزمزمه (أي يبلله بماء زمزم)؟
هذا لا أساس ولا أصل له ويجد خلاف بين الفقهاء فيه. واليقين في الموت حقيقي وهو المفروض لكن الباقي لا أصل له ولن يقدم أو يؤخر.
سؤال: هل يعتبر الميت إكلينيكياً متوفّى؟
طالما أنه موجود في المستشفى فهو حيّ وهذه الأجهزة التي يعيش عليها هذا المريض هل تعيد الحياة لمن مات؟ بالطبع كلا إذن فهو حيّ مهما طالت مدة مكوثه في المستشفى على الإجهزة.
سؤال: هل السحر حقيقة أم لا؟
سنتناول في حلقات قادمة السحر في مفهومه في القرآن والسنة. إذا اعتقد مخلوق أن الساحر يستطيع أن يفعل كذا وكذا خارج أمر الله فقد كفر (من اعتقد في السحر إلى هذا الحد فقد كفر). فالقول هناك سحر لكن هل السحر يستطيع أن يمنعني من أن أتزوج مثلاً أو يجعلني أطلق زوجتي فمن اعتقد هكذا يكفر بالله والساحر غالباً هو أتعب خلق الله فلو أنه قادر عليّ فلماذا لا يصلح نفسه ويقدر عليها وينفع نفسه. (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) والساحر لا يتعامل إلا مع المغفلين وطالما هناك مغفلين فالنصابين بخير. وسؤال هل إذا وقع السحر أفكه بسحر هذا يحتاج إلى شرح لكن علينا أن نجعل عقيدتنا في الله توجد آيات للرقية والذي يجري الآن كذب وضلال وبهتان.
سؤال: هل قبل خلق آدم كان إسم الرسول r مكتوباً على كرسي العرش؟ هذا الكلام ليس له أصل لا في القرآن ولا في السنة.
سؤال: أيهما خُلق قبل: السموات أو الأرض؟ وردت السموات في القرآن قبل الأرض وهذا سنوضحه في حلقات قادمة من خلال آيات القرآن.
سؤال: متى خلقت الملائكة؟ لها توصيف في القرآن أنها مخلوقة قبل آدم.
سؤال: هناك طلبات من المشاهدين بتخصيص حلقات عن موضوع الجنة: ستؤخذ بالتفصيل بعد تمام حلقات الموت والحساب ثم يعقبه نعيم أو عذاب وسنعرض الجنة في القرآن والسنة الصحيحة.
سؤال: ما هو عالم الذر؟ قال تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) أخذ الذرية وأشهدهم على أنفسهم بوحدانية الله تعالى قبل أن يوجد الإنسان على الأرض أعلن التوحيد لله تعالى كما ورد في الحلقة السابقة.
سؤال: كيف نفرّق بين اتباع الشيطان واتباع النفس الإمارة بالسوء؟
إذا كانت الوسوسة تصر على المعصية بعينها فهي من النفس وإذا اختلفت تكون من الشيطان (اسرق، اقتل، لا تصلي،..)
سؤال: هل الإنسان مسيّر أو مخيّر؟
الإنسان مسيّر في أمور ومخيّر في أمور العبادة والعقيدة بدليل الآيات (لا إكراه في الدين) و (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
سؤال: هل الشيطان والجن نفس المخلوقات؟ هي أصناف مختلفة فهناك الشيطان والجن والعفريت وكلها أصناف والعفريت هو الجن الشاطر القوي الأسرع (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) وفي التوصيف العام (إن كيد الشيطان كان ضعيفا). (اضغط هنا لمعرفة الفرق بين هذه الكلمات وأخواتها في القرآن الكريم.)
سؤال: هل الدعاء يردّ القضاء؟ الدعاء يرفع البلاء بقدر فإذا رفع البلاء يكون قدر الله وقضاؤه ولا دعاء يغيّر قدر الله تعالى. تحتاج ليقين وعقيدة عند المسلم يجب أن يكون شعاره ما قضى الله به لن يتغير وهذه قضية تحتاج إلى حسم.
سؤال: خلق الله تعالى الشيطان وهو من أليب إبتلاء الإنسان فلماذا يدخل النار طالما أنه يؤدي وظيفته؟ لا ينفع أن أقول لله لماذا خلقت الملائكة ولماذا خلقت الجن أو الإنس فهذا لا يجوز ونكتفي بقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
سؤال: ما الفرق بين القبر واللحد؟ القبر هو لو وضعت الجثمان على وجه الأرض أو قُبر الإنسان في طيارة أوأي مكان غرقاً في البحر ولا يوجد جثة فقبره هو مكان ما هو فيه. أما اللحد فهو أن تشقّ الأرض وتدفنه فيها وتواريه التراب ولا يكون شيء فوق الأرض. (اضغط هنا لمعرفة الفرق بين هذه الكلمات وأخواتها في القرآن الكريم).
سؤال: هل جنة الخلد هي الجنة التي سكنها آدم ؟ كلا الجنة التي سكنها آدم هي بستان على الأرض فهم الناس أنها في السماء من قوله تعالى (اهبطوا) لكن ورد في القرآن الكريم مخاطباً اليهود (اهبطوا مصرا) وهذا ليس دليل الهبوط وإنما هبوط درجة . أما جنة آدم فهي جنة ابتلاء وأول إخبار عن آدم كان في قوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة).
سؤال: يقال أنه في رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار فهل الذي يموت في رمضان يدخل الجنة؟ من قال أن أبواب النار تقفل هذا كلام غير صحيح.

بُثّت الحلقة بتاريخ 14/3/2004م
الحلقة الخامسة
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الموت والروح والنفس والوفاة وكنه الموت والخلق من بدء خلق السموات والأرض وخلق آدم وتحدثنا عن آيات الموت والغيبيات الخمسة ومسألة الإدراك بأنواعها الأربعة وآلية خروج الروح من الجسد البشري. ونريد أن نستعيد بعض ما ذكرناه في اللقاء السابق عن الغيبيات الخمسة التي استأثر الله تعالى بعلمها ولا يستطيع مخلوق أن يصل إلى معرفة كنهها كما جاءت في ختام سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}) وقد قال تعالى في مطلع سورة البقرة (الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5}) وفي هذه الآيات يوصّف الله تعالى أحوال المتقين وأول حال من أحوالهم أنهم يؤمنون بالغيب فهو إذن ركن ركين عند كل مسلم من آدم إلى أن تقوم الساعة والحقيقة أن ترتيب الآيات في كتاب الله ترتيب معجز فسورة البقرة التي هي أول سورة بعد الفاتحة في الترتيب كانت هي الآية 87 في التنزيل وهي أول سورة مدنية وترتيبها فبعد الفاتحة هو قمة الإعجاز من الله تعالى. وقوله تعالى (هدى للمتقين) فكأن الذي يؤمن بالغيب يأخذ صفة المتقين التي هي أعلى من صفة الإسلام والإيمان بالله رب العالمين. ويجب أن نعرف حقيقة معنى الإسلام والإيمان في القرآن فلو سألنا إنساناً عادياً أيهما أعلى الإسلام أو الإيمان لقال بالفطرة السليمة أن الإيمان أعلى ولكن في الحقيقة أن الإسلام قد يكون أعلى من الإيمان. كيف ذلك؟ هناك فرق بين إسلام العقيدة وإسلام الوجه لله تعالى وعندما ندقق في آيات القرآن نجد في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) هنا مطلوب الإسلام بعد الإيمان. ونأخذ الموضوع على وجه التقريب ليتضح المعنى فنقول: إسلام الرسالة أو العقيدة يأتي أولاً ثم الإيمان بالتطبيق ثم التقوى ثم الإحسان ثم الإسلام لوجه الله وهذا ما جاء في الآية السابقة التي هي نداء من الله تعالى للمؤمنين فلا يصح في هذه الآية أن نقول أن الإيمان أعلى من الإسلام لأنه يوجد إسلام أعلى من الإيمان وهو إسلام الوجه لله رب العالمين أما إسلام العقيدة فهو أقل من الإيمان.
والإحسان هو مرحلة أعلى من التقوى ونأخذ مثالاً على ذلك ما جاء في توصيف المحسنين في القرآن الكرم في قوله تعالى (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) فالإحسان إذن له مواصفات خاصة أعلى من التقوى. وعندما نأخذ الآية في سورة البقرة (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) نقول أن الغيب كثير لكن الله تعالى يصف خمساً منها فقط في آية سورة لقمان. ولا يمكن لأحد من المخلوقات أن يطّلع على كنه هذه الغيبيات الخمسة او يصل إلى حقيقتها. (والإشارة إلى علم الساعة موضوع طويل سنتحدث عنه إن شاء الله في نهاية حلقات الموت) لكن يكفينا الآن أن نتذكر حديث رسول الله r عندما سأله رجل يا رسول الله متى الساعة؟ فماذا كان جواب الرسول r؟ قال له ماذا أعددت لها؟ ولم يجبه أنها في يوم كذا في ساعة كذا وهو الإجابة المتوقعة على سؤال السائل وهذا ليعلمنا رسول الله r أن المهم في موضوع الساعة أن نكون مستعدين لها لأنه لا فائدة من معرفة موعدها فهذا لن يغير شيئاً تماماً كالطلاب في المدرسة أو الجامعة منذ بداية السنة الدراسية وهم يعرفون موعد الإختبارات النهائية ومع ذلك ترى الكثيرين منهم من لا يستعد لها وعندما يحين موعدها يطلب التأجيل أما المجتهد فهو يستعد لها منذ البداية وهكذا علينا نحن البشر أن نعمل لها ونكون مستعدين لها في أي وقت جاءت. ولنعلم أن لكل إنسان قيامتان وساعتان وأجلان إحدهما عندما يحين أجله ويموت والآخر عندما ينفخ في الصور ساعة القايمة للجميع. فساعة الموت هي قيامة بحد ذاتها ولذلك كان الرسول r يتعوّذ من موت الفجاءة.
سؤال: ويسأل المقدّم عن دلالة الغيب في قوله تعالى (وينزّل الغيث). والجواب أنه تعالى قال الغيث ولم يقل المطر أو الطلّ او الودق مع أنه ورد في القرآن وذلك لأنه عند الغيبية يذكر الغيث فهو أول الرزق (وبنزّل لكم من السماء رزقا) والرزق بشكل عام غيب بالنسبة للإنسان وما تكسب غداً هو الغيث فالمطر أو الغيث هو الذي يسوق الرزق وعندما نستعرض في القرآن آية المطر (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} الروم) نجد في حياتنا أن المطر ينزل على الأرض فتكون في منطقة جافة وتنتقل إلى منطقة مجاورة نزل فيها المطر بكثافة وهذا كله غيب لا يعلمه إلا الله تعالى فالرزق إذن غير معلوم بالنسبة لبني آدم.
وننتقل إلى قوله تعالى (ويعلم ما في الأرحام) وقلنا أن الآية جاءت ب(ما) ولم يقل (من) وكما اشرنا في الحلقة السابقة أن الأطباء بإجهزتهم الحديثة يمكن أن يعرفوا من في بطن المرأة لكنهم لا يعلمون ما في بطنها وهل هذا المولود شقي أم سعيد ولا كم أجله وغيره من الأمور الغبية المتعلقة بهذا المولود لا يعلمها إلا الله تعالى. فما المقصود بشقي أو سعيد؟ في الدنيا إذا رأى الناس فقيراً يقولون عنه شقي لكنه قد يكون أسعد المخلوقات فكلمة شقي وسعيد لها مفهوم عند الله تعالى غير ما يفهمه البشر والمعيار هو أن يكون شقياً أو سعيداً في الآخرة فإما أن يكون في الجنة فيكون سعيداً وإن بدا شقياً في الدنيا وإما أن يكون في النار فيكون شقياً وإن بدا سعيداً في الدنيا وكل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هيّن. وفي الآخرة كما ورد في الحديث أغلبية أهل الجنة من الفقراء. وقد عُبّر عن الآرة في القرآن بالحيوان (إن الدار الآخرة لهي الحيوان) رمزاً للإستمرارية وهي تدل على الحياة الحقيقية التي ليس بعدها موت فهي إما جنة أبداً وإما نار أبداً، أما الحياة الدنيا فهي التي يأتي بعدها موت وقد يكون شقاء الإنسان في الدنيا وصبره على ذلك هو سعادته الأبدية في الآخرة.
وقوله تعالى (وما تدري نفس بأي أرض تموت) طالما لا أعلم المكان فلا أعلم الزمان أيضاً وهذه من الغيبيات التي لم يطلع الله تعالى عليها أحداً من خلقه ولا حتى أنبياؤه ورسله ولا الرسول r. وحتى قبل وفاة الرسول عرف الصحابة من ألفاظ رسول الله أنه خُيّر بين الدنيا وما عند الله ففهمها أبو بكر فقال قرُب أجل رسول الله r وكان من الممكن أن يعيش الرسول r بعدها سنوات عديدة لك يكن أحد ليعلم كما جاء في قوله تعالى منذ نزل القرآن على الرسول r منذ 1425 عاماً قوله تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر) ولا يعلم أحد موعدها.
سؤال: ويسأل المقدّم في موضوع الرزق فيقول يقول الناس أن الله تعالى عدل في عباده وقد يكون لكل واحد منا نسبة مختلفة من النعم لكن مجموعها يكون مساوياً لكل البشر فكيف إذن نقول عن الطفل الذي يموت في بطن أمه أنه استوفى أجله ورزقه؟ وهل يُبعث يوم القايمة على هيئته البشرية أم على صورة ملك؟
الموله عزّ وجلّ هو الذي عمل الأجل لكل المخلوقات ونحن لا نعلم أجل هذا المخلوق ولكن حكمة الله تعالى تقتضي أن يكون أجله هكذا وهذا ما قدّره الله تعالى وقد يكون هذا الطفل إختباراً وابتلاء لوالديه ليرى تعالى إن كانوا سيصبروا أم لا. ونقول أن هذا الطفل قد استوفى أجله الذي كتبه الله تعالى له وهذا الأجل لا يُقدم أو يُؤخر أبداً كما قال تعالى (ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده) وهذه قضية محسومة.
ومن الخطأ أن نفهم أن الرزق يعنب المال فقط فكلمة المال تعني كل ما لك من صحة وسعي وعمل وعلم وغيرها ومن الرزق مثلاً أن تعمل أو لا تعمل فالصحة رزق والعلم رزق والأموال رزق والذكاء رزق والله تعالى جعل فروقاً بين البشر من حيث العطايا لكن مجموع العطايا كلها بالنسبة لكل شخص متساوي فقد يكون لأحدنا نسبة 80 في المئة في الصحة ولغيره 60 في المئة ثم يكون النسب معكوسة في الأموال مثلاً بحيث تتساوى مجوع العطايا. ومن الممكن أن يكون الإنسان صحيحاً في جسده لكنه لا يوفق في العمل أو في الذكاء أو السعادة أو الرضى أو الصبر وكل هذا رزق.
ويستطرد المقدّم فيسأل إذا كان الرزق كما تقول فكيف نفسر التفريق في قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)؟
قلنا أن المال تعني ما لك من رزق وصحة وتُخصص للنقود وعندما يقول تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا فهذه حقيقة ولمّا تدبّر ابراهيم u الحياة الدنيا والآخرة قال (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) فهل الرجل الذي لا يُنجب استغنى عن زينة الدنيا ويمكن له أن يصل إلى سعادة الآخرة بما عنده كما قال ابراهيم ِu، وهذه الزينة التي وردت في الآية ي زينة مؤقتة متعلقة بحياة منتهية وكم ممن كان له زينة في الدنيا من أموال وأولاد يأتي يوم القيامة ولم ينفعه شيء من هذه الزينة فما ينفع هو من أتى الله بقلب سليم. وطالما وردت كلمة زينة فهي تجر للتفاخر ثم الإبتلاء وقد يكون المال ابتلاء لصاحبه وسر شقائه وكذلك البنون قد يكونون سر الشقاء وهذه قضية يجب أن ينظر إليها الإنسان على أنها ابتلاء من الله تعالى فإما أن تكون نعمة وإما أن تكون نقمة.
نعود للسؤال هل يشفع الطفل الذي مات في بطن أمه لوالديه؟ إن صبر الوالدان يشفع لهما ونستدل بحديثين أحدهما حيث قبض صفيّ العبد (إذا قبض الله صفيّ العبد وصبر فلا جزاء له إلا الجنة) وقد يموت الإنسان كمداً على صفيّ له مات وهو صابر وقد ورد في قصة يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام أن يعقوب ابيضت عيناه من الحزن فأصبح كظيماً وكثير يفسرون هذه الآية أن يعقوب ابيضت عيناه من كثرة البكاء على يوسف لكن الحقيقة أن عيناه ابيضت من كتم حزنه. ونقول أقفل باب الحزن بمفتاح الرضى والصبر وكن راضياً. والحديث الآخر حديث قدسي يسأل تعالى ملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ يقولون نعم يا رب، قبضتم ثمرة فؤاده فيقولوا نعم يا رب، فيقول ماذا قال عبدي؟ يقولون حمدكَ واسترجع (أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون) فيقول تعالى ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة سمّوه بيت الحمد. فهذ الشخص إذن بحمده لله تعالى صار الحمد عنواناً للسعادة يوم القيامة. وعلينا أن نركّب على هذا المعنى عندما نتكلم عن الموت ولا ننكر أن هيبة الموت فوق كل عقل ولكن علينا كمسلمين أن نرضى بما قسمه الله تعالى لنا في الدنيا وأن نصبر على ما يأتيهم من أحداث والله تعالى يجزي على ذلك خير الجزاء. وعل سبيل المثال من صبر على فقد إحى عينيه أو كلتاهما فلا جزاء له إلا الجنة. وهناك امتحانات وابتلاءات تحتاج منا لتوقف فكيف أكون مسلماً وأجزع؟
(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ {75} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ {76}) فهل في هذه الآية قسم أم لا؟
قال تعالى في سورة الواقعة (فلا أقسم بمواقع النجوم) . فلا أقسم: الفاء هي للتفريع أي لتفرّع ما قبلها. ولا أقسم هو قسم منفي بيقين. لا أقسم قد توحي أنها نفي للقسم لكن جاءت في الآية التالية قوله تعالى (وإنه لقسم لوتعلمون عظيم) فهل هو قسم أم لا؟ قد يبدو الأمر متناقضاً للبعض ولكن علينا أن نعلم أن لغة القرآن تختلف عن لغتنا العامية واللغة المكتوبة فالقرآن له لغة عربية خاصة منه أُخذت قواعد الصرف والنحو وعلينا أن ندقق في لغتنا ونأخذها من اللغة الفصحى وليس العامية. وعندما نقرأ القرآن نجد الآية (أفلا يتدبرون القرآن) وحتى أتدبر القرآن يجب أن أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) ولن يفهم أحدٌ القرآن إلا إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم.
وقد وردت آيات القسم في القرآن على هذا النحو المنفي (لا أقسم بمواقع النجوم) وقوله تعالى في سورة البلد (لا أقسم بهذا البلد) وقسم واضح (والشمس وضحاها) (والسماء والطارق) وغيرها. ود قال البعض أن القسم المنفي يدل على نفي القسم فنقول لهؤلاء فلماذا جاء قوله تعالى بعدها (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)؟ والواقع أن القم المنفي هو أقوى من القسم غير المنفي. ولله تعالى أن يُقسم بما شاء كيف شاء أنّى شاء ولنا نحن البشر أن نقسم بالله فقط.
وحتى نعلم قيمة القسم المنفي لا بد أن نُقرّ أنه قسم وهذا بنصّ القرآن (إنه لقسم لوتعلمون عظيم) لأن القسم المنفي ما جاء في القرآن إلا لأمر يشهد عليه الناس فلم يكن محتاجاً لقسم أصلاً. فالله تعالى يُقسم على أشياء ما كانت تحتاج لقسم لولا إنكار المنكرين وجحود الجاحدين ونحن نستعمل هذا النوع من القسم في حياتنا اليومية كأن نقول لأحد ما (ليس لك علي يمين أن هذا الأمر حصل مثلاً). ونأخذ مثالاً قوله تعالى في سورة البلد (لا أقسم بهذا البلد ) إلى قوله (لقد خلقنا الإنسان في كبد) والإنسان هو أكثر من يشهد أنه خُلق في كبد ولك يكن يحتاج أصلاً إلى قسم ولكن بما أننا نحتاج لقسم جاء القسم منفياً. وكذلك في آية سورة الواقعة (فلا أقسم بمواقع النجوم) إلى قوله (إنه لقرآن كريم) والقرآن لا يحتاج إلى قسم والكل يشهد أن هذا القرآن كريم حتى اعداء الإسلام يحاولون الدخول في تشويه القرآن وتضعيفه ثم بعد ذلك يحتجّون به عند مناقشتهم ويرجعون إليه ليستشهدوا بآياته.
الفرق بين القرآن والكتاب
والمُقسم عليه في هذه الآية (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) وهذا دليل تعظيم القرآن. وهنا علينا أن نتوقف عند الفرق بين القرآن والكتاب. فالقرآن هو كا نزل منجّماً على رسول الله r أي آيات القرآن ولا يطلق لفظ القرآن إلا على ما نزل متفرقاً أي الآيات. أما الكتاب فلا تطلق إلا على المصحف (إذا انتهى القرآن وأصبح كتاباً). ونستعرض الآيات في سورة البقرة (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) وفي نفس السورة جاءت الآية (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس) وقد وردت كلمة الكتاب مرة والقرآن مرة أخرى ووردت كلمة (هدى) في المرتين. كلمة هدى في آية الصيام جاءت للناس (هدى لمن؟ للناس) لأنه ما زال القرآن يُنزّل ولم يرفضه الناس أما هدى في الآية الأولى من سورة البقرة فجاءت للمتقين (هدى لمن؟ للمتقين) وهنا تدل على أنه أصبح كتاباً واكتمل ولا يكون هدى إلا للمتقين الذين يريدون التقوى من المسلمين وليس لكل الناس وهذه الآية تبيّن الفرق الذي استغرق بحوثاً طويلة وكثيرة حول قوله تعالى (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) فالكتاب هو يضم ويحوي القرآن لأن القرآن نزل مفرّقاً. ونسأل هنا هل نزل الكتاب مرة واحدة؟ كلا وكلمة أنزلناه في آية سورة القدر (إنا أنزلناه في ليلة القدر) تعني أنزلناه كله فما هي حقيقة التنزيل؟ قال تعالى (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) قهما إذن تنزيلان الأول من الله تعالى إلى السماء الدنيا وهذا إنزال للكتاب، والثاني تنزيل للقرآن متفرقاً على الرسول r. إذن الكتاب نزل مجملاً بالترتيب الذي بين أيدينا اليوم والذي نعرفه إلى السماء الدنيا ثم نزل منه القرآن آيات متفرقات على الرسول r. وهناك فرق بين ترتيب القرآن بالنزول وترتيب الكتاب ونسأل من الذي جمع الكتاب؟ والجواب هو الله تعالى بنصّ القرآن الكريم بدليل قوله تعالى عندما كان الرسول r يتعجل ليحفظه عندما ينزل به جبريل (لا تحرّك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه) فالله تعالى هو الذي جمعه ساعة شاء أن يكون لهذه الأمة كتاب والخطأ الشائع بين المسلمين أن عثمان وأبو بكر هما الذين جمعا القرآن مقولة خطأ فهما لم يجمعا القرآن وإنما كتبوه فجاء موافقاً للجمع الذي جمعه تعالى للكتاب لأنه لا يمكن لبشر أن يجمع القرآن.
فالكتاب إذن هو ما حواه اللوح المحفوظ بإجماع علماء علوم القرآن أن الكتاب الذي أنزله تعالى إلى السماء الدنيا ساعة شاء أن يكون لهذه الأمة كتاب هو كتاب بالترتيب الذي معنا في المصحف ومنه نزل القرآن متفرقاً على رسول الله r لذا جاءت الآية (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون). والكتاب المكنون هو ما يقابل اللوح المحفوظ وهناك خطأ شائع آخر في فهم قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهّرون) لأن المفسرين فسروا الآية على أنه لا يجوز لغير المتوضئ أن يمس القرآن وهذا مفهوم خطأ لأنه لو علمنا معنى كلمة المطهّرون لعرفنا أن المقصودين في هذه الآية هم الملائكة الحفظة الذين كانوا في حراسة جبريل وكلمة مطهّرون هي اسم مفعول ولهذا تختلف عن كلمة متطهرون التي هي إسم فاعل فالبشر عندما يتوضأ أو يزيل عنه النجاسة فقد أصبح متطهراً وليس مطهّراً لأن الملائكة هم مطهّرون بفعل الله تعالى فالآية لا تشهد لنا وإنما للملائكة ولو كان المقصود البشر لقال تعالى لا يمسّه إلا المتطهرون.
واللوح المحفوظ هو ما كتب الله تعالى فيه كل شيء ساعة خلق القلم وقال له اكتب في الذكر كل شيء قبل خلق السموات والأرض (إرجع إلى الحلقة السابقة وحديث أهل اليمن).
كنه الوفاة قبل الموت: نعود للآيات التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة والتي تتكلم عن الموت في القرآن الكريم وهي آية سورة ق (وجاءت سكرة الموت بالحق) وقوله تعالى في سورة الواقعة (فلولا إذا بلغت الحلقوم) وهذه الآيات تشرح آلية الموت وكيف يحدث ويتحدث المولى تعالى بإعجاز للبشر عن قضية خروج الروح من الجسد وهذا لأنه قال في آية أخرى وقضى في كتابه (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم) وجاء ذكر الروح في قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي) وقلنا أن هذه الروح المنسوبة إلى الله تعالى هي قوام الحياة. والآية في سورة الواقعة (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ {83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ {84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ {85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ {86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {87}) أريد أن أوجهها للكافرين وأطرح السؤال هل يستطيع أح

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:39 pm

وأطرح السؤال هل يستطيع أحد أن يُرجع الروح إلى البدن بعد أن تخرج منه؟ بالطبع لا وقلنا أن هذه الروح التي دخلت الجسد آخراً تخرج منه أولاً عند الموت (يمكن العودة للحلقة السابقة للتفصيل) وقلنا أن آلية الحياة هي عكس آلية الموت والموت نقيض الحياة والحق تبارك وتعالى يقول لنا (فلولا إذا بلغت الحلقوم) أو (حتى إذا بلغت التراقي) وهاتان الآيتان يجب أن نقف عندهما بيقين لنقف عند إعجاز الله تعالى في البشر فيا من كفرتم بالخالق الأعظم هذا هو التحدي مفتوح أمامكم إلى قيام الساعة فانظروا إلى أنفسكم وأنتم تجتمعون حول من حضرته الوفاة وجاءه الموت وهذا قمة التحدي أن يرجعوا روح الميت إلى بدنه ليس بعد خروجها من الجسد كله وإنما يرجعونها وهي ما زالت في الحلقوم أو التراقي وعند هذا الموقف العظيم يجب أن تكون ساعة وفاة أحد منا ساعة عودة وتوبة لمن كفر بالله تعالى فالآية فيها تعليق ثم إعجاز. ويقول تعالى أنه طالما وصلنا لهذه اللحظة فكأنها درجة من درجات توفّي النفس وقلنا أن كل موت وفاة وليست كل وفاة موتاً لآنه توجد وفاة تتعلق بالنوم وما دام تكلمنا عن الوفاة فيجب أن نتكلم عن كنه الوفاة قبل الموت لأن الله تعالى يوصّفها بطريقة بديعة لنفسه وذاته ولملك الموت وللملائكة القائمين بقبض الروح وخروجها. وفي آيات يوم القيامة أراد تعالى أن يشرح لنا هذا على أعلى مستوى (حتّى إذا بلغت التراقي وقيل من راق) وقلنا أن (من راق) تحتمل معنيين أولهما أن يكون القائل هم أهل الميت يسألون هل من يرقي هذا المحتضر ويشفيه أو أن القائل هو ملك الموت يقول من يرقى بهذه الروح لأن الملائكة تختصم عند خروج الروح الخبيثة من يرقى بها من نتن رائحتها (وبناء الفعل لمن لم يُسمّى فاعله يفيد التوسع في المعنى ويحتمل المعنيين)، أما النفس الطيبة فالملائكة تتسارع من يرقى بها إلى السماء وهذا جاء بنصّ القرآن الكريم في قوله تعالى (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) زنسأل ما دلالة سائق وشهيد؟ نقول قد يكونا من الملائكة أو من أعضاء الجسد التي تشهد على الإنسان أو عمله ولو تدبرنا هذه الآية حق التدبر لما جلس أحد منا عن الصلاة أو الصيام أو الزكاة وسيجد كل إنسان أن لا شيء ينفعه مهما كانت درجة إسلامه إلا عمله وساعة تنفرد في القبر لا يبقى إلا عملك وعندما تسمع قوله تعالى (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ {21} لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ {22} ق)

يا من بدنياه انشغل وغرّه طول الأجل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
ونعود لقوله تعالى (وظنّ أنه الفراق) وقلنا أن مراحل الإدراك أربعة هي العلم والظن والشك والوهم (انظر الحلقة السابقة) وقلنا أن العلم هو إدراك اليقين وهو مختص بالله تعالى ولا يمكن لبشر أن يصل إلى درجة العلم، أما الظن فهو إدراك الطرف الراجح وهي أقرب نسبة للعلم يمكن أن يصل لها الإنسان ولآنه في حضرة علاّم الغيوب لا يصح لبشر أن يقول علمت (إني ظننت إني ملاق حسابيه) والأمر الآخر أنه يجب على المؤمن أن يعمل للآخرة من بداية الظن ولا ينتظر حتى يصل للعلم لأنه لن يصل إليه (وظنّ أنه الفراق) بمعنى علِم لكن هذه هي أقرب نسبة علم يمكن للبشر الوصول إليها والدليل من القرآن قوله تعالى (قال رب ارجعون لعلّي أعمل صالحاً) قالها بعدما تأكد أنه الفراق.
موضوع توفّي النفس: هناك فرق بين الموت والوفاة والموت هو وفاة لكن الوفاة قد لا تكون موتاً وحتى نفهم كلمة الوفاة أثبت الله تعالى التوفّي لذاته ولملك الموت والملائكة في ثلاث مراحل ولا تنافض بين الآيات. فالنسبة للوفاة توجد وفاة بمعنى الموت ووفاة بمعنى انفصال الروح من الجسد مؤقتاً بالنوم فالأولى عنوان والباقي مراحل بمعنى (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) فهناك مرحلتي توفّي النفس بالنسبة لله تعالى فهو إما يتوفاها وهي نائمة وإما يتوفاها بعد الموت، وقد عُبّر عن الروح هنا بالنفس ولم يقل الروح لأن الآية يدخل فيها النوم أي فيها انفصال مؤقت ، وحين موتها بعد انتهاء التوفّي من ملك الموت والملائكة. وقوله تعالى (فيمسك التي قضى عليها الموت) هذه وفاة بعد الموت أي انفصال دائم وقوله تعالى (ويرسل الأخرى) هذه وفاة عند النوم وهي انفصال مؤقت.
وقوله تعالى في الآية (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم في النهار) تؤكد هذا المفهوم لأنها تشير إلى الوفاة البعيدة عن الموت والتي هي خروج الروح مؤقتاً في النوم بدليل قواه (ويعلم ما جرحتم في النهار) الذي قبل النوم. وفي النوم يحصل أحد أمرين إما يمسك التي قضى عليها الموت أو يرسل الأخرى.
ثم يثبتها لملك الموت كما في قوله تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم) وهذه تشير إلى قبض الروح عن طريق ملك الموت والتوفّي يكون بفعل الله تعالى.
ثم يثبته للملائكة في قوله تعالى (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرطون) وهذه تشير إلى خروج الروح عن طريق الملائكة التي تنزع الأرواح.
وإذا قلبنا هذه الأحداث حصلنا على كنه الوفاة ومراحلها فعندما دخلت الروح الجسد صار فيه حياة فكيف تخرج الروح من الجسد؟ أولاً إذا نام الإنسان للموت أو مات فجأة تخرج روحه من بدنه بفعل الملائكة ثم بفعل ملك الموت ثم يتوفاها الله تعالى. والوفاة سابقة على الموت وهي مراحل خروج الروح وعندما تخرج الروح نهائياً نسميها موتاً وإذا خرجت مؤقتاً نسميها نوماً أو وفاة. والله تعالى يتوفّى في حالة خروج الروح نهائياً (الله يتوفّى الأنفس حين موتها) ولم يقل عنها روح لأنه قد يعقب هذه الوفاة موت وقد يعقبها استيقاظ بعد النوم. والروح هي قوام الحياة التي في البدن وبدونها لا يكون حياة وبخروجها يُسمّى الجسد ميتاً بتسكين الياء. وسميت كلها وفاة لأن الوفاة سابقة على الموت وكل كلمة تُطلق على ملك الموت والملائكة تُسمة وفاة وفي حالة الموت تأتي الآيات (الله يتوفّى الأنفس)، وساعة خروج الروح من الجسد يصبح جثة هامدة هذا الخروج يسمى الموت لكن خروج الروح عند النوم يسمى وفاة فالموضوع كله وفاة وفيها وفاة يعقبها موت أو وفاة يعقبها استيقاظ وهي النوم.
إذا حدث الأجل المسمى تبقى الحياة مستمرة لكن ساعة يتحقق فيه يأتي الموت فتأتي الملائكة تنزع الروح ثم يقبضها ملك الموت ثم يتوفّاها الله تعالى حتى تصبح موتاً.
الفرق بين النائم والميت: وهل يقبض ملك الموت روح النائم؟ ما ذُكرت الوفاة بحق ملك الموت والملائكة إلا بالموت أما الوفاة فلم تُذكر إلا مع الله تعالى. (يتوفاكم ملك الموت) (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا) تدل على الوفاة التي يعقبها موت أما قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) فتدل على الوفاة التي يعقبها استيقاظ (ويرسل الأخرى) وعلى الوفاة التي يعقبها موت (فيمسك التي قضى عليها الموت) وهنا خروج نهائي لا رجوع بعده. فتوفّي الملك يعقبه توفي من الله تعالى.
الكلام هذا يتعلق بإعجاز الله تعالى في آية واحدة هي آية سورة الواقعة (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) وقوله تعالى (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون) ونسأل عن دلالة كلمة حينئذ؟ نحن ننظر في كل الأوقات لكن هذا الوقت يختص بإعجاز وهذه الآية تشترك مع آية ثانية هي قوله تعالى في سورة ق (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وفي الواقعة قال تعالى (ونحن أقرب إليه منكم) فما هو حبل الوريد؟ هذا من باب عطف العام على الخاص كأنه يقول تعالى ونحن أقرب إليه من حبل هو الوريد وهذا هو العرق الذي في جانب العنق والذي إذا قُطِع لا بد من الموت. فما الفرق بين الموت والقتل؟ الموت هو خروج الروح من الجسد بعد انقضاء أجلها فيه أما القتل فهو هدم الجسد الذي هو وعاء الروح فلا يعود صالحاً لاستيعاب الروح فتخرج منه وأقرب شيء إلى القتل هو قطع الوريد فإذا قُطِع لا بد أن تحصل وفاة ولا بد أن تخرج الروح كما في الشنق أو الخنق. فالله تعالى أقرب إلينا من الروح التي بين جنبينا وإن كانت الروح هي قوام حيلتنا وهو أقرب إلينا من روحنا يكون هو بالتالي المنحكم في الروح فهل حدث أن استطاع مخلوق أن يمنع الموت عن نفسه أو عن غيره؟ (ترجعونها إن كنتم صادقين).
وعندما يشفى المريض لا يظنن أن الطبيب قد شفاه وإنما هو سبب من أسباب الشفاء وأسباب بقاء الحياة التي أرادها الله تعالى بقدره وإذا لم نحضر الطبيب للمريض فيكون هذا من قدر الله أيضاً. والطبيب ليس السبب وإنما هو من الأسباب فإن كان في عمر المريض بقية يكتب الله تعالى له الشفاء. وهكذا يجب أن نفهم الآية (ترجعونها إن كنتم صادقين) ويعقب هذه الآية فأما وأما وأما (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ {89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ {92}) وفي آية سورة ق (حتى إذا بلغت التراقي وقيل من راق) يعقبها (فلا صدّق ولا صلّى) وهذا موضوع حلقتنا القادمة إن شاء الله.

بُثّت الحلقة بتاريخ 21/3/2004م

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:40 pm

الحلقة السادسة
الموت وآيات الموت في القرآن الكريم
نبدأ بالسؤال الذي وردنا من كثير من المشاهدين وهو: هل يُحكم على إسلام الإنسان المحتضر من القرار الذي يأخذه إذا خُيّر بين أن يُقبض أو أن يبقى على قيد الحياة؟
السؤال مهم بالنسبة لكراهية الناس للموت وحُب لقاء الله أو كره لقاء الله، فلو أن أحداً يحتضر ولو افترضنا أنه يمكن أن نخيره فهل إجابته تنم عن إسلامه؟ نقول نعم لأنه ليس بمعنى إني كاره للموت أني كافر بالله أو بالموت لكن قد يكون العمل غير صالح لذا يخاف الإنسان من الموت ومن لقاء الله على هذه الحال. وقد سأل الرسول r أحد الصحابة وهو يحتضر كيف تجدك؟ قال أخاف لقاء الله ولكن أرجو أن يغفر لي فقال له الرسول r دُم على هذا فإنك بين الخوف والرجاء. والخوف لا يعني كما قلنا أني كاره لقاء الله لكن يجب أن أكون بين دفتي الخوف والرجاء لأن الموت آت لا محالة سواء كرهته أم أحببته فيجب أن يكون العبد المسلم المسلّم لله واثق من هذا. والقرآن يشرح هذه النقطة في مسألة تمني الموت لغير المسلم فقد قال تعالى في سورة الجمعة (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {7} قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فهناك من هو غير مسلم ويدّعي أنه في الجنة فإن كان صادقاً تمنّى الموت فيقول تعالى له (ولن يتمنونه أبداً) وقس على هذا كل من هم على شاكلته حتى من بعض المسلمين أنفسهم من يقول قلبي طاهر ولكنه لا يصلي ولا يصوم فنقول له تمنى الموت إن كنت صادقاً فيأتي التعقيب والتقرير من الله تعالى (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وهم لا يتمنونه ويرفضونه وحسب بل إنهم يفرون منه أيضاً (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فالمسألة فعل وعمل ويقين . ومستحيل على غير المسلم أن يتمنى الموت وقد اختلف أهل العلم في تمني المسلم للموت حتى الذي يعمل صالحاً لا يتمناه وذلك لأنه يرد أن يستزيد من عمله الصالح ومن الفلاح فالإنسان إن كان محسناً لا يتمنى الموت لعلّ الله تعالى يزيد في إحسانه وإن كان مسيئاً لا يتمنى الموت لعلّ الله أن يمدّ في عمره ويعطيه فسحة من الوقت ليعود إلى الله ويتوب إليه. وهناك آداب وواجبات على الإنسان المحتضر وعلى الذين يحضرون الوفاة سوف نتطرق إليها إن شاء الله في نهاية حلقات الموت ونتحدث عنها بإسهاب. فمن واجب المحتضر أن يُكثر من ذكر الله تعالى ويتوب ويتذرع بالصبر وعلينا أن نذكر أن الإحتضار إنما هو فسحة من الوقت وفرصة لكسب الحسنات لأن الله تعالى كما ورد في الحديث الشريف يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي (حتى إذا بلغت الحلقوم) أو (إذا بلغت التراقي). ومثال على ذلك أن فرعون لمّا أسلم لم يقبل الله تعالى إسلامه لأنه أسلم في وقت لا ينفعه ذلك لأنه من دواعي الإسلام الصحيح أن يُؤيّد بالإيمان الصحيح وهو العمل لكن فرعون أسلم عندما أدركه الغرق وحتى أنه لم ينطق بالشهادة وإنما قال (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} سورة يونس) لم يقل آمنت بالله ولكنه قال ما جاء في الآية وكأنه منافق في إسلامه هذا ويريد أن يُرضي بني إسرائيل لعلهم ينقذونه لمن الله تعالى وهو أعلم بما في نفس فرعون رد عليه في قوله تعالى (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91}) لأن الإسلام له حقيقة والإيمان حقيقة، وقد لقي الرسول r أرجلاً فسأله كيف أصبحت؟ قال أصبحت مؤمناً حقاً فسأله الرسول r ما حقيقة إيمانك؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فتساوى عندي ذهبها ومدرها فقل له الرسول r عرفت فالزم.
واختيار المحتضر يعتمد على عمله في الدنيا والمسلم لا يكون خائفاً من لقاء الله لأن الموت والقبر أول منازل الآخرة فإن خُيّر المسلم المحتضر وجاز له هذا فمن تسليمه يجب أن يقول على مراد الله تعالى لأنه لو رجعنا إلى قصة موسى وآدم في الحاقات السابقة لتبيّن لنا أن الإنسان وإن كان مسلماً لا بد أن يخشى ويهاب الموت لكن عليه أن يكون مستعداً لهذا اليوم وهو الأجل المسمّى للإنسان.
ويسأل المقدّم المسلم يحب لقاء الله فهل نرى الله تعالى في الآخرة؟ والجواب أنه توجد أحاديث كثيرة عن الرسول r (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) ولو نظرنا إلى الموضوع بيقين فالتمني وعدم التمني ليس اختيارياً ولا يحسم قضية فاللقاء محتوم لن يفرّ منه أي من المخلوقات فطالما العقل يحسم القضية فالمسألة أن نخرج من تمني وعدم تمني إلى حب لقاء الله وعجبت لمن يناقش عندما شرحت هذا الحديث وقلت أنه علينا أن نجعل حب الله تدريب للنفس كيف؟ في الصلاة نجعلها صلة بالله تعالى ومناجاة ونوقّعها في الصلاة بتدريب النفس عند السجود وعند ذكر أدعية الرسول r ومناجاة الله تعالى، وقد قال الإمام مالك: إذا أردت أن أناجي ربي دخلت في الصلاة وإذا أردت أن يناجيني ربي قرأت القرآن. فهو على حالتين إما يتلقى عن ربه بافعل ولا تفعل وإما يناجي ربه بالصلاة والدعاء وكأنه يدرّب نفسه على لقاء الله تعالى. ولقاء الله تعالى في الآخرة حساب مصداقاً للحديث (اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب بلا عمل) فلندرّب أنفسنا على لقاء الله من الآن بحب الصلاة والصيام وحسن الخلق وفي المعاملات مع خلق الله وفي الخشوع في الصلاة وغيرها من العبادات.
ثم سؤال هل نرى الله في الآخرة؟ سُئل الرسول r فقال هل تُضارون من رؤيتكم للشمس والقمر؟ قالوا لا قال هكذا سترون الله رب العالمين وفي قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) يؤكد هذا الأمر بنصّ القرآن. وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول إن كان رأى ربه فقال نور أنّى أراه، ولنعلم أن الله تعالى ليس كمثله شيء فلا نتخيل كيف نراه.
يسأل المقدم عن مظاهر الخلق الأربعة التي تحدث عنها الدكتور في حلقة سابقة وهي خلق آدم وخلق حواء وخلق عيسى وخلق باقي الخلق ونريد أن نعرف كيفية موتهم؟ الجواب أنه وإن كانت طرق الخلق مختلفة في الحالات الأربعة لكن الموت واحد لأن الموت هو نقض الحياة ولا فرق بين موت أي منهم والآخر إلا في حالة عيسى u لأنه لم يمت ولكن توفّاه الله تعالى ورفعه إليه (إني متوفيك ورافعك إليّ) لكنه عند الموت سيموت مثل باقي الخلق وقد ذكرنا سابقاً أن الموت حتمي على كل الخلائق حتى ملك الموت سيموت والموت نفسه سيُذبح على الصراط ليفهم الخلق أن الموت مترتب على كل مخلوقات الله تعالى.
نعود لإستكمال الحديث عن آيات الموت في سورة الواقعة التي بدأنا بها الحلقة الماضية (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ {89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ {92}) نأحذ ملمح هذه الآيات وماذا نفهم من قوله تعالى (ترجعونها إن كنتم صادقين) ثم يخبرنا تعالى عن أحوال ثلاثة في المتوفّي وبعد أن أثبت لهم تعالى عجزهم وبعد التحدي لا يكون إلا الموت الذي سيقسم الناس بعده إلى ثلاثة أحوال وكذلك في سورة القيامة (كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدّق ولا صلّى * ولكن كذّب وتولى) كلها تدل على أنه المتوفي لن ينفعه ساعة موته إلا عمله صلّى أو لم يصلّي تصدّق أو لم يتصدّق. وهذه الآيات تحتاج لوقفة مع النفس وإلى أن نحمد الله تعالى أن أبقانا على قيد الحياة حتى نفطن أنه بمدّ الأجل يستوجب الحمد أولاً والحمد ثانياً ثم التوبة والإنابة إلى الله تعالى حتى يتوقّع فيها (فأما وأما ) فنقترب من اثنين ونبتعد عن الثالثة ونعمل عكس (فلا صدّق ولا صلّى).
والناس بعد الموت أحد أصناف ثلاث فهم إما أن يكونوا من المقرّبين أي السابقين الذين كلنوا يفعلون كل ما أمرهم الله تعالى به ورسوله فهؤلاء جزاؤهم (روح وريحان وجنة نعيم) وهذه الجملة تشعرنا بأنهم مرحلتين (روح وريحان) ساعة الموت وفي القبر و(جنة نعيم) في الآخرة لأن الميت إذا كان من المقربين يأتيه قبل أن يأتيه مكفّن الدنيا يأتيه مكفّن من الجنة بحنوط من الجنة وكفن من الجنة وديباج من الجنة وكأن القبر فعلاً أول منازل الآخرة فكأننا بالله تعالى يوقّع لنا مُراده في هذه الآية(فروح وريحان وجنة نعيم) حتى نتّبع ما جاء فيها فنحن نريد أن نكون من هؤلاء المقربين وكم سمعنا عن حالات أخبر عنها الناس أنهم عند دفن الميت شمّوا رائحة المسك فنقول في مثل هذه الحالات نحسبه كذلك ولا نزكّيه على الله وهذا فضل من الله تعالى. والغريب في هذه الآيات أنه تعالى لمّا ذكر المقربين والمكذبين الضالين ذكر التفصيل أما لما ذكر أصحاب اليمين لم يذكر أي تفصيل وإنما قال تعالى (فسلام لك من أصحاب اليمين) ويترك لنا أن نبحث عما يكون عليه أصحاب اليمين كما في قوله تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) ولا يمكن أن نصل إلى توصيفهم ففي الجنة كما قال الرسول r ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي الكلام عن المقربين أعطانل تعالى الأوصاف حتى إذا كنا من أصحاب اليمين نحاول أن نصل إلى نعيم المقربين وهذا في القرآن يعطي الألفاظ التي تدعو للعمل لنصل إلى نعيم كما جاء في قوله تعالى (ففروا إلى الله) (وسارعوا إلو مغفرة من ربكم) (فاستبقوا الخيرات) (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) ولهذا فالدرجات في الآخرة متفاوتة وتحتاج إلى سرعة وتسابق. وفي حديث للرسول r أن سبعون ألف من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب فقال عكاشة إسأل الله أن أكون منهم فقال الرسول r أنتم منهم يا عكاشة فقام واحد من الصحابة فقال وأنا يا رسول الله فقال الرسول r أنه لم يعد هناك مكان. فعلينا إذن أن نرتقي لمرتبة السابقين (ثلو من الأولين وقليل من الآخرين) والسابقين هم المتقدمين في القرب من الرسول r والآخِرين هم المتأخرون في الخلق ونحن منهم فالصحابة أولاً ثم التابعين ثم المتأخرين. ونعيم المقربين وأصحاب اليمين يجعلنا ننهض ونبعد عن المكذبين الضالين لأنه كما جاء في توصيف النعيم للمقربين (فروح وريحان وجنة نعيم) جاء التوصيف للمكذبين الضالين (فنزل من حميم وتصلية جحيم) ونزل من حميم مقابلة لروح وريحان وهي في الموت والقبر وتصلية جحيم وي في الآخرة مقابلة لجنة نعيم.
ما هو حق اليقين الذي ورد ذكره في آيات سورة الواقعة (إن هذا لهو حق اليقين) ؟
هذه الآية تذكرنا بمرحلتين في الدنيا تحدث عنهما القرآن في سورة التكاثر (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}) فهناك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين (ثم لتألن يومئذ عن النعيم). وقد ضرب لنا العلماء مثلاً فقالوا لو كان هناك إناء فيه عسل والرسول r أخبر الناس أن ف الإناء عسل بدون أن يكون ظاهراً لهم الإناء فنصف الحاضرين سيقولون صدقنا ما قاله الرسول r (وقد سُمي أبو بكر بالصديق لأنه كان يصدق الرسول r بما يقول طالما أنه قاله كما حدث عندما أخبره كفار قريش عما يقوله الرسول r في الإسراء والمعراج فقال إن كان قالها فقد صدق) فهؤلاء الذين صدقوا بمجرد إخبار الرسول r لهم علموا علم اليقين، ثم إن قسماً من الحاضرين قالوا نريد أن نرى العسل في الإناء فهؤلاء صدقوا عين اليقين والباقي قالوا لن نصدق إلا إذا ذقنا العسل فهؤلاء علمهم حق اليقين.
وعلم اليقين هو أقل درجات الإدراك وأعلى درجات الإيمان (يؤمنون بالغيب)
وعين اليقين هي مرحلة وسط صاحبها يحب أن ينضم إلى أصحاي علم اليقين حتى لا يكون من أصحاب حق اليقين.
أما حق اليقين فهو أعلى درجات الإدراك وأقلّ درجات الإيمان وصاحبها في النار فقد كذّب وكذّب حتى صار من المكذبين الضالين لا يصدقون بالنار إلا إذا أصبح فيها فيقول كان محمد على حق وعندها لا ينفع التصديق ولا الندم.
لمّا نقابل التوصيفات مع التوقيعات نصل إلى حقيقة مراد الله تعالى وأعلى الدرجات (لترون الجحيم) أن نؤمن بها دون أن نراها. وقد روي أن حنظلة أحد صحابة رسول الله r قابل أبا بكر فقال له نفق حنظلة قال الصديق لماذا؟ قال نكون عند رسول الله نسمعه يتكلم فنرى الجنة رأي العين ونرى النار رأي العين وإذا خرجنا من عنده عاسفنا الأولاد وذهبنا إلى الأسواق، فقال أبو بكر وأنا كذلك فذهبوا إلى الرسول r فأخبروه فقال لهم الرسول r لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي الطرقات لكنها ساعة وساعة، ساعة وساعة ساعة وساعة.والمقصود بها ساعة للعمل وساعة للعبادة لا كما فهمها الناس فيقولون ساعة لقلبك وساعة لربك! فالرسول r يدعونا للعمل ولا يريدنا أن نقعد في المسجد 24 ساعة بل يكون وقتنا ساعة للسعي على الرزق وساعة للعبادة وقد ذمّ رسول الله r الرجل الذي كان ينام في المسجد ولا يبارحه عندما سأل الصحابة من يصرف عليه قالوا أخاه فقال الرسول r أخاه أفضل منه في رواية وفي رواية أخرى قالوا كلنا فقال كلكم أفضل منه.
فأما إن كان من المقربين الذين آمنوا بمجرد علم اليقين فروح وريحان وجنة نعيم. أما المكذبين الضالين الذين لم يصدقوا فكان لهم حق اليقين وهو دخول النار والعياذ بالله. فهنيئاً لمن آمن بعلم اليقين وعلينا أن نتدارك أنفسنا إذا كنا في عين اليقين حتى نلحق بأصحاب علم اليقين ولا نكون من أصحاب حق اليقين.
من هم المقربين والسابقين وأصحاب اليمين؟
في الحقيقة الترتيب في الدنيا: علم – عين – حق أما في الآخرة ستكون حق – عين – علم وهذا هو الفرق بين التوصيف والتوقيع والقرآن ذكر ثلاث صنوف. فالمقربين والسبقين كأنهم أعلى درجة من أصحاب اليمين (فأما من أوتي كتابه بيمينه) (وأما من أوتي كتابه بشماله) كأنه نادم على ما قدّم في الدنيا. والدرات لا تنتهي ففي الجنة درجات كثيرة لا تخطر على بال والبون شاسع بين أهل الصنف الواحد فالكل يُجمع أن الصحابة الذين عاصروا الرسول r أنهم من السابقين أو المقربين نحسبهم كذلك، وفي حديث للرسول r في سنده كلام ولكن نورده لنوضح الفرق في الدرجات بين أهل الصنف الواحد، يقول الحديث: أول من يتناول كتابه من أمتي بيمينه عمر بن الخطاب فقال الحاضرون وأبو بكر؟ فيقول الرسول r هيهات هيهات هيهات، عندما يكون عمر يتناول كتابه يكون أبو بكر قد زُفّ إلى الجنة على رأس سبعين ألف من الأمة في الجنة بغير حساب. فإن كان هذا الفرق بين عمر وأبو بكر وهما من صحابة رسول الله r المبشّران بالجنة فما نقول نحن؟ (هيهات تعني بَعُد الفرق بين الإثنين). وحتى لا ينثير جدلاً حول (بغير حساب) نقول أنها لا تعني بغير حساب ولكن يقلّ حسابهم ونحن نسوق الأحاديث لنثبت أن البون شاسع بين أهل الصنف الواحد وكل إنسان يقوم بعمله في الدنيا سيجده فب الآخرة إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ ومن عدالة الله تعالى أن الإنسان يحكم على نفسه بنفسه فتشهد أعماله وجوارحه وكتابه بكل عمله مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقه منشوراً * إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
وورد في الحديث الشريف : "لن يدخل أحدكم الجنة إلا وهو يعلم أنها أولى به من النار ولن يدخل أحدكم النار إلا وهو يعلم أنها أولى به من الجنة" فالذي يدخل الجنة يدخلها وهو واثق أن هذا هو الحق وحتى لو لم يكن يعلم أنها أولى به سيقول إنها كذلك لكن كيف يكون في النار ويعلم أنها أولى به من الجنة؟ هذا يعلمه من كتابه (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ولذلك صدق تعالى في قوله (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه) لأنه يوم القيامة لن يقرأ إلا حقاً وما في كتابه من أعماله التي عمل بها في الدنيا، فإن كان هذا الكتاب جاء نتيجة أعماله الصالحة في الدنيا أخذه بيمينه (إني ظننت أني ملاق حسابيه) . فهلاّ سارعنا للصلوات وحبونا للضف الأول في المساجد ووقفنا بين يدي الله تعالى بخضوع وصمنا صياماً صحيحاً وحججنا حجاً مبروراً وهلاّ قدمنا من النوافل ما تُجبر به الفروض وإلا ندمنا حيث لا ينفع الندم كما قال ابراهيم u (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). ويجب علينا أن نعلم أن بين المقربين وأصحاب اليمين فرق شاسع حتى بين المقربين والسابقين وبين كل فئة وفئة درجات وفروقات كبيرة فليس كل المقربين مثل بعض كما في حديث عمر وأبو بكر، ومن الفروقات بينهما أن أبا بكر ورد ذكره في القرآن (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصابه لا تحزن إن الله معنا) وقد كتب الله تعالى لأبي بكر أن يكون صاحب الرسول r في هجرته إلى المدينة وليس عمر أو غيره من الصحابة، وكذلك ورد ذكر أبي بكر في القرآن في خواتيم سورة الليل (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لآحد عنده من نعمة تُجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) وهذا من باب الدرجات. حتى بالنسبة للصلاة فكل المسلمون يصلون لكن ليست صلاة واحدة من ناحية الأجر فالإتقان وكثرة الخشوع وكثرة العمل وسرعة الإسراع (سارعوا) كلها تزيد الدرجات. وعلينا كمسلمين أن نتواصى فيما بيننا كما جاء في سورة العصر (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فلماذا لا نوقظ بعضنا لأداء صلاة الفجر لكن ترانا نوقظ بعضنا عند السفر أو للذهاب في رحلة أو أي عمل دنيوي آخر؟ وغاب عن بالنا أن الله تعالى كتب الأجر الحسن لمن بدأ يومه بصلاة الصبح. وعلينا أن نعلم أن عاقبة غير المسلم (فلا صدّق ولا صلّى) فلماذا خصّ الصلاة بالذكر دون سائر العبادات؟ لأن أول يقين في العمل هو التصديق بكتاب الله (الصلاة) والفرق بين الرجل والكفر ترك الصلاة كما جاء في الحديث. لم يختر الله تعالى بعد عدم التصديق إلا الصلاة وقال بعدها (ولكن كذّب وتولى) فمن تولى عن الصلاة وأعرض عنها تولّى عن الخير كله وأعرض عن الإسلام فالمسلم الذي لا يقيم الصلاة توصيفه (ولكن كذّب وتولى). وطالما أننا نعلم أن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر علينا أن نعمل صالحاً ونستعد للموت في أية لحظة.
ثم جاء قوله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى). أولى من ولِيَ مع أفعل التفضيل بمعنى قرُب وأولى هي أفعل ولِيَ بمعنى زيادة الدعاء والثبور . فإن كنت قربت من النار فسيكون الدعاء عليك أن تقرب أكثر وتتحول الآية إلى دعاء على الكافر بالهلاك بمعنى هلاكاً يُبعدك، ثم يكرر (أولى لك فأولى) وهذا عكس ما جاء في الحديث القدسي (إذا تقرب عبدي مني شبراً تقربت منه ذراعا) وقد تكرر الدعاء مرتين حتى يتبين أن الجزاء من جنس العمل وكما أن الله تعالى يتقرب من العبد أكثر مما يتقرب العبد منه كذلك يبتعد عن الكافر أمثر مما ابتعد الكافر عنه. (فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذب وتولى) هذه نتيجة ونتيجة النتيجة (أولى لك فأولى) أي قرباً لك من النار بأهمالك وهذا زيادة في الدعاء والثبور والهلاك وتدل على استحقاقه لهذا العذاب.
وطالما أننا علمنا أن الروح لا يمكن أن تعود إلى البدن بعد أن وصلت الحلقوم أو بلغت التراقي ففي هذه اللحظة التي تفارق الروح فيها الجسد وتتحول يا ابن آدم من إنسان بقوام حياة الروح وقد شرّف الله تعالى آدم بأربعة تشريفات كما ذكرنا في الحلقات السابقة (خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وشرع له التوبة) فعليك يا ابن آدم أن تسعى في الخير وأن تهاجر إلى الله ورسوله هجرة زمانية أو مكتنية لأن كل هذا سيظهر في لحظات خروج الروح لتصبح جثة هامدة لن يبقى لك بعدها إلا عملك في الدنيا.
ويسأل المقدم عن دلالة الآية (والتفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذ المساق) وهل إلتفاف الساق بالساق تدل على الكافر الذي يصيبه الهلع أم هي للمسلم والمؤمن؟
(والتفت الساق بالساق) هو من نوع المجاز وهي تدل على شدة الكرب والهول بالنسبة للكافر. والخلاف القائم بين المفسرين حول من المقصود بهذه الآية لا وجود له لأن الآية تقول (فلا صدّق ولا صلّى) ومنها نستدل على أن الكلام للكافر. وقد قال بعض المفسرين في هذه الآية أنها تدل على آخر ساعة في الدنيا تلتف مع أول ساعة في الآخرة وهذا أيضاً لا صحة له لأنه كما تقدم الآية بعدها فسرتها (فلا صدق ولا صلى) فالذي يشتد عليه الكرب هو بالتأكيد الكافر والتشكير عن الساق يدل عادة على الشدة والكرب أو على شيء مهم. وقلنا سابقاً أن لحظة خروج الروح (حتى إذا بلغت التراقي) لا تخيف إلا غير المسلم وغير المؤمن.
يسأل المقدم عن حديثين للرسول r الأول: "صحابتي كنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) والثاني مفاده أن أجر الواحد من المتأخرين كأجر ستين من صحابته. فما صحة هذه الأحاديث؟
في نفس الباب أحاديث صحيحة منها "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" وحديث "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" والقضية الأساسية من هذه الأحاديث أننا نريد أن نتأسّى بالرسول r وكثيراً ما نجد عجباً في وقت الحج ونرى ونسمع الفتاوى ومن الناس من يُحدث في الحج أموراً ما أنزل الله بها من سلطان وكل تابع لمذهبه لكن عند الإختلاف نعود فنحتكم لما جاء في القرآن (ولله على الناس حج البيت) (ولأتموا الحج والعمرة لله) والسنة (الحج فرض) فلماذا إذن نختلف وكل يقول قال ابن تيمية وقال الإمام مالك والشافعي ولا نقول قال رسول الله r ونتأسى به ونعمل بقوله (خذوا عني مناسككم) وقوله r (صلّوا كما رأيتموني أُصلي) لكن للأسف أخذ الناس يسعون للرخص حتى أصبحت الرخصة هي الأساس والأساس هو الرخصة. والرخصة هي تخفيف لأصحاب الأعذار فهل أصبحنا جميعاً من أهل الأعذار؟ وهذه دعوة للإقتداء برسول الله r.
"كان رسول الله r يمشي بين القبور مع أصجابه فقال: اشتقت لأحبابي فقالوا أولسنا أحبابك يا رسول اله قال أنتم أصحابي قالوا من أحبابك؟ قال قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" هذه درجة أعلى فكأن رؤية رسول الله r ومصاحبته هي التي دفعت الصحابة إلى الإيمان به لذلك على كل المسلمين أن ينتبهوا إلى نقطة هامة وهي: هل أسلمنا بإرادتنا؟ او لأننا خلقنا من أبوين مسلمين؟ وهناك فرق بين من أسلم على عهد رسول الله r بعد أن شاهده وسمع عنه وبين من أسلم عن اقتناع، ولذا على كل أبوين بمجرد أن يصبح أبناؤهم في سن البلوغ أن يعلموهم أمور الدين ويطلبوا منهم أن ينطقوا بالشهادتين ويعلمونهم كل أمور الدين وعن التقوى والإيمان والإحسان والعدل وحسن الخلق والمعاملة ونعلمهم أن خير من نقتدي به هو رسول الله r لأنه هو القدوة كما قال تعالى في كتابه العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ولا بأس إن اقتدى أحدنا بعد الرسول بشيخه أو بإمام من أئمة الأمة وإنما الأصل أن أقتدي برسول الله r.
يسأل المقدم سؤالاً تكرر على البرنامج وهو ما دلالة قوله تعالى (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)؟
هذه تحتاج إلى وقفة. وهذا الكلام جاء على لسان البشر وهذا اعتراف بما قرره الله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) التي جاءت في سورة البقرة قبل آية خلق آدم واستخلافه في الأرض وقلنا سابقاً قبل أن جعل الله تعالى آدم خليفة في الأرض قرر هذه الكلام وهو يعني أن الناس كانوا أمواتاً في عالم الذر فأحياهم الله تعالى بالخلق ثم يميتهم الميتة العادية ثم يحييهم ثانية بالبعث يوم القيامة، فكأن المرحلة السابقة للخلق كانت موتاً على أني أريد أن أقف عند ملمح الروح في القرآن. وقلنا أن اقرآن سُمي روحاً (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) وكأنها بما يحييكم، وقلنا أن القرآن سمي روحاً لأنه يعمل حياة جديدية للمسلم وكأن المسلم القارئ للقرآن له حياتان حياة بقوام الحياة وحياة بالقرآن أي المنهج الذي هو دستور ومنهج حياة كامل. فلو أن الله تعالى قال لنا صلّوا وحجوا ولم يبيّن لنا الرسول r كيف فكيف نصلي ونحج؟ إذن هذا معنى (دعاكم لما يحييكم). وكذلك قلنا أن القرآن سمي روحاً بدلالة قوله تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) أي القرآن وقد سمي الوحي كله روحاً والقرآن وحده روحاً وبه يحيا الإنسان في الحقيقة حياة المسلم القارئ للقرآن المتّبع له كمنهج حياة تختلف حياته عن المسلم الذي لا يقرأ القرآن ولا يتّبع منهجه ولرُب قارئ للقرآن القرآن يلعنه لأنه لا يطبقه ولا يعمل به. وأصعب موقف يوم القيامة أن يأتي المسلم والقرآن يلعنه (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ولا يجب أن يكون عمل المسلم يخالف قوله. ويجب على المسلم أن يكون إماماً لغيره وبعمله يكون قدوة ونبراساً لغيره من المسلمين وكم سمعنا عن أناس أسلموا والتزموا بعدما رأوا عمل مسلم آخر وتأثروا بنهجه، وكم سمعنا في قصص الفتوحات الإسلامية عن أقوام دخلوا في الإسلام بعدما أعجبوا بأخلاق المسلمين الفاتحين.
وختمت الحلقة بدعاء من الدكتور هداية للمسلمين جميعاً.

بُثت الحلقة بتاريخ 28/3/2004م








_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:41 pm


حلقة الأسبوع السابع
آيات الموت في القرآن الكريم والإحتضار
محور الحلقة قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ {185}) آل عمران
قبل أن نبدأ الحلقة يسأل المقدّم عن قوله تعالى (ويحذّركم الله نفسه) فيقول أن المستشرقين يهاجموا القرآن في هذه الآية ظنّاً منهم بأن الله تعالى (حاشاه) له نفس وبما أنه تعالى قال أن كل نفس ذائقة الموت فهذا ينطبق عليه تعالى حاشاه مما يقولون فماذا يقول المستشرقون وكيف يردّ عليهم الدكتور هداية؟
صدق الله تعالى في قوله (كل نفس ذائقة الموت) وصدق في قوله تعالى (ويحذّركم الله نفسه) وصدق في قوله على لسان عيسى uفي أواخر سورة المائدة (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك). والذي يجب قوله لحسم ادّعاء هؤلاء المستشرقين أن الخلاف بدأ مع بداية إنزال القرآن وتفرّق لمذاهب وفرق وما يجري الآن ما هو إلا استكمال لمحاولات سابقة فاشلة جاء بها المستشرقون وغيرهم كالمجسّمة إزاء وقوف أهل السنّة والجماعة مع صحيح القرآن فالمجسّمة مثلاً كانوا يقولون في قوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) أن لله يدٌ حاشاه وكل هذه الأمورباء أصحابها بالفشل منذ زمن بعيد. لذا يجب علينا أن نأخذ العِبرة في القرآن ونأخذه كله جزءاً واحداً لا يتجزّأ من أوله إلى آخره. والمؤمن الحقّ لا يسمع لهؤلاء ولإذا سمع كلمة (الله) وضعها في إطار (ليس كمثله شيء) فالله تعالى هو الذي أنزل القرآن وهو يُعبّر بما شاء كيف شاء. ونسأل هؤلاء المتطاولين ها آمنتم بالقرآن حتى تتكلمون فيه؟ وهل عندما نسمع (ويحذركم اله نفس) فهل لله نفس كأي نفس؟ حاشاه وعندما سُئل رسول الله r إذا رأى ربه في المعراج فقال: نورٌ أنّى أراه؟ وبعض الناس يظنون أنهم إذا رأوا الله تعالى سيرون يداً وعينين وغيره وحاشاه أن يكون كذلك وإنما علينا إذا سمعنا كلمة (الله) أن نأخذها باعتبار أنه ليس كمثله شيء. ويد الله تختلف باختلاف متلقّيها فهي للمؤمن الرحمة وللكلفر البطش. ونقول لهؤلاء أنهم لو فهموا الآية (كل نفس ذائقة الموت) وفهموا أن الله تعالى وضع فيها الحكم القاطع بالموت الذي هو فرع لكل فناء وهلاك وموت وحين خلق الله تعالى الخلق كتب لكل مخلوق أجله وحين نسمع (ذائقة الموت) فهي تعني أن النفس قد تكون باقية لأن من يذوق يجب أن يكون حيّاً ليذوق الطعم وهذا يرد كلام المستشرقين والمتطاولين على آيات الله فكلامهم مردرد عليهم. وأوجّه كل الشباب الذين قد يسمعون مثل هذه الأقوال أو يقرأونها على الإنترنت أن يلجأ إلى رجل علم يردعلى ذلك وقبل هذا عليه أن يُرجع الأمر إلى أنه تعالى ليس كمثله شيء. وصدق الله تعالى في قوله (ما قدروا الله حق قدره) حتى أن رجلاً قال قبل أن أسلم : لا يستطيع مخلوق لله أن يقول في الله الحق كلّ الحق حت إن صادفه قوله الحق لا يدري هو إنه صدق الحق.
(كل نفس ذائقة الموت) هذه الآية قضى الله تعالى على كل خلقه من إنس وجنّ ونبات وشجر وحيوان الهلاك والفناء والموت فالهلاك للجماد والفناء لما على الأرض والموت للإنسان. سمعت الملائكة قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت) فكأنها فرحت بهذا وقالت هذا لأهل الأرض فسمعوا قوله تعالى (كل من عليها فان) فأدركوا أنهم هيّتون لا محالة وسلّموا بذلك. بعد كل ذكر لهذه الكلمات التي يقطع بها الله تعالى بها يردفها بإثبات وجوده لعظمة الله (كل شيء هالك إلا وجهه) وقوله (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (قل إن الموت الذي تفرون فإنه ملاقيكم ثم تُردون إلى عالم الغيب والشهادة) فالآية إذن (كا نفس ذائقة الموت) هي إثبات أن الله تعالى كتب الموت والفناء والهلاك على كل مخلوق حتى ملك الموت والموت نفسه وهذا كله ليكون الله تعالى آخراً كما كان أولاً وحتى يتحقق هذا الإسم وهذا الصفة (الآخر) كما هو (الأول) وحتى تتحقق هذه الصفة كان لا بد أن يكتب الموت والفناء والهلاك على كل المخلوقات.
(كل نفس ذائقة الموت) النفس ستذوق الموت يعني أن النفس باقية لأن النفس الذي تذوق الموت لا تموت وهذا تعبير هنا عن الروح بالنفس فالذي يموت هو البدن والروح تبقى ولذلك فخروج الروح بانفصالها موت للبدن وليس للنفس. ولمّا يُعبر عن الروح بالنفس حتى نفهم هذه الجزئية (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) ولم يقل الأرواح لأن بين هذه الأنفس نفس النائم فلو خرجت الروح مات فكل موت وفاة وليست كل وفاة موت,.
(كل نفس ذائقة الموت) النفس تذوق فيحدث بعد الذوق إما الموت وإما الإعادة بهذا تبقى الروح سرٌ من أسرار الله تعالى لا يمكن لأحد أن يتكلم عنها وعندما نسمع الحديث نفهم القرآن. حتى الرسول r عبّر عن الروح بالنفس (إذا خرجت روح العبد المؤمن يصعد بها ملكان إلى السماء ومن طيب الريح والمسك عند صعود هذه الروح إلى السماء تتكلم الملائكة الآخرين فيقولون روح طيّبة جاءت من قِبل الأرض صلّى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فاستبشر الرسول r أما روح الكافر تصعد وذكر r أنه من نتنها (كأنه يشمها وضع شاله على أنفه). فعندما كانت الروح في الجسد كان اسمها نفس والنفس قد يُعبّر عنها بالروح فلما يقول تعالى (كل نفس ذائقة الموت) تخرج الروح ويبقى البدن للبلاء أما أجساد الأنبياء والصالحين والشهداء فلا تبلى كما قال r في الحديث (حرّم الله تعالى على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء والصالحين والشهداء. فالآية تؤكّد أن البقاء والديمومة لم ولن يكون إلا لله تعالى سبحانه وعندما يُعبّر تعالى عن نفسه باستخدام كلمة النفس يجب أن نعلم أن نفسه تعالى ليس كمثله شيء. وعندما نسمع هذه الآية يجب أن نعرف أن المولى تعالى لا يدخل في هذه الآية حاشاه.
سؤال: يسأل المقدم أنه في الكثير من المحاضرات لبعض العلماء يتحدثون عن ملائكة بيض وملائكة سود عند خروج الروح من الجسد فما مدى صحة هذا الكلام؟
هذا الكلام لا اصل له فالملك ملك ولا توصف الملائكة بانها سود او بيض إنما الاختلاف هو بما تحمله الملائكة معها للمتوفّي هل تحمل الحنوط من الجنة والحرير والإستبرق أو غيره.
واجبات المريض في حالة الإحتضار أو المرض الشديد:
نعود إلى حوار الحلقة في قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت) الكل سيموت وما دام الكل سيموت فمن رحمة الله تعالى بنا أن المرض السابق للوفاة أو حالة الإحتضار وهذا في وجهة نظري وأنا أنقل وجهة نظر السلق فضل كبير من الله تعالى بعكس موت الفجأة لأن الإنسان لا يستعد فإذا سبق الموت مرض يكون من رحمة الله تعالى فعلى كل مريضأن يُجهّز نفسه في أمور معينة لأن المرض أقرب للموت من الصحة ولا فرق بين صغير وكبير ونقول هذا الكلام بمحاذير معينة فلو أن أحداً عنده 70 سنة وهو يحتضر يوجهونه إلى القبلة لأنهم يقولون أنه يوجد حديث يقول هذا، وهذا خطأ كبير وللأسف توجد أمور نُسبت إلى الرسول r ولم يثبت فيها حديث صحيح ويقول آخر اقرأوا يس على موتاكم وهذا ليس في السنّة وفيما يلي ما على المريض أو المحتضر عمله:
على المريض أن يُكثر من ذكر الله تعالى هذا الذكر يجب أن يكون له مواصفات وأفضل الذكر أن يردد لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا إله إلا الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وحتى يكون الذكر يجب أن يكون المرض أو المحتضر على طهارة أو وضوء دائم أو تيمم إذا كان لا يستطيع الوضوء وهكذا يكون على طهارة حسّية وطهارة موضوعية هي التي تجعل الذكر رطباً وسهلاً. ونصيحة لكل من دخل في المرض أو في حالة إحتضار أن يتوضأ أو يتيمم ولهذا سميت الأمة المسلمة أمة طاهرة. والتيمم من وجهة نظري ما شرعه الله إلا تيسيراً لفقد الماء ولفت النظر لما في الوضوء من قيمة. وإذا سألنا هل الوضوء طهارة أو نظافة؟ يتردد في الإجابة والتيمم كما هو معروف بالتراب فهل إذا كنت مغتسلاً ونظافتي 100% أتيمم بالتراب؟ غير منطقي فالتيمم يكون فقط عن طريق مسح الوجه والكفين وليس للبدن فالتيمم إذن للفت النظر إلى ما في الوضوء من قيمة مصداقاً لحيث الرسول r (تخرج الذنوب من الأعضاء مع آخر قطر الماء) فأي مريض عليه أن يعود إلى الله والفطنة لمسألة سئل فيها الرسول r وعلّمنا أهم قضايا الإيمان وهي الوضوء. خرج رسول الله r على أصحابه فقال: يا بلال ما فعلت جعلك تسبقني إلى الجنة؟ ففرح بلال فقال الرسول r ما رأيت الجنة إلا وسمعت خشخشتك فيها (وفي رواية خشفك أو دفك) وأضاف الرسول rإني رأيت في الجنة قصراً من ذهب قلت لمن هذا القصر؟ قالت الملائكة لرجل من العرب قال الرسول أنا عربي لمن هذا القصر قالوا لرجل من قريش قال أنا قرشي لمن هذا القصر قالوا لرجل من أمة محمد قال أنا نحمد لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب. فضحك الرسول r فقال بلال ما أذّنت إلا صلّيت ركعتين وما أحدثت إلا توضأت ورأيت أن لله عليّ ركعتين فيقول الرسول r بهما يا بلال. وهنا نقف عند ما قد يتبادر إلى ذهن البعض أن الرسول في حواره مع الملائكة أن يقصد أنه يريد أن يكون صاحب القصر كلا وإنما المراد من سؤاله r أنه عربي قرشي سيعرفه إذا قالوا اسمه. ثم إن هناك أمراً آخر وهو أن كل عمل يعمله الإنسان هو عند الله كبير كما فعل بلال. حتى إن بلال لم يقل شعرت أن لله عليّ ركعتين بل قال رأيت فكأنه متيقن من هذا الأمر يراه رؤية العين. وإذا كان الوضوء يجب على كل مسلم أن يحافظ عليه في كل الأوقات فالأولى أن يحافظ عليه وهو في حالة المرض أو الإحتضار. وعلينا أن ننصح بعضنا البعض بالوضوء وهذا من باب الدين النصيحة وباب وتواصوا بالحق لأن النصيحة كما سئل الرسول r لله ورسوله وكتابه ولعامة المسلمين وأئمتهم. ولا ننسى أن الوضوء يجرّنا إلى معية الله ومعية الملائكة ثم إن المحتضر أو المريض يجب أن يكون على وضوء فهو لا يعلم متى يقبضه ملك الموت فعليه أن يكون مستعداً كما أن عليه.
الإكثار من ذكر الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)لأن الذكر والتسبيح سينقل المسلم إلى شبه أنبياء ورسل بدليل الآية (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) وقال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) والنبي r جدير بهذا وبإمكاننا أن نكون في معيّة النبي r فالله تعالى والملائكة يصلون من مع النبي r ومَن مِن المؤمنين لا يحب ذلك؟ فعلى المريض والمحتضر أن يسبح الله تعالى ويذكره فما بالكم برجل صلّى الله عليه أو صلّت الملائكة عليه وما بالنا برجل يلقى الله تعالى على هذا؟.
وهنا أقف عند من يقول جزءاّ من حديث الرسول rولا يُكمله: ورد في صحيح مسلم في رواية : عن ابن شريح بن هانئ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r" من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فأتيت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله r حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا فقالت إن الهالك من هلك بقوله رسول الله r وما ذاك؟ قال: قال رسول الله r " من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " وليس منا أحد إلا ويكره الموت؟ فقالت: قد قاله رسول الله r وليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا شخص البصر وحشرج الصدر واقشعرّ الجلد وتشجنت الأصابع فعند ذلك: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" (أخرجه مسلم 2685، وأخرجه البخاري 6507) والموت قبل لقاء الله والرسول r يتكلم من واقع الحديث القدسي ( إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإن كره عبدي لقائي كرهت لقاءه) . الآن أُحب الموت أو أكرهه أمر يجب مناقشته. ونسأل من يحب الموت ومن يكره الموت وهل أكره الموت خائفاً أو أحب الموت خائفاً؟ وإذا سألنا أحداً هل تحب الموت أو تكرهه فماذا سيكون جوابه؟ سيقول بالطبع أكرهه بدليل قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت) أي أن النفس لا تريد ولكنها تتذوق برغم عنها ولذلك قال تعالى في حديث قدسي مخاطباً النفس اخرجي قالت لا أخرج إلا وأنا كارهة قال تعالى اخرجي وإن كرهت. وحينما دخل الرسول r على ابن عباس في مرضه تمنّى ابن عباس الموت في حضرة الرسول r قال يا عم لا تتمنى الموت فإن كنت محسناً فإن في بقائك تزدد إحساناً وإن كنت مسيئاً فتُستعتب فتستغفر فتتوب فهذا خير لك. فإن كان ولا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحييني ما دامت الحياة خيراً لي وتوفّني ما دام الموت راحة لي.
نعود لقصة بلال رضي الله عنه ومنها نأخذ العبرة أن علينا التقرب إلى الله تعالى بالنوافل كما في الحديث القدسي: ما تقرب إلى عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضته عليه وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنّه.
ونعود اما ذكرنا إلى الآن من واجبات المحتضر أو المريض وقلنا أن أولها كان الوضوء أو التيمم الدائم والإكثار من ذكر الله تعالى (تحيتهم يوم يلقونه سلام) فلو فعلت هذا فأنا على استعداد للقاء الله تعالى ولا بأس أن أتدرب على لقاء الله وأوطّن نفسي على أن الموت آت لا محالة. وقلنا أن الرسول r رفض تمني الموت لكن ماذا نعتبر من تمنى الموت: محسن أو مسيء؟ عادة يكون محسناً لأنه ما من مسيء سيتمنى الموت أبداً كما جاء في قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {94} وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ {95} البقرة) وفي آية أخرى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {7} الجمعة) والفرق بين (لا يتمنونه ولن يتمنوه هو في الإعراب (لن) ناصبة ويتمنوه من الأفعال الخمسة التي هي كل فعل مضارع اتصلت به ألف الإثنين أو واو الجماعة أو ياء المتكلم . في الإعراب يأخذ الفعل المضارع من الأفعال الخمسة حكماً غير الأفعال غير المتصلة وعلى هذا فإن إعراب (لن يتمنوه: لن ناصبة ويتمنوه فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون نيابة عن الفتحة لأنه من الأفعال الخمسة) فلا اختلاف بينهما إلا في الإعراب. ونكمل ما على المحتضر عمله:
كثرة الإستغفار والتوبة والندم على ما قدّم.
الرضى بقضاء الله تعالى والصبر على قدر الله تعالى وحُسن الظنّ بالله تعالى. وقد جاء في الحديث عن رسول الله r: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له." ففي الحالتين يأخذ المؤمن الحسنات والدرجات. ففي المرض يصبر المريض فإذا شُفي شكر وحمد الله تعالى ثم إذا اشتد المرض عليه أم يُحسن الظنّ بالله تعالى وقد جاء في الحديث القسي: أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه وإذا تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعا وإذا جائني يمشي جئته مهرولا. فأقل المسألة كما جاء في الحديث القدسي أن يذكرني الله تعالى في سره والواحد منا يتمنى أن يذكره الله تعالى في سرّه وهذا أقل الأمر وقد يموت واحدنا دون هذه المسألة. ثم يوجهنا الرسول r بعد هذا الحديث القدسي بحديثه : " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت النبي r قبل وفاته بثلاث يقول: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظنّ بالله" (أخرجه مسلم 2877). ومهما قدّم الإنسان في حياته فعليه عند الموت أن يُحسن الظنّ بالله تعالى لأنه أوجب وآكد على فراش الموت وعلينا أن لا ننسى أن الله تعالى كتب فوق عرشه (إن رحمتي سبقت غضبي) وأنه وسعت رحمته كل شيء، وعلى من يعود مريضاً أن يعلمه هذا وخاصة يعلمه الصبر والرضى وحسن الظنّ بالله ولا يستمع للشيطان الذي سيحاول إلى آخر لحظة أن يقنّطه من رحمة الله تعالى ولنعلم أنه لا يأس مع رحمة الله الواسعة وكفانا فخراً أننا مسلمين وأن أول صفة لله تعالى في القرآن هي صفة الرحمن.
أن يبتعد عن الملاهي وكل ما يلهيه عن ذكر الله كالتلفزيون واللعب واللهو ويحرص أن يبقى مع كتاب الله والسنة والصلاة وقراءة القرآن. فالمرض نوع من كرم الله تعالى بنا وفي الموت أكون أقرب إلى الموت فإذا وقع لي حادث سيارة فلا يكون همي أن أتفقد السيارة لأرى ما حصل بها ولكن عليّ أن أحمد الله تعالى وأستغفره وأسبحه فربما تكون هذه اللحظات آخر العهد بالدنيا فعلينا التعجيل بالتسبيح والإستغفار وكم رأينا أناساً ماتوا في حوادث وجدناهم يرفعون أصابعهم بالشهادة. فيجب علينا أن نضع في حسابننا الإحتضار ونتحضّر في كل لحظة للموت.
سداد الديون: على المريض أو المحتضر أن يسدد ديونه ويوصي بما للناس عليه وهذه مسألة مهمة وأن يتعهد أمام أهله أن يردّ الدين إلى أصحابه وفي حديث للرسول r: الدين دينان فمن كان ينوي أن يقضي دينه فأنا وليّه يوم القايمة ومن مات ولا ينوي قضاء دينه فثم لا دينار ولا درهم قالوا فماذا قال الحسنات والسيئات. وفي حديث المفلس ما معناه أن الرسول r سأل أصحابه أتدرون من المفلس قالوا المفلس من لا درهم له ولا دينار قال بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذ من حسناته وهذا من حسناته فإذا انتهت حسناته يؤخذ من سيئاتهم فتطرح عليه ثم يُلقى في النار والعياذ بالله. ولهذا على المريض أو المحتضر أن يكتب ما للناس عنده حتى تبرأ ذمته.
الوصيّة: نهى الرسول r أن يبيت المؤمن ليلتين بدون وصية وهذا للذي عنده ما يوصي به من أموال وغيره وآيات الميراث رفعت الوصية للأهل وللإنسان حق التصرف بثلث ماله ليتصرف به في الوصية لكن الأهم في الوصية هي أن يوصي كل مسلم أهله بأن يغسّل ويُكفّن ويُدفن على شرع الله وسنة رسوله r وهذا هو الأهم . قال تعالى (فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) فكأنما الأصل في الأعمال إلى النار ومن رحمة الله تعالى وبالتقوى والإيمان والإحسان والإسلام كون أحدنا من أهل الجنة بدليل الحديث الشريف عن رسول الله r: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. وإذا عدنا إلى الآية نجد أنه تعالى قال فيه فمن زحزح عن النار ولم يقل زحزح عن الجنة. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول أنا لا آمن مكر ربي ولو كانت إحدى قدمي في الجنة. فول أحسنا الظن بالله يمكن لنا أن نكون مثل أبي بكر وعمر والقصر الذي ذكرناه في الجنة لعمر لم يلأتي هكذا فهو الفاروق رضي الله عنه وكان ابن عباس يقول أكثروا من ذكر عمر لأن في ذكر عمر ذكر للعدل وذكر العدل ذكر لله تعالى. وفي حديث الجارية التي نذرت أن تضرب على الدف إذا انتصر الرسول r فأذن لها الرسول لأنها نذرت فبدأت تضرب بالدف أمام الرسول r ودخل ابو بكر وعثمان وعلي وهي تضرب فلما سمعت أن عمر قادم أخفت الدف وجلست عليه فقال رسول الله r إن الشيطان يخافك يا عمر وهذا لا يعني أن الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من الرسول r أو أن الجارية تخاف من عمر ولا تخاف من الرسول r لكن عمر كان شديداً والرسول r كان لين القلب في شدة عمر كما قال فيه تعالى (فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (وإنك لعلى خلق عظيم).
الواجبات التي تجب على من حضر الوفاة:
الإكثار من ذكر الله أمام المريض أو المحتضر.
تلقينه الشهادة وفي هذا اختلاف بين العلماء منهم من يقول لا يجبروه على النطق بها ولكن يقولونها عرضاً حتى لا يقنط وفريق قال يستميتوا في أن يقولها. وأقول الرجل لا يرضى أن يقولها هل سيخسر أكثر مما خسره؟ كلا لذا يجب أن يلح عليه بقولها ولو مرة واحدة فإذا قالها ندعه وهذا هو الصواب في نظري. وقد دخل أحد العلماء على رجل يحتضر ووجد من حوله يتكلمون فقال كيف لا تلقنوا أخيكم فلقنها أحد الجالسين فنطقها الرجل. لا نُعرض ولا نًلحّ كثيراً نقولها مرة ونسكت إن قالها فقد انتهى الأمر .
قراءة القرآن أمامه وهذا لا يخص سورة دون سورة وإنما يقرأوا أي من القرآن والحديث حول اقرأوا يس لموتاكم حديث غير صحيح. وقراءة القرآن عند المريض أو المحتضر تحببه بلقاء الله كأن يقرأوا أمامه (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا) (تحيتهم يوم يلقونه سلام) وغيرها من آيات التبشير والتشجيع للمحتضر على ذكر الله.
ذكر الموت أمامه على فترات متباعدة وبيان أن المرض يعيد الإنسان إلى الله ويعوه للإستغفار. ويمكن أن يُقصّ عليه قصة أحد الصالحين الذين تابوا واستغفروا.
وفي الختام توجه الدكتور هداية للمشاهدين ولكل من عنده مريض أو حالة وفاة أو احتضار بالدعاء لهم بالثبات وقال: كفى بالله عزاء عن كل مصيبة وكفى بالله تعالى خلفاً عن كل هالك وكفى بالله تعالى دركاً عن كل فائت فهو وحده الباقي الذي لا يموت (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأًدخل الجنة فقد فاز. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أسئلة المشاهدين خلال الحلقة:
سؤال: تقول الأخت السائلة تعقيباً على ما جاء في حلقة سابقة عن تعوّذ الرسول r من موت الفجأة وتقول أن ابنتها توفيت منذ شهرين ولديها 12 سنة فماذا تفعل لها كصدقة؟
كان الرسول r يتعوّذ من الموت الفجأة للبالغين الذين ارتكبوا السيئات أما الصغيرة فلها الجنة إن شاء الله وللسائلة الأم الصبر لأن الله تعالى يكتب الجنة للصابرين على قبض أولادهم كما جاء في الحديث في حلقات سابقة. ودعا الدكتور الأخت السائلة للصبر ولقديم الصدقات لابنتها المتوفاة ككفالة يتيم أو غيره وهذا بإذن الله سيجعلها في أهل الجنة وبصبرها على فقد ابنتها سيبني الله تعالى لها بيتاً في الجنة ومن بنى له الله تعالى بيتاً في الجنة فهو بلا شك في أهل الجنّة.
سؤال: الأخت المتصلة تسأل أنها سمعت أن الصدقة على الميت لا تجوز إلا إذا كان الميّت قد بدأ بها في حياته فما صحة هذا؟ وأنا أتصدق عن والدتي المتوفاة وهي لم تكن تملك مالاً لتتصدق به وإنما كانت تعمل صالحاً وتؤدي عباداتها فهل هذا يكفيها؟
صدق الرسول r في حديثه : عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله r قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله من ثلاثة : إلا من صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له" (اخرجه مسلم 1631) والولد يكون كل مولود سواء أكان ابنه أو ابن أخيه أو ابن أحد أقاربه أو عمّه أو أي مولود. والعلم النافع يجب أن يتركه الميّت ككتاب كتبه أو نحوه والصدقة الجارية يقولون أنه يجب أن يجريها المتوفي على حياته حتى يضمن لكن لنفترض أن هذا المتوفى لم يُجري صدقة على حياته ماذا يفعل؟ يُخرج عنه أهله بدليل حديث الرسول r : أنت ومالك لأبيك. لكن الأضمن أن يكون الإنسان هو الذي يُجري الصدقات في حياته فهذا أضمن له والأهم كثرة الدعاء للميت لأنه هذا أضمن في حديث الرسول r (أو ولد صالح يدعو له).
سؤال: يسأل المقدم أنه وردت للبرنامج أسئلة كثيرة حول الحج عن الغير هل يصل ثوابه للميّت وغفر الله تعالى له؟
هذا أمره إلى الله تعالى ونسأل الله له المغفرة والرحمة وهذه القضية هي أصل إختلاف المالكية مع بقية المذاهب في صحة الحج عن الغير. لكن المهم من كل هذا والأضمن أن يسعى كل واحد منا لعمل الصدقات في حياتنا فإذا مات الإنسان ولم يعمل صدقة يعمل عنه أهله وأولاده كما قلت سابقاً الأضمن للميت الدعاء له.
سؤال: تكررت الأسئلة على البرنامج حول كون المسلم بين الخوف والرجاء فما تقول في ذلك؟
قلنا أن المريض أو المحتضر يجب أن يكون على هذه الحالة بين الخوف والرجاء وعليه أن يكون على وضوء أو تيمم دائم وأن يكثر من ذكر الله والإستغفار والتوبة والندم عل ما قدّم وأن يسدد ديونه ويحسن الظن بالله ويرضى ويصبر عبى ما أصابه. دخل رسول الله r على شايب يحتضر فسأله كيف تجدك؟ قال أنا أرجو رحمة ربي لكني أخاف ما قدمت من سيئات فقال الرسول r ما اجتمعا في قلب عبد إلا غفر الله له. وفي رواية لا يجتمعان في قلب عبد إلا أمّنه الله مما يخاف وأعطاه ما يرجو. وقد وقفت مع هذا الحديث فتبين لي أن هذا قمة الإيمان والذكاء فالشاب لم يقل خائف من الله وهذا من حسن ظنه بالله وقدّم أنه يرجو رحمة ربه على خوفه من سيئاته وقال أخاف ما قدمت من سيئات. وهذا دليل إيمان خالص لله وكان إيماناً بحبّ المولى، خوفه يجب أن يسيطر على قلوبنا لكن في لحظة الموت نحسن الظن بالله زنفهم أن رحمته سبقت غضبه فيكون الرجاء في الله والخوف من الذنوب وقد ورد في الحديث القدسي قصة اليهودي الذي طلب من أولاده أن يحرقوا جثته ويفرقوها في أماكن متعددة لأنه أذنب ذنوباً كثيرة وهو يستحي أن يقف بين يدي الله تعالى فجمع تعالى ما تناثر من حرق جسده وسألهما حملك على هذا قال مخافتك يا رب العالمين فغفر له وأدخله الجنة.
سؤال: هناك حديث حول من يبارز اله تعالى ؟ من بارز الله بالمعاصي وإذا سُئل قال أُحسن الظن بالله. قال الرسول r كذبوا لو أحسنوا الظنّ بالله لأحسنوا العمل.
سؤال: استيضاح من سائل حول الموت والوفاة؟ وسؤال آخر كيف تخرج الروح وموضوع الرؤيا والحلم؟
تحدثنا عن الموت والوفاة والفرق بينهما (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) وقلنا أن حين موتها هي بأن يقبض ملك الموت الروح والتي لم تمت في منامها قلنا أن هذه حالة النوم التي فيها اتصال مؤقت بين الموت واليقظة وسنتعرض لهذا بالتفصيل في حلقات لاحقة. وقلنا أن كل موت وفاة وليست كل وفاة موتاً.

بُثت الحلقة بتاريخ 4/4/2004م

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:42 pm

عودة للصفحة السابقة
التوبة والإستغفار
التوبة: في اللغة توب بمعنى الرجوع والعودة. حينما خلق الله تعالى آدم بدأ الكون بمعصيتين تبيّنان لنا أركان الأمور التي تستوجب التوبة. فالتوبة لا تكون فقط من فعل المحظور لأنه قبل هذا يجب التوبة من ترك المأمور الذي يأمر به الله تعالى. وأول معصية حصلت بعد الخلق هي معصية آدم إذ أبى واستكبر أن يسجد لآدم كما أمره ربه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)) وكان يستوجب عليه التوبة من معصية الله لكنه طُرد من رحمة الله تعالى وكتب عليه هذا الطرد بقدر الله سبحانه. فالتوبة يجب أن تُؤخذ بين دفتين إحداهما ترك المأمور (كما فعل إبليس بمعصيته) وفعل المحظور (كما فعل آدم عندما أكل من الشجرة). وقد قال تعالى لآدم (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)) فلو أن الله تعالى أمر آدم بالأكل من شجرة واحدة في الجنة فقط ونهاه عن أن يأكل من باقي شجر الجنة لكنّا قلنا على الأقل أن المعصية قد تكون مبررة لكنه تعالى سمح لآدم وزوجه أن يأكلوا من كل شجر الجنة إلا شجرة واحدة وهذا يدلّ على أن الإنسان بطبيعته مقصّر وأنه جُبل على هذا بدليل قوله تعالى (قتل الإنسان ما أكفره). فالنهي عن الأكل كان من شجرة واحدة فقط ومع ذلك أزلهما الشيطان فوقعا في المعصية. لكن هنا نسأل هل ترك الله تعالى آدم لمعصيته؟ وهل تاب آدم من تلقاء نفسه؟ نقول كلا للسؤالين وهذا يدل على فضل الله تعالى علينا. لمّا عصى آدم ربّه ألهمه الله تعالى إلى التوبة بدليل قوله (فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) فلولا أن آدم أخذ الكلمات التي تاب بها بالوحي أو التوجيه من الله تعالى لما تاب، فالذي شرّع التوبة وبدأها وعلّمنا إياها عن طريق آدم u هو الله تعالى فعلى الذي يقع في معصية أن يُسرع في التوبة إلى الله والعودة إلى طريق الله الحقّ.
وهنا يأتي سؤال يسأله الناس : لماذا أُخرج آدم من الجنة؟ فنقول لو قرأنا قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) قال في الأرض ولم يقل في الجنة. وقبل أن نتوسّع في هذه النقطة أحب أن أقول أنه لو استعرضنا القرآن كله بكل آياته التي تبلغ 6236 آية لوجدنا أن القرآن الكريم نزل منجّماً على الرسول r بكلمة إقرأ وهذه الكلمة نجدها في الجزء الثلاثين من القرآن وأول إخبار عن آدم جاء في سورة البقرة التي هي من السور المتأخرة في التنزيل. وهنا علينا أن نفرّق بين الكتاب والقرآن. فترتيب نزول القرآن يختلف عن ترتيب الكتاب لأن الله تعالى أنزل الكتاب مجمّعاً إلى السماء الدنيا في ليلة واحدة (إنا أنزلناه في ليلة القدر) بنفس الترتيب الذي بين أيدينا اليوم ثم بدأ ينزل منجّماً على الرسول r قرآناً وكلمة قرآن من قراءة لأنه أُنزل منجّماً على الرسول rوحُفظ في الصدور والله تعالى تعهد بجمعه وبيانه (لا تحرك لسانك لتعجل به* إنا علينا جمعه وقرآنه) فالقرآن مجموع في الكتاب بأمر الله تعالى وفي الكتاب بجد أن سورة الفاتحة هي أول ما بدأ به الكتاب ولهذه السورة وقع بديع في أول الكتاب (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) وكأن الله تعالى أمر أن تكون الفاتحة على رأس الكتاب بل تعدله بدليل الآية التي ذكرنا. وسميّت السبع المثاني لأنها سبع آيات تبدأ بالبسملة وتنتهي بـ (ولا الضآلين) أما آمين فهي ليست من الفاتحة، والمثاني لأنها تُثنّى في كل صلاة ونأخذ أقصر صلاة الفجر التي هي ركعتان نقرأ فيها الفاتحة مرتين مرة في كل ركعة فهي تُثنّى. والفاتحة تجمع أهداف القرآن كله فهي تجمع التوحيد والإيمان بالبعث وتعظيم الله تعالى والثناء عليه. وكل لكمة في الفاتحة لها حكمة في الوقع وفي ترتيب السورة تحتاج إلى حلقات لنشرحها. ولعل الحديث القدسي عن الفاتحة من أجمل الأحاديث (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، واذا قال: الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، واذا قال : مالك يوم الدين، قال عز وجل: مجدني عبدي، وقال مرة فوض الي عبدي، فاذا قال: اياك نعبد واياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال:اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.) والسورة الثانية في الكتاب هي سورة البقرة وأول إخبار عن آدم جاء في هذه السورة في قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وقلنا أن آدم مخلوق للأرض فلا نسأل لماذا خرج من الجنة. والجنّة لغة هي البستان الذي فيه ظلال كثيرة من لأشجار هذا هو معناها في الأساس ثم اسُتعير المعنى لجنّة الخلد في السماء. بدليل أن القرآن استعملها كجنة في الدنيا في قوله تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين) . فآدم u كان على الأرض لكنه خرج من الجنة حيث كان له فيها الماء والطعام متوفراً له ومضموناً إلى الأرض ليسعى هو في الرزق. فنحن مأمورون بالتوبة وآدم u لمّا عصى ربه لم يكن من نفسه فعلينا عندما نعصي نحن أن نعلم أنه لولا هداية الله تعالى أن الله يلهم الإنسان التوبة لما تاب أي من العاصين فعلينا أن لا نغترّ حتى لو ظننا أننا في أوج الإيمان، ونقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الإنسان يمشي في طريقه إلى الله تعالى من الدنيا إلى الآخرة وإذا صادفته المعصية خرج عن الطريق ويحتاج إلى العودة إلى الله تعالى بالتوبة وإذا نظرنا في المعاصي نجد أن الإستغفار يمهّد للتوبة منها.
الإستغفار لا تعني طلب التوبة. في اللغة غفر تعني ستر وعندما نقول أستغفر الله العظيم ولو فتّشنا في القرآن وفي سنة الرسول r لوجدنا أن الإستغفار لا يأتي بعد المعاصي ولكنه يأتي بعد الطاعات أما التوبة فهي التي تأتي بعد المعصية. بدليل أن الرسول r كان أول ما يقول بعد التسليم في الصلاة: أستغفر الله، وهذا الإستغفار هو استجلاب رصيد مفغرة بمعنى يا رب اغفر لي أي استرني إذا عصيتك ولا تفضحني. فبفضل الله تعالى كم من عاصٍ عصى الله فلم يفضحه. وكان الرسول r يستغفر كثيراً بعد الطاعات يتوب كثيراً بعد المعاصي وهذا ليعلّمنا نحن، ومعلوم أن الرسول r معصوم عن المعاصي ولكن كان يتوب بعدما يعاتبه ربه كما جاء في عتابه تعالى له في حادثة عبد الله بن أم مكتوم (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) بكى الرسول r عندما عاتبه ربه وهذا ليس لذنب عمله فالعتاب من الله تعالى لرسوله هو عتاب المحبّ لحبيبه وليس عتاب نب وإنما عاتبه ليصحح الوضع (وما يدريك لعلّه يزّكى) فكأنه تعالى يقول لرسول r هوّن عليك يا رسول الله ولا تُتعب نفسك بالكفار الذين كان يدعوهم إلى الإسلام عندما جاءه عبد الله بن أن مكتوم. وقد جاء في الأحاديث أن الرسول r كان يستغفر ربه في اليوم أكثر من سبعين مرة وفي رواية مئة مرة وهذا كله ليكون لنا أسوة نقتدي به r. فإذا كان الرسول وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر بهذا الشكل فكيف بنا نحن؟ علينا أن نستغفر أكثر بكثير من الرسول r. والمسألة ليست مسألة قول فقط وهناك فرق بين الإستغفار والتوبة. يأتي الإستغفار أولاً ثم التوبة.
الإنسان في رحلة حياته في الدنيا كأنه في طريقه إلى الله تعالى يوم القيامة وهذا الطريق محفوف بالمعاصي والسيئات ولا أحد منا لايخطئ ولا يجب الغرور بعدم المعاصي لأن هذا من معاصي القلب والغرور من آفات القلب. والمعاصي لا تكون بالجوارح فقط وإنما تكون أيضاً في القلب فمعاصي القلب ثيرة منها الغِلّ والحقد والحسد والكِبر والغرور. والتوبة لا تكون باللسان ولكنها بالقلب والفعل والندم كما جلء في الحديث (الندم توبة). وقد علّمنا الله تعالى أنه إذا صادفتنا معصية خرجنا عن الطريق الحقّ ونحتاج إلى توبة حتى نعود إليه.
يجب على الإنسان أن يستغفر الله كثيراً مع الطاعات بدليل قوله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبّح بحمد ربك واستغفره* إنه كان توابا) والرسول r علّمنا أن الإستغفار بعد الطاعات يكون جالباً لمغفرة الله تعالى لنا والستر علينا حتى نتوب.وفي عام 1986م أرسل لي أحد إخواننا الأفاضل في ألمانيا أن هناك من يقول لهم أن الإستغفار لا يمحو الذنوب لأن غفر في المعجم تعني ستر فقط وليس محى. فقلنا لهم اقرأوا قول الله تعالى في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) يستعرض تعالى ثلاثة ذنوب كبيرة هي الشرك بالله والقتل والزنى. وعلينا قبل كل شيء أن نعلم أن التوبة ليست كلمة تُقال وإنما هي عملية متكاملة. قال تعالى (أولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات) السيئة التي تاب عنها العاصي ساعة ما استغفر الله تعالى بعدها سترها الله تعالى وأبقاها سيئة حتى تتحول إلى حسنة. فإذا كان تعالى قد محاها بمجرد الإستغفار فما جدوى التوبة إذن؟ فالله تعالى ستر على معصية المستغفر ثم يتوب عليه ثم يبدّل سيئاته حسنات ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول لأبي بكر أنا أكثر منك حسنات فيقول كيف؟ يقول عمر لأن سيئاتي كانت أكثر من سيئاتك فغفرها الله تعالى لي وبدّلها حسنات. وهنا أنوه لإخواننا الدعاة والعلماء أن عليهم أن يفهموا الألفاظ بطريقة صحيحة وأن يقولوا الآيات كاملة فلا يقل أحدهم مثلاً (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ويقف بل عليه أن يكمل الآية كلها (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فحتى الشرك بالله والمشرك والكافر يغفر الله لهم مهما كانت درجة كفرهم بكجرد توبتهم وهذه الآية هي دعوة للمشرك بالعودة إلى الله تعالى وليست ضد المشركين. وكذلك أن يقف أحدهم عند قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة) بدون أن يقولها كاملة (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) والحكمة في هذه الآية كانت لإمتحان قلوب المسلمين ليس فقط بترك الخمر عند الصلاة وإنما بترك الخمر كلياً وعدم القرب منها فس الصلاة أو في غيرها. وهنا أنبّه كل من يقول أنه يشرب الخمر لكنه لا يسكر فأقول له إن هذا أشد خطراً لأن عقله قد فسد أصلاً ولم يعد يتأثر بالخمر وهذا ليس طبيعياً فمن الطبيعي أن يتأثّر العقل بالخمرة. فإذا فسد العقل أصبح في عداد السفهاء.
نقول إذن إن الإستغفار هو استجلاب للمغفرة حتى تُستر الذنوب إلى أن تتم عملية التوبة فتُقبل بفضل الله تعالى ثم تتحول السيئات إلى حسنات بفضل الله تعالى. ويجب علينا أن نتوب مهما كانت الذنوب صغيرة أو كبيرة وعلينا أن نستغفر الله كثيراً فالذي يعوّد نفسه ولسانه على الإستغفار لا يمكن أن يعصي الله تعالى.
ونعود للأية في سورة الفرقان (إلا من تاب وأمن) فهل كفر؟ صدق رسول الله r حين قال "لا يزني الزاني وهو ومؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن" بمعنى أنه ساعة يقوم بهذه العملية من زنى أو سرقة لم يكن مؤمناً فكأنه خرج من الإيمان لكنه ما زال على ملة الإسلام. لكن هناك فرق بين االإسلام والإيمان وبينهما شعرة بمعنى أن المسلم إن لم يؤمن لن ينفعه إسلامه. إذا دخل أحد الناس الإسلام أول ما نطلب منه النطق بالشهادتين وهكذا يكون قد أسلم لكن يجب علينا أن نخبره ان عليه الصلاة والصيام والحج والزكاة لإغن لم يفعل هذه الأشياء فهو ليس بمؤمن لمنه مسلم فقط لأنه نطق الشهادتين. الإيمان هو نتفيذ أوامر الله في كتابه إفعل والإنتهاء عن لا تفعل والإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل. والإيمان يحتاج لحركة والإسلام أعلى دين على وجه الأرض من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة. كيف ذلك؟ إذا أسلم الإنسان كان إسلامه لله عزّ وجلّ ومن ضمنه أن تُعلن إيمانك بالله تعالى بتنفيذ أوامره وتجنب نواهيه مخلصاً له بقلبك. إذا سألنا أيهما أعلى الإسلام أو الإيمان؟ ستكون معظم الإجابات الإيمان وهذا غير صحيح لأن الذي أجاب الإيمان لم يفكّر في السؤال جيداً. هناك إسلامان واحد قبل الإيمان وواحد بعد الإيمان . الإسلام الذي قبل الإيمان هو إسلام العقيدة (الشهادتين) والإيمان هو تطبيق الأوامر والإنتهاء عن النواهي بعده يأتي إسلام الوجه لله بدليل خطاب الله تعالى للمؤمنين في قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمين) فهو تعالى أثبت لهم الإيمان وطالبهم بالتقوى والإسلام فكأن التتيب يكون على النحو التالي: إسلام العقيدة – الإيمان – التقوى – الإحسان – إسلام الوجه لله. فإسلام الرسالة شيء وإسلام الوجه لله شيء آخر فأن تخرج من بيتك أو من عملك أو أي مكان وتقول: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن حسبنا الله ونعم الوكيل) إذا قالها العبد تنحّى عنه الشيطان وقالت له الملائكة: وُقيت وهُديت وكُفيت، هذا الشخص لا يخطئ أبداً زكفاه فخراً أن الشيطان تنحّى عنه. فإسلام الوجه لله يدفعنا عن المعاصي والإستغفار يدفعنا إلى الطاعات. والصبر ركن ركين في كل الأعمال التي نؤديها وفي كل عبادة وعمل فالصلاة من غير صبر تكون بسرعة وبغير خشوع والصوم بغير صبر لا يكون إلا جوعاً وعطشاً والتعامل مع الناس بغير صبر قد يؤدي إلى سوء الخلق ين الناس والخطأ في حق الناس فالصبر إذن هو نوع من أنواع الإخلاص في العمل والإيمان إذا لم يكن فيه صبر سيسرق السارق بدليل قول الرسول r: "إذا سرق الرجل خرج الإيمان منه" ولهذا جاءت الآية الكريمة (إلا من تاب وآمن) قيمة التعبير القرآني في غاية الدقة.فالعبد المذنب محتاج مع التوبة لتجديد الإيمان.
وقد قلنا أن التوبة نفسها عملية ثم مجموع التوبة عملية . التوبة بحد ذاتها عملية يجب الندم الشديد على ما معله العبد ويجب أن لا يستهين بالذنب وسرّ عدم التوبة عادة الإستهانة بالذنب والبعض يستهين بذنبه فلا يتوب أو يندم على ما فعله من معاصي ثو يقولون بعدها إن الله غفور رحيم وهذا من تضييع الشيطان وإغوائه للعاصي. والرسول r لما سألوه الصحابة عن كثرة استغفاره وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال لهم: أفلا أكون عبداً شكورا" فالتوبة كما قلنا بحدّ ذاتها لها عملية ثم عملية متكاملة أمر الله تعالى بها في آية سورة الفرقان.
أولاً: يجب أن أستعظم في نفسي الذنب الذي عملته والرسول r يعلمنا أن الندم توبة وليس الندم فقط بل شدة الندم فالمسألة تتعلق بالقلب قبل اللسان. والندم أكبر دليل على صدق التوبة.
ثانياً: أٌقلع عن الذنب ولا أتوجه إليه مرة أخرى ثم أتوجه إلى ما علمنا إياه الرسول r : "من أذنب ذنباً فتوضأ وصلّى ركعتين غفر الله له". أياً كان الذنب. والله تعالى في آية سورة الفرقان ذكر لنا ثلاثة من أبشع وأكبر الذنوب الشرك وقتل النفس والزنى وليس هناك أكبر منها وقد قالوا في القتل إن "الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه" فهو عبارة عن قتل مخلوق من خلق الله تعالى وهذا فيه اعتداء على حقوق الله عزّ وجلّ وقلنا أن الفرق بين الموت والقتل أن الموت هو خروج الروح من اجسد ثم يبلى الجسد أما القتل فهو هدم البدن الذي فيه الروح فتخرج منه لأنه لم يعد صالحاً لاستيعابها. فعلى العاصي أن يستحي من الله تعالى قبل أن يستحي من الناس فكما أنه لا يزني بامرأة أمام أحد من أهلها كان يجب عليه أن يستحي من الله تعالى ويفكر بما سيحيب به عندما يسأله تعالى لماذا جعلتني أهون الناظرين إليك استحييت من الناس ولم تستح مني؟
فالتوبة رحمة كبيرة من الله تعالى فهو سبحانه الذي ألهم آدم u وأوحى إليه ليتوب ويتوب الله تعالى عليه وهذه تستوجب الحمد ولذا تأتي أول آية في القرآن الكريم (الحمد لله رب العالمين) لأنه لو حاصرتني المعصية لكان انتهى الأمر فالتوبة مهما كان الذنب أعود لحديث الرسول r وأتوضأ وأصلي ركعتين ونسأل لماذا خص الصلاة من دون غيرها من العبادات فنقول أنه ليس أدلّ على عودتي إلى الله من ركعتين أؤديهما وأنه في الصلاة سجود والعبد أقرب ما يكون إلى ربه في السجود فيدعو الله تعالى بأن يغفر الله تعالى له ذنبه والصلاة صلة بالله تعالى. والعبد عندما يُذنب يكون قد أخطأ في حق نفسه أولاً قبل أن يخطئ في حق الله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) وطالما أن الله تعالى قد هداني وألهمني الإستغفار والتوبة علي أن أتوضأ وأصلي ركعتين لأعلن الرجوع والعودة إلى الله تعالى. ولهذا جاءت كلمة (آمن) في آية سورة الفرقان، فأكبر دليل على الإيمان هما الركعتان اللتان أصليهما وأقول آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم.
وعمل عملاً صالحاً: ما هو هذا العمل الصالح؟ هل هو إطعام الفقراء أو غيره؟ فتشت كثيراً وبحثت عن العمل الصالح المتعلق بالموضوع في الآية فوجدت أنه عدم العودة إلى الذنب. فلو أذنب الإنسان مرة ثانية يكرر الإستغفار والتوبة والعزم على عدم العودة للذنب بدليل الحديث القدسي: أذنب عبدي فعلم أن له رباً يقبل التوبة ثم عاد فأذنب إلى أن قال عبدي اعمل ما شئت فقد غفرت لك. فطالما أن العبد يعود إلى الله فهو يغفر له لكن الخطورة في أن يرجع وسابقاً كنت قد قلت أنه من يضمن متى يموت فليعمل ما شاء ثم يتوب وهذا كلام يستحيل تطبيقه، الشيطان يغوي الإنسان لأنه لا يعرف متي سيموت الإنسان فهو يتمنى أن يموت هذا الشخص على معصية أغواه بها، فعليّ إن أكرمني الله تعالى وأحياني أن أتوب إليه لأنه تعالى يقبلني بدليل قوله تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) وطالما تاب العبد لله تعالى قبِله الحقّ ثم عاد فأذنب يتوب عليه.
وعمل عملاً صالحاً إذا تاب إلى الله وندم وأقلع عن الذنب وعزم على عدم الرجوع وجدد الإيمان وصلّى الركعتين كما علمنا رسول الله r ثم قبضه الله تعالى ولم يعمل هذا التائب عملاً صالحاً فهل يبدّل الله تعالى سيئاته حسنات؟ هذا بعلم الله يحاسبه على ما كان سيفعل لو عاش. وعادة في القرآن يُضمر إسم الفاعل كما في قوله تعالى (كُتب عليكم الصيام) (أن أول بيت وُضع للناس) لكن في آية سورة المنافقون قال تعالى (يبدّل الله سيئاتهم حسنات) ولم يقل تُبدّل سيئاتهم حسنات لأن الله كان غفوراً رحيما أي هكذا هو كونه والتواب والغفّار من صفاته سبحانه. وقال تعالى في آية أخرى (وإني لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) فالله تعالى غفّار وهو غفور أي كثير المغفرة وفي الحديث القدسي أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده النهار ليتوب مسيء الليل. وعندما يسأل الناس هل للتوبة وقت فيقول البعض أنه لا وقت للتوبة وهذا القول يجب أن يُفهم على أنه لا وقت للتوبة تعني سارع بها لا أنه لا وقت لها لأن التوبة كما جاءت في القرآن لها وقت كما في قوله تعالى (ثم يتوبون من قريب) من قريب بمعنى بسرعة يبادر العاصي بعد المعصية فوراً لأنه لا يضمن عمره ولذا جاء قوله تعالى (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فعلى الإنسان العاصي المذنب أن يبادر ويسارع إلى التوبة لأنه غير ضامن لعمره ولا يمكن له أن يكون ضامناً لعمره فهذا مت المستحيل.فإذا أخّر المذنب التوبة يدخل تحت آية أخرى (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) إذا لم يتب من قريب تحيط به السيئات ويقع في المعاصي ثانية وهكذا يصبح الإنسان من أولياء الشيطان والعياذ بالله.
التوبة شيء جميل وإذا سألنا ما هو عكس التوبة؟ يرد المقدّم الفجور والإفراط والإنغراق في المعاصي عكس التوبةوقلنا أن التوبة شيء جميل لأنها تمكّن الإنسان من الوقوف بين يدي ربه يوم القايمة إذا تاب ولعلّ من أجمل الأدعية في الحج: "اللهم جئتك من بلاد بعيدة بذنوب كثيرة فيما بيني وبينك وبيني وبين خلقك فما كلن بيني وبينك فاغفره لي وما كان بيني وبين خلقك فتحمّله عني" .
على من تعود المشيئة في قوله تعالى (ويغفر لمن يشاء)؟ هل على الإنسان أو لمن شاء الله أن يتوب عليه؟ نقول إن كل (من يشاء) في القرآن حصل عليها خلاف وفي بعض الأحيان يكون الخلاف باباً للعلم والإجتهاد. ونحن نأخذ الردّ من القرآن نفسه: عندما وصّف الله تعالى القرآن في القرآن قال: (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) لمن يشاء من العباد أن يستقيم فالذي يريد أن يستقيم يأخذ القرآن لكن في آية أخرى قال تعالى (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) بمعنى يغفر لمن يشاء الله تعالى أن يغفر له، فالمشيئة منتهاها لله تعالى. وليس هناك مشيئة عشوائية لأنها ستكون ضد العقل والمنطق. ونسأل لماذا اطمأنينا إلى قوله تعالى (يغفر لمن يشاء) ولم نقلق من قوله تعالى (ويعذّب من يشاء) مع أن كلاهما عائد لمشيئة سابقة لا لمشيئة عشوائية تحدث يوم القيامة. من منّا أسلم لله إسلام الرسالة؟ نحن ولدنا من أبوين مسلمين ولم يقل أحد منا عند البلوغ تجديد الشهادة التي جاءتنا برزق من الله تعالى فعلينا أن نجدد الإيمان بالله، فاليهودي أو النصراني الذي يُسلم هو أفضل منا لأنه دخل الإسلام بعد بحث وتفكير فيجب علينا جميعاً أن نعلّم أبناءنا وأنفسنا تجديد الإمان بالله تعالى. والمشيئة بدأت من قبل الخلق وليست عشولئية كما قلنا (يغفر لمن يشاء) بعلمه المسبق سبحانه وباختياره وكذلك قوله (يعذب من يشاء) بعلمه المشبق وكون الشخص يأتي بأي دين هو بحكمة إلهية مسبقة تُحسم بأن نقول: "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله) فعلينا أن نُكثر من الإستغفار والتوبة وخاصة للذي يظن نفسه أنه لا يخطئ لأنه أقرب للوقوع في المعاصي لأنه سيكون أقرب إلى الغرور ومنها إلى الوقوع في المعصية، فرُبّ معصية خلّفت ذُلاً ةانكسارا وكم من أناس عاصين تابوا وأحسنوا التوبة بعد معصية فعلوها لأن ذُلّ المعصية يكون بعد أن يتذوق الإنسان طعم القرب من الله تعالى. فصدق تعالى عندما قال (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) لا تعود للمعصية لأن الذنب الكبير يذكّر بالمعصية. آمن بالعودة إلى الطريق الصحيح وتجديد الإيمان، وإذا عُرضت المعصية على أحدنا ولم يستجب لها ورفضها يكون هذا هو العمل الصالح. وحلاوة القرب من الله تعالى في كلمات الرسول r (أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد) ولهذا أوصانا الرسول r "من أذنب ذنباً فتوضأ زصلّى ركعتين غفر الله له" وهو ساجد يكون العبد أقرب ما يكون إلى ربه فيستغفره ويندم ويقول: اللهم لك الحمد أن زفقتني للتوبة إليك اللهم اجعلني من التوابين واحشرني مع المتطهرين. والمعصية تنأى بالعبد عن ربّه ويجب علينا أن نوصّف المعاصي لأنفسنا فلنوصّف المعاصي الكبيرة التي ذكرها تعالى في آية سورة الفرقان (الشرك بالله، القتل والزنى) وبعد أن نوصّفها هل هناك أرحم من إله يقول لعبده اغلط ثم تعال أغفر لك (حديث إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار) وحديث الثلث الأخير حيث يتنزّل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه؟ فكفانا فخراً أن يتنزّل الله تعالى بما يليق بجلاله إلى السماء الدنيا وينادي ويسأل والناس نيام فالذي يقوم في الثلث الأخير من الليل هذا وقت إجابة لأنه يترك الناس نيام ويقوم لكي يستغفر ربه ويسأله ويتوب إليه. جاء في الأثر عن الرجل الذي قال لزوجته التي كانت لا تنام في الليل وهي تصلي قال لها ألا تهجعين؟ فردّت عليه قائلة كيف ينام من علِم أن حبيبه لا ينام.
علينا أن نعي أن الشيطان يُنسّي العقوبة عندما يعصي الإنسان (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) يترك الإنسان نفسه تنغمس في المعاصي لكن عليه أن يعلم أن الله تعالى رحمته كبيرة وسعت كل شيء وهو يغفر الذنوب مهما كانت عظيمة حتى لو بلغت عنان السماء. فلو لم يشرع الله تعالى التوبة لكان استمر العاصي في مغصيته وفي الذنوب فتفسد الأرض لكن رحمة الله بعباده شرعت لهم التوبة ليبقى المجتمع سليماً. روي أن رجلاً بارز الله تعالى بالمعصية أربعين سنة، وأجدبت السماء وفسدت الأرض فخرج موسى u يستسقي ربّه فقال الله تعال إن بينكم من يبارزني في المعاصي منذ أربعن سنة منعناكم المطر بشؤم معصيته ولن ينزل المطر حتى يخرج من بينكم فنادى موسى أن أحدنا مخطئ فليستغفر أو يبعد عنا فقال العاصي في نفسه يناجي ربه: يا رب عصيتك أربعين عاماً وسترتني فإن خرجت الآن فضحتني اللهم استر علي أشهدك أني أتوب إليك فنزل المطر، فقال موسى نزل المطر ولم يخرج أحد قال تعالى يا موسى تاب العبد العاصي إليّ فيقول موسى دلني عليه حتى أهنئه بتوبته قال تعالى عصاني أربعين سنة وسترته أيوم يتوب إليّ أفضحه؟ فالتوبة ليست كلاماً فقط وإنما هي فعل وإذا ثبت لله تعالى أن الإنسان نادم على معاصيه وأصرّ على عدم العودة لمثل هذا الذنب وندم في قلبه قبِل الله تعالى توبته.
حدث مرة أن الإمام الشافعي وقعت عينيه عفواً على كعب امرأة وقد كان مشهوراً بشدة حفظه فلم يعد يحفظ فاشتكى إلى أستاذه وكيع فقال:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني أن العلم نور الله ونور الله لا يُهدى لعاصي
حتى أن أستاذه وكيع لما دخل عليه الإمام قال له أتدخل عليّ وفي عينيك بريق الزنا؟
الله تعالى يشرح صدر العبد المؤمن وقد قال الرسول r : اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. فالتوبة طريق العودة إلى الله تعالى لأنك بالمعصية خرجت عن الطريق وشرّع الله تعالى التوبة وأوجدها في كتابه (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) فعلّمه تعالى كلمات. ومن يعمل السيئة يظلم نفسه أولاً قبل أن يظلم أحداً وعلينا أن نتذكر أنه إذا ذكرنا الله بعد المعصية وعدنا إليه يقبلنا الله تعالى وندخل في قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران).
وخلاصة القول أن الإستغفار يكون بعد الطاعات لجلب المغفرة التي هي ستر الإنسان حتى إذا عصى الإنسان ربه ستره إلى أن يتوب. أما التوبة فهي عملية متكاملة تستوجب الإقلاع عن الذنب والشعور بالخوف على أنه قصّر في حق الله وإن فعل هذا واستكبر الذنب وصلّى ركعتين واستغفر الله يسعى لعمل الصالحات وفعل الخيرات وإذا عُرضت عليه معصية يُعرض عنها وأعلن بشدة أنه بريء من الذنب يقبل الله تعالى التوبة يبدأ صفحة جديدة. ويدعو التائب بقوله: أستغفر الله العظيم تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت عزماً أكيداً صادقاً أن لا أعصي الله إن شاء الله آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها الله ربي والإسلام ديني ومحمد r نبيي ورسولي وشفيعي.
وفي ختام الحلقة دعا د. هداية بالدعاء التالي:
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت نستغفر الله العظيم نستغفر الله العظيم نستغفر الله العظيم تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وعزمنا عزماً أكيداً صادقاً أن لا نعصي الله إن شاء الله اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ونعيماً وملكاً لا يبلى عظيما وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:44 pm

حلقة الأسبوع الثامن
حلقة واجبات المتوفّى ومن حوله
تكلمنا في اللقاءات السابقة عما يجب على المحتضر أو المريض بمنطق أن المريض هو أقرب إلى الموت من غيره لكن المرض ليس بالضرورة سبباً مباشراً للموت إنما الموت هو سبب بتفسه، وقلنا أن على المريض أن لا ييأس من الشفاء ولا ييأس من رحمة الله تعالى والموت متكوب على كل مخلوق ومن هذا المنطلق على المريض أن يذكّر نفسه ومن حوله بأمور يعيش بها المرء حالة الموت.

وكم من صحيح مات من غير عِلّة وكم من عليل عاش حيناً من الدهر
وعلينا أن نأخذ كلام الرسول r بعين الإعتبار : "أكثروا من ذكر هادم اللذات" لكي نستعد لأن الموت آت لا محالة ويتربص كل حيّ فعلى كل مسلم أن يفطن لهذا. وقلنا أن على المريض الذي على فراش الموت أن يذكّر نفسه بقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ويُكثر من قولها فالرسول r يوصينا إذا غيّرت موضعك من وقوف إلى جلوس أو من جلوس إلى نوم أو من نوم إلى قعود أو من قيام إلى وقوف قل لا إله إلا الله محمد رسول الله وهكذا نتعود حتى إذا أجلسنا ملائكة القبر نقولها على الفور لأننا نكون قد اعتدنا عليها في الدنيا. فعلى المريض أن يكون دأبه ذكر الله وكذلك على زائر المريض أن يكثر من ذكر لا إله إلا الله حتى إن لم يقلها المريض وعلى الزائر أن يعوّد المريض على ذكر الله والشهادة بطريقة ذكية كأن يقول أمامه أحد الأحاديث النبوية في فضلها مثل: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" و"من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" وفي حديث عن الرسول r أن معاذ بن جبل كان رديف رسول الله r على ناقته فقال الرسول r يا معاذ فقال معاذ لبيك يا رسول الله فسكت الرسول r وسكت معاذ ثم قالها الرسول ثانية وسكت ثم ثالثة ثو قال الرسول r من كان آخر كلامه لا إله إلا الله أو من شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله كان لزاماً على الله أن لا يدخله النار" وفي هذا الحديث لفتة أن الرسول r عندما ينادي ثم يلبي معاذ ويسكت النبي r لا يقاطعه معاذ لأنها تدل على أن الرسول يفكر في شيء أكبر مما يظن معاذ وهذا الأدب الذي يجب أن نطبقه مع العلماء. وهذا الحديث نرد به على الذين يقولون أننا سندخل النار ثم نخرج منها إلى الجنة فلم يرد في الحديث أنه قال دخل الجنة وإنما جاء لا يدخله النار أو حرّمه على النار وكان الصحابة رضوان الله عليهم عندما يسمعون كلمة النار يسقطون مغشياً عليهم.
ونلخص ما قلناه في واجبات المريض أو المحتضر:
يذكر نفسه بتكرار الشهادة كاملة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فلا يصح إسلام عبد بدونها وعلى من يعود المريض أن يقولها ويكررها أيضاً.
أن يكون المحتضر على طهارة دائمة إما بالوضوء أو التيمم إن لم يستطع الوضوء وذلك حتى يكون في معية الملائكة، لما في ذلك من الأجر كما ذكرنا في الحلقة السابقة من حديث بلال. ولا بأس لإي أن يذكر الذين يعودون المريض بضرورة الوضوء والطهارة.
الإسراع في رد الحقوق كأن يوصي برد الحقوق إلى أصحابها لأن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل وقد قال الرسول r "فليس ثمّ إلا الحسنات والسيئات". ويجب على الإنسان أن يذكر نفسه بالموت ليل نهار لأن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة في الكون فكم من صاحب لنا مات فجأة ولهذا صدق رسول الله r :" أكثروا من هادم اللذات".
واجبات أهل المتوفي:
إذا دخل المريض في فترة الإحتضار الشديد وفي إغماءات وفي غيبوبة مثلاً وأصبح مقطوع بموته، أصبح هناك واجبات لازمة على المحيطين به لأن المريض لم يعد بإمكانه التفكير وخرج من إطار التحكم بنفسه فعلى أهل المحتضر واجبات هي:
تلقينه الشهادة وقد سمعنا أشياء غريبة عن تلقين الناس الشهادة للمحتضر ونقول لا تلقنوه بطريقة منفّرة. ويتساءل الناس ها نضغط عليه ليقولها؟ نقول نعم لأنها أفضل بنصّ الحديث الشريف "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" فإذا كان المحتضر واعياً أي ليس في حالة غيبوبة نذكّره بالطريقة التي ذكرناها سابقاً في الحلقة السابقة ونكثر أمامه من ذكر لا إله إلا الله لأن كل مقام مقال. أما إن كان المحتضر في غيبوبة فيجب أن نصرّ على تلقينه الشهادة وفي هذه الحالة قد نأخذ بعض الأحاديث التي لم تثبت صحتّها من باب فضائل الأعمال ومن باب الإحتياط وسد الذرائع. والحديث الذي نقصده هو الذي معناه أن ساعة الإحتضار يأتي الشيطان ويصرّ على تكفير العبد ويأتي في صورة أهل المريض الذين ماتوا فيخبروه أنهم ماتوا على النصرانية أو اليهودية أو غيرها. فالذي عاش على الإيمان فترات كثيرة تطمئن عليه أما الذي على عكس ذلك والذي آمن حديثاً يُخشى عليه ولذا يجب الإصرار على تلقينه الشهادة. لأن القرآن علمنا أن نأخذ بعض الأمور من باب الإحتياط، وكم رأينا أناساً ماتوا وهم يرفعون أصابعهم بالشهادة والتوحيد. فيجب أن يحرص أهل المحتضر على أن يموت على لا إله إلا الله محمد رسول الله.
الدعاء له وعنده: والدعاء له معلوم أما الدعاء عنده فهو للشخص الداعي نفسه وسنعرف معنى هذا الموضوع يوم القيامة، وعندما يقول الله تعالى (قال الله) بمعنى تحقق مع أنه جاءت بصيغة الفعل الماضي كما جاء في الحديث القدسي: " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني فيقول العبد وكيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول تعالى أما علمت أن عبدي فلان مرض لو أنك عدته لوجدتني عنده " وهذا يدل على أن الدعاء عند المريض مستجاب بيقين بنص الحديث القدسي. ونستكمل الحديث القدسي الذي جاء فيه أيضاً: استطعمتك عبدي فلم تطعمني فيقول العبد كيف اطعمك وأنت رب العالمين فيقول العبد استطعمك عبدي فلم تطعمه أوما علمت أنك لو اطعمته لوجدت ذلك عندي" فعلى الإنسان أن يطعم من استطعمه فإذا طلب أحد السائلين منك ماً وأنت تشك أنه يستحقه (كما نرى في الأطفال في الشوارع) لكن إن أشار إليك أنه يريد أن يأكل فعليك أن تعطيه طعاماً حتى تأخذ الأجر من الله تعالى . وفي استكمال الحديث " استسقاك عبدي فلم تسقه أوما علمت أنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي." فهذا الحديث يحتاج إلى تدبّر. والذي يعود المريض يكون في معية الملائكة في ذهابه وإيابه وصدق الرسول r في حديثه:" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له". ويخبرنا الكثير أنهم يقرأون سورة يس على موتاهم وقد نجد في بعض الكتب: قال الأشياخ (وهي جمع شيوخ) عن فضل قراءة سورة يس لكنها لم ترد عن الرسول r فمن أحق أن نسمع منه؟ فنقول لهم لم يرد في السنة الصحيحة عن الرسول r أنه قرأ يس أو غيرها من القرآن على أحد من الصحابة الذين ماتوا في عهد الرسول r إنما كان يصلي عليهم ويدعو لهم هذا ما ورد في السنّة النبوية. وسورة يس فيها الكثير من آيات العذاب وإذا سمعها المحتضر قد يتعب فلإن كنّا مصرّين على القرآءة فلنقرأ آيات مثل سورة الإخلاص أو آيات فيها الرحمة والمغفرة مثلاً. وورد عن الرسول r أنه لما ذهب إلى أبي سلمة وهو على فراش الموت أغمض عينيه ودعا له وقد جاء في الحديث:" أغمضوا عين الميّت فإن البصر يتبع الروح". لكن علينا الإنتباه وعدم إغماض عين المحتضر قبل خروج الروح لأنه لم يرد في السنّة والحكمة من إغماض عين الميت أن أهله يسمح لهم بالدخول عليه وتقبيله فإذا رأوه وعيناه مفتوحتان قد يتأثروا بذلك. ثم إن الشائع عن إدارة المحتضر إلى القبلة فهذا لم يرد في السن أبداً وهو غير وارد على الإطلاق فماذا يفيد العاصي إذا أدرناه للقبلة؟ ونسأل من الأهم القبلة أو المُستقبل؟ المستقبل هو الأهم بالطبع وما نوصي به هو الإكثار من ذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا حاجة لإدارة للقبلة أو قراءة سورة يس أو غيرها.
لا يدخل على المحتضر وهو في حالة الإحتضار جنب أو حائض أو نفساء لأن الملائكة تتأذى من هؤلاء إلا في حالة الضرورة القصوى يسمح بذلك. وأضيف أنا من عندي : حبّذا لو كان كل الحاضرين على وضوء لأن الملائكة يحضرون الوفاة فالموت له ملائكته.
التعجيل بقضاء دين الميت بعد خروج الروح. فإذا كان على الرجل الميت دين لأحد على أهله الإسراع في قضاء الدين قبل أن يُصلّى عليه في المسجد بدليل ما جاء عن الرسول r مات أحد الصحابة فطلب من الرسول r أن يصلي عليه فسألهم الرسول r ألصاحبكم دين؟ قالوا نعم عليه ديناران، قال r صلّوا على صاحبكم فردّ أبو قتادة أنا أدفع الدينارين فقال الرسول r هما في ذمتك وفي رقبتك وفي مالك والميت منهما بريء قال هكذا يا رسول الله، فصلّى الرسول r على الرجل ثم قال في اليوم التالي لأبي قتادة: ما حديث الدينارين؟ قال أبو قتادة مات أمس يا رسول الله ثم سأله في اليوم التالي فقال قضيتها يا رسول الله قال r الآن حين برّدت جلده. مع أن أبو قتادة متحمل مسؤولية الدين والرسول r برّأ الميت منه. وعليه يجب أن أهل الميت بقضاء الدين أو استسماح الدائن حتى يرتاح الميت أو أن يأخذ أهل الميت على عاتقهم جدولة الدين ليبرأ منه الميت ثم يسسمح الدائن حتى يقضي الدين وعلينا أن نتذكر قول الرسول r "ليس ثمّ إلا الحسنات والسيئات". فقضاء الدين مسألة هامة.
تغطية جسد الميت كله بثوب كامل أو بثوبه من رأسه إلى أخمص قدميه إلا المُحرم فلا يُغطّى رأسه فقد جاء عن الرسول r أن المحرم يُغسّل بماء وسدر ولا يُحنّط ولا يوضع له أي نوع من العطر ولا يُغطّى رأسه لأنه سيُبعث يوم القيامة ملبياً (كفنوه في ثوبيه أي الإزار والرداء) والمرأة المُحرمة تُكفّن بلباسها. ولهذا يجوز أن نسأل الله تعالى الشهادة في سبيله أو الموت مُحرمين وقلنا سابقاً أن لبس الإحرام في الحج يذكّر الناس بالكفن ولهذا للموت في الحج قيمة كبيرة.
دفن الميت مكان موته وهذا ما أمر الرسول r به لأن هذا أيسر وأسهل وأرضى وأقنع. فالأرض كلها أرض الله والرسول rيُعلّمنا حكمة بعيدة نحتاج لحلقات لأن نتدارسها فها فكرنا يوماً لماذا نُدفن في الأرض؟ وسنعود لهذا بالتفصيل في حلقات قادمة إن شاء الله. ونقول أن التسهيل على أهل الميت أفضل من تنفيذ الوصية لأنه إذا وصّى الميت بأن يدفن في بلد معين بجوار أبيه مثلاً أو غيره هذا لن ينفعه ولن ينفعه بلده ولا أبوه ولا أحد. ونحن نعلم من الغيبيات الخمسة قوله تعالى (ولا تدري نفس بأي أرض تموت) سورة لقمان. والذي مات في البحر أو في الجو فقبره هي وفاته ولهذا علينا أن نأخذ السنة الصحيحة ونقول لمن أخطأ في هذا الأمر عفا الله عما مضى ونحن نعرض هذه المواضيع على الناس جميعاً وليس على المسلمين فقط فيجب أن نتحرى السنة الصحيحة ونعمل بها.
الإسراع بغسل المييت ويجب لفت النظر هنا أنه في عواصمنا وفي المدن تقفل مكاتب وزارة الصحة بعد الساعة الثانية أو الثالثة ظهراً بحيث يتعذر استصدار تصريح الدفن لكن الموت لا يقفل وقد يموت أحد المسلمين عصراً وهناك وقت طويل لدفنه قبل المغرب لكن في هذه الحالة ينتظر لليوم التالي للتصريح والدفن أما في القرى والأرياف فيكون الطبيب متواجداً لساعات متأخرة أو يمكن الوصول إليه في أي وقت. وهناك وصية من الرسول r بعدم التأجيل للغد والإسراع بتغسيله وتكفينه وبتجهيزه
يُسمح لأهل الميت بعد موته أن يدخلوا عليه وينظروا إليه ويقبّلوه وهكذا فعل الرسول r مه ابنه ابراهيم لما مات وهو صبي وقال عنده: "إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون" وقد تعجب عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أن رأوا دموع رسول الله r فقالوا وأنت يا رسول الله؟ قال إنما هي الرحمة " وهذا يدل على أن البكاء مصرّح به أما المنهي عنه فهو النياحة والصراخ والكلام الذي لا يُرضي الله تعالى وشق الجيوب ولطم الخدود.
الحداد على الميّت ثلاثة أيام فقط إلا الزوجة فتحتد على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام كما جاء في القرآن الكريم.
ونحن عندما نعرض الموت نعرض حقيقة ثابتة في الحياة تنقلنا إلى الحياة الدائمة أي الحيوان. وقد ورد في الأحاديث حديث مهم "إن الميّت يعذّب بالنياحة عليه" وللحديث شرط كبير ويقول الناس أن الله تعالى قال في القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ونقول لهم لا تناقض بين الحديث والقرآن والحديث يدل على أن الميّت يعذّب بالنياحة عليه إن كان هو الذي أوصى بذلك ونحن نسمع الكثيرين ممن يوصون بأن يجلبوا لهم النائحات وخلافه وهذا ما يقصده الحديث وهنا نقول أنه من الأفضل لأهل الميت أن لا ينفذوا الوصية. فالحديث له مغزى وله معنى.
أسئلة المشاهدين خلال الحلقة:
السؤال الأول: سألت إحدى المشاهدات الفاضلات أن اخت زوجها توفت بعد مرضها منذ أسابيع فما المفروض عليهم عمله لها حتى ترفع من حسناتها لأنهم يحبونها كثيراً ومحزونون على فراقها كما سألت الدكتور أن يوجه كلمة تصبّر والدة المتوفاة لأن ابنتها ماتت بين يديها والوالدة سيدة مؤمنة والحمد لله.
الجواب: رحمة الله عليها ونسأل الله لها الجنة ووفاتها بين يدي والدتها فيه خثر كثير لها ولوالدتها فلو صبر العبد واحتسب عند قبض ثمرة فؤاده بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة إسمه بيت الحمد كما جاء في الحديث القدسي عن الله تعالى مخاطباً ملائكته (قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي يقولون حمدك واسترجع فيقول تعالى ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة سمّوه بيت الحمد) وفي الحديث سأل الله تعالى الملائكة أنفسهم لأنهم سبق أن قالوا عند خلق آدم (أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك) فأراد تعالى أن يري الملائكة أنه سبحانه (إني أعلم ما لا تعلمون) وأنه سيكون من عبادي المسبحون والحامدون. وقد جاء في الحديث القدسي كلمة (ثمرة قؤاده) وفيها تعظيم للحب حتى يعظم الأجر إن شاء الله. فصبر الذي قُبض ولده يجب أن يكون قلبياً أيضاً وليس باللسان فقط إنما يصبر صبراً يليق بالتسليم بقضاء اله تعالى. وقد جاء أن الرسول r كان عند القبر أمام امرأة فقدت ولدها وهي تضرب وتشق فقال لها الرسول وهي تجهله اصبري فقالت إليك عني فتركها r فأخبروها أنه رسول الله فذهبت إليه وقالت عملت بما قلت قال r إنما الصبر عند الصدمة الأولى.
أما ماذا تعمل لها؟ فالحل وضعه الرسول r واضحاً في وصيته للمسلمين :"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدأ كتاب الله وسنتي" فلم يوصينا بختمة القرآن أو الإجتماع لثلاثني شيخاً ليقرأ كل منهم جزء من القرآن أو غيره مما نسمع عنه لم يرد في السنة الصحيحة أبداً. وقد قال r: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له" وخصّ الرسولr ثلاثاً ولم يقل ثلاثين مثلاً. وأغلب العلماء يجمعون أن الصدقة الجارية يجب أن يكون الميت هو الذي أجراها في حياته كأنها من عمله هو وأرى والله أعلم أن في الحديث الشريف: "أنت ومالك لأبيك" يمكن أن يُجري الإنسان صدقة على أهله من ماله هو ويقول أن هذه الصدقة بنية فلان كأن يضع مصاحف في مسجد أو كتب علم قيّمة والصدقة يجب أن تكون قيّمة فيها شيء نافع بإذن الله. أو علم يُنتفع به كأن يكون الميت عالماً أو كاتباً أو غيره ويترك كتباً يستفيد منها طلبة العلم من بعده وكلما انتفع به أحدهم كان له من الحسنات مثل ذلك. أو ولد صالح دعو له ون بلاغة الرسول r أنه ال ولد ولم يقل ابن لأن الولد قد يكون أي إنسان ولا يشترط أن يكون ابن المتوفّى فبإمكان الإنسان أن يدعو لمن شاء لصديقه أو عمه أو خاله أو جاره أو أي من المسلمين ويعتبر دعاؤه هذا (ولد صالح يدعو له). ومما سبق يظهر لنا أنه لا ينفع الميت بعد موته إلا الداء ونقول هذا من باب التيسير على المسلمين فأيهما أسهل أن نقول: اللهم اغفر له وارحمه أو أن نعمل للميت شيئاً؟ بالطبع الدعاء أسهل، ولم يرد عن الرسول r أو عن صحابته أنهم قرأوا الفاتحة عند قبور المسلمين ولا ختموا القرآن لهم ولا غيره وإنما كانوا يدعون لمن مات من المسلمين. فالدعاء كما نرى أفضل وأيسر.
السؤال الثاني: إحدى المشاهدات الفضليات اتصلت تسأل أن زوجها توفي وقد كان رجلاً صالحاً وقد ترك أرضاً ومالاً فهل ينفع أن يبنوا مسجداً في قريته من ماله الذي تركه؟
الجواب: نعم إن لم يكن في القرية مسجداً آخر فتجيب المشاهدة أنه لا يوجد إلا مسجد صغير في عمارة، فيرد الكتور بالموافقة على بناء المسجد على الأرض التي تركها المتوفي وبماله الذي تركه لأنه سيكون بإذن الله له صدقة جارية من ماله يُؤجر عليها هو وأبناؤه لأنهم صالحين ومن صلاح الأبناء أن سألوا هذا السؤال وكذلك للزوجة الأجر في ذلك لأنها سألت من باب الوفاء لزوجها فيريدون جميعاً أن يعملوا لهذا الميت ما يصل جزاؤه له بعد موته. وقد أحسن هذا الميت لنفسه ولهم لأنه أحسن اختيار الزوج وأحسن تربية الأولاد. ومن ضمن الدعاء الذي جاء في الحديث (أو ولد صالح يدعو له) الدعاء من أهل الميت أو تيسير الدعاء لمن يدعو فالذي سيدخل المسجد الذي سيبنونه له سيدعو له أيضاً. وأقترح عندما تبنون المسجد أن تسموه مسجد الرحمن مثلاً أو مسجد الرحمة أو التقوى ومسجد الرحمن هو أفضل الأسماء لأنه جاء في قوله تعالى (إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا).
السؤال الثالث: يسأل مقدم البرنامج هل للمتوفى في مكة أو المدينة فضل على غيرهم؟ أو الذي يموت في رمضان مثلاً؟
الجواب: هذا يقع ضمن باب كامل هو باب علامات القبول وهذا سنخصص له إن شاء الله حلقات قادمة. لكن أقول باختصار أن هذا من علامات القبول بإذن الله، إذا قُبض العبد وهو يعتمر أو يحجّ لها علامة ودلالة على قبول العمل وحسن الخاتمة كذلك موت الشهادة وقد قيل: على حسن الخاتمة يبكي العارفون. فالعارفون بالله يطلبون من ربهم حسن الخاتمة أسأل الله تعالى أن ُحسن خاتمتنا أجمعين. وطبعاً الموت شهيداً وموت المريض الصابر أو المبطون الصابر أو الموت في مكة أو المدينة أو عرفة كل هذه من علامات القبول إن شاء الله. وقلنا سابقاً أنه من عرف قيمة لقاء الله وأحب لقاء الله من المحسنين لأن المحسن هو الذي يحب لقاء الله.
ويستطرد المقدم ويقول: هل لسعة انتقال الجنازة أثر على القبول وقد سمعنا ورأينابأعيننا أن بعض الجنازات تسير بسرعة وغيرها يسير ببطء؟ فيردّ الدكتور أن هذه الأمور تحتاج إلى وقفةونحن مسؤولون عن عرضنا لهذا الدين لكنها ليست مسألة نعش لأن النعش ليس له إرادة وهذا كلام لا يُقدم ولا يؤخر لأنه لو وضعنا هذا النعش على سيارة فماذا يحصل؟ المهم على المسلم أن يكون صوت العقل والمنطق ولو أن هذا الكلام هو مقياس لكان ينبغي لنعش رسول الله r أن يطير ونطير وراءه لكن هذا لم يحدث فعلينا أن نتوخى الحذر فيما نقول لأننا نمثّل عقل الإسلام.
السؤال الرابع: إحدى المشاهدات اتصلت تسأل : توفي والدي وعليه دين لم نكن نعرف عنه شيئاً ويوم الدفن عرفنا أن الدين لعمي فسألناه فقال سامحته ثم بعد أسبوع طالب بدينه فوفّيناه الدين فهل هذا صحيح؟ ثم إني أًصلي ركعتين أقول هما لله تعالى بنية الشفاعة لوالدي فهل هذا جائز؟ وقد بنينا قبوراً للفقراء فها هذا يجوز أو يعتبر صدقة جارية؟
الجواب: أسأل الله تعالى له الرحمة وأقول للأخ الذي قال سامحته في الدين ثم عاد في كلامه لماذا؟ الأخ أولى بقضاء الدين من أولاده فالواجب على الأخ أن يقضي دين أخيه ولو لم يكن لهذا الميت أولاداً لكان عليه أن يقضي عن أخيه فنقول سامحه الله ونذكره بقصة إبي قتادة أنه قضى دين أحد المسلمين وهو لا يعرفه ولا يقربه لأنه كان حريضاً على أن يًصلي عليه رسول الله r. ونقول للأخت بخصوص الركعتين استمري عليهما بنية أهما لله تعالى وادعِ لوالدك بعدهما بالرحمة وأنت ساجدة أو بعد التسليم من الركعتين ونقول أنك كنت تصلين بنية الشفاعة لوالدك والآن صححي واستمري بالركعتين لكن هما لله تعالى ثم تدعين لوالدك بما شئت. وهذا دأب المسلم أن يصحح ما يفعله بعد أن يتعلمه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
وبالنسبة للصدقة الجارية نعم وأقول نِعم الصدقة الجارية، فالقبور للفقراء تعتبر من الصدقة الجارية بل وإني أشجع عليها وأتمنى على كل الجمعيات الخيرية أن تخصص جزءاً من مال الصدقات لبناء القبور للفقراء.

بُثّت الحلقة بتاريخ 25/4/2004م





_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:45 pm


الموت الحلقة ( 9 ) حول قراءة سورة يس على الميت
ضيوف الحلقة: الدكتور محمد هداية والشيخ عبد الله السعدي
بدأت الحلقة بتلاوة عطرة من آي الذكر الحكيم تلاها الشيخ عبد الله السعدي (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) النساء) و (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء)
نستكمل حلقات الموت ويفتتح المقدم الحلقة بسؤال الدكتور هداية عن صحة الحديث حول قراءة سورة يس على الميت .
يجب ان تعلم الأمة وكل مسلم ما هو اسلامه، ونقول إذا دخل انسان ما في الاسلام نطلب منه أولاً أن ينطق بالشهادتين ثم يسألنا من أين يستقي الدين؟ وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم يوضح أنه يجب على الأمة أن تتّبع هذا الرجل العظيم محمد. في الصلاة تكلم عنها وشرحها وما فاته أن يقول لأمّته "صلّوا كما رأيتموني أصلّي" فالذي يُسلم اليوم أصبح مكلفاً أن يصلي كصلاة الرسول. وكذلك في الحج قال صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم" وقال صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسُنّتي" وما فعله اليهود وغير المسلمين ممن يتربصون بالاسلام وما فعلوه في السنّة حاولوا أن يفعلوه بالقرآن فأرادوا أن يقسّموه ويجعلوا المسلمين يحبون سورة أكثر من سورة وهدفهم تضييع الدين وإخراج الاسلام عن القرآن والسنّة ولمّا كان الله تعالى قد حفط القرآن الكريم كما قال في سورة الحجر (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) توجهوا بكامل قوتهم إلى السنّة وبدأوا يضعون وينسبون إلى الرسول الكريم أحاديث متعددة ويدخلوا في سند الروايات ويخلطوا بينها أو يحرّفوا فيها. والأمّة معذورة فهي تسمع وتطبّق وحديث قراءة سورة يس على الميت هو أحد هذه المحاولات لتضعيف السنّة النبوية المطهرة.
وللرد على مثل هذه الأحاديث نقول أننا نحب القرآن كله والرسول الكريم أخبرنا :" خيركم الحالّ المرتحل" أي الذي يبدأ بقرآءة القرآن من الفاتحة ويختم بالفاتحة ولا يقف عند سورة الناس فقط وإنما يبدأ من جديد بقرآءة الفاتحة وبداية سورة البقرة. وهنا أشدد على أن الموضوع ليس فقط في صحة حديث قراءة يس وإنما هو أكبر من ذلك وهذه الظاهرة تنتشر وواجب كل داعية أن يبيّن للناس الأحاديث الصحيحية والضعيفة والموضوعة وأدعو كل من يخالفنا الرأي أو يرى غير قولنا أن يتصل بنا ويوضح لنا خطأنا ويقدّم لنا الصواب وعلينا أن لا نقدّم للأمة إلا ما لا يخالف صحيح السنّة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من تقوّل علي فليتبوأ مقعده من النار" نحن والحمد لله عاهدنا الله تعالى منذ عام 1979 أن لا نقول على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الصحيح من الأحاديث ونتحرّاها.
وقد تحرينا عن تفسير الشيخ عبد الجليل باشراف أكبر علماء الأمة الشيخ الشعراوي رحمه الله والشيخ الغزالي في بعض الأحيان وبحثنا في السند والرواية وفي الاصل والفصل وصحة الاحاديث او ضعفها أو كونها موضوعة، وللأسف وجدنا أن حوالي 80% من الأحاديث المتداولة بين الناس غير صحيحة. ونحن عندما تكلمنا عن موضوع الموت قلنا أننا نسمع الناس يقرأون سورة يس على الميت وعلينا أن نأخذ الناس بروية ونحاول أن نصحح ما استقر في الأمة منذ سنوات وهذا يستغرق وقتاً وهنا يصادفنا نوعان من الناس صنف يُسلّم فوراً ويستغفر الله تعالى ويستدرك ما يقول فيرجع إلى الله تعالى وصنف آخر لا يُسلّم بل يكابر وهذه ليست من صفات المسلم الحقّ وهنا أذكّركم واذكّر نفسي أنه حينما أمر الله تعالى رسوله بالصلاة (وكانت خمسين ركعة أولاً) قال سمعنا وأطعنا حتى لمّا صارت خمسة لم يسأل الرسول لماذا؟ إذن من صفات المسلم الحقّ أن يُسلّم للحق والاعتراف بالخطأ فضيلة والمسلم ليس من صفاته المكابرة.
نعود لقرآءة سورة يس عند الميت:
لم يصح فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نستند إلى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي قضى عمره في علم اسمه الجرح والتعديل وهو علم يتعلق برواة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الالباني عن بعض الرواة : ثقاة أو كذاب أو منكر للحديث، وقد جمع الشيخ الالباني الاحاديث في سلسلتين سلسلة الاحاديث الصحيحة وسلسلة الاحاديث الموضوعة والضعيفة جمع فيها كل الاحاديث كما كتب فيها عِلّة ضعف الحديث.
وعنوان مجلدات سلسلة الاحاديث الموضوعة والضعيفة هو سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها الشيء في الأمّة وفي المجلد الأول من طبعة مكتبة المعارف ورد في الحديث رقم 169 صفحة 12: "إن لكل شيء قلباً وإن قلب القرآن يس من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرّات" وجاء في توصيف الحديث: موضوع، أخرجه الترمذي (4/26) والدارمي (3/406) من طريق حميد ابن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون ابن محمد عن مقاتل بن حيان عن قتادة عن أنس مرفوعاً وقال الترمذي حسن غريب. وهارون ابن محمد مجهول وفي الباب عن أبي بكر وهذا ضعيف وفي الباب عن أبي هريرة قلت (أي الالباني) حديث غريب ليس في نقله أنه حسّنه فالحديث ضعيف بل هو ظهر الضعف من أجل (هارون) وقيل حديث باطل لا أصل له. وقال الألباني: والحديث مما شان به السيوطي في جامعه والشيخ الصابوني في مختصره الذي زعم أنه لا يذكر فيه إلا الصحيح وهيهات. وهذا القول يُظهر مدى حزن الالباني من السيوطي لنسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم. نحن نحبّ القرآن كله وسورة يس كذلك لكننا لا ننسب الى الرسول ما لم يقله. وهدف ذكر هذا الحديث يُعيد للأذهان قضية خلق القرآن في عصر ابن حنبل والشافعي والقول أن يس قلب القرآن تُدخل في موضوع إن كان للقرآن قلب فهو مخلوق والمخلوق يموت والى ما هناك من ما عُرف بفتنة خلق القرآن.
وفي المجلد الثالث من نفس السلسسة ورد الحديث برواية أخرى (والحديث له أكثر من رواية ومتن) حديث رقم 1246 :" من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفّف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات (موضوع) أخرجه الثعلبي مرفوعاً قلت (أي الألباني) هذا اسناد مظلم هالك مسلسل بالعِلل. ولم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أبو عبيدة قال ابن معين مجهول.
أيوب بن مدرك متفق على ضعفه وتركه (بل كذّاب)
قلت (أي الألباني) فهو آفة هذا الحديث (أي أبو أيوب).
وإذا نظرنا في متن الحديث أي نصّه نجد أنه قال: فقرأ سورة يس خفّف عنهم لم يرِد في الحديث قوله خُفّف عنه وإنما قال خَفّف عنهم، فمن الذي خفّف عنهم؟ القارئ للسورة ؟ وأين الله تعالى؟؟!! فالمتن نفسه فيه خطأ كبير. ثم كفانا أن الحديث فيه كذّاب ومجهول.
نقول للناس أن الموت أيسر مما يظن الناس وهو مكتوب على كل مخلوق لكن علينا أن نفتح شُعَب الايمان عندنا.
ونستعرض حديثاً آخر في سلسلة الألباني للأحاديث الضعيفة ففي المجلد 11 حديث رقم 5219 يقول: " ما من ميّت يموت فيُقرأ عنه سورة يس إلا هوّن الله عزّ وجلّ عليه (موضوع) وهذا أشهر حديث. آفته مروان هذا الذي وُصِف بأنه يضع الحديث، كذّاب، منكر الحديث. وحتى يُلبّس الحديث على السامع فيقول: "فكان المشيخة يقولون" وهذا اعتراف بكذبه. والمشيخة ليس بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن هم المشيخة؟ يقول الألباني : فمن الواضح أنهم من التابعين ولو أنهم أسندوا لكان اسنادهم حسن عندي.
وعليه نقول أنه لا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مسألة قراءة سورة يس عند الميت.
ونحن لسنا ضد قراءة سورة يس لكننا لا يجب أن ننسب للرسول ما لم يقله. ولا يجب أن نفضّل بعض القرآن على بعض أو نأخذ بعضه ونترك بعض لأن هذا ليس من الاسلام (الذين جعلوا القرآن عضين). ونقول أحِبّ ما شئت لكن لا تتقوّل على الرسول. وقد سألني احدهم مرة ما رأيك في سورة الاخلاص؟ ألم يقل الرسول أنها تعدل ثلث القرآن؟ أقول أن آيات القرآن الكريم وسوره تكلمت في ثلاث محاور رئيسية وهي التوحيد والبعث وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بالاضافة إلى محاور وأركان أخرى تدخل تحت هذه المحاور الرئيسية، وسورة الاخلاص تعدل ثلث القرآن من حيث أنها تتحدث عن التوحيد وهو محور من المحاور الثلاث التي ذكرناها. لكن هل لو قرأنا سورة الاخلاص ثلاث مرات آخذ ثواب من قرأ عشرة أجزاء من القرآن؟ بالطبع لا لأن كل حرف في القرآن حسنة لا أقول الم حرف وإنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وكأنه يؤكد فقه وعلم الأحرف المقطّعة في القرآن والتي دار عليها الكثير من النقاش بين المفسرين، وكأنه يؤكد لنا صلى الله عله وسلم أنه لا يتكلم إلا بتأصيل من القرآن وسنعرض إن شاء الله تعالى في الحلقات القادمة عن الأحرف المقطعة في القرآن.
وللأسف أن بعض الناس يتقولون على الرسول وعلى القرآن وقد ضيّعوا المسلمين فمنهم من يقول أنه يقرأ سورة يس بالمقلوب إن أراد أن يدعو على أحدهم فأين الاسلام وأين التسامح ومن أخطأ معنا نقول له سامحك الله لكن هل من الدين قراءة سورة يس لندعو بها على غيرنا من المسلمين؟
علينا أن نقرأ يس بمنتهى الحب لأنها سورة من سور القرآن ولا نفضل سورة على سورة ولا نحتج أن الله تعالى فضّل سورة الفاتحة في الحديث القدسي : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي. وجعل الفاتحة هي الصلاة لكننا نرد على المتسائلين أن الله هو الذي فضّل الفاتحة وليس لنا أن نفضّل نحن بعضاً من القرآن على بعض.
وسيسأل الناس إذا لم نقرأ سورة يس عند الميت فماذا نفعل؟ أقول لنفرض أن أحد الناس الصالحين مات ولم يكن حوله سوى بعض النساء الأميات اللاتي لا يحفظن القرآن ولا يقرأنه فهل يضيع هذا الميت؟ بالطبع لا.
وعلينا أن نعود إلى كنه الموت وندرك أنه السبيل الوحيد للانتقال إلى الدار الآخرة فعلينا أن يستقر هذا الأمر في نفوسنا ونتعامل مع الموت على أنه الوحيد الذي ينقلني إلى الآخرة وإلى لقاء الله تعالى. ولو لم يوجد الموت لما استطاع أي انسان أن يلقى الله عز وجلّ. وليس هناك علاقة أبداً بين حب الموت وحب لقاء الله تعالى، وعلينا أن نحب الموت لأنه هو الذي سيجعلني ألقى الله تعالى ولقاء الله عز وجل لا يكون إلا بعد الموت فمن كرِه الموت ليس له علاقة بلقاء الله تعالى. وفي الحديث الشريف في رواية مسلم: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ولقاء الله بعد الموت" والواقع أنه لو كرِه أحدنا الموت فهو لا يكرهه لذاته ولكن يكره الحساب والعذاب الذي يذكره البعض في الاحاديث.
فيجب أن نسلّم بالموت والله تعالى هو الذي قضى الموت والحياة وقد تقدّم ذكر الموت على الحياة في سورة الملك (هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) والحياة في القرآن حياتين الحياة الدنيا والآخرة أي الحيوان والسبيل للحياة الآخرة هو الموت. فلنتخيل أنه لا يوجد موت والناس موجودون من عهد آدم وقد قال أحد الفلاسفة أنه لو لم يوجد موت والبشرية موجودة منذ آدم كان سيكون هناك من العقلاء من يقوم باختيار مجموعة من الناس ليقضوا عليهم . والمولى تعالى لا يُسئل عما يفعل فيجب أن يكون رضانا بتسليم ولننظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهل نحزن على أحد بعده لو كنا مسلمين بحقّ؟ وفي القرآن قال تعالى أن محمداً سيد الخلق ميّت (إنك ميت وإنهم لميتون) والتسليم عبارة عن عقل وتدبر وفقه لأنه هل حدث أن استطاع أحد أن يمنع مخلوقاً من الموت؟ ليس أمامنا إلا التسليم ونُقبل على الأمر بالاستعداد للموت فالموت هو أشد جنود الله تعالى. ومن أشد جنود الله الجبال الرواسي ولفط الجبال في القرآن يدل على الشّدة والقوة لتثبيت الأرض بقدرته تعالى وقد جاء في القرآن الكريم (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) فالقرآن الذي حمل إلينا قضية الموت والحياة لو أنزله الله تعالى على الجبل أو على الإنسان يخشعوا ويخضعوا لأن من صفات المؤمن التسليم والخضوع (إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم).
أشد جنود الله الجبال الراسية والحديد يقطع الجبال والنار تُذيب الحديد والماء تطفئ النار والسحاب يحمل الماء والريح أو الهواء يقطع السحاب وابن آدم يغلب الرياح والسُكر يغلب ابن آدم والنوم يغلب السُكر والموت يغلب النوم فأقوى جنود الله هو الموت لأنه لا يمكن لأحد أن يمنعه.
فعلينا أن نأخذ حكمة وعلى كل مسلم يجب أن يدخل في قلبه شوقه للقاء الله تعالى والجنة والذي سيوصلني للقاء الله تعالى هو الموت فلا يجب علي أن أكره الموت ويجب أن يكون حضور الميت آية لي ودرساً ويجب أن أبحث عن عمل يقرّبني إلى الله تعالى. ونحن إن قلنا لا تقرأوا يس على موتاكم لأنه لا حديث صحيح في ذلك نقول للناس بنصّ الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بسورة تدافع عن صاحبها وهي سورة المُلك لو قرأها الإنسان كل يوم وفهمها وعرف معناها يكون صاحبها وتدافع عنه.
وعلينا أن نقرأ القرآن بالترتيب من الفاتحة إلى الفاتحة و نقف عند سورة الناس وكما قلنا سابقاً :" خيركم الحالّ المرتحل" وسلّموا للموت أنه مخلوق وينام على فراشه كل المخلوقات فعلينا الاستعداد للموت وتوطين أنفسنا على لقاء الله تعالى واعملوا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة : " اعملوا فما أُغني عنكم من الله شيئاً لن يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه". فلا يقول أحدكم أبي شيخ أو غيره ونضرب مثلاً عندما دخل الرسول عليه الصلاة والسلام على شاب يحتضر فسأله كيف تجدك؟ قال أطمع برحمة ربي لكني أخاف ذنوبي قال له الرسول ما اجتمعا في قلب عبد إلا غفر الله له. فيجب علينا أن نكون بين الخوف والرجاء فالموت واجب على كل انسان والرضى بموت العزيز أو الحبيب أو الصديق أو الزوج والصبر عليه هو المطلوب لأن ليس هناك ميت أغلى من رسول الله وهذا منتهى التسليم لله رب العالمين. وإذا عدنا إلى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام نجد أنه ما قرأ سورة يس على أحد مات من المسلمين و الصحابة ونحن كمسلمين يجب أن نأخذ السُنّة من الرسول الكريم ونتمسّك باتّباع السُنّة وصحيحها.
أسئلة المشاهدين:
السؤال الأول: إحدى المشاهدات تتساءل عن الاختلاف في الفتاوى بين العلماء وكيف يمكن لنا أن نميّز بين هذه الفتاوى وممن نأخذ خاصة أن لغتنا العربية ضعيفة مما لا يساعدنا في الرجوع لكتب التفاسير وفهم ما جاء فيها؟
يجيب الدكتور هداية أن اختلاف العلماء وارد فيما لا نصّ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويضيف أن أعباء الدعاة كثيرة لأن الناس يتقبلون من الدعاة ما يقولونه على علّته وقد يكون الكثير من هذا الكلام خطأ أصلاً. فنسمع مثلاً من يقول أن الرسول لم يفسّر القرآن ونردّ عل هؤلاء أنه عليه الصلاة والسلام فسّر القرآن بما كان مناسباً ومتاحاً لقومه آنذاك ففسّر آيات وترك آيات منها الآيات الكونية والعلمية وسيأتي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يحاول أن يفهم النصّ لكن لا نقول أن الرسول لم يفسّر القرآن. وللأسف أن من العلماء من يخالف غيره لرغبة أو هوى في نفسه والواجب أن يعمل الدعاة جميعاً ويدعون لله تبارك وتعالى وليس لأنفسهم ويجب عليهم أن يستوعبوا السؤال والسائل وهدفه من السؤال وغيره من الأمور التي تؤثّر على الإجابة وبالتأكيد أن الاختلاف باق إلى يوم الدين.
أما بالنسبة للأخت السائلة فبإمكانها أن تذهب إلى أحد المساجد القريبة منها ويكون فيه أحد المشايخ والدعاة المحترمين والخير في الأمة كثير وتأخذ برأي هذا الشيخ باستمرار وهو الذي يكون موضع ثقة بالنسبة لها. ولا ننسى أن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات، والخلاف يكون في الأمور المشتبهات هذه.
السؤال الثاني: سألت إحدى المشاهدات عن الحديث الشريف:" طلعت في النار فرأيت أكثر أهلها نساء وطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها فقراء" فلمّا سُئل الرسول لماذا أجاب لأنهن يُكثِرن اللعن ويكفُرن العشير. فما معنى هذا الحديث؟
يجيب الدكتور هداية أن هذا الحديث ليس تقريراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو تحذير للنساء حتى يتجنبن النار. ولم يقل في الحديث نساء المؤمنين وإنما قال النساء عامة وسنعرض إن شاء الله لهذا الموضوع في حديثنا عن الجنة في الحلقات القادمة. وأقول بنصّ حديث رسول الله: لو أن المرأة صامت شهرها وحفظت فرجها وصلّت خمسها قيل لها يوم القيامة ادخلي من أي باب من أبواب الجنة الثمانية شئتِ، فلا يمكن أن تكون المرأة الصالحة العابدة في النار. ثم إن ما جاء في الحديث عن إكثار اللعن وكُفران العشير لأنه كانت من عادة النساء عند العرب إذا أغضبها زوجها مرة بعد أن كان يٌحسن معاملتها تنسى كل إحسانه وتغضب منه وهذا يؤكّده علماء النفس أيضاً.
وعلينا أن نتنبّه إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى" وكلمة رجل هنا تعني الرجل والمرأة وعليه. وقد سألتني إحدى الأخوات مرة عل تقول في الدعاء اللهم إني عبدك أو إني أمتك؟ فقلت لها نقول الدعاء بنصّه لأن كلمة عبد تشمل الذكر والأنثى فالنساء من حيث التوصيف المُطلق "عبد" فلا نغيّر بنصّ الدعاء. وقد وردت كلمة عبد وعباد في القرآن ويُقصد بها الذكر والأنثى كما في قوله تعالى (وعباد الرحمن الذي يمشون على الأرض هونا) وكل وصف في القرآن للمؤمنين إذا لم تُذكر المؤمنات تدخل النساء ضمن لفظ المؤمنين. والنساء هم الزوجة والأم والأخت والابنة والمرأة عليها عبء إصلاح الأمة في المرحلة المقبلة لأنها مسؤولة عن النشئ.
أما في قصة الفقراء يوجد حديث آخر موضوع أن أكثر أهل الجنة البُله. وهذا حديث موضوع.
السؤال الثالث: سألت متصلة عن الكتيّبات الصغيرة التي توزع عن روح الميّت وفيها بعض سور القرآن مثل يس والدخان والملك والكهف. وسألت عن صحة الحديث أن سورة الرحمن عروس القرآن. ثم سألت هل شعور الإنسان المصلِّي الملتزم بوجود الموت دائماً هو علامة جيدة؟
أجاب الدكتور أن على المسلم أن يضع الموت بين عينيه وهذا أفضل شيء للمؤمن وهو علامة إيمان وتسليم. ويقول أن الرجل الذي يسكر ويزني يخاف من الموت أيضاً لكن الشيطان يزيّن له أعماله وعلينا أن نستحضر الموت خاصة عند الموت ونتأسّى بالرسول صلى الله عليه وسلم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الذي كان ينام متوضأً وعلى جنبه الأيمن ثم يدعو بالدعاء التالي: "بسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت روحي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين." وهذا الدعاء أصله ما جاء في قوله تعالى في القرآن الكريم (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزُمر) لأن الرسول لم يكن يتكلم إلا بتأصيل من القرآن والحديث القدسي عن الله تعالى. وكان عليه الصلاة والسلام يدخل للنوم وهو مسلّم بقضاء الله تعالى (إما أن تًردّ الروح وإما أن تُقبض)، فإذا أردنا النجاة في ذلك اليوم علينا أن نتأسّى بالرسول صلى الله عليه وسلم.
أما فيما يتعلق بالحديث عن سورة الرحمن أنها عروس القرآن فهذا أيضاً حديث غير صحيح . وأقول وأنبّه أن آفة هذه الأمة هي في هذه الكتيّبات الصغيرة لأنها تجتزئ من القرآن بعض السور وتترك البعض الآخر. ولو أردنا أن نوزّع الكتيبات فلتكن كتب علم صغيرة بدل تلك التي تجتزئ من القرآن.
دعاء ختام الحلقة من الشيخ عبد الله السعدي:
لا إله إلا الله عدد ما مشى فوق السموات والأراضين ودرج والحمد لله الذي بيده مفاتيح الفرج يا فزعنا إذا غُلقت الأبواب ويا رجاءنا إذا انقطعت الأسباب وحيل بيننا وبين الأهل والأحباب. يا سيدي قد وجدتك رحيماً فكيف لا أرجوك ووجدتك ضامراً معيناً فكيف لا أدعوك. من لي إذا قطعتني ومن ذا الذي يضُرّني إذا نفعتني ومن ذا الذي يعذّبني إذا رحمتني ومن ذا الذي يَقربني بسوء إذا نجّيتني ومن ذا الذي يُمرضني إذا عافيتني ومن ذا الذي يُقرّبني إذا أبعدتني. يا مسهّل الشديد ويا مُدوّن الحديث ويا من هو كل يوم في أمر جديد أَخرِجنا من حِلَق الضيق إلى أوسع الطريق. بك ندفع ما نُطيق وما لا نُطيق، اللهم ارحمنا إذا غسّلنا أهلونا وكفّنونا وحملونا على الأعناق ووارونا التراب، اللهم ارحم ميّتنا بالقبور، اللهم ثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم ارحمنا رحمة واسعة تغنينا بها عن رحمة من سواك. اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا ، اللهم ارحمنا رحمة شاملة وتب علينا توبة نصوحا، اللهم فاقبل توبتنا وامح حوبتنا واغفر زلّتنا واستر عيوبنا. يا كريم، يا كيبراً فوق كل كبير صلّ على البشير النذير وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بُثّت الحلقة بتاريخ 20/6/2004م



_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:46 pm


حلقة خاصة بمناسبة ذكرى مولد الرسول r
ضيوف الحلقة: الدكتور محمد هداية، الشيخ عبد الله السعدي والشيخ عمرو عطية.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) الأحزاب) خير ما نبدأ به هذه الحلقة الخاصة آيات بينات في الذكر الحكيم يتلوها الشيخ عمرو عطية (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) الفتح).
يسأل المقدم في بداية الحلقة في هذه الذكرى المباركة التي فيها وُلد الرسول r وفيها توفّي هناك أربعة محاور للشخصية المحمدية هي كونه r يتيماً وأمياً وأنه عُرف بالصدق والأمانة ورعايته للغنم وعمله بالتجارة فما هي الحكمة الإلهية بكون المصطفى u له هذه السمات وقبل ذلك هل لنا أن نوضح للمشاهدين هل يجوز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف وإن جاز فكيف يكون الإحتفال؟
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أبدأ بتهنئة الأمة الإسلامية بهذه الذكرى العطرة ميلاد الرسول r وأسأل الله تبارك وتعالى التثبيت للأمة في ذكرى وفاته r فالذكرى واحدة الميلاد والوفاة وكثيرون لا يعرفون أن وفاة الرسول كانت في نفس يوم ميلاده r. والسؤال هل يجوز الإحتفال بميلاد ووفاة الرسول r ؟ وهذا السؤال له جوانب وله أركان ولا ندري نحن إن سُئل هذا السؤال على عهد رسول الله r أو صحابته فماذا سيكون الجواب؟ فالمطلوب على المسلم في أي شيء يعمله في الإسلام أن يكون سنده متصلاً بسنة الرسول r أم على الأقل ما هو متصل بصحابته رضوان الله عليهم.
فهل كان الرسول r يحتفل بميلاده؟ الجواب سنوياً لا أما أسبوعياً فنعم بدليل الحديث الشريف لما سُئل رسول الله r لماذا يصوم يوم الإثنين أجاب: "ذلك يوم وُلدت فيه" فإن صحّ أن يكون هذا احتفال من رسول الله r فهو أسبوعي وليس سنوي، والإحتفال يأخذ صورة الشكر لله والمسلم إذا صام يوم الإثنين فإنما يصومه تأسياً برسول الله r واتباعاً لسنته. هذا اليوم الذي كان يصومه الرسول r لأنه اليوم الذي وُلد فيه الذي قال فيه ربه تبارك وتعالى جاء للوجود رحمة للعالمين فيجب أن نتعلم أن محمداً r ليس حلاة تؤكل أو عروسة تُزان بها الشوادر أو حصان وليس ذكرى فإذا كان هذا حال محمد r عندنا فهذا حال الأمة، فإذا عدنا إلى محمد r كما أراده الله تعالى وكما يجب أن يريده كل مسلم لله تبارك وتعالى فستُبدّل حال الأمة وكفانا نحن الأمة ما جاء في كتاب الله تعالى (إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهناك من الناس من يحزن إن قلت له لا يجوز الإحتفال بالمولد النبوي. ونعود ونأخذ السؤال في عهد الرسول r الرسول ما احتفل بذكرى مولده ولم يحتفل به أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أحد من التابعين إلى أن ظهر هذا في العصر الحديث. لكن علينا التوثيق بالنسبة للأحاديث التي تلوكها الألسن ويجب أن نتأكد أن الأحاديث تكون صحيحة السند.
وأقول أنه حتى لو سألنا الناس عن جواز الإحتفال وأجبناه بالنفي تراه يحتفل بالمولد إذن هو لا يأخذ بما سمعه وأقول أنه التقيت بأحد الإخوة في صلاة الجمعة الماضية وتحدثنا عن هذا الموضوع ثم اتصل بي قبل الحلقة وأخبرني أن أطفاله طلبوا منه أن يجلب لهم حلوى فأقسم لي أنه قال لهم سيجلبها لكن بعد انتهاء الذكرى حتى لا يتحول محمد r إلى حلوى بالنسبة لهم. وإذا سألتني أقول وبالله التوفيق يجوز الإحتفال (ولا نقول يجب حتى لا يتهمنا الناس) لكن إن جاز الإحتفال بذكرى ميلاد الرسول يجب أن ننبه الأمة أن يوم المولد هو نفسه يوم الوفاة فالذي سيحتفل بالذكرتين اللتين أصبحتا عندنا شوادر ودفوف وطبول فإن جاز الإحتفال وعلمنا أن يوم الميلاد هو يوم الوفاة فعلام نأكل الحلوى؟؟
أقول يجوز الإحتفال لأنه حتى لو قلنا لا سيحتفل الناس لكن كيف نحتفل هو المهم. خاصة أن هذا اليوم هو يوم الميلاد وهو يوم الوفاة فلو قلنا أن الإحتفال سيكون بصيام هذا اليوم ثم الثالث عشر والربع عشر والخامس عشر كما ورد في السنة النبوية فلا بأس وإن كان الصيام شكراً لله على أن جاء للوجود بمحمد r وأن جعلنا من أتباعه هذا الرجل العظيم محمد r فأهلاً بالإحتفال. وإن كان الإحتفال سيتمثل بصلاة وقيام ليل شكراً لله تعالى فأهلاً وسهلاً وقد قال رسول الله r : "من صام يوماً في سبيل الله تبارك وتعالى باعد الله بينه وبين النار سبعين خرفا" إذن نصوم اليوم شكراً لله في سبيل الله وحُباً برسول الله r. أما سمعنا نحن المسلمون قوله تبارك وتعالى (قل إن كنتم تحبون الله فأطيعوني يحببكم الله) فيجب أن يعرف المسلم أواعي من هو محمد r؟ وما كُنه هذا الرجل العظيم؟ فإن كان احتفالنا بمولده سيتمثل بصيام وصلاة وصدقات وتلاوة قرآن فلا بأس بذلك. ونقول يمكن أن نعمل احتفالية للإحتفال فيكون هناك مجلس علم ويتحدث فيه العلماء عن مناقب الرسول الكريم r وآخر يقرأ القرآن وآخر يبتهل ويدعو فيتأسّى المسلمون به r. أما أن يتحول الرسول r في احتفالاتنا لحلوى تؤكل أو عروسة أو حصان فهذا من غير اللائق وهل يُعقل أن الذي جاء ليهدم الأصنام في مكة يكون احتفالنا به بما يدلّ على الأصنام من حصان وعروسة؟ هذا ضرب من الخَبَل فهل جلء محمد r للوجود يهذا؟ ولننظر إلى البشرية قبل محمد r كانت الوثنية منتشرة في كل مكان حتى في زمن عيسى u حوّل النصارى الدين إلى الوثنية وتخبطوا وتحولت عباداتهم إلى شرك واستمرت البشرية في وثنية وفساد عظيم على فترة 700 سنة إلى أن جاء الرسول الكريم r فأخرج الناس من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن.
يسأل المقدم هل لك أن توضح لنا التشريفات إن صح قولها أو التزكية التي خص الله تبارك وتعالى بها نبيه محمد r ونحن نقرأ في القرآن أن الله تعالى قرن اسمه مع اسم الرسول r في الشهادة والأذان وقال تعالى (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) ويقول تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) و(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)؟
أولاً لا نقول تشريفات بل تزكيات لأن التشريفات كلمة تعني الدنيا أكثر أما التزكية فهي من الله عز وجلّ وصحيح أن الكثيرين مدحوا الرسول r لكن الله تعالى زكّاه والتزكية من الله تعالى عالية جداً . ونعرض لبعض جوانب هذه التزكية من القرآن الكريم نفسه ونستمع من الشيخ عمرو عطية لبعض الآيات التي ورد فيها تزكية الرسول r من ربه تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) الأحزاب) و (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة). بفضل الله تعالى التزكية كثيرة فلنأخذها من القرآن ونتعرض لأسماء الرسول r من القرآنوكم وُصف الرسول r بالصادق الأمين قبل البعثة حتى أن كفار قريش شهدوا له بهذا الوصف حتى بعد كفرهم كانوا يستودعون أماناتهم عنده r ولم يكن الكافر يستأمن مثلاً أبو جهل على ماله لأن الكافر يشرب الخمر وقد يستودعه مالاً ثم يأتي لطلبه فينكره عليه من أثر الخمر أما محمد r فقد ترك علياً وراءه في مكة حتى يؤدي الأمانات لأهلها عندما أُخرج من مكة مهاجراً إلى يثرب. وقلنا سابقاً في حلقة الهجرة أن كلمة الهجرة هي كتوصيف للحدث وإنما الرسول r لم يهاجر وإنما أُخرج من مكة. وعندما يزكي الله تعالى جزئيات معينة من الرسول r فزكّى عقله فقال (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)) وزكّى لسانه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)) وزكّى شرعه (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) وزكّى معلّمه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) النجم) وأخذ يشرح بهذا في وصف جبريل أمين الوحي وناقل الوحي من السماء إلى الرسول r،،وزكّى فؤاد محمد r (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)) والفؤاد هو محل القلب وإن استعمل الشعراء الكلمتين بمعنى واحد لكن الدليل على أن الفؤاد غير القلب هو في قوله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) فالفؤاد محل القلب وإن كان تعالى قد زكّى الفؤاد فما بالنا بالقلب؟ وزكّاه عن المجادلة والجدال (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)) لأن الرسول r إذا حدّث صدق كما جاء في حادثة الإسراء والمعراج عندما أُخبر أبو بكر عما قاله الرسول r في الإسراء قال: إن كان محمد قد قال فلقد صدق، وجاء بلام التوكيد فإذا قال الرسول r رأيت كذا فلا يُناقَش. وزكّى تعالى بصره فقال (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)) وزكّى رؤيته (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) فزكّاه تعالى بكلمات لا تفتر إلى يوم الدين وزكّاه تعالى فقال (وإنك لعلى خلق عظيم) ولقد وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها " كان خلقه القرآن" و" كان قرآناً يمشي" هنا يجب أن نتوقف عن المقصود بقول عائشة كان خلقه القرآن أحد جوانب المعنى هو أنه r كان متمسكاً بكتاب الله تعالى لا يحيد عنه ويطبقه كما يجب والمنحى الآخر أن فيه توصيف يجب أن نتوقف عنده. ونسأل هل في القرآن نقص؟ سيكون الرد بيقين كلا نقول وكذلك خُلُق الرسول r ليس فيه نقص. فكأني بالسيدة عائشة ما قالت هذا مدحاً للرسول r وإنما نداء وهداية وتوجيه للأمة باتباع الرسول r لأن r كان خُلُقه القرآن مكتملاً فمن أراد أن تكتمل أخلاقه فعليه أن يتبّع الرسول r. والرسول ليس شعراً يقال في الإحتفالات ولا مدحاً ولا وصفاً وإنما هو أكثر من ذلك فعندما يمشي كأنه قرآن يمشي بين الناس بالهداية كما يهدي القرآن (الم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) هكذا كان يمشي الرسول r بين الناس بالهداية وبأخلاقه المكتملة التي لا نقص فيها.
حادثة شق الصدر: يسأل المقدم عن هذه الحادثة وهل لها علاقة بتزكية الله تعالى للرسول r؟
حادثة شق الصدر أخذت من الأمة كلمات ورفضها وقبلها أناس ونحن نأخذ هذه القصة من حديث رسول الله r كما جاء في السنة الصحيحة وقد وردت كثيراً في كتب السير كسيرة ابن هشام والطبري لكن يجب أن نأخذ ملامح القصة بواقع اليقين الإيماني. ونقول عندما يتعب عضو في الإنسان كالكبد والكلى والقلب يدخل المستشفى ويضعون له عضواً آخر وما سمعنا أن أحدنا دخل المستشفى ليستبدل ضميره أو يضع شفافية صناعية لكن عندما نقرأ القرآن بيقين نسمع (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ونسأل هل كانت حادثة شق الصدر فقط لكي ينزع الله تعالى الحقد والغِلّ من قلب الرسول r؟ أنا شخصياً أقول مع تصديقي للحديث أقول إنه إن كان هذا فقط هو المقصود كان تبارك وتعالى قادر على أن ينزع الحقد والغِل من قلب الرسول بدون شق صدره والمفسرون انقسموا فريقين فريقاً لا يؤمن بالحادثة وفريق يقول إنها شرح لقوله تعالى (ألم نشرح لك صدرك) ونحن نقول لا هذا ولا هذا لكن هذه الحادثة ما هي إلا لنتعلم نحن البشر كيف نتخلى عن الحقد بأنفسنا نحن لن يأتينا ملكين ينزعان من قلوبنا الحقد والغِلّ فماذا نفعل؟ فكأن الرسول r أخبرنا هذه القصة ليعمل كل منا هذه العملية بنفسه فيُخرج كل واحد فينا وينزع الحقد والغِل من قلبه.
الحادثة كما جاءت في الحديث: أنه عندما كان r عند حليمة السعدية جرى الأطفال إلى حليمة فقالوا أدركي محمداً ويقول الرسول r جاءه رجلان فشقوا صدره وأخرجوا قلبه وغسلوه في طست مملوء باليقين والحكمة (ولا نقول طست من ذهب ثم أي عيار ثم يقول الناس كان يليق أن يكون من ألماس أو غيره) نحن نأخذ شاهد القصة التي تهم الأمة وعلينا أن نُخرج الأمة مما هي فيه. في بعض الروايات يقول أمسك بنكتة سوداء وقال هذا حظ الشيطان منك وألقاها والحديث عند البخاري. ولازم الحديث جميل : قال أحدهما للأخر زن محمداً فوزني بواحد فرجحت فقال ونه بعشرة فوزني بعشرة فرجحتهم فقال زنه بمئة فوزني فرجحتهم فقال زنه بألف فوزني فرجحتهم فقال لو وزنته بأمته لرجح محمد. والمعنى هنا عظيم وعميق جداً فهو محمد r أكبر من أي تصور ولو أردنا أن نخرج مما نحن فيه فعلينا برسول الله r (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) والأسوة غير القدوة لأن التأسي أن تفعل مثله بالضبط أما الإقتداء فقد تأخذ وقد لا تأخذ. وهذا الرسول r في حادثة شق الصدر علينا أن نعمل بمفهومها وعلينا أن نتأسى برسول الله r ونُخرج ما في قلوبنا من حقد وغِلّ.
يسأل المقدّم عن حادثة انشقاق القمر وهل لها علاقة بالتزكية؟ يقول تبارك وتعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر) وهذه الحادثة وقعت فعلاً في عهد الرسول r كمعجزة حسّية له لكن الأهم من انشقاق القمر ما جاء قبلها وهو قوله تعالى (اقتربت الساعة) فهي من 1425 عاماً اقتربت وصدق الرسول r لما قال بُعثت أنا والساعة كهاتين وأشار إلى إصبعيه. لكن على الأمة أن يكون دأبها وعملها ما قاله الرسول r عندما سُئل متى الساعة فأجاب r : " ماذا أعددت لها؟".
دعاء للشيخ عبد الله السعدي: الحمد لله الذي لا ندعو غيره ولو دعونا غيره لم يستجب لنا دعاءنا، الحمد لله الذي لا نرجو غيره ولو رجونا غيره لأخلف رجاءنا، الحمد لله الذي وكلنا إليه فأكرمنا ولم يكلنا إلى الناس فيهينونا اللهم صل على سيدنا محمد كان مولده ربيعا، ولربه مطيعا، وللقرآن سميعاً، وبين الناس بليغاً، وللفصاحة ضليعا، اللهم صل على سيدنا محمد خير من صام وأفطر وخير من سبّح وكبّر وخير من حج واعتمر وخير من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، اللهم صل على نبيينا محمد الله صل عليه ما ظهرت النجوم وصل على نبيينا محمد ما تلاحمت الغيوم، اللهم صل عليه ما أشرق الضياء ولاح وصل عليه ما تعاقب المساء والصباح، اللهم صل على سيدنا محمد طبّ القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها، اللهم صل على سيدنا محمد الحبيب الشفيع الرؤوف الرحيم الذي أخبر عن ربه الكريم إن لله في كل نفس مئة ألف فرج قريب وسلّم اللهم احفظنا بعينك التي لا تنام واحرسنا بركنك الذي لا يُضام اللهم استر عيبنا وااسف أمراضنا اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا واهلك أعداءنا، اللهم أهلك أعداءنا اللهم احفظنا بما تحفظ به عبادك الصالحين، يا سيدي أنا الصغير الذي ربيته وأنا الفقير الذي أغنيته وأنا الضعيف الذي قويّته أنا المستضعف الذي نصرته أنا الذي لم أستحيك في الخلا ولم أراقبك في الملا أنا صاحب الدواهي العظمى أنا الذي على سيده اجترى أنا الذي أمهلتني فما ارعويت وسترت علي فما استحييت، اللهم جمّلنا بسترك واعف عن توبيجنا بكرمك يا خير الساترين وأحكم الحاكمين وأجود الأجودين ستّار العيوب علاّم الغيوب تستر الذنب بكرمك وتغفر المعصية بحلمك ولك الحمد على حلمك بعد علمك وعلى عفوك بعد قدرتك وصل اللهم وبارك على نبيينا وحبيبنا محمد وعاى آله وصحبه وسلِّم.
أسماء الرسول r في القرآن:
إذا تحدثنا عن أسماء رسول الله r نجد عجباً وليس فقط أسماؤه إنما أسماء كل من أحاط به وهذا فيه إشارات كثيرة ونستعرض أسماء المحيطين به قبل أن ننتقل إلى أسمائه r: فأمه آمنة في عهد ما عُرف هذا الإسم وهي بنت وهب لأن هذه المرأة سيخرج منها من يحمل الأمن والأمان للدنيا كلها. وأبوه عبد الله في زمن كان هناك أسماء كعبد اللات وعبد العُزّى وهذا ليكون r محمد ابن عبد الله لأن هذا الرجل هو الذبيح الثاني بعد إسماعيل u وكان r يقول أنا ابن الذبيحين عبد الله واسماعيل. وخلاصة قصة عبد الله أن أبوه عبد المطلب كان قد نذر أنه إذا جاءه عشرة من الذكور سيذبح أحدهم قرباناً للآلهة وكان يستهم (وهذا كان وارداً في ذلك الزمان) فيخرج السهم كل مرة على عبد الله فقرر ذبحه ثم إن أخوال عبد الله أشاروا على عبد المطلب بالذهاب إلى إحدى العرّافات في ذلك الوقت لتجد له حلاً فاقترحت أن يستهم على مئة درهم مع عبد الله فإن جاء السهم على عبد الله يزيد في المال حتى يأتي السهم على المال فيفتدي ابنه وكذلك فعل وتقول الروايات أن المبلغ وصل إلى عشرة آلآف وقسم يقول مئة ألف فافتدى بها عبد الله، ثم إن عبد الله كان في وجهه نور فاعترضته وهو في طريقه لعروسه آمنة ليدخل بها امرأة عرضت نفسها عليه فرفض ثم التقى بها بعدما دخل بآمنة فلم تطلبه ولما سألها قالت له ذهب النور الذي كان في وجهك. ثم إن الخادمة التس كانت تعين آمنة في حملها كان اسمها بركة لأن المولود سيأتي بالبركة للدنيا كلها، ثم إن أول من أرضعته هي ثويبة من الثواب العظيم ثم بعدها حليمة السعدية من الحلم والسعادة فهذه الأسماء لم تأت مصادفة وإنما أرادها الله تعالى. ثم إن الشهر الذي ولد فيه هو ربيع الأول من الربيع، والبلد الذي ولد فيه مكة وهو خير بقاع الدنيا عند الله تعالى.
فإذا جئنا إلى أسمائه r نجد عجباً فقد بشّر به عيسى r فقال تعالى على لسان عيسى (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) الصفّ). وبعض النصارى يحتجون بهذا الإسم أنه أحمد وليس محمد كإسم نبيينا. أما لماذا ورد إسم أحمد في بشارة عيسى ولم يرد محمداً لأنه لم يكن لعيسى u أن يقول محمد لأن محمد إسم مفعول ولا يُطلق إلا على موجود وعيسى كان رسولاً يوحى إليه ثم جاء بعده الرسول r يوحى إليه. وقال أحمد لأن من كونه r له مكانة عند ربه جعل اسمه مشتقاً من صفة لا تكون إلا لله تبارك وتعالى (الحمد) وإذا قرأنا القرآن نجد أن أول كلمة فيه بعد البسملة (الحمد لله) في سورة الفاتحة وإسم محمد مشتق من الحمد ولما تكلّم عنه عيسى u لم يكن يقدر أن يقول محمد اختار الله تعالى إسماً يناسب زمن المتكلم مشتق من الحمد فكأن المقصود من بشارة عيسى u ومبشراً برسول يأتي من بعدي أحمد مني لرب الناس، فإذا جاء فهو الأحمد وإذا قام بالحمد فهو حامد وإذا أدّاه على الوجه الصحيح فهو محمود المنقلب أمام الله تعالى يوم القيامة.
والرسول r يقول أنا أحمد وأنا محمد وأنا العاقب وأنا الحاشر. والعاقب الذي لا معقّب بعده والحاشر الذي يُحشر الناس على قدميه. ونورد هذا الحديث هنا لأن في أسماء الرسول r خطأين شائعين فادحين هما (طه) و(يس) فهما ليسا من أسماء الرسول وإنما هما في الأحرف المقطعة في بدايات السور تماماً كـ(الم، كهيعص، الر، حم) ولو كانا من أسمائه r لكان ذكرهما في الحديث السابق. ولكن الناس فهمت طه على أنها اسم للرسول r لأنهم فهموا من الآية (طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) خطاب للرسول r وهذا لا يصح لأنه تعالى ما خاطب الرسول r في القرآن كله بإسمه وإنما كان الخطاب (يا أيها النبي أو يا أيها الرسول) أما ورود إسم محمد في بعض الآيات فهي ليست من باب المخاطبة وإنما من باب الإخبار (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) (محمد والذين معه) ولا يليق بالله تعالى أن ينادي على رسوله r باسمه هكذا في القرآن. وعليه فإن هذه الأحرف يجب أن تقرأ مقطعة كباقي الحروف المقطعة في بدايات بعض السور. ونقول لمن سمّى أولاده بهذين الإسمين لا بأس لكن ننبه الناس باختيار اسم آخر لأبنائهم ليس طه ولا يس فليختاروا أحمد ومحمد مثلاً. وإذا نظرنا في معاجم اللغة العربية لوجدنا معاني لكل الأسماء العربية لكننا لن نجد معنى لكلمتي طه ويس. وإن شاء الله في حلقات قادمة عندما نتطرق إلى القرآن وإعجازه اللغوي والبياني نتحدث عن دلالة الأحرف المقطعة لأن المفسرون اختلفوا فيها ونحن نحصي أكثر من 16 تفسير عند المفسرين لهذه الأحرف و22 تفسير عند اللغويين والمحققين. وأنا أقول هذه الأحرف من أسرار القرآن الكريم وإن شئت قل من مادة حفظ القرآن وهذا رأي علماء الذي يتسع لكل الآراء أما التأويل فلا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
قال أحمد شوقي في قصيدة مدح الرسول صلّى الله عليه وسلم:

وُلد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسّم وثناء
بشّر الله السماء فازّينت وتوضّعت مِسكاً بك الغبراء
كيفية الصلاة على الرسول r من الله تبارك وتعالى، من الملائكة ومن المسلمين؟
يقول تعالى في سورة الأحزاب (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)) توجد كلمات في اللغة العربية تقع تحت الإشتراك اللفظي فيكون معنى الكلمة بحسب ما تضاف إليه. فهل صلاة الله تبارك وتعالى على الرسول r مثل صلاة الملائكة؟ بالطبع لا لأنه إذا تغيّر الفاعل يكون لكل فاعل فعل فالصلاة من الله عز وجلّ على رسوله r رحمة الله تبارك وتعالى أما صلاة الملائكة فهي الدعاء لله تعالى أن يصلي على الرسول r وكذلك صلاتنا نحن على الرسول r. لماذا؟ حينما يقول الرسول r في حديثه "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال r لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم" وفي هذا الحديث أيضاً كا فاعل فعل يختلف عن الآخر فالنصيحة لله تعالى أن نسمع أوامره في القرآن ويكون أمره علينا نافذ، أما النصيحة للرسول r فهي أن نتأسّى بسنته، والنصيحة للكتاب بقراءة القرآن لا لمجرد القرآءة وإنما للإستفادة منه، والنصيحة لأئمة المسلمينأ يُعلّموا الأمة بطريقة تجعل الأمة تفهم بتبسيط وتيسير (والتبسيط يُفهم على أنه تيسير ولكنه في الأصل الشرح الكثير والمطوّل والمفصّل)، والنصيحة لعامة المسلمين هي باتّباعهم لكل ما سبق لأوامر الله تعالى وسنة رسوله r والكتاب والأئمة.
فكيف نصلي نحن عليه r ؟ ذهب الصحابة إلى الرسول r بعدما نزلت الآية (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)) فقاولا يا رسول الله أُمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ قال r : "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد". وقد شاع عندنا أنه لما يتكلم المتكلم ويذكر الرسول r فإن السامع يقول (عليه الصلاة والسلام) أو (صلى الله عليه) وهذا لا يعني الصلاة عليه كما أُمرنا في الآية لكن يجب أن نقول "اللهم صل على محمد" وهذا دعاء منا لله تبارك وتعالى بأن يُصلي على الرسول r لأنه من نكون نحن حتى نصلي عليه؟ وخلاصة القول أنه من أراد أن يصلي على النبي r قليقل كما علّمنا الرسول r : اللهم صل على محمد.
وهناك أمر هام لا بد من الإشارة إليه وهو أن المسلمين يتساءلون ماذا يقولون عندما يُذكر النبي r وكيف يصلون عليه وتراهم إذا ذكر اسم النبي r يقولون يا رجل صلي عليه، ولم يرد في بال أحد أن يسأل إذا ذُكر الله ماذا علينا أن نقول؟ وهذا تنبيه للأمة أنه علينا جميعاً أن نعظّم الله تبارك وتعالى عندما نسمع ذكره بأن نقول مثلاً سبحانه وتعالى، لا إله إلا الله، جل شأنه، تبارك اسمه، تعالى جدّه. فكما نتحرك عند ذكر الرسول r علينا أن تتحرك قلوبنا وشفاهنا بذكر الله وتعظيمه عند سماع اسمه تبارك وتعالى.
مناجاة مع الشيخ عمرو عطية:
يا أيها المختار في مدحك ماذا أقول:
نور رأفة بالمؤمنين رحمة سمّاك ربك في القرآن محمدا
نادت بك الرسل الكرام فبشّرت وملائك الرحمن خلفك سُجّدا
لا يحصي فضلك ناثر أو كاتب عددا ولا الشعراء يا غوث الندى
صلاة الله منا سرمدا ثم السلام عليك يا نجم الهدا
يا رب هب لنا من لدنك شفاعة واجعل كتابك حجة لنا شاهدا
اللهم صل وسلم وبارك عليه.
يسأل ختاماً المقدم عن الشفاعة والحوض والكوثر. ويجيب الدكتور بأنه سيعرض بالتفصيل لهذه المواضيع في الحلقة القادمة إن شاء الله. ونبدأ بالحديث عن الشفاعة التي اختلفت فيها الأمة وقد كُتب فيها كتب تملأ المكتبة الكاملة. وفي الحديث الشريف: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي وسلوا الله لي الوسيلة فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت له الشفاعة" والوسيلة بتوصيف الرسول r هي منزلة في الجنة لا تكون إلا لعبد من عباد الله ونسأله تعالى أن تكون لمحمد r. والحديث يعلمنا أن نردد خلف المؤذن إلا في الحيعلتين (حي على الصلاة وحي على الفلاح) فنقول لا حول ولا قوة إلا بالله. ومن سأل الله للرسول r الوسيلة حلّت له الشفاعة. وإذا كانت الذكرى (ذكرى مولد الرسول r) فعلينا أن نتمسك بسنته الصحيحة من أقوال وأعمال وأفعال.
وختاماً أسأل الله تبارك وتعالى أن تكون هذه الذكرى فاتحة خير علينا وعلى المسلمين أجمعين ونسأله أن ينقذ إخواننا في كل مكان في العراق وفلسطين والشيشان وكشمير وأبشّركم بقوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويُثبّت أقدامكم) ويجب أن نفهم جيداً هذا المعنى (إن تنصروا الله) وأختم بقوله تعالى (إلا إن نصر الله قريب).
مداخلة: يلفت الأخ المقدم هاشم لما جاء في العديد من الرسائل والإتصالات للبرنامج عن الفتاوى أو الأحاديث التي يرجع لها الدكتور وقد علق البعض على أن فتاوى الدكتور تتعارض مع بعض الفتاوى لعلماء يظهرون على قنوات فضائية أخرى منها قول الدكنور هداية عن عدم جواز قراءة القرآن على المحتضر والأموات أو تخصيص سورة س لذلك، وثانياً حديثه عن الحور العين في حلقة سابقة وثالثاً موضوع الفتوى بخصوص الفوائد البنكية فهل للدكتور أن يوضح هذه الأمور للمشاهدين؟
أولاُ قلنا في مطلع عملنا في الدعوة على الشاشات أننا لن نذكر حديثاً ضعيفاً عن الرسول r مهما كان وأنا لا أصف من يقول بالأحاديث الضعيفة أنه عالم فهم يقولون هذه الأحاديث من باب فضائل الأعمال وأقول لهم طالما لدينا في الباب أحاديث صحيحة فلا يجب الركون إلى الضعيف منها. وحديث قراءة يس على المحتضر أقول للذي قال به أن يحضر لنا كتاباً واحداً من كتب الصحيح لنقرأه فهل ورد في البخاري أو ميلم أو مسند الإمام أحمد أو البيهقي أو غيره وهذا الحديث ليس له أثر لا في الصحيح ولا حتى في الحسن. وإن شاء لما نعود إلى حلقات الموت في الأسابيع القادمة سأُحضر كتاب الشيخ الألباني الذي شهد له أهل هذا الزمان بأنه الوحيد الذي استطاع بعلمه أن يصحح أو يضعّف الأحاديث وله سلسلة في الصحيح وفي الضعيف وإن شاء الله نعرض الكتاب على الشاشة ليتأكد الناس لأنه ليس لهذا الحديث أثر في الصحيح أو الضعيف ، وسنأتي بكتاب آخر جاء فيه ذكر الحديث وفيه (قال الأشياخ ثم يوردون الحديث) فمن هو هؤلاء الأشياخ؟ وممن نأخذ السنة نحن أصلاً؟ نحن نأخذها من رسول الله r بما وصلنا عنه من أحاديث صحيحة. وأضيف أن في سورة يس آية ما يجوز أن تُقرأ على المحتضر أو الميت (هذه جهنم التي كنتم توعدون إصلوها اليوم بما كنتم تكفرون) فهل يجوز أن تُقرأ هذه الآية على محتضر؟ وكم ذهب رسول الله r لزيارة المحتضرين من الصحابة والمسلمين وما سمعناه يقرأ شيئاً من هذا ولو فعل لوجدناه في كتب الصحاح فعليهم أن يدلونا على الكتب التي استقوا منها هذه الأحاديث وسندها.
أما موضوع الحور العين فسنعرض رأينا الخاص إن شاء الله في هذا الموضوع في حلقة الجنة لأن أناساً لا علم لهم يتعرضون لهذا الموضوع ويصفون الحور العين أنه سيتمتع بهم الرجال فقط ونحن سنتعرض لها وفقاً للقرآن والأحاديث الصحيحة.
أما موضوع البنوك والفوائد البنكية فهناك من يقول أن الفوائد حلال ولا سند له ومنهم من يحرمها ويُتعب الأمة ونحن بإذن الله نعمل على هذا الموضوع على أعلى مستوى وعندما ننتهي من البحث في أواخر الشهر السادس إن شاء الله سنعرضه على المشاهدين وقد أخذنا في هذا العمل برأي الكثيرين من أهل الدين والإقتصاد والضمان والبنوك.

بّثّت الحلقة بتاريخ 2/5/2004م





_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:47 pm


حلقة خاصة بمناسبة ذكرى مولد الرسولr
ضيوف الحلقة: الدكتور محمد هداية، الشيخ عبد الله السعدي.
اقتتحت الحلقة بتلاوة عطرة من آي الذكر الحكيم تلاها الشيخ عبد الله السعدي مما تيسر له من سورة الحجرات والضحى والشرح: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) الحجرات) و( وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) الضحى) و ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) الشرح).
يبدأ المقدم باستعراض المواضيع التي تحدث بها الدكتور في الحلقة السابقة من جواز أو عدم جواز الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف وذكر أسماء الرسول r وحادثة شق الصدر وانشاق القمر وغيرها من المواضيع وبقي لنا في هذا الأسبوع أن نتطرق إلى موضوع الشفاعة والحوض والكوثر لكن قبل هذا أطرح سؤالاً يسأله الكثيرون وهو أنه الله تعالى منذ بعث آدم u إلى المصطفى r أرسل أكثر من 120 ألف نبي و315 رسول وتعددت الرسالات السماوية فلماذا احتاج البشر لكل هؤلاء الأنبياء والرسل؟ هذا أولاً ثم لماذا كان هناك فترة زمنية كبيرة بين بعثة عيسى u وبعثة الرسول r؟ ولماذا الرسول r هو آخر الأنبياء والمرسلين؟
هذ السؤال من أهم الأسئلة التي قد ترد على خاطر البشر وذهن المسلم المُسلّم أمره لرب العالمين وهو خلاصة ما حدث من عهد آدم u إلى أن تقوم الساعة وهذا حكمة الله تعالى في خلقه. فما خلت أمة من آدم u إلى أن تقوم الساعة إلا وفيها نبي لكن حكمته تعالى بإرسال الرسل في كونهم من البشر وفي كون تعاقب الأنبياء في الأمم. فقد يكثر الأنبياء في أمة من الأمم كما في بني إسرائيل وهذ كله من حكمة الله تعالى. وهناك أمور يجب أن نتدبرها كمسلمين لله ونحن منتلقّى عن الله تعالى هذا الكتاب وهذه الرسالة.
أما سؤالك لماذا جاء محمد r في زمانه ولم ولن يأتي رسول بعده فهذه هي القضية. وقبل أن نقول أنه قد تعاقبت النبوءات والرسالات (وهناك فرق بين النبوءة والرسالة) يجب أن ننظر إلى العهد القديم على البشر ميعاً من الله تعالى وهو عهد الفطرة كما جاء في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) هذه القضية يجب أن تستقر في الأذهان أن الفطرة البشرية بحكمة من الله تعالى مسلمةٌ لله إسلام قبل الخلق أي في عالم الذّر. فلماذا قال تعالى (من بني آدم) ولم يقل من آدم؟ هذا ليثبت تعالى أن الذرية توالت عنده في لحظة واحدة فالمولى تعالى أمره بين الكاف والنون (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) ولم يقل آدم فقط حتى لا تنحصر في ذرية آدم فقط (أبناؤه من العشرين طبناً الذين أنجبتهم حواء) أو من ذريته من الأنبياء فقط وإنما قال من بين آدم لتشمل كل الذرية. والذي يجب فهمه أنه في عصر الجاهلية كان للكعبة عند الناس تقديس معيّن فوضوعوا فيها وولها الأصنام للتقديس ولهذا البيت أيضاً تقدس من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة، فالحياة صة يجب أن نفهمها لكن عند ابراهيم أخذت الكعبة رمزية معيّنة وقدسية معينة وعند محمد r كانت هذه الرمزية وهذا التقديس أعلى. وهنا علينا أن نلفت إلى آية في القرآن عادة ما ننساها ولا نذكرها إلا بعد رمضان حين يقرب موسم الحج (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران) حرف الجرّ (على) يفيد الإلزام كما جاء في قوله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود) فاطمأنّ الناس بهذه الآية أن رزقنا حق ٌعلى الله تعالى وأنه سيرزقنا ففرحنا ونمنا واطمأنينا وقلنا في أنفسنا سيأتيني الرزق بدلالة حرف (على) وقد قال أحد أهل اللغة: لو ركب ابن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الرزق البرق حتى يقع في فم ابن آدم. وإن فرّ ابن آدم من قضاء الله فإنه يفر إلى قضاء الله أيضاً. وقد عرفنا معنى حرف (على) ف آية الرزق ولم نفهم معناه في آية الحج وجعلنا الحج فريضة على التراخي. وحينما نسمع الآية يجب أن أعلم أن الحج هذا فريضة عُملت لأجل لماذا؟ نحن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة، وبعد الوضوء نتجه إلى القبلة التي هي نزعتي في الصلاة واستقبال القبلة هو الحج فكأنما تشغل قلبك وتعمره بفريضة ولنتذكر قول الرسول r في حديث جلسة التشهد "إذا وصلت إلى أشهد أن لا إله إلا الله انظر أمامك وكأنك ترى الكعبة" قالقلب يجب أن يكون في الكعبة التي هي القبلة فإذا وصلت إلى الحج كانت الحكمة من الطواف حول الكعبة سبع أشواط والثلاثة أشواط الأولى فيها حكمة بالرمل فيها إذا أمكن، ولا يصح أن نقول نلفّ حول الكعبة والكثير من المسلمين لا يطوفون الطواف للهدف الذي شرّعه الله تعالى في الطواف فترى من يتحدث بالهاتف ومنهم من ينظر هنا وهناك ومنهم من يتحدث ومنهم من يقرأ من كتاب بصوت مرتفع والآخرون يرددون وراءه فأن أخطأ هو ردوا بنفس الخطأ لأن القلب ليس حاضراً فقلب القارئ متعلق بالكتاب وقلب من وراءه متعلق بالقلرئ. ولو استشعرنا أن الطواف يكون عكس عقارب الساعة حتى تكون جهة القلب لجهة الكعبة ويكون القلب متعلقاً بها ويجب أن ننظر إلى الكعبة حتى يتعلق نظرنا بها كما يتعلق القلب عند الطواف. وفي نهاية كل شوط ترى الصراع على الحجر الأسود وهذا كله يدل على أننا خرجنا عن السبب الذي من أجله شرع الله تعالى الحج. وفي مؤتمر طبي أثبت العلم أن الجنين قبل أن يكون جنيناً يطوف الحيوان المنوي حول البويضة سبع أشواط قبل أن تتم عملية التلقيح وكأنه يعلن التوحيد قبل خلقه جنيناً وهذا يفيد أن الفطرة من قبل الذرّ هي مسلمة لله تعالى. إذا أرسل الله تعالى رسولاً أو نبياً يقيم القيم ثم إذا مات تتفلّت الأمور فيرسل تعالى رسولاً آخر. وكلما بعُد البشر عن الرسالة يحصل انفلات في القيم وإذا استعرضنا من آدم u إلى بعثة الرسول r نجد أنه حدث انفلات كبير في القيم بعد كل نبي مما استدعى إرسال نبي آخر ليصحح ويعيد الناس إلى الرسالة ويُقوّم الناس وقد اختلف العلماء في كون آدم نبي أو رسول ثم انفلتت الأمور فأرسل الله تعالى شيث وهكذا إلى بعثة الرسول . وأطول فترة بين نبيين هي الفترة بين عيسى u وبعثة الرسول r.
وكما أن الله تعالى أخذ العهد على البشر جميعاً، أخذ العهد على النبيين أيضاً كما جاء في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) ففي الآية إقرار وشهادة وهنا نقف أن كل نبي يأتي أخذ الله تعالى على نبييه العهد أنه لو أدركه نبي مصدّق لما معه فعليه أن يؤمن به وإذا لم يدركه هو ترك في قومه أن يؤمنوا بالرسول إذا جاء من بعده (إقرار وشهادة) ومعنى كلمة الإصر في الآية هو العهد الشديد. وتتعاقب الرسل إلى عهد عيسى u وهو الوحد الذي ذُكر في القرآن تنفيذ ميثاقه لله تعالى في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) الصف) وفي الآية دليل على أن عيسى u ترك الدليل على قدوم محمد r من بعده وموسى قبله ترك الخبر لعيسى (يا بني إسرائيل)، ووصف عيسى لهم في الآية الحالة الحاضرة (إني رسول الله إليكم) والحالة القادمة (ومبشراً برسول يأتي من بعدي) وهذا من الإعجاز وهذه هي عظمة عيسى بالنسبة لمحمد r وهذه هي الحجة على بني إسرائيل.
نعود للسؤال لماذا محمد بالذات؟ ونقول لأن هذا اختيار الله تعالى ونحن كمسلمين مأمورين بالإيمان بكل الأنبياء والرسل حتى لا ينسحب كرهنا لفئة على أنبيائهم. لكن عندما نصل إلى محمد r نجد العظمة في التركيب الخاص من كل الوجوه ولذلك حينما نسمع الأحداث ومنها أولاً حادثة عمر عندما مرّ على بني قريظة وكان له صديق منهم فأعطاه جوامع التوراة ففرح عمر جداً وذهب إلى الرسول r يبلغه فتغيّر وجه الرسول فقال أحد الصحابة لعمر أوما ترى ما في وجه الرسول وقال ألا يكفيك ما جاء في القرآن؟ فقال عمر رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فابتسم الرسول r وقال لو أن موسى جاءكم الآن فاتبعتموه وتركتموني لضللتم ولضلّ أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم، وعلى هذا فعلى كل مسلم أو يؤمن بهذا القرآن لأنه جمع كل الكتب السابقة. وهذا القرآن جمع الكتب السابقة وهيمن عليها وتكلم عن كل الأمم السابقة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) وهذه الأمة هي الوحيدة التي ستشهد على كل الأمم وواقه شهادتنا هي ما جاء في القرآن وهي التي تعرف ماذا حصل للأمم السابقة من ما جاء في القرآن الكريم. وحادثة أخرى عندما اجتمع أهل نجران فقالوا للرسول هل تريد التقديس فيقول محمد r معاذ الله ومعاذ الله ما كنّا لنأمر بعبادة غير الله (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) هذا حال رسالة رسول الله r ضمّن الأنبياء والمرسلين. بعدما نزلت هذه الآية جاءه رجل معجب بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ويحبه كثيراً فقال أُمرنا أن نصلي عليك ونحبك فهل تأذن لي ولو مرة واحدة أن أسجد بين يديك (سجود تحية وليس عبادة لأن سجود التحية كان من عادات العرب كما خرّ أبوي يوسف سُجّدا) فيقول الرسول r معاذ الله ومعاذ الله ويرد بالآية لا تقدسوني أنا وإنما كونوا عباداً لله (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) وهذه ترد على السؤال لماذا محمد r بعد هذه الفترة.
لماذا لم يأت بعد محمد؟ لأن محمد r بُعث في خير أمة أخرجت للناس وليس فيها من علل الأمم السابقة وكما أن كثرة الأدوية تدل على كثرة الأمراض والعِلل فكثرة الأنبياء في أمة لا تدل على شرفها وإنما تدل على سوء الأمة ولقد لخّص تعالى خيرية هذه الأمة في قوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران) فمقومات الأمة المسلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه مقومات خيرية الأمة أما الأسباب فسابقة على هذا وهي اصطفاء الله تعالى بحد ذاته وهوسبحانه لا يُسئل عما يفعل. وقد قال الرسول r : أنا العاقب فلا معقب بعدي وجاء في القرآن قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) آل عمران) وهذا يعني أن الأمة سيقومون بعمل الأنبياء بعد محمد r يحملون الدعوة ولم تعد الأمة تحتاج إلى رسالات أو نبوءات وإنما هي بحاجة إلى الدعوة الخاصة بمحمد تشرح ولذا جاء في الآية أولاً (يدعون إلى الخير) قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة عامة للناس جميعاً كما جاء في الحديث الشريف مخاطباً الأمة: " بلّغوا عني ولو آية" والإصطفاء من الله تعالى وهذه الأمة لأنها خير أمة فهي لا تحتاج لنبي بعد محمد r لأنه جاءها خير الأنبياء على الإطلاق وقد قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا المائدة آية 3 ) وكأن الدين كان ناقصاً إلى أن أتى محمد r.
وقلنا أن هناك فرق بين الديانة والدين فالديانة هي الرسالة والدين هو شرع الله تعالى لكل الديانات والرسالات (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، آية 19 آل عمران) وهو الشرع العام لكل الديانات والرسالات من عهد آدم u إلى أن تقوم الساعة. ولا يوجد جمع لهذه الكلمة فالدين واحد كما جاء في قوله تعالى مخاطباً أولي العزم من الرسل (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى) .
سؤال من المقدم: الإسلام دين واحد فلماذا التحبط بين الرسالات الثلاثة (موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام) مع أن بعض الكتب حُرّفت؟
الجواب أنت تقوله طالما حُرفت بعض كتبهم فليقولوا ما يشاءون لكن المهم والثابت أن هناك دين واحد من عهد آدم u إلى أن تقوم الساعة. وهؤلاء كتبوا أسماء أشخاص على كتبهم منها إنجيل لوقا وإنجيل يوحنا وغيره. والدين هو الشرع كما قلنا من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة (إن الدين عند الله الإسلام) والنصرانية واليهودية هي ديانات دينها الإسلام فلمّا أراد تعالى أن يختم الديانات على الأرض سمّى الديانة الأخيرة باسم الشرع العام :الإسلام والشرع الإسلام وهذا هو مضمون قوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) ومضمون قوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران ) كلٌ في زمانه له ديانته في عهد موسى التوراة وفي عهد عيسى الإنجيل وفي عهد محمد القرآن أما الدين فهو واحد لأن الله واحد ومن الخطورة بمكان قول الأديان السماوية وإنما يجب قول الديانات أو الرسالات السمواية فإن قال أحدهم أديان نقول له لن تكون سماوية لأن الدين السماوي هو واحد وهو الإسلام.هناك إله واحد فهو دين واحد لا أديان لأننا أحياناً نردد هذا اللفظ بدون أن نعلم أنها تعني أكثر من إله. إذن نقول باختصار الدين واحد وهو شرع الله تعالى والديانات تتعدد وهذا من حكمة الله تعالى.
نعود للسؤال لماذا لم يأتي بعد محمد؟ قلنا لأنه العاقب أي لا يعقبه نبي ثم لأن هذه الأمة هي خير أمة وأفرادها سيحملون الدعوة إلى يوم القيامة وهذه الأمة ليس فيها أمراض الأمم السابقة وعظمة الأمة هي في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) و(لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) وقوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، آية 143 البقرة ) ولا يصلح لكم شهيد إلا محمد r. وعلى كل مسلم أن يدعو إلى الله ونكرر القول أن هناك دين واحد لكن هناك ديانات سماوية كثيرة وقلنا أن الله تعالى أرسل 124 ألف نبي و313 رسول منهم خمسة من أولي العزم على رأسهم محمد r. وهذه الأمة هي أمة وسط بين الإفراط والتفريط فهناك أمم قالت لا إله (الذين ينكرون وجود الله تعالى) وأمم عدّدت الآلهة (من قال ثلاثة أو جعلوا آلهة غير الله) فجاءت أمة الإسلام لتقول لا إله إلا الله فهذه هي الوسط بين من أنكروا ومن عددوا. والفرق بين النبوءة والرسالة ان النبوءة قد تكون محدودة ولا تخرج بكتاب أما الرسالة فهي التي تحمل كتاب ومنهج.
ولقد جاء القرآن ليهيمن على كل الكتب السابقة ولا يوجد كتاب آخر يشرح كما يشرح القرآن ففي سورة يوسف قوله تعالى (إذ قال يوسف) بمعنى اذكر يا محمد إذا قال يوسف ومحمد لم يكن موجوداً في تلك الفترة ثم يحكي لنا القصة كاملة كأننا عاينّا القصة والوصف يأتي في القرآن سماعياً (إذ قال يوسف لأبيه) وقد يكون رؤية (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) كأنك نرى ما حصل، ولا يوجد على الإطلاق كتاب عرض العرض الذي جاء في القرآن وأعجب ممن يطلقون الألقاب على الناس فهذا رائد القصة القصيرة أو المفصّلة ولا أحد منهم يمكنه أن يجاري الوصف في القرآن أبدا، فالقرآن هو رائد كل القصص والأدلة في القرآن كثيرة ولننظر مثلاً إلى قصة العُزير في سورة البقرة آية واحدة شرحت القصة بكل صورها وتفاصيلها.
ونعيد شرح الفرق بين الكتاب والقرآن فنقول أن القرآن هو ما نزل منجّماً على الرسول r أما الكتاب فهو ما جمع القرآن (الم لك الكتاب لا ريب فيه، البقرة) يعني الكتاب كله. لمّا اكتمل القرآن صار كتاباً بدليل قوله تعالى (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون، الواقعة) وكثيرون يقولون أن القرآن هو الكتاب وغاي عن بالهم هذه الآية في سورة الواقعة فاقرآن غير الكتاب.
سؤال: نلاحظ أن هناك هجمة مركزة على الإسلام والمسلمين وهناك من يتطاول على الرسول r وعلى القرآن وهم من غير المسلمين ويقولون أن هناك تعارض بين القرآن والأحاديث ويفسرون القرآن بالأحاديث غير الصحيحة وما شابه، وكذلك انتشرت هذه الهجمة عبر مواقع على الإنترنت تتسمّى بأسماء إسلامية حتى تؤثر علينا وعلى شبابنا فما يتوجب علينا نحن المسلمون فعله حتى نكون سفراء للإسلام ونرد على مثل هذه الهجمات؟
لقد ردّ القرآن عليهم جميعاً (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) النحل) وأهل الذكر هم أهل الكتاب فالقرآن يشرحه أهله. وقد وضع الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. وأنا أقول أنه لا يوجد تعارض في القرآن أو تعارض بين القرآن والحديث لا الصحيح ولا الضعيف فالحلال بيّن والحرام بيّن. وهؤلاء سيهاجموا في كل حال والإيمان والعقيدة في قلب كل إنسان تردّ وإذا كان هناك أمور أخرى فيجب إرسالها إلى أهل العلم والدعاة وهم ولله الحمد كُثُر كل حسب اختصاصه. وإذا استقرت الأمة على العمل والبحث الدؤوب في شرح القرآن وفهمه ستصل بإذن الله تعالى.
ويستطرد المقدم بطلب من الدكتور بتخصيص بعض الحلقات عن العقيدة وبعض الأشياء الشائعة مما يتقولون على القرآن والسنّة أو على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.
سؤال من المقدم: لم يخلق الله تعالى عبثاً ولم يكن اصطفاؤه للرسول r من فراغ. والرسول r كان فيه أربع صفات مميزة للشخصية المحمدية هي اليتم والأمية وكونه يرعى الغنم ويعمل بالتجارة وكونه الصادق الأمين حتى مع المشركين. فكيف نربط اليتم برعاية الغنم ثم الأمية والصدق والأمانة وما الحكمة في يُتمه مع أنها قد تولد بعض الإنكسار في النفس؟ وكيف يكون سيد الخلق أجمعين يتيماً؟
أولاً من هو تعريف اليتيم؟: يقال اليتيم في البشر من فقد أبوه حتى يبلغ، وفي البهائم والحيوانات تقال لمن فقد أمّه، وفي الطيور من فقد الإثنين.
ولماذا الأب في البشر؟ لأن الأب عليه الرعاية في البشر والتربية والقوامة، أما الذي فقد أُمّه فيقال له منقطع ولا نغفل عن جانب الأم في التربية. وكلمة الأب تطلق لغاية الجَدّ السابع. والرسول r لحظة او ساعة ولادته كان أبوه قد مات وحتى لا يُقال تولاّه أو تعهّد بتربيته ولو لاحظنا أن كل رجل يتدخّل في تربية الرسول r يموت :الأب ثم الجد حتى الأم أول ما أصبح لديه خمس أو ست سنوات توفّاها الله وحتى الذين تولوه في التربية مرضعة وزوجها(حليمة السعدية وزوجها) كان الزوج منشغل وهما ليسا من ذوي السلطان والجاه. وهذا كله ليصح قوله r "أدّبني ربي فأحسن تأديبي" فالذي ربّاه هو الله تعالى رب العالمين. وأُقيمت رسالته على ركنين اليتم والأمّية فلم يتولّى رعايته أي بشر وإنما تكفّله الله تعالى وليس لأي بشر دخل في تعليمه أيضاً.
وإذا بحثنا في القرآن كله لوجدنا أن كلمة يتيم بحق الرسول جاءت مرة واحدة في قوله تعالى في سورة الضحى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6)) أما الأمية فجاءت مرتين (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) الأعراف) و(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة).
وبالعودة إلى سورة الضحى وقوله تعالى فآوى بعد ألم يجدك يتيماً فيها لفتة هامة إلى أن الذي آواه هو الله تعالى وأقول أن هذه السورة ظُلمت كثيراً وما أخذت حقها في الشرح كما يجب . وهذه السورة نزلت بعدما انقطع الوحي أياماً عن الرسول r فقالت قريش إن رب محمد قد قلاه (وهم يعترفون أنه ربُّ محمد، وهذا دليل على أن الكفر في كل زمان لسان حاله ينطق بالإيمان) هو إذن لا شاعر ولا مجنون ولا يكذب لأنهم يقولون رب محمد، فنزلت الآيات رداً على كفار قريش بأن رب محمد لم يدعه كما ادّعوا. والتفسير كما ذكرت لم يكن منصفاً في تفسير قوله تعالى (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)) فقالوا أن معناها أن الدار الآخرة هي أفضل من الدنيا لكن كمسلم هل يُعقل أن نفهم من التفسير أن الرسول r لا يعلم بأن الآخرة خير من الدنيا!؟ وهذه نقطة لا يختلف عليها لأن بعض الكفار يعلمون أن الآخرة أفضل من الدنيت حسب مفهومهم هم فهذه الحقيقة لا تحتاج أن يُقسم الله تعالى عليها. التفسير يجب أن يرتبط بالآيات وقد أقسم تعالى في أول السورة بالضحى والليل إذا سجى وله أن يُقسم بما شاء كيف شاء وقت شاء أنّى شاء لأنه خالق كل شيء وعلينا نحن أن لا نقسم إلا بالله كما جاء في الحديث الشريف: " من كان حالفاً فليحلف بالله أو فليصمت" فالله تعالى يقسم بالضحى والليل وما سجى والمُقسَم عليه (ما ودعك ربك وما قلى) أي يا محمد اطمئن لم يدعك ربك ولم ينقطع القرآن ولآخر مرة يأتيك الوحي ستكون أفضل من السابقة عليها وهكذا. والأولى (السابقة) وليست الدنيا وهذه تستمر حتى تنزل الأخرى أي التالية. وقد جاء في القرآن (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) الأعلى) وطالما أنه ذكر في القرآن الصحف الأولى فلا بد أن تُذكر الثانية (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) عبس) بمعنى صحف تالية. وفي آيات سورة الضحى تفسير للقرآن بالقرآن ونلاحظ ترتيب الآيات في السورة فنجد أنه تعالى قال (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ومقوماتها (ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك ضالاًّ فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى) وطالما كنت يتيماً (فأما اليتيم فلا تقهر ) وما دمت كنت ضالاً (وأما السائل فلا تنهر) وطالما كنت عائلاً فأغنى ( وأما بنعمة ربك فحدّث) فكل من هذه تتبع واحدة مما سبق. وكل حكم تالي يترتب على المقومات بمعنى اهدي السائل كما هداك الله وآوي اليتيم كما آواك الله وكما وجدك عائلاً فأغنى فحدّث بنعمة ربك. فهذه السورة تحتاج إلى وقفة للتأمل. (انظر في صفحة لمسات بيانية في سورة الضحى ما قاله الدكتور فاضل السامرائي في هذه السورة). فكفانا فخراً وعزّاً لكل يتيم. وعندنا خطأ شائع أن اليتيم تطلق على الرجل وقد أصبح في الثلاثين لكن الحقيقة أنها تطلق على الصبي حتى يبلغ. وقلنا أن اليتيم جاءت في القرآن مرة وكان مداها عند الرسول r ثواني لأن الفاء في قوله تعالى (فآوى) تفيد أنه بمجرد أن وُجد يتيماً آواه الله تعالى. فهو يتيم من وجهة نظر الناس ويتمه كان ظاهرياً لأن الله تعالى آواه أول ما خُلق. فهذا التوصيف يحتاج إعادة نظر لأن محمد ما كان يتيماً وإنما هذا من وجهة نظر الناس فهم بمجرد أو خلقه يتيماً آواه الله تعالى. فهل نستطيع بعد هذا أن نقول أن محمداً كان يتيماً؟ في أقل من ثانية آواه الله تعالى.
أما الأميّة فهي تحتاج إلى محل نظر وتدقيق. فما معنى أن اليتم جاء مرة واحدة وأُلحقت بـ فآوى؟ أما الأمية فجاءت كما قلنا مرتين (الرسول النبي الأمي). والأمي ليس هو الذي لا يعرف القراءة والكتابة. في اللغة الأمي هو الذي لا يكتب فقط. وقد كان الرسول r نبيّاً أميّاُ لفترة طويلة ثم جاءه الملك الأمين فقال له إقرأ فقرأ لأن الكتابة مكتسبة أما القراءة فسليقة بدليل أن لو أحد حفظ القرآن وهو أُمّي أفضل لأنه ليس في دماغه شيء يشغله حتى المكفوفين عندما يحفظون القرآن ملكاتهم كلها تتركز على الحفظ وخير الحُفّاظ من المكفوفين. فالأمية ليس لها علاقة بالقراءة لكن لها علاقة بالكتابة.
سؤال: هل نفهم من كلمة إقرأ أنه من الممكن أن تكون القراءة هي الإستقراء لآيات الله تعالى في الكون؟ استمد المفسرون هذا المعنى من قوله تعالى (الذي خلق) في الآية (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)). فهذه الآية هي الركن الركين في تفسير وفهم القرآن كله ويجب أن تُشرح شرحاً وافياً مستفيضا حتى نفهم القرآن جيداً. فكلمة اقرأ ساعة قالها الملك هل فهمناها تعلّم؟ أو تدبّر؟ أو اقرأ القرآن؟ أو خذ القرآن؟ كلها آراء لكن لما نسمع قوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق) نقول كيف يقال كلمة علق لرجل أمّي، ثم قوله تعالى (علّم بالقلم) (هذه مناط الأمية) هذا الأمي سيقود سفينة العالم الحائرة إلى شاطئ الله ويحوّل رعاة الغنم إلى سادة الأمة.نحتاج لوقفة طويلة في قول الملك اقرأ وقول الرسول r ما أنا بقارئ أو ماذا أقرأ هذه الكلمة أول ما جاء من الوحي فهذه هي النبوءة والرسالة بدأت في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)).
والأمي الذي لا يكتب. لماذا؟ حتى في قصة موسى وهو النبي ومعه رسالة لما قابل العبد الصالح (والثابت أنه من بني إسرائيل) طلب منه أن يعلمه مما عُلّم (أن تعلمني مما عُلّمت) ولم يستطع صبراً عليه.، وعيسى وغيره فكلهم بشر علّمهم بشر أما محمد r فأوّل من علّمه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) النجم) وهذا شرف الأمية عنده أنه r ما تعلّم على يد بشر ,إنما علّمه ناقل الوحي وأمينه جبريل u. وكتاب محمد r في التعليم هو القرآن. فالأمية عندنا نحن سُبّة وعند محمد r شرف لأنه تعلّم أول ما تعلّم علّمه شديد القوى عندما يقول "أدبني ربي فأحسن تأديبي" وكما أن اليتم شرف وما أخذ اليتم وقتاً عنده لأن ربه آواه مباشرة (فآوى) . نأخذ مثالاً إذا كان معنا ثلاثة أوراق إحداها بيضاء والثانية كُتب عليها بالرصاص والثالثة كُتب عليها بالحبر فإذا أردنا أن تكتب على إداها فأيها أسهل؟ بالطبع الكتابة على الورقة البيضاء وهكذا هي الأمية عند محمد. فالأمية شرف له لأنه تعلّم أول ما تعلم من جبريل الذي ذكر الله تعالى في صفاته الآيات في قوله (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) النجم).
وفي خلال الحلقة شارك الشيخ عبد الله السعدي بمناجاة ودعاء إضافة إلى التلاوة المباركة في بداية الحلقة:
مناجاة: سبحان من خلق الخلق وأحصاهم عددا، سبحان من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، سبحان من عمّ بمعروفه الجميع ولم يترك أحدا، سبحان الواحد الأحد، سبحان الفرد الصمد، سبحان ربنا جلّ وعلا لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، يا غفّار بنورك اهتدينا وبفضلك استغنينا وبنعمتك أصبحنا وأمسينا، ذنوبنا بين يديك نستغفرك اللهم منها ونتوب إليك، تتحبب إلينا بالنِّعم ونعارضك بالذنوب، يا سند من لا سند له، يا عماد من لا عماد له، يا دليل من لا دليل له، يا فخر من لا فخر له، يا غياث من لا غياث له، يا غُنية من لا غُنية له، يا كنز الفقراء، يا حرز الضعفاء، يا أمان الخائفين، وفّق عبادك لما فيه تُقاك برحمتك وقدرتك وعظمتك يا ذا الجلال والإكرام.
دعاء: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيّوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيّون حق ومحمد r حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنك تبعث من في القبور، اللهم صلّ على سيدنا محمد كان مولده ربيعا ولربّه مطيعا وللقرآن سميعا وللفصاحة ضليعا وبين الناس بليغا، اللهم صل على سيدنا محمد خير الناس وأجودهم، في الصدق والصدقات أسرعهم، أبرّ اليتامى والمساكين وأكرمهم، وكسى العُراة والفقراء وأسعدهم، اللهم صل على نبيّنا محمد خير من تعلّم وعلّم وأفصح من تحدّث وتكلّم، جاء بالطيبات وللخبائث حرّم، جاء للرسل مسك الختام، نزلت عليه آيات الأحكام العظام، هو الشفيع يوم تزول الأقدام، إذا نامت عيناه فقلبه لا ينام، أضاء الدنيا بنور الإسلام وهو الشفيع يوم الزحام. اللهم إنا ندعوك بلسان قد أخرصه ذنبه وبقلب قد أوبقه جُرمه، اللهم حقق رجاءنا واسمع دعاءنا، يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج، يا حبيب من تحبّب إليه ويا قرة عين من لاذ به وانقطع إليه، أنت المحسن ونحن المسيئون فتجاوز يا رب عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك، يا غفّار بنورك اهتدينا وبفضلك استغنينا اللهم فاقبل توبتنا وامحو حوبتنا واغفر زلتنا واستر عيوبنا واجمع على الهدى شؤوننا، اشف مرضانا وارحم موتانا وأهلك أعداءنا وانصرنا على عدوك وعدونا، يا كبيراً فوق كل كبير صلّ على البشير النذير وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغُرّ الميامين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وسلّم تسليماً كثيرا.

بُثّت الحلقة بتاريخ 9/5/2004م



_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:47 pm


حلقة خاصة بمناسبة ذكرى مولد الرسول r
ضيوف الحلقة: الدكتور محمد هداية، الشيخ عبد الله السعدي والشيخ عمرو عطية.
اقتتحت الحلقة بتلاوة عطرة من آي الذكر الحكيم تلاها الشيخ عبد الله السعدي مما تيسر له من سورة الأعراف (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)) وآيات مباركة من سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3))
بدأت الحلقة بتنويه من المقدم بعائلة كريمة أصابها الله تعالى بابتلاء فتوفيت ابنتهم الشابة البالغة من العمر 17 سنة في حادث سيارة وأخوها يرقد في العناية المركزة في مستشفى واتصلت الوالدة في بداية الحلقة وتحدثت مع الدكتور محمد هداية حول ما تسطيع أن تفعله لأجل ابنتها المتوفاة وابنها في المستشفى وطلبت منه ومن المسلمين الدعء لابنها بالشفاء العاجل. وأجاب الدكتور وسأل الله تعالى المغفرة والرحمة للفتاة المتوفاة وذكر أهلها بالدعاء لها واثقين أنه سبحانه سيغفر لها وذكّرهم بالحديث القدسي (ثبضتم ولد عبدي) وأن الله تعالى يبني لهم بيتاً في الجنة إن حمدوا الله تعالى وصبروا على المصيبة. وذكّرهم بأن هذه الفتاة مكتوب عند الله تعالى قبل ملادتها أن تموت هكذا ولا نملك إلا الصبر والإسترجاع وبالنسبة للإبن المصاب نسأل الله تعالى رب العرض العظيم أن يشفيه شفاء عاجلاً غير آجل.
ثم دعا الشيخ عبد السعدي بهذا الدعاء: اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله إليك يرجع الأمر كله علانيته وسرّه فأهل أنت أن تُحمد وأهل أنت أن تُعبد وأنت على كل شيء قدير، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم اجعل شفاءه والمسلمين سهلاً ميسورا. اللهم عجّل بشفائه وشفاء مرضى المسلمين. اللهم إنا نسألك قلوباً أوّابة لا شاكّة ولا مرتابة. اللهم أسعدنا يتقواك واجعلنا نخشاك كأنا نراك، يا شافي كل مريض اشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك وقدرتك وعظمتك يا أكرم الأكرمين.
نستأنف الحديث عن موضوع الحلقتين السابقتين بمناسبة المولد النبوي الشريف. وقلنا سابقاً أن الرسول r خصّه الله تعالى بأمور كانت من أركان رسالته وهي يتمه، أميته، كونه راعياً للغنم، عمله بالتجارة وكونه صادقاً أميناً. ونعود للقول عن معنى كلمة يتيم وأمّي. وسألنا من هو اليتيم؟ وقلنا من يقول أن محمداً r يتيم على إطلاق اللفظ لا يكون قوله صحيحاً بعد استتباب الأمر في سورة الضحى حيث قال تعالى (ألم يجدك يتيماً فآوى) ونقول أن الرسول r وُلد يتيماً لأن أبوه كان قد مات وأمه حامل به ثم لو تدبرنا قوله تعالى (ألم يجدك يتيماً فآوى) نعلم أن الله تعالى هو الذي آواه فهل نقول بعدها أنه r كان يتيماً؟ صحيح أنه يتيم الأب لكن هذا اليتم لم يأخذ من الرسول r شيئاً لأن الله تعالى آواه فشرف له r أن آواه الله تعالى وشرف لكل يتيم أن محمداً r كان يتيماً. وعندما نسمع القرآن ونسمع وصايا الرسول r باليتيم كالحديث :" أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار إلى إصبعيه يتحقق قول الحق تبارك وتعالى (ألم يجدك يتيماً فآوى، فأما اليتيم فلا تقهر) وما قال الرسول r هذا الحديث إلا لأنه فهم قول الحق تبارك وتعالى (ألم يجدك يتيماً فآوى)(فأما اليتيم فلا تقهر). وهذه السورة فيها أكثر من اتجاه ويجب أن نفهم القرآن على مراد الله تعالى فيها ومعظم مشاكلنا أننا عندنا القرآن ولكن اتخذناه مهجورا وهذا ما اشتكانا الرسول r فيه (إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا). فحمد r هو اليتيم الذي آواه الله تعالى وهو الأمي الذي علّمه الله تعالى فالأميّة عارٌ على أي رجل بعد محمد أما في محمد r فكانت لزاماً حتى يتلقى الكتاب من ربه وقلنا في الحلقة السابقة عن مثال الورقات الثلاثة واحدة بيضاء وواحدة مكتوب عليها بالرصاص وأخرى مكتوب عليها بالحبر وقلنا أن أسهل واحدة لندوّن عليها هي البيضاء أما التي كُتب عليها بالرصاص فهي مثل رجل تعلّم على يد معلّم ضعيف فسهل أن نمسح ما تعلمه الرجل منه تماماً كما نقولها في حياتنا اليومية (امسح كل ما تعرفه عن هذا الموضوع ولنبدأ من جديد) وللأميّة ضرورة في حالة الرسول r.
تلا الشيخ عبد الله السعدي آيات سورة الضحى. عقّب المقدم بسؤال عن دلالة استعمال القهر مع اليتيم والنهر مع السائل في سورة الضحى.
هذه السورة أرجو أن تستقر في أذهان كل مسلم عن الرسول r فهي تحكي لنا عن فترة معاناة عند الرسول r وهي فترة انقطاع الوحي عنه الذي دام بين عشرة وخمسة عشر يوماً ويُقال أن السبب أنه r سٌئل عن مسألة فقال للسائل سأخبرك به غداً ولم يقل إن شاء الله ثم نزلت الآية من سورة الكهف (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)). وخلال انقطاع الوحي كان كفار قريش يؤذون الرسول r ويقولون إن رب محمد قلاه أو شيطانه هجره وغيره فتألم الرسول r من انقطاع الوحي كثيراً.
ونلتفت إلى القسم في سورة الضحى وقلنا أن لله تعالى أن يُقسم بما شاء أنّى شاء كيف شاء لأنه هو سبحانه خالق كل شيء أما نخن فليس لنا أن نقسم إلا بالله كما في نص الحديث عن رسول الله r: " من كان حالفاً فليحلف بالله أو فليصمت) ونحن نجد في القرآن الكريم جمالاً وروعة في القسم فالله تعالى يقسم بأمور معينة على أمور معينة كما في سورة النجم، والطور وسورة الضحى وغيرها الكثير. لكننا نحتاج لأن نتدبر لماذا هذا القسم ولو قرأنا القرآن الكريم بعناية الباحث نجد مثلاً أنه في سورة النجم آياتها تزكيات للرسول r من بداية السورة إلى قوله تعالى (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) في العروج إلى السماء ونجد أن الله تبارك وتعالى صرّح بحادثة الإسراء في سورة الإسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) ولم يصرح بالعروج عندما تحدث عن رحلة السماء ولم يقل عرج بنبيّه كما قال في الإسراء وهذا لأن العروج حدث في السماء أما الإسراء فحدث على الأرض ولمّا كلمهم الرسول r عن بيت المقدس قالوا له صفه لنا فمن كان سيقول له صف لنا السماء؟ فما حدث التزاماً حكاه القرآن التزاماً وهذه قمة الإيمان بالغيب وهذا ما فعله الصدّيق أبو بكر وهذا ما خاطب به الله تعالى فس أوائل سورة البقرة (الذين يؤمنون بالغيب). وكما قلنا حادثة الإسراء حدثت على الأرض أما العروج فحدثت في السماء والقسم في سورة النجم (والنجم) والنجم مكانه في السماء فإن آمنت بالنجم غيباً عن الله فآمن بالعروج غيباً عن الله (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) وتكلم عن سدرة المنتهى (إذ يغشى السدرة ما يغشى). التزام على التزام فالعروج كله مكانه السماء فليس عبثاً أن يُقسم الله تبارك وتعالى بالنجم (والنجم).
وفي سورة التين(والتين والزيتون وطور شنين وهذا البلد الأمين* لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) لم يقل تعالى خلقنا المؤمنين وإنما قال الإنسان ونسأل لماذا أقسم تعالى بالتين والزيتون والطور والبلد الأمين؟ وأي إنسان مقصود في الآية؟ ونحن عدما نسمع هذه الآية عادة ما يذهب تفكسرنا إلى آدم أول إنسان والتين إشارة إلى آدم لأنها الشجرة التي خصف من أوراقها ليواري هو وحواء سوءاتهما بعدما أكلا من الشجرة. والزيتون إشارة إلى نوح u لأنه أول ما رأى بعد الطوفان شجرة الزيتون، وطور سنين إشارة إلى موسى وعيسى عليهما السلام فالطور هو الجبل الذي كلّم الله تعالى عليه موسى r وفيه إشارة إلى تلك الحقبة بين موسى وعيسى عليهما السلام. وهذا البلد الأمين إشارة إلى ابراهيم ومحمد r وعليه فإن القسم بهذه الأمور فيه إشارة إلى الخمسة من أولي العزم من النبيين مع آدم uوهم ممثلين لكل الأنبياء من آدم u إلى أن تقوم الساعة. وكأن الله تعالى يقسم بهؤلاء الأنبياء جميعاً على أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم. فالقسم ليس عبثاً في القرآن وإنما لكل قسم حكمة من الله تعالى.
وقد أنقذنا الله تعالى بكتابه من بعض المعارضين الذين يقولون ما داعي لنفي القسم كما جاء في قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم)؟ نقول لهم أن الجواب جاء في القرآن نفسه في الآية التي تلت هذه الآية بقوله تعالى (وإنه لقسم لوتعلمون عظيم) فالقسم المنفي هو قسم لكن نسأل ما فائدته؟ نحن نقسم بمثل هذا القسم كل يوم فنقول مثلاً "والله ولا لك علي يمين" ولو تتبعنا القسم المنفي في القرآن نجد أ الله تعالى يستعمله في القسم على أشياء ما كانت تحتاج إلى قسم أصلاً كما جاء في الآية التي هي موضع السؤال فالله تعالى يُقسم على (إنه لقرآن كريم في لوح محفوظ) وكأن هذا الأمر يجب أن يكون واضحاً بيّناً ولا يحتاج إل قسم أما القسم المُثبت فيستعمل في الأمور التي تحتاج إلى قسم.
وفي سورة الضحى(والضحى* والليل إذا سجى* ما ودعك ربك وما قلى) عندما ننظر إلى القسم فيها نجد أن الضحى ساعة من ساعات النهار والليل ساعات كثيرة فإن القسم بساعة من ساعات النهار مع الليل كله (يبدأ من المغرب إلى أول ساعات النهار ) فالليل عدة ساعات والنهار ساعة واحدة والمُقسم عليه (ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من الأولى) وهذا ليطمئن وجدان وقلب الرسول r، فإذا نظرنا إلى الضحى والليل نجد أن الضحى ساعة مقابل ساعات الليل العديدة وكأن محمد r نجم وسط مجموعة الأنبياء والمرسلين وهو وحده مجموعة. وما المقصود بالليل إذا سجى؟ هل الليل هو الذي يسجي أو الناس التي تسجي؟ فكأن الناس تسكن لا الليل. ومن الإبداع اللغوي قبل أن نقرأ الآية (ما ودعك ربك وما قلى) أن نأخذ وقع هذا القسم على الرسول r وكونه r نبي واحد لنا هو شرف لنا لأنه سبق أن قلنا أن كثرة الأنبياء في أمة لا تدل على شرف هذه الأمة. فكل هذا المدح ولمديح للرسول r يصف أنه نبي هذه الأمة.
نعود إلى كونه r يتيماً وقوله تعالى (فآوى) وبعد هذا لا نستطيع أن نقول أن محمداً r كان يتيماً ولننظر إلى محمد r كلما جاء رجل يتولاه بالرعاية يموت: مات أبوه وهو لم يولد بعد ثم جده عبد المطلب حتى لا يُقال أنه r أخذ من رجال قومه الذكاء والفصاحة وإنما ليصدق قوله (أدبني ربي فأحسن تأديبي). حتى الأم التي تؤثر في التربية في سن الطفولة لمّا عاد من عند حليمة ماتت. وعليه نقول أن اليتم ليس له وقع عند الرسول r لأن اليتيم يحتاج للأمة لتعطف عليه أما محمد r فالذي آواه وربّاه هو الله تبارك وتعالى.
(ووجدك ضالاً فهدى) هذه الآية تحتاج إلى وقفة أيضاً لأن الكثيرين يتساءلون عن معنى الضلالة هنا. ونقول في قصة ابراهيم u عندما خرج يبحث عن الإله الحق قبل أن يعرّفه الله تعالى نفسه (uوَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) الأنعام) لجأ إلى التفكر في السماء فرأى النجم فقال (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)) فلما أفل النجم قال ابراهيم بفطرته السليمة إن الذي تغيّر بحاجة إلى مُغيّر فالذي يُغيّر أولى بالعبادة ثم رأى القمر فقال مثلما قال في النجم (nفَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي) ثم قال (قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)) ثم رأى الشمس فقال (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)) ثم قال: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)) الضالين هنا ليست بمعنى الضلال أي الشرك ولكن بمعنى الضالّ في البحث عن الله. ونذكّر بأن الرسول r عندما جاءه الوحي أول مرة كان في غار حراء يبحث عن الله تعالى ويتحنّث وهنا يجب التنبيه على أن لا نقول كان يتعبّد لأن هذه الكلمة لا تصح وقد يُفهم منها أننا نتهمه r بأنه كان عنده دين يتعبّد به وهذا لا يصح، إنما الرسول r كلن يبحث بفطرته السليمة عن الإله الحق وكان يتفكّر ويتحنّث ويتدبر في أمر هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولهذا قال تعالى ووجدك ضالاً فهدى بمعنى ضالاً تبحث عن الله الإله الحقّ وليس ضلال شرك. ولهذا جاء القسم في سورة التين (وهذا البلد الأمين) إشارة إلى ابراهيم بإسلامه ومحمد r الذي خرج للتدبر والبحث (في غار حراء) كما خرج إبراهيم u.
ووجدك عائلاً فأغنى: هذه جزئية خطيرة لأن معظم الناس يقولون أن محمداً r كان فقيراً وهل يُقال لمن أغناه اللع فقيراً؟ وكأننا بهذا القول نفعل ما فعل المشركون والكفار عندما أرادوا نبياً غنياً. وهنا لا بد من العودة إلى معنى كلمة غني ونعرّفها من القاموس ولنسمع قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) فاطر) فالغني هو الله تعالى. والناس عادة ما يطلقون كلمة غني على من عنده نقود (ولا نقول من عنده مال لأن المال هو كل ما يملك الإنسان كما في الحديث الشريف :" أنت ومالك لأبيك") لكن الأصل أن تُطلق كلمة ثري على من عنده نقود والغني هو واحد هو الله تعالى والكل فقير إليه. ومن رحمة الله تعالى وبركاته أن كلمة فقير ليست مطلقة في القرآن وقد جاء في قوله تعالى (أنتم الفقراء إلى الله) أي نحن فقراء إلى الله لا لأحد من الخلق، وموسى u قال (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص) هو فقير للخير الذي جاءه من الله تعالى. وكل إنسان فقير في وقت ما ونضرب مثلاً على هذا ما تفضل به الشيخ الشعراوي رحمه الله عن صاحب أحد القصور الفارهة أراد أن يدخله فوجد خللاً في المجاري ولم يستطع الدخول إلا بعد أن استدعى السّباك ليصلح العطل فهذا الثري صاحب القصر في تلك اللحظة كان فقيراً غلى ذلك العامل الذي أصلح العطل. وصدق الله تعالى في قوله (أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) وعلينا التنبّه إلى أن إطلاق كلمة الغني لا تكون إلا لله تعالى.
ومحمد r أعجب خديجة رضي الله عنها لأنه كان تاجراً ماهراً وكان يكسب في مالها أضعاف ما يكسبه غيره لكنه r تزهّد فأنفق ماله في الخير بدليل ما قالته له خديجة بعدما نزل عليه الوحي وكان خائفاً ( إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتكسب المعدوم...) وهذا كله يحتاج إلى انفاق مال ولهذا لم يظهر عليه الثراء. وفي رواية أنه r ذهب إلى أبي الدراداء فوجده جالساً على الأرض وكان قد أنفق على عشرين فقيراً قبل فسأله r أين متاعك يا أبا الدراداء فقال إن لي داراً أرسل إليها متاعاً أول بأول. فكيف نقول على من أغناه الله تعالى أنه فقير؟
ثم أن هذه الأمور الثلاثة في الرسول r (اليتم والأمية والهداية) (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)) ترتبت عليها أوامر من الله تعالى لمحمد r وأمته من بعده: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)) وهذه أوامر للأمة كلها بعدم قهر اليتيم ونهر السائل والتحدّث بنعمة الله تعالى .
أما موضوع الأمية فقد كانت لزاماً للرسول r وهذه عدالة السماء (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) العنكبوت) لم يدعه ربه هكذا حتى لا يشك فيه أحد هو لم يكن شاعراً وقاول عنه شاعر . قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) وهذه الآية عن أمة محمد r ويصدّق قوله تعالى قول الرسول r في الحديث:" إنما بُعثت في أمة أمية" وأنا أرى أن الأمية في الأمة يجب أن نبقى أميين في كتاب الله وأمام القرآن ولا نتصرف على أنه من الممكن أن نقول أنه يمكن استبدال هذه الكلمة مكان تلك لأن الكلمة في القرآن عاشقة لمكانها ومكانها عاشق لها عشقاً أبدياً. فإذا أخذنا كلمة الروح مثلاً كما ذكرنا في حلقات سابقة نجد أن لها ستة معاني في القرآن كل واحد يختلف عن الآخر. إذن أمية الأمة يجب أن تبقى أمام النص القرآني لذا صدق الله تعالى في قوله (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم).
وسألنا سابقاً من هو الأمي؟ وقلنا ان من يقول هو الذي لايقرأ ولا يكتب خاطئ. لأن الأمي هو الذي لا يكتب بدليل أن أول كلمة نزلت من السماء (إقرأ) ولا يجب أن نأخذ القرآن مهجورا، وإنما علينا أن نفتح آذان القلوب ونبتعد عن التزمت بأقوال السابقين فما الفرق بين من دخل المكتبة من 500 عام وبين من دخلها اليوم؟ لا فرق لأن أمهات الكتب واحدة وللأسف نحن عشنا عالة على أهل السلف وسنُسأل يوم القيامة عما فعلناه فيما تركه الرسول r وآن الأوان لأن نصحح ونعمل لأنه لا يوجد جديد في التفسير منذ 500 عام!.
ما معنى "إقرأ، ما أنا بقارئ"؟ ما أنا بقارئ لشيء من عندي وإنما أنتظر الرسالة. ونحن نعاني من هذا الأمر فتجد الخطباء على المنابر يقولون إقرأ ما أنا بقارئ فيصفق الناس ويكبرون ويهللون. والحديث الصحيح جاء فيه رد الرسول r على جبريل (ماذا أقرأ؟) وأطرح سؤالاً هنا على المحققين هو لماذا لم يذكر الله تعالى لنا الحوار الذي دار بين محمد r وبين جبريل في حين ذكر في القرآن كل الحوارات بين الأنبياء والملائكة (الحوار بين ابراهيم والملائكة وبين لوط والملائكة وغيرهم) لأنه ساعة قال له إقرأ وقال محمد r ماذا أقرأ وعرض له القرآن قرأ. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد. ويا ليتنا في احتفالنا بالرسول r نعرف من هو فعلاً هذا الرجل الذي سيأتي يوم القيامة يقول أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا الشافع فلا فخر وأنا المشفّع فلا فخر. وأعود وأكرر ما ذكرته في اللقاء السابق من ضرورة التحقق من أسماء الرسول r وأنه علينا أن نأخذها منه r فقال: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر وأنا العاقب فلا معقب بعدي. وله r صفات عديدة منها المصطفى، القرشي، وغيرها وأما أبا القاسم فهي كنيته وقد قال r (تسموا باسمائي ولا تكنّوا بكنيتي). أما طه ويس فليسا من أسمائه r وإنما هي من الحروف المقطعة التي وردت في أوائل بعض سور القرآن الكريم. وذكرنا في الحلقة السابقة أن أسماءه r واضحة قبل ولادته بدليل بشارة عيسى u به وقلنا أن استخدام كلمة أحمد في بشارة عيسى لأن إسم محمد اسم مفعول لا يطلق إلا على موجود وإنما جاءت بشارة عيسى بإسم أحمد لأنه يتناسب مع زمن المتكلم ومعناه مبشراً برسول يأتي من بعد أحمد مني لرب الناس فإذا ولد الأحمد فهو محمد وإذا أداه على الوجه الصحيح فهو محمود المنقلب يوم القيامة. وكثرة الأسماء تدل على شرف المُسمّى r.
ننتقل إلى موضوع الشفاعة والحوض والكوثر وماذا نقعل نحن أمة الإسلام لنستحق شفاعة الرسول r؟
قبل الإجابة تلا الشيخ عمرو عطية آيات بينات من كتاب الله الكريم (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة) و (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) الأحقاف) و (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) الجن) و (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) مريم) و (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) طه)
من الموضوعات الني يجب أن نتلقاها بوعي المسلم المؤمن هو موضوع الشفاعة الذي صار فيه خلافات كثيرة منذ عهد الرسول r إلى يومنا هذا لأن الشفاعة ما فُهمت على مضمون معناها في القرآن أبداً ولو فُهمت ما حدثت الخلافات لكن هذه الخلافات حدثت من زمن الإمام علي والحسن البصري والمعتزلة وهذه الخلافات لها رصيد في واقع فساد العقيدة. وأنا شخصياً أشهد حين تكلم الدكتور مصطفى محمود على الشفاعة ورفع أحاديث الشفاعة الصحيحة وأشهد أمام الله تعالى على ما قام به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي لأنه إبان هذ الواقعة كان من الذكاء والإيمان بمكان حسم الخلاف ورفض ما جاء به الدكتور لكنه كان معه في طريقة عرضه وقال أنه لم يفعل ذلك إلا لأنه رأى الناس تمادوا في المعاصي متكلين على الشفاعة. والقضية هنا ما هي الشفاعة؟
الرجل يزني وإذا أردت أن تكلمه عن الزنى قال الشفاعة وكذلك السارق وكل الأمور التي فيها حد من حدود الله تعالى فإذا كانت القضية غير مفهومة سيقع علينا عبء كبير فلا نيسّر الأمور للناس فيكونوا في النار . والتيسير أيضاً يجب أن يُفهم صحيح معناه وصحيح أن الرسول r كان إذا خُيّر بين أمرين اختار أيسرهما وهذا معناه أن r كان يختار الأيسر في العمل الذي يدفعنا دفعاً إلى الجنة. حينما أمرنا بصلاة الصبح في المساجد هل نام هو r ؟ وحين كلّفنا بالصيام ورخّص للمريض والمسافر (هذه حالة خاصة في بداية التكليف) لأننا لو قرأنا الآية جيداُ نجد فيها قوله تعالى (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة) مع الترخيص فالرخصة موجودة ومعها يقول تعالى فمن تطوع خيراً فهو خير له وعلينا أن نفهم الرخصة والتكليف والشفاعة. حينما رخّص في التكليف وتكلم عن شهر رمضان قال تعالى (فليصمه) وقال في الرخصة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) البقرة) لمّا أراد اليسر رفع الرخصة التي سبقت للمريض والمسافر بمعنى أنه لما أراد الله تعالى بنا اليسر كلّفنا حتى ننال الأجر.
نعود إلى الشفاعة وأقول أن الشفاعة موجودة من عهد آدم والشفعاء كثر وعلى رأسهم رسول الله r. وكلمة الشفاعة جاءت من شفع كما في قوله تعالى (والفجر* وليال عشر* والشفع والوتر*) سورة الفجر، فالشفع أصل كلمة الوتر ونقيضها الوتر (واحد) ولنضرب مثالاً على هذا فأقول لو أن أحدنا ذهب إلى صاحب الدين وحده وليس معه الدين ليدفعه ماذا يفعل معه صاحب الدين؟ يطرده بلا شك ولتفادي هذا يأخذ معه شفيع (أي شخصاً يجعل الوتر شفعاً) حتى يشفع له عند صاحب الدين بتمديد مدة السداد. والشفاعة تستلزم الأتي: شافعاً ومشفوعاً له ومشفوعاً عنده ومشفوعاً فيه. وعندما نتحدث عن الشفاعة في الدنيا نفرضها بمبدأ الدين أما الشفاعة في الآخرة فتختلف عن شفاعة الدنيا في رحمة المشفوع عنده وهو الله سبحانه وتعالى والأعمال شافعة والقرآن شافع والصيام شافع كما جاء في الأحاديث عنه r "القرآن يشفع لصاحبه يقول منعته النوم بالليل فشفّعني فيه والصيام يقول منعته الطعام والكلام والعبث فشفعني فيه فيشفعان". ومن المهم جداً أن نفهم أن الشفاعة ليست لواني أو سارق ولو كانت موجودة لا ننكر أن الرسول r يشفع لهؤلاء لكن قبل هذه الشفاعة هناك شفاعة عظمى وهي شفاعة الرسول r للعالين أن يبدأ الحساب لأن الموقف أصعب من أن نفهم فيجب علينا أن نستوعب هذا الأمر لأنه جد خطير. وأسأل الله تعالى لمن أراد أن يأخذ بيد الأمة أن يلهمه الصواب ويجعله على ما أراد.
وفي ختام الحلقة دعا الشيخ عمرو عطية بهذا الدعاء الطيّب:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي أرسل إلينا رسولنا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، الحمد لله الذي أرسل إلينا رسوله شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ونبيك محمد النبي الأمي ععد ما أحاظ به علمك وخطّ به قلمك وأحصاه كتابك، اللهم صل وسلم عل عبدك ورسولك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد. نشهد يا ربنا أن نبينا محمد قد بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وكشقت به يا ربنا عنا الغمّة اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن رسالته. اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، اللهم لا تحرمنا شفاعته واجمعنا معه في الفردوس الأعلى يا رب العالمين وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.

بُثّت الحلقة بتاريخ 16/5/2004م






_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:48 pm

--------------------------------------------------------------------------------


حلقة خاصة بمناسبة ذكرى مولد الرسول r (4)الشفاعة
ضيوف الحلقة: الدكتور محمد هداية، الشيخ عبد الله السعدي والطفل عبد الرحمن الشريف، طفل شيشاني في الثامنة من عمره يحفظ 25 جزءاً من القرآن الكريم.
افتتح الشيخ عبد الله السعدي الحلقة بتلاوة مباركة من سورة الأعراف (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)) وسورة طه (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)) وسورة النجم (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32))
ثم أعلن المقدم عن العمل على ترجمة حلقات البرنامج المكتوبة إلى اللغات الأجنبية المتعددة بما فيها اللغة العبرية ونحن الآن بصدد الترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية وستكون الحلقات جاهزة قريباً جداً إن شاء الله كما شكر المقدّم الإخوة والأخوات الذين تطوعوا لهذا العمل بارك الله بجهود الجميع. كما أشار إلى أن حلقات البرنامج أصبحت كاملة على موقع قناة دريم كما هي مكتوبة على هذا الموقع .
وطرح المقدّم على الدكتور هداية أن الحلقات السابقة حول الشفاعة والموت وأمية الرسول rوكونه يتيماً وفقيراً أثارت التساؤلات عند الكثير من الناس وطلب من الدكتور التعليق على هذا الموضوع.
أجاب الدكتور هداية : نتوقف عند مقولة أن بعض الناس يقول، ونسأل من الذي يقول؟ هل العلماء اعترضوا على ما قلناه؟ الناس لديها للأسف بعض المعلومات الخاطئة التي تعوّدت عليها ونحن هنا نعرض لصحيح اللغة والقرآن فقد يكون الذين يعترضون جاهلون بهذه الأمور وهؤلاء ليسوا علماء ولكني أؤكد أن رابطة العالم الإسلامي تُزكّي ما قلناه وتحمد الله تعالى أننا قلناه في هذا الوقت الذي يخبط فيه العالم الإسلامي بأنصاف المتعلمين ولست أنا الذي أقول هذا الكلام عن أمية الرسول r وإنما هو موجود في لسان العرب والمعاجم اللغوية ففيها تعريف الأمّي وتوصيف الله تعالى يعلّمنا أن الأمّية صفة لم تُزل عن رسول الله r فما زال الرسول r أمياً وما زالت الأمة التي تلقّت عنه r أمية مصداقاً لقوله تعالى (وهو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) فعندما وصّف الله تعالى الأمية وصّفها في القرآن على مُراد الله تعالى فيها. ولقد تعلّمنا أنه ليس كل ما يُعلم يُقال والذي يقول يجب عليه أن يكون قادراً على الرد والتصدي للكلام. فتوصيف الأمي كما جاء في كتب اللغة الصحاح وفي لسان العرب هو الذي لا يكتب وليس الذي لا يقرأ ولا يكتب.والقراءة ليست شرطاً أن تكون عن كتاب فإذا فرضنا أن الأمي تعني الذي لا يكتب ولا يقرأ وجئنا بشخص أمي كفيف فقرأ القرآن على شيخ أفلا يكون قارئاً بالطبع يصبح قارئاً فالقرآءة لا تنتفي عن الأمّي. والمكفوفون هم أقرأ الناس للقرآن ونحن نأخذ كلام الله وليس كلام الناس. ويجب على الناس أن ينتبهوا ولا يكونوا كاليهود الذين قالوا (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) وعلى المسلمين أن يكونوا غيرذلك ونحمد الله تعالى أن الفضائيات العربية سنحت لعلمائنا الأفاضل بالظهور عبر شاشاتهم ليصححوا المفاهيم الخاطئة عند بعض الناس والتي لا تمت إلى واقع الدين بِصِلة.
وكذلك لمُا تحدثنا عن اليتم فهل يُعقل أن نقول لمن آواه الله تعالى أنه يتيم؟! صحيح أن الرسول r وُلد يتيم الأب فهو يتيم الأب بالتوصيف، لكن الله تعالى قال (ألم يجدك يتيماً فآوى) بمجرد أن وجده يتيماً آواه فهل يقال بعدها أن النبي r يتيم؟ هذا الوصف إنما هو لفترة محدودة لأن الله تعالى آواه بمجرد أن وجده يتيماً. وكذلك قوله تعالى _ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى) فهل أقول على من أغناه الله تعالى فقيراً؟ هذه تحتاج إلى وقفة فلا يصح أن نقول عن الرسول r أنه فقير لأن الله تعالى أغناه وللعلم الرسول r كان من أغنياء قريش لكنه تصدّق بماله كما قالت السيدة خديجة له عندما نزل عليه الوحي "إنك تقري الضيف.." وهذا يحتاج إلى مال فكيف يكون فقيراً؟ ويجب أن نتوقف عند كلمة فقير فما هو الفقر؟ كلنا فقراء إلى الله تعالى إن كان هذا هو المقصود من الفقر ولهذا يجب أن نصحح الكلام
مناجاة (الشيخ عبد الله السعدي):
سبحانك يا ربنا كل شيء خاشع لك، كل شيء خاضع لك، أنت غنى كل فقير وعِزّ كل غني وقوة كل ضعيف وملجأ كل ملهوف. من تكلم منّا سمعت كلامه، ومن سكت علمت سريرته، أنت الذي سجد لك سواد الليل وانور النهار وضوء القمر وشعاع تاشمس وخرير الماء وحفيف الشجر ، يا جابر كل كسير ويا مؤنس كل وحيد ويا صاحب كل غريب ويا قريباً غير بعيد يا غالباً غير مغلوب ويا عالم كل نجوى ويا منتهى كل شكوى. أطعناك فشكرتنا وعصيناك فأمهلتنا وإن رجعنا إليك قبلتنا. اللهم فاقبل توبتنا وامح حوبتنا واغفر زلّتنا واستر عيوبنا واجمع على الهدى شؤوننا. سيدي أنا الصغير الذي ربيّته وأنا الجاهل الذي علّمته وأما الضّال الذي هديته وأنا الوضيع الذي رفعته وأنا الخائف الذي أمّنته وأنا الجائع الذي أشبعته وأنا العطشان الذي أرويته ، أنا العاري الذي كسوته وأنا الفقير الذي أغنيته وأنا الضعيف الذي قوّيته، أنا الذليل الذي أعززته وأنا السقيم الذي عافيته وأنا المريض الذي شفتيه، أنا السائل الذي أعطيته أنا المذنب الذي سترته وأنا القليل الذي كثّرته وأنا المستضعف الذي نصرته أنا الطريد الذي آويته أنا يا ربي الذي لم أستحيك في الخلا ولم أراقبك في الملا أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي على سيده اجترى أنا الذي عصيتُ جبّار السما أنا الذي امهلتني فما ارعويت وسترت عليّ فما استحييت اللهم جمّلنا بسترك واعف عن توبيخنا بكرمك يا خير الساترين وأكرم الأكرمين وأحكم الحاكمين ستّار العيوب، غفّار الذنوب، تستر الذنب بكرمك وتُؤخّر العقوبة بحلمك فما ندري ما نشكر أجميل ما تمحو أم قبيح ما تستر أم كثير ما نجّيت وعافيت، يا حبيب من تحبب إليك ويا قرة عين من لاذ به وانقطع إليه وفّقنا لما فيه هداك واجعل أعمالنا في رضاك، وفّق عبادك لما فيه تُقاك يا كبيراً فوق كل كبير صلِّ على البشير النذير وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ثم تلا الطفل الشيشاني عبد الرحمن الشريف آيات مباركات من أوائل سورة الرحمن. (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21))
الشفاعة والحوض والكوثر:
الشفاعة هي من الأمور التي فيها خلاف وأنكرها بعض المسلمين وهذا الموضوع يجب أن يُفهم على مراد الله تعالى فيه حتى نبرأ بديننا وبنرأ بأعمالنا في الدنيا. وحتى نفهم موضوع الشفاعة كما فهمه أهل السُّنة والجماعة وأهل السلف نضرب مثالاً ولله المثل الأعلى: إذا بدأ العام الدراسي في أي جتمعة أو كلية أو مدرسة وذهب أحد الطلاب في أول أيام العام الدراسي المفروض إنه ذهب ليسأل عن المناهج والجدول وعن الأساتذة والموضوعات التي سيدرسها والكتب ، فما بالك إن ذهب هذا الطالب في أول يوم يسأل عن علامات الرفع في الإمتحانات التي ستكون في آخر العام؟ ماذا نصف هذا الطالب؟ هو بكل بساطة غير كفؤ بهذه الدراسة. وهكذا هم بعض المسلمين يركنون إلى الشفاعة ولا يعمل لها وإنما سرق ويزني ويقتل ثم يتّكل على الشفاعة، فالشفاعة عندهم مثل علامات الرفع في الدرجات في المثل الذي ضربناه. ولهذا أقول أنه علينا أن نفهم الكلام على مُراد الله تعالى ويجب أن نُصحح المفاهيم قبل أن نعرض لموضوع الشفاعة.
تعريف الشفاعة: في اللغة هي الطلب أو التوسّط لإزالة أو تخفيف العقوية أو رفعها. وفي الحقيقة أن الشفاعة هي من الشفع (نقيض الوتر) وقلنا في حلقة سابقة أن الإنسان إذا ذهب للدائن وحده يكون وتراً فيأخذ معه من يشفع له أي يكون سفعاً له. ولو أردنا أن نأخذ معنا من يشفع لنا يجب أن يكون هذا الشافع له قدر عند المشفوع عنده. ومحمد r هو صاحب الشفاعة العظمى ويجب علينا أن نأخذ الكلام عن الشفاعة من فمه r ونصحح المفاهيم التي لدى بعض الناس.
أركان الشفاعة: الشفعة لها أركان: فهي تقتضي شافعاً مشفوعاً له ومشفوعاً فيه ومشفوعاً عنده وهو الله تعالى رب العالمين الذي له أن يقبل أو يردّ الشفاعة دون معقّب على حكمه وهو الذي يأذن للشفاعة وهو الذي أوجب أموراً تُعلي قدر المشفوع له والمشفوع فيه وهذه الأمور يجب أن نفهمها جيداً ونضع أيدينا عليها بيقين.
فلو تكلمنا في المشفوع له: يجب أن يكون عاملاً قبل أن يبحث عن الشفاعة. لن يشفع الرسول r لمن أحدث بعده بدليل نصّ الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة وابن عباس وأحمد وأنس في روايات متعددة "حين تقوم الساعة أول من يكتسي الحُلل ابراهيم ثم يُؤتى برجال من أمّة محمد r يؤخذوا ذات الشمال (أي النار) فيقول r أمتي يا رب وفي رواية أصحابي يا رب فيُقال له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" إذن تُرفض الشفاعة بإحداث الأمة بعده r ومن هنا يجب أن نتوقف عند المشفوع له فلن يُشفع للكل حتى لو شفع الرسول r لأنها لن تُقبل لأن بعض الناس أحدثوا بعد الرسول r.
وحتى غير المسلمين يطلبون الشفاعة والشفاعة في يوم القيامة وهي الشفاعة العظمى هي الشفاعة بأن أن يبدأ الحساب وهذه ستكون للرسول r بإذن الله تعالى, وقبل أن نتكلم في الشفاعة نتكلم في المشفوع فيه وهذه قضية كبرى. ونسأل فيم يشفع الرسول r؟ إذا كان المفهوم أن الرسول r يشفع بالزنا والسرقة والحدود فهذا فهم خاطئ لأننا نأخذ منه r من نصّ حديثه في حديث المرأة المخزومية التي سرقت فدفعت قريش بأسامة بن زيد لأنهم يعلمون مكانته عند الرسول r ليشفع لها عنده فقال له الرسول r: "أتشفع في حدود الله يا أسامة؟" هذه الكلمة وحدها لا تدري الأمّة ما فعلت بأسامة فلم يردّ بعدها لأنه فهم تنبيه الرسول r له. فالمشفوع فيه إذن قضية كبيرة خطيرة جداً ولا يمكن للرسول r أن يشفع في الحدود. والذي يجب علينا فهمه في موضوع الشفاعة أن العمل يأتي قبل الشفاعة. الرسول r هو صاحب الشفاعة العظمى والخاصة وهو الذي يقول لأمته :"اقرأوا القرآن فإنه سيأتي شافعاً لكم" ولم يقل لنا : سآتي أنا شافعاً لكم. وعليه نقول : افعل ما يوجب لك الشفاعة كما قال الرسول r"الصلوت الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّرا لما بينها ما اجتنبت الكبائر" والرسول r يعلم أن الإنسان يصيب ويُخطئ فقال: " مل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون" وقوله تعالى في سورة النجم آية 32 (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) فقد قال تعالى بعدها (إن ربك واسع المفغرة) وعليه يجب أن نفكر بالتوبة قبل أن نتّكل على الشفاعة فلا نموت على معصية ثم نقول سيشفع لنا الرسول r. فيجب أن نفهم الشفاعة على مُراد الله تعالى فيها. والرسول r يعلّمنا في حديث صحيح لمن الشفاعة؟ في الحديث الصحيح عن أحمد والبخاري : يُسأل rمن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فيقول: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" وفي رواية " من شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" وسواء من قال أو من شهد سيكونون أسعد الناس بشفاعته r يوم القيامة, وهنا نقع في مفهوم خاطئ عند الناس وهو أنهم يركنون إلى الحديث " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" وفي رواية مسلم :" من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" ومعنى كلمة يعلم هنا من عَلِم وعمِل وهذه قضية مهمة لا نركن ونتّكل على الشفاعة ونقول نحسن الظنّ بالله لأنه r قال عندما قالوا نُحسن الظنّ بالله قال: كذبوا لو أحسنوا الظنّ به لأحسنوا العمل. وقد عرضنا في حلقة سابقة موقف الدكتور القرضاوي عندما دافع عن الدكتور مصطفى محمود الذي رفع الأحاديث الضعيفة عن الشفاعة وقال الشيخ مدافعاً أن الناس اتّكلوا على الشفاعة وركنوا إليها وتركوا العمل. نحن لا ننكر الشفاعة ولكن نقول إنه حق وصِدق ولكن نسأل لمن الشفاعة؟ وفيم؟ وكيف؟ وعلينا أن نعلم أن الشفاعة ليست مطلقة لكل الناس والإنسان عندما يُخطئ عليه أن يتوب إلى الله أولاً قبل أن يركن إلى الشفاعة لأن توبته هذه سيبدّل الله تعالى بها سيئاته حسنات هذا في الذنوب الكبيرة التي عرضها المولى عزّ وجلّ في سورة الفرقان في قوله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) ثم قال بعدها (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)) فهؤلاء ارتكبوا المعاصي وتابوا إلى الله تعالى يستحقون الشفاعة لأنهم ذاقوا لذّة المعصية ونسأل هل للمعصية لذة فنقول نعلم لا يعلمها إلا العاصي ولكنه مع هذا يترك اللذة المؤقتة لخوفه من الله تعالى. ونعود للقول هل الذي قال لا إله إلا الله أو شهد بها قالها ونام؟ أم قالها وعمل بها؟ فالمهم هنا هو العمل قبل الركون إلى الشفاعة. فإذا علمنا وشهدنا وقلنا لا إله إلا الله وفهمنا معناها فهل نعصي الله تعالى تحت سمائه ونحن نعلم أنه هو السميع البصير الرقيب المهيمن فإن استطعنا أن نُخفي معاصينا عن الناس جميعاً فهل يمكننا إخفاءها عن الله تعالى رب العالمين؟.
الكوثر:
جاء في الحديث الشريف عن الرسول r أنه كان مع أصحابه فأصابته إغفاءة فنام فلمّا أفاق أفاق مبتسماً فسأله الصحابة فيما تبتسم فقال r نزلت علي سورة (إنا أعطيناك الكوثر) فقال r أتدرون ما الكوثر؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي. والمشكلة في هذا النهر أن المسلمين كلهم يذهبون إليه فيؤخذ رجل إلى ذات الشمال (أي النار) فيقول النبي r إنه من أصحابي فيّقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك" وفي حديث غيره سُئل الرسول r كيف تعرف أمّتك؟ قال r إنكم تُحشرون غُرّاً محجّلين (غُرّ: بياض الوجه) و (محجّلين: بياض القدمين واليدين) بسبب ماء الوضوء.
وإذا نظرنا إلى سورة الكوثر وهي سورة صغيرة في المبنى لكنها عظيمة المعنى وترتيبها بين سورتي الماعون والكافرون ترتيب له حكمة من الله تعالى. فلننظر أولاً في سورة الماعون الذي جاء فيها (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)) فكأنما يريد الله تعالى أن يلفتنا إلى أنه الذي يدُعّ اليتيم فقط كأنّه كذّب بالدين كله. فالدين كُلٌ لا يتجزّأ فكأن الله تبارك وتعالى جاء بِدَعّ اليتيم مثالاً على التكذيب بالدين. وتوقيع القرآن في هذه الآيات يحتاج منا إلى إعادة قرآءة القرآن على مُراد الله تعالى فينا. ونرى في سورة الماعون أنها تصف قِمّة الشُّحّ في كل آية من آياتها وتنتقل بنا من قمة الشُّح إلى قمة العطاء الذي تجسّده سورة الكوثر. وكأن الذي يُكذّب بالدين يمثّل التطبيق الإيماني للذي يفهم الدين أو لا يفهمه فلا يقول الإنسان أنا أفهم الذين ثم يكون عمله مناقضاً لذلك ولا يدلّ عليه أبداً.
ثم نلاحظ في قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)) منهم من قال الحمد لله الذي قال (عن) ولم يقل (في) ونسوا أن الله تعالى في بداية الآية أثبت لهم الصلاة بوصفهم (للمصلين) لكنهم حال صلاتهم يكونون بين أمرين إما السهو في الصلاة وإما السهو عن الصلاة. وقد امتح الله تعالى في سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)) والخشوع في الصلاة تعني أن المصلّي إذا دخل في الصلاة رمى الدنيا خلف ظهره وخشع لربّه. وحرف الجرّ عن هنا بمعنى في وهذه صفة حروف الجرّ في القرآن بحيث تحلّ محل بعضها. ونأخذ مثالاً آخر على حروف الجر منها ما جاء في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)) حرف الجرّ (من) هنا بمعنى في وكذلك بمعنى أن على المسلم أن يستعد لهذا اليوم فيتحضّر لصلاة يوم الجمعة من يوم الجمعة كأن لا يُعطي موعداً لأحد في وقت صلاة الجمعة. وسواء كان حرف الجر عن أو في فإن الآية تثبت الصلاة (فويل للمصلين) وهذا موضوع في منتهى الخطورة لأنه جاء بعدها في الآية (الذين يراؤون) وهم الذين يصلّون لأجل الناس ولي لله تعالى وقوله تعالى (ويمنعون الماعون) أي الذين يمنعون كل العطاء والمساعدات.
قال الرسول r الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حُجّة عليك. ومعناها أن الصلاة نور للعبد والصدقة تدل على صِدق إسلامه.
وبعد قوله تعالى في سورة الكافرون (ويمنعون الماعون) يأتي قوله تعالى في سورة الكوثر (إنا أعطيناك الكوثر) وقد اختلف العلماء في تفسير الكوثر وقال علماء اللغة أن الكوثر والكيثر هو العطاء الكثير من الله تعالى والنهر الذي وعده الله تعالى به هو من الكوثر والتديّن كوثر والإسلام كوثر والإيمان كوثر والحكمة كوثر والقرآن كوثر وهذا يعني أن الله تعالى أعطى رسوله كل شيء، وبعد هذا العطاء الكثير طلب تعالى من رسوله r (فصلِّ لربّك وانحر) وكثير من المفسرين قالوا أن هذه الآية تعني أن النحر بعد الصلاة في العيد ونقول أن هذا معنىً من معاني الآية التي تدلّ على أنه تعالى يقول فصلّ لربّك وانحر لربّك لأن العرب كانوا قبل الإسلام ينحرون للأصنام من دون الله تعالى، ونحن أُمرنا أن نسمّي الله تعالى عند الذبح.
(إن شانئك هو الأبتر) الأبتر في اللغة هو الذي لا ولد له. وعندما مات أولاد الرسول r الذكور قال المشركون وعلى {اسهم الوليد أن محمداً أبتر فنزلت هذه الآية لتبيّن أن الوليد هو الأبتر وليس محمداً r بدليل أن خالد ابن الوليد أسلم ودافع عن محمد r وليس عن أبيه ونصر الإسلام وأعزه وكذلك عمر ابن الخطاب فآباؤهم هم الأبتر وليس الرسول r الذي رفع الله تعالى ذكره كما جاء في سورة الشرح (ورفعنا لك ذكرك) فالآية تؤكد أن الوليد الذي له ولد هو الأبتر بإسلام خالد ابنه ومحمد r الذي ليس له ولد هو الذي سيرفع الله تعالى إسمه بين العالمين وهو ليس بأبتر.
ثم نلاحظ توافق نهاية سورة الكوثر مع بداية سورة الكافرون (إن شانئك هو الأبتر قل يا أيها الكافرون) وإذا نظرنا إلى أوائل الخواتيم نجد عجباً من قوله تعالى قل يا أيها الكافرون، إذا جاء نصر الله والفتح، تبت يدا أبي لهب وتبّ، قل هو الله أحد، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس.وكأن الله تعالى يطمئنهم على عطاءاته. والسورتان الكافرون واتبّت أكّدت كفرهم وصِدق القرآن الكريم الذي جاء به الرسول r فلو أنهم أسلموا ولو نفاقاً لكانوا بيّنوا خطأ الرسول r والقرآن لكنهم لم يفعلوا ولم علنوا إسلامهم ولو من باب النفاق وهذا لأن الله تعالى حكم عليهم بالكفر .
ثم ننتقل إلى سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) ونلاحظ أن التوحيد ما جاء بالقرآن إلا باسلب والإيجاب كما هي سُنّة الله تعالى في كونه فكل شيء فيه مبني على السلب والإيجاب. ونقول أنه عندما يريد أحدهم أن يدخل في الإسلام نطلب منه أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا نطلب منه أن يقول إن الله واحد وقد جاءت الآية (قل هو الله أحد) بعد نهاية سورة المسد (في جيدها حبل من مسد ، قل هو الله أحد) فإنه يُعلن أنه من قال تبت يدا أبي لهب وتبّ لا يوجد معه أحد ينقض هذا الحكم (قل هو الله أحد) فحكمه مقضي به أبداً.
إذن السور من الكوثر إلى الناس عطاءات من الله تعالى وكأنما الله تعالى يُثبت لنبييه أنه لم يُعطه الكوثر فقط أو الشفاعة وإنما أعطاه عطاءات كثيرة بِشُحّ ما قبلها في سورة الماعون تجد عطاءاته لا حصر لها سبحانه.
ونطرح سؤالاً هنا هل إذا عصيت الله تعالى أركن إلى الشفاعة أم إلى التوبة؟ بالطبع علي التعجيل بالتوبة لأنه كما أسلفنا أسعد الناس بشفاعة الرسول r يوم القيامة من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله خالصاً من قلبه. فيعمل بهذه الشهادة على مُراد الله تعالى فيها فهل من عمِل بها يسرق أو يزني أو يقتل؟ ونكرر أن الشفاعة حق والشفاعة العُظمى هي الشفاعة لبدء الحساب يوم القيامة وفي حديث شريف أن الناس يوم القيام يذهبون إلى آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى فيسألونهم أن يشفعوا عند الله تعالى لبدء الحساب وكل منهم يطلب منهم الذهاب إلى غيره إلى أن يصلوا للرسول r فيقول أنا لها أنا لها.
والحوض والكوثر والقرآن كلها من عطاءات الله تعالى لرسوله r فيشفع r في بدء الحساب أولاً لأن الموقف يوم القيامة هو أكبر بكثير من مفهومنا وتصوراتنا. والإيمان ليس كلاماً باللسان كما جاء في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبنا) ولم يقل سبحانه وتعالى (ولم يدخل الإيمان) وإنما جاء بـ (لمّا) لأن لم تدل على نفي الأمر مطلقاً أما لمّا فهي تدل على نفي مع توقّع حصول الأمر وحدوثه وهذا من رحمة الله تعالى.والذي يُدخل الإيمان في القلوب هو العمل وهناك فرق بين الإسلام والإيمان فالإسلام الذي ورد في السورة بمعنى إسلام العقيدة والرسالة والإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل. فإن كان الإسلام قبول فإن الإيمان تطبيق (زكاة، صلاة، صوم، حج، صدقات، قرآءة قرآن) والصيام والقرآن يأتيان شافعين يوم القيامة لصاحبهما مصداقاً للرسول r الذي يقول :"اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه" فالذي تُقبل فيه شفاعة القرآن تحل له شفاعة الرسول r، يقول القرآن منعته النوم بالليل فشفّعني فيه ويقول الصيام منعته الطعام بالنهار فشفّعني فيه فيشفعان.
نُعيد باختصار الشفاعة: الشفاعة حقٌ لكن على كل مسلم أن يتوقف عند مفهوم الشفاعة فهي من الرسول r والأعمال الصالحة تُعطى لمستحقّها ولا تكون في حدّ من حدود الله تعالى أو الكبائر، ولا تكون إلا إذا أذِن الله تعالى للشافع أن يشفع. وكل عمل يعمله الإنسان يتقرّب به إلى الله تعالى يشفع لصاحبه كما جاء في الأحاديث عن فضل سورة تبارك "إن في القرآن سورة ثلاثون آية ظلّت تدافع عن صاحبها حتى عصمته من عذاب القبر" فهذه السورة تدافع عن صاحبها بشرط أن يكون هو الذي كان يقرأها ويفهم معناها ويفهم أنه عندما يقرأ تبارك يفّكر بمعناها وهو تنزيه لله تعالى الذي ليس كمثله شيء وهو سميع بصير مهيمن فلا يمكنني أن أعصيه ثم يقرأ الذي بيده المُلك أصلها لمن المُلك اليوم وفرعها مالك يوم الدين ويفكر قارئها بأنه سيأتي عليه يوم يكون فيه في موقف الحشر فيسأل الله تعالى لمن المُلك اليوم؟ (الملك لله الواحد القهّار) فهل أنا نستعد لهذا اليوم ولهذا الحساب؟ ثم يقرأ الذي خلق الموت والحياة فيفكر في أن الموت مخلوق والحياة للابتلاء وهكذا يجب أن نتدبر الآيات حتى تدافع عن صاحبها.
ويسأل المقدم في نهاية الحلقة عن الرُخصة في الصوم كما تحدّث عنها الدكتور في حلقات سابقة لأنها أثارت أسئلة كثيرة من المشاهدين وطلب من الدكتور الكلام في هذا الموضوع.
أجاب الدكتور إن ما قاله هو من كلام الله تعالى وليس من عنده فالآية في سورة البقرة واضحة جلية حول هذا الأمر فقد جاء في الآية (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)) فالرخصة لمن يأخذها لكن جاء بعدها (وأن تصوموا خير لكم) ونضرب مثالاً ولله المثل الأعلى لنفرض أن في جيبي رخصة قيادية وأنا أسير في الطريق فهل يوقفني الشرطي لأني لا أستعمل رخصة القيادة التي بحوزتي؟ وصحيح أنه شرعت الرخصة في الصوم للمريض والمسافر لكن إن استطاعوا الصوم فهو أفضل مصداقاً لما قاله تعالى (وأن تصوموا خير لكم) والله تعالى كما يحب أن تُؤتى رُخصه يُحب أن تُؤتى عزائمه.
ثم هناك أمر آخر حول إسلام فرعون وهذه ألفت النظر إليها لأنه في الدعاية للبرنامج يظهر مقطع نقول فيه (أتدرون أن فرعون أسلم) والسامع يظنّ أن في هذا أمر غريب لكن الواقع أننا عرضنا لهذا الموضوع كاملاً فلا يصح أن يُجتزأ منه لعرضه في الدعاية. ونعيد قصة فرعون فنقول إن فرعون لما أدركه الغرق قال: (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل) لكن الله تعالى لم يقبل توبته وقال تعالى (آلآن وقد عصيت)، فرعون أسلم لكن هل قبل الله تعالى إسلامه؟ كلا لأنه آمن نفاقاً لبني إسرائيل بدليل ما جاء على لسانه ويُقال أن فرعون استغاث بموسى سبعين مرة فلم يُغثه موسى فقال تعالى لموسى استغاثك فرعون سبعين مرة فلم تُغثه وعزتي وجلالي لو استغاثني مرة واحدة لوجدني سميعاً قريباً. والله تعالى يقول: أنا أغنى الأغنياء عن الشُِرك، أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك فمن عمل عملاً أشرك به غيري فأنا منه بريء وهو الذي أشرك.
ونأخذ توصيف التوبة من الرسول r فكل حديث له r له رصيد من القرآن فقد قال r: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر" وأوصانا بقوله r: استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أتوب إليه أكثر من سبعين مرة" وفي رواية مئة مرّة. ونسأل مِمّ كان الرسول يتوب وهو الذي غفر الله تعالى ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؟ ونقول إنه يتوب عودة إلى الله وليس من معاصي أو ذنوب. وكان في وقت المغرب يدعو بالدعاء التالي: اللهم أنت ربي خلقتني وأنا عبدُك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك علي أبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. فكأن النعمة تحتاج لعودة إلى الله تعالى للشكر. ولننظر في أوائل القرآن نجد قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (لمن يعتبر البسملة من الفانحة) وقوله الحمد لله الرحمن الرحيم (لمن لا يعتبر البسملة من الفاتحة). ونقول يا من ارتكبت من المعاصي ما ارتكبت لو بلغت ذنوبك عنان السماء ولو أتيت الله تعالى بتراب الأرض خطايا لقيك الله تعالى بتراب الأرض مفغرة. وقوله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) وهذا الكلام كله يرشدنا أن نتعلق بالتوبة أولاً ثم الشفاعة ولنذكر قوله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) جاء بعدها قوله تعالى (إن ربك واسع المغفرة) وعلى الإنسان أن يعمل فإن أخطأ يتوب إلى الله فإن كانت ذنوبه من اللمم طلب الشفاعة لكن علينا أن ندرك ان الشفاعة لست في الكبائر. والرسول r علّمنا في الحديث: "دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك" وعلينا أن نأخذ بالأحوط.
سؤال من المقدم: هل لعقوق الوالدين والزنى توبة؟ لا يوجد ذنب ليس له توبة ولنذكر قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) حتى المشرك له توبة إن أعلن التوحيد لأن الإسلام يجُبّ ما قبله والتوبة تجُبّ ما قبلها. وليعلم الجميع أننا لسنا حرّاساُ على أبواب الجنة أو النار نُدخل من نشاء ونمنع من نشاء لأن قبول التوبة من الله تعالى والله تعالى أخبرنا وقوله الحق (أولئك يُبدّل الله سيئاتهم حسنات)وهذه الآية تدلنا على أن الله تعالى لا يغفر لنا فقط وإنما يُبدّل سيئاتنا حسنات فمن كان عليه مليون ذنب سيكون له بدلاً منها عشرة ملايين حسنة. ونقول للسائل تُب عن عقوق الوالدين وأرضِهما وتب عن الزنى ولا تعود إليه أبداً.

بُثّت الحلقة بتاريخ 6/6/2004م



_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:49 pm


الحلقة 10 - حديث خروج الروح
ضيوف الحلقة الدكتور محمد هداية والشيخ عبد الله السعدي
ابتدأت الحلقة بتلاوة مباركة من سورتي القيامة والتكاثر تلاها الشيخ عبد الله السعدي.
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
استعرضنا في الحلقة السابقة بعض الاحاديث الضغيفة من سلسلة الألباني واليوم نؤكد ما جاء في الحلقات السابقة حول الفرق بين الروح والنفس وآلية خروج الروح من الجسد.
بداية اتفقنا أن النفس تأخذ في القرآن إطلاقات عن الروح أما الروح فلا تأخذ كما في قوله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة) ولعل أحسن توصيف لكلمة النفس هو أنها جماع الروح والبدن وقد قال تعالى قولاً فاصلاً في هذا المعنى في قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) فالانفس هنا كناية عن الروح ، وهناك توفي مؤقت للروح عند النوم والرسول عليه الصلاة والسلام علّمنا هذا الكلام فيما ورد عنه في دعائه عند النوم " اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" ونفسي هتا بمعنى روحي فالرسول على يقين أنه عندما ينام يتوفى الله تعالى الانفس أي الارواح وهو انفصال مؤقت للروح عن البدن وهذه المسألة لم تأخذ موقعها في التفسير.
وقوله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة) الاطمئنان يكون في هذا الموقف فقط والنفس كما قلنا أُطلقت في القرآن بعدّة معاني (النفس اللوامة، النفس الأمارة بالسوء والنفس المطمئنة) ولقد انقسم أهل العلم هل هي حالات منفصلة أو واحدة تتغير حسب المواقف؟ وأقول أنه لا توجد نفس أمّارة بالسوء فقط أو نفس لوّامة فقط أو مطمئنة فقط فلو كانت النفس لوّامة فقط فعلى ماذا تلوم نفسها؟ وأي ذنب فعلته؟ إذن لا بد أن هذه النفس كانت أمارة بالسوء سابقاً حتى تلوم نفسها. والرسول صلى الله عليه وسلم بيّن لنا أن كل ابن آدم خطّاء ولا يوجد من هو معصوم عن الخطأ ما عدا الرسول الطريم. وعلينا أن نحذر من الاطلاق لأنه في منتهى الخطورة. النفس الأمارة بالسوء تأمر ويُخطئ الانسان ودأب المؤمن أن يعود إلى الله تعالى فوراً ولا ينتظرمصداقاً لقوله تعالى (إنما التوبة على الله). والنفس الأمّارة هي النفس اللوامة في الدنيا (وما أبرئ نفسي) وقد سبق أن قلنا في حلقات ماضية أن علينا أن نفرّق بين المعصية من الشيطان ومعصية النفس أن النفس تُصرّ على معصية بعينها أما الشيطان فهدفه الاضلال ويأتي للانسان من كل باب لأنه يتمنى أن يعصي الانسان ربّه بأي طريقة (سرقة، زنى، غيبة، كذب..) والنفس أمّارة على إطلاقها فإذا أخطأت تأتي النفس اللوامة فإذا فعلت هذا مرة أو مرتين تكون لائمة أما إذا تكررت فتكون لوّامة لأنها تكون مستمرة باللوم كل يوم وهذه النفس اللوامة مُتعِبة ولا تترك صاحبها. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزنوا" لأن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.
سؤال: في القرآن الكريم قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فلماذا كان الحِفظ للقرآن دون باقي الكتب السماوية؟ ولماذا يأتي الحديث عن يوم القيامة في القرآن بصيغة الماضي والرسول كان يتكلم عن الصحابة أن منهم من دخل الجنة فكيف نوفّق بينهما؟ عدم الاحساس بالخشوع عند الصلاة وعدم تدبر القرآن في التلاوة؟
جواب: المولى عزّ وجلّ أجرى تجربة عملية لكل الخلق من آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة. ساعة إنزال الكتب السماوية بدأ أهل هذه الكتب بالتحريف والتأليف ونسأل لماذا لم يحفظ الله تعالى هذه الكتب؟ والجواب لتُقام الحُجّة بعد إنزال القرآن وحفظه بمعنى أن التوراة والانجيل كتب مؤقتة جاءت لقوم معينين ومحددين في مُدّة محددة والاختبار لهم هل سيحفظونه أم سيحرّفوه؟ فرسبوا في الاختبار فلمّا أراد الله تعالى أن يكون هناك كتاب خاتم للأمة الباقية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة تصدّى تعالى لحفظ هذا الكتاب والتجربة قائمة والتحدي قائم إلى يوم القيامة وهذه الآية تقرير وتحدي فهل يستطيع مخلوق أن يقترب من القرآن محاولاً تحريفه أو تأليفه؟ وأذكر مرة أنه حدث في السبعينات خطأ في مطبعي في القرآن وكان خطأ غير مقصود فتم اكتشاف الخطأ وتمّ جمع كل المصاخف التي وزّعت وبيعت في الاسواق.
هذا التحدي تقرير وتحدي من الله تعالى (وقالوا يا ايها الذي نُزّل عليه الذكر انك لمجنون) ومن عظمة هذه الكلمات أن الله تعلى لم يجعل اسم الرسول يُطلق من الكافرين فلم يقولوا يا محمد وإنما قالوا يا أيها وهذا من إعجاز الله تعالى. وقلنا سابقاً أن الخطاب في القرآن كله للرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت باسمه ولمّا جاء اسم الرسول (محمد) في القرآن لم يكن نداء وإنما كان للتوضيف لأنه في اللغة العربية إذا جرّدت الاسم في التوصيف أعليت شأنه بمعنى لو قلنا فلان ابن فلان ابن فلان كأننا نتكلم عن مجهول ولو كان معلوماً لقلنا اسمه مباشرة فإطلاق الاسم المجرّد هو أعلى توصيف. (محمد) تدل مباشرة على سيّد الخلق وهذا ما علّمنا إياه الله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) (محمد رسول الله) (وما محمد إلا رسول) لم يقل ربنا تبارك وتعالى نبيّكم ةلا رسولكم ولم يذكر إلا الاسم ونقول إنه كلّما جرّدنا التوصيف كلما نُعليه. أما في النداء فكلّما أردنا التوقير نُضيف لحرف النداء ما يُعظّمه فلا نقول (محمد ما أرسلنا عليك القرآن لتشقى) لكن ينادي (يا أيها) حتى الكافر قالها أيضاً (يا أيها الذي نزل عليه الذكر) فيردّ الله تعالى (ما ننزل الملائكة إلا بالحق) قضى الله تعالى متى تنزل الملائكة ورد بقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر) وهذا الذكر لا يستطيع مخلوق أن يقترب من هذا الكتاب أو يحرّفه.
ونعود للسؤال لماذا حفظ الله تعالى القرآن دون سائر الكتب؟ لأنه الكتاب الباقي وهذا الكتاب الباقي لا يُعهد به إلى البشر وإنما تصدّى الله تعالى بحفظه إلى يوم الدين.
وعرضنا سابقاً للفرق بين الدين والديانة ونعود فنقول أن الدين عند الله الاسلام ولا يمكن لمخلوق أن يناقش هذا الموضوع فالدين هو دين الله من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة. والدين بمعنى الشرع وعندما قرر تعالى أن يكون هناك كون كان هناك شرع لكل البشر في الكون. والشرع هو الاسلام أي التسليم لله رب العالمين ولا بد أن يكون هذا دأب كل مسلم ويجب أن نفهم الفرق بين الدين والديانة. قال تعالى (إن الدين عند الله الاسلام) من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة (ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه) كدين وليس ديانة. وإذا استعرضنا القرآن كله نجد كلمة دين وليس أديان أو ديانات فالدين لا يتعدد ولا جمع له في القرآن ونفسّر القرآن بالقرآن ونذكر قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً) فالله تعالى يخاطب الأمة بإفراد كلمة (الدين) فلم يقل الأديان ولا يجوز أن نتفرق في الدين. فالدين هو الشرع الذي جمع كل الديانات وكل المرسلين يدعون إلى دين واحد فالمسيحية واليهودية ديانات ورسالات وكل ديانة تأني يكون دينها الاسلام فلمّا أراد اله تعالى أن يختتم الديانات لأهل الأرض سمّى الديانة الأخيرة باسم الشرع العام له فكانت يانة محمد الاسلام ودينه الاسلام فنحن إذن مسلمون ديناً (شرع) وديانة (أتباع محمد) وهذا ما يتميو به المسلمون عن سائر الديانات.
يوم القيامة وصيغة الحديث عنه في الماضي: في اللغة العربية الزمن له عدة أزمنة متعددة ليست موجودة في باقي اللغات وعندنا في اللغة ماضي ومضارع والمضارع يشمل الحال والمستقبل. والفعل الماضي له أكثر من 17 زمناً ومن استعمالاته أن العرب يستخدمونه للدلالة على تأكد وقوع الشيء ويعطي قوة في الاقتناع بالوقوع. وكل الاحاديث القدسية تقول (حاء رجل يوم القيامة) بمعنى اعتبر أنه جاء أي كُن مصدّقاً على أنه حدث وهذا قمة التعيين كما في قوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) نبين قيمة أتى كأنه أتى بالفعل فإن كنت اعتبرت أنه أتى فلا تستعجله لكن بيقينك الايماني اعتبر أنه حدث وهذا قيمة استخدام الماضي في التعبير عن المستقبل ليقين المسلم بنحقق الوقوع. (لقراءة المزيد من هذه اللمسات الرجاء الذهاب إلى صفحة لمسات بيانية في هذا الموقع).
الخشوع في الصلاة والتدبر في القرآن: الاخت تسأل عن سبب عدم خشوعها في الصلاة وعدم تدبر القرآن فأقول لها: أحسني الوضوء لأنه مقدمة الصلاة وإذا أسبغت الوضوء فإنها ستصلّي بخشوع بإذن الله تعالى ولتوقّع القرآن كما وقّعته قراءة. وهي تقرأ منفردة تُسمع نفسها الفاتحة وآيات القرآن وتتهيأ لسماع ردّ الله تعالى ومناجاة سورة الفاتحة ولتذكر قول الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) سماعاً وقراءة فيحصل اتصال بين الفم والأذن وإذا خرج القرآن من الفم بصدق فإنه سيصل إلى الأذن بصدق أيضاًً.وفي الحديث الشريف:" لا تأتوا إلى الصلاة وأنتم تسعونواتوها وأنتم تمشون فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتموا" فلا يكون الجري مدعاة للحاق بالصلاة لأنه يؤدي إلى التعجل بالقراءة والصلاة وهذا بنافي الخشوع فطريقة الانسان وهو ذاهب إلى الصلاة تؤثّر في أدائه لها فنصيحتي للأخت السائلة وللمسلمين عموماً بالوضوء على مهل واسباغ الوضوء ثم الذهاب للصلاة بخشوع وتدبّر.
سؤال: عن قصة يوسف عليه السلام وامرأة العزيز وقوله تعالى (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن أى برهان ربه)
جواب: همّ امرأة العزيز معروف كما جاء في كتب التفسير وقاله علماء السلف ومن المفسرين من قال الكثير في هذا الموضوع. ولقد حلّ إشمال هه الآية القرآن نفسه في السورة نفسها وبرّأ الله تعالى يوسف عليه السلام قبل وبعد هذه الآية وبرّأته امرأة العزيز أمام النسوة وأمام العزيز (أنا راودته عن نفسه) (الآن حصحص الحق) فهل تُبرّئه هي ونحن نقول همّ ليزني بها؟! لو نظرنا في المعجم نجد أن همّ لها معنى واحد والفعل واحد لكن علينا أن نقرأ القرآن ونفهمه على مراد الله تعالى فيه لا على مرادنا. الآية واضحة تقول (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) واستخدم القرآن فعل غلّقت وليس أغلقت والقرآن سيد القصة القصيرة (نحن نقص عليك أحسن القصص) والقصة تستحضر سيناريو ومشاهد تتمثل في ذهن القارئ (أحكمت الغلق باباً وراء باب وقالت هيت لك فقال يوسف معاذ الله فهل الذي قال معاذ الله يكون قد همّ بها؟! ثم قال (إنه ربي أحسن مثواي) وكلمة ربي ها بمعنى الملك ولقد اختلف المفسرون حول معنى كلمة ربي هنا فقاول بعضهم أنه الملك وقال الآخرون إنه الله تعالى والكلمة تحتمل المعنيين هنا. ثم قال تعالى (إنه لا يفلح الظالمون) فالتوقيع القرآني لهذه الآية كأنه تعالى يقول ولقد همّت به ثم تأتي فترة سكوت ثم يقول تعالى وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه. وحرف لولا هنا حلّ المشكلة لأنه حرف امتناع لوجود فإذا قلنا شربت الشاي لولا انكسر الإناء تعني امتنع الشرب لوجود الكسر. فيوسف لم يهمّ بها أبداً لوجود برهان ره وهي قالت همّت به وأنا راودته عن نفسه فاستعصم . وأي شخص آخر كان همّ بها لكن يوسف لم يهم أبداً لوجود الرهان ولأنه من عباد الله المخلَصين فالبرهان سابق من الله تعالى فيه ةإا قرأنا لآية على هذا النحو نفهمه على مُراد الله تعالى به فالآية قاطعة وامرأة العزيز نفسها قالت الآن حصحص الحق.
كلمة ربّ يجب أن يكون لها ةقع عندنا جميعاً قبل كلمة إله هذا من حيث التوقيع أما من حيث التوصيف كما في سورة الفاتحة التي جاء فيها كلمة الله، الرحمن، الرحيم، رب العالمين، فهو الله وهو رب العالمين فيجب أن تكون هذه الكلمات في قلب المؤمن لأنه في السؤال ف القبر يُسأل العبد من ربك؟ يقول ربي الله وهذا التوقيع يجب أن يكون في قلب كل مسلم ومن عظمة هذا الكتاب أن أول اسميرد في الكتاب (الله) وهو الاسم الجامع لكل الصفات وأول صفة بعد ذلك (الرحمن الرحيم). إذا قرأ إنسان بعد إسلامه (بسم الله الرحمن الرحيم) فكأنه أخذ كل الصفات التي أردها الله تعالى من عباده بعد إسلامه واطمأن على أن الله تعالى هو الرحمن الرحيم. وسورة الفاتحة تعدل القرآن " من قرأ الفاتحة كأنه قرأ القرآن" وترتيب السور في القرآن تختلف عن ترتيبها في النزول وفي هذا حكمة من الله تعالى فيقرأ الإنسان الفاتحة ثم البقرة التي فيها المنهج ثم السور التي فيها الأوامر والنواهي والتشريعات ثم السور القصار.
يقول البراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ولمّا يُلحد فجلس رسول الله ينكت في الأرض بعود كان في يده وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر (وفي رواية مرتين أو ثلاثة) ثم قال: إذا كان العبد في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة إذا كان مؤمناً تأتيه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس يجلسون منه مدّ البصر ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه ويقول يا أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من ربك (وفي إحدى الروايات: النفس الطيبة) وعندما تصعد الملائكة بالروح في السماء تسأل الملائكة ما هذا الروح الطيّب؟ فيقول البراء قال رسول الله فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السِّقاء. والعبد الكافر يأتيه ملائكة من السماء سود الوجوه ومعهم مسوح من نار جهنم فتخرج روحه كما يخرج السفود من الصوف المبلول.
ونتعلّم من الحديث أموراً كثيرة أولها معنى كلمة جنازة وهي تُطلق على الخشبة التي يوضع عليها الجثمان وتُسمى هذه الخشبة نعشاً إذا كانت فارغة.
وقول البراء في الحديث : وكأن على رؤوسهم الطير فهو وصف للصحابة أنهم من كثرة تعلقهم بالرسول صلى الله عليه وسلم والنظر إليه وانتظار كلامه لا يتحركون وكأن الطيور جالسة على رؤوسهم.
أهمية الاستعاذة من عذاب القبر والاكثار من هادم اللذات وعلينا كلما تذكرنا الموت نستعد له بركعتين أو توبة أو شهادة. وعلينا بالتوبة والاسراع فيها وكثرة الاستغفار فقد يكون اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.
روح المؤمن تخرج تسيل كما تسيل القطرة والنفس الطالحة تتفرق في بدن العبد الكافر حتى ينتزعها ملك الموت نزعاً.
دعاء:
لا إله إلا الله عدد ما مشى فوق السموات والأراضين ودرَج، والحمد لله الذي بنعمته مفاتيح الفرج، يا فرَجنا إذا أُغلقت الأبواب ويا رجاءنا إذا انقطعت الأسباب وحِيل بيننا وبين الأهل والاحباب، سبحانه لا ينسى من ذَكَره ، سبحانه لا يخيب من دعاه ولا يكِل من توكّل عليه إلى غيره، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بكنفك الذي لا يُضام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت رجاءنا، فكم من نعمة أنعمت بها علينا قلّ لك عندها شُكرنا وكم من بليّة ابتليتنا بها قلّ لك عندها صبرنا، فيا من قلّ عند تعمته شكرنا فلم يحرمنا ويا من قلّ عند بليّته صبرنا فلم يخذلنا، يا من رآنا على المعاصي فلم يفضحنا يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون ولا يصفه الواصفون و تُغيّره الحوادث والدهور. تعلم مثاقيل الجيال ومكاييل البحار وعدد قطر الامطار وعدد ورق الاشجار وعدد ما يُظلم عليه الليل ويُشرق عليه النهار، لا تواري منه سماءٌ سماء ولا أرضٌ أرضا إلا يعلم ما في وعره ولا بحر إلا يعلم ما في قعره، تنام العيون وتندثر النجوم وأنت حيّ قيّوم لا تأخذك سِنة ولا نوم. الظنّ فيك جميل والفضل منك جزيل وأنا عبدك الذليل وأنت المولى الجليل خذ بأيدينا من كل شِدّة وهول، يا شديد الحول اللهم ارحمنا إذا غسّلنا أهلونا وكفّنونا وحملونا على الاعناق ووارونا التراب، ثبّتنا يومها يا سيدي بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، إرحم ميّتنا في القبور ارحمنا إذا سألنا منكر ونكير اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين، اللهم جازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا، اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا واقبل توباتنا وامح حوباتنا يا لطيفاً فوق كل لطيف ويا كبيراً فوق كل كبير صلِّ على البشير النذير وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بُثّت الحلقة بتاريخ 27/6/2004م





_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:50 pm


حلقة خاصة مع الدكتور عبد الصبور شاهين حول كتابه أبي آدم
افتتح الدكتور هداية الحلقة بالترحيب بالدكتور شاهين وقال إن هذه الحلقة هي لإجلاء حقائق غابت عن الأمة ونحن نعرض لقضية وقعت بها الأمة الإسلامية بيقين وهي قصة الخلاف. السلف الصالح عرفوا معنى الاختلاف واختلفوا في أمور لا يصح فيها الاختلاف لكن ساعة الخلاف كان يحترم بعضهم بعضاً ويقدّرون لكل عالم اجتهاده وهناك كتاب للدكتور عبد الجليل عيسى بعنوان "ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين". وقضية اليوم قضية الاجتهاد وعرض الرأي الآخر والشافعي كان يقول رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. وعلى هذا نجتهد والخلاف ليس في الأصول أوالعقيدة وأنا أُحذّر أنه يوجد في القرآن كلمات فُهمت خطأ واعتدنا عليها فإذا جاء من يتكلم بصحيحها نختلف معه.
ويبدأ الدكتور عبد الصبور شاهين حديثه فيقول: القضية أي الكتاب أبي آدم قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة عمرها ثمانية أعوام أثار الكتاب مجموعة من المشكلات منها ما ذهب إلى القضاء ورُفضت وكان عماد رفضها لدى القضاء بناء على تقرير مجمع البحوث الاسلامية "والكتاب لا يتكلم في أصول العقيدة وإنما هو اجتهاد ومن حقه أن يجتهد" فجاءت الأحكام موافقة لظهور الكتاب. ثم أُثيرت هذه المسألة مؤخراً وتجدد الحديث عنها وكأن الكتاب يظهر لأول مرة.
يجب ملاحظة التالي: ينبغي أن نعلم أننا نتحدث عن قضية نصفها معنا ونصفها في غيب الله تعالى (ولا يعلم الغيب إلا الله) (فلا يُظهر على غيبه أحدا) والنصف الذي يهمنا أن آدم هو أول الأنبياء نحن نعرفه نبياً كما قرر القرآن (إن الله اصطفى آدم ونوحاً) وعندما يقول الله تعالى اصطفى يعني اختار وعندما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) كانت إشارة إلى ما قدّر الله تعالى بمرحلة التكليف الديني بآدم u وعندما تفوق آدم على الملائكة في الحوار الذي جرى (وعلّم آدم الأسماء كلها) هنا ثبت تفوق آدم النبي على الملائكة (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) وقد نختلف في أن هناك مفردات مشتبهة (وأُخَر متشابهات) هذا المتشابه يجتهد العلماء في فهمه (والراسخون في العلم يقولون آمنا به).
ما معنى كلمة خليفة؟ وما معنى علّم آدم الأمساء كلها؟ علّمه الغنم والبقر والبعير في بعض التفاسير فهل يكون هذا موضوع قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها)؟ كان المظهر واضحاً وكانت الملائكة ترى ما يُحدثه هذا المخلوق من سفك للدماء فهل يسفك دماء لموجودات لا يعرفها؟ مستحيل، فعندما حاولت أن أفهم كلمة خليفة إرادة الله تعالى شاءت أن تبدأ مرحلة جديدة في حياة البشر هذه المرحلة هي مرحلة بداية الحضارة الانسانية لأنه لا حضارة بلا دين . وعظمة آدم أنه أوّل نبي بدأ دعوة التوحيد لله فلا شك أن الأسماء التي تعلّمها آدم متصلة بوظيفته كونه خليفة ونبي وتكون الملائكة حينها سجدت لآدم الرسول النبي الذي اصطفاه تعالى من دون خلقه جميعاً وليس لآدم المخلوق. هذا ما حاولت أن أفهمه وأنا لا أفرض فهمي لكن لا نعيش دون أن نبدي رأينا ونحن لا نعيش مع القرآن في طلاسم بل سيظل معطاء يُسفر عن معاني غيبية (وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا) سنظل نؤتى العلم قطرة قطرة حتى تقوم الساعة.
أرجو لمن يقرأ كتابي أن يأخذه على أنه تجربة جديدة لمحاولة فهم قصة اختلطت فيها الحقائق والأساطير والكثير من التفاسير القديمة مختلط فيه الاسرائيليات بالحقائق الدينية ولا ينبغي أن نستسلم. ولقد قمت بالاشراف على رسالة ماجستير عن الاسرائيليات في تفسير الطبري وكنا نظن أنها من التفاسير وجاءت بأصول هذه الاسرائيليات ثم اتصلوا بالباحثة ليأخذوا منها حق نشر الكتاب وكأنهم يريدون أن يقولوا أن هذا الاسلام الذي يدّعون أنه جديد ما فيه جديد غير ما اقتبسوه من العهد القديم فيجب أن ندافع باجتهادنا والشرط ان ى نسكت ونُمسِك عن الكلام لأن القدماء والسلف قالوا. وهناك بعض العقول المتجمدة التي لا تريد أن تتزحزح مع العلم أن زحزحتها تفيد في تنوير الفكر الاسلامي.
بداية آدم نتفق فيها جميعاً نبياً ورسولاً لكن ما قبل آدم، كيف خُلِق؟ من أي زمن كان؟ بعضهم يقول من عشرة آلآف سنة ووضعوا جدول وهذا كلام ثابت في العهد القديم ونحن لا نصدق العهد القديم ومنهم من يقول من مئة ألف سنة. ما سنده وما دليله؟ وليس من حق أحد أن يقطع بهذا الأمر وإنما يظن فالمسألة تُلقى على سبيل الاحتمال ولا يُلقى كلام قطعي ونحن جميعاً نجتهد والرسول r "قال من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد".
سؤال من الدكتور هداية: هل كان هناك بشر قبل آدم وحواء؟ وهل كان الاصطفاء من بين بشر؟
الجواب: الاجتهاد في هذا الموضوع بدأ من النصّ القرآني (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) (إذا) في منطق الاجتهاد الذي قمت به ظرف لما يستعجل من الزمان والقدرة الإلهية الذي يقول للشيء كن فيكون لكنه فُرِض علينا أن نفهم الأمور عكس هذا الفهم فهو خلق البشر لكن هناك مدى يتم فيه التسوية في إطار فائدة. يمكن أن تكون (إذا) مساحتها الزمنية ثانية واحدة (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) وقد تكون ملايين السنين والعلم الذي تلقيناه عن بعض العلماء وإن كان بعضهم يخرج للأساطير حتى ينضج الانسان ويستوي عقله ويصل إلى درجة يتقبل فيها الرسالة ويتفهم فيها مفهوم الألوهية والربوبية والوحدانية مضت عليه ملايين السنين هذا كلام قالوه وهناك إثباتات جيولوجية. أنا رجل لغوي وأنا أعلم أن اللغة التي نتحدثها الآن واحدة من ثلاثة آلآف لغة . متى نشأت وكيف نشأت وكيف نعلم الجوّ الذي نشأت فيه اللغة الأولى ثم كيف تعددت اللغات إلى أن أصبحت ثلاثة آلآف وهو كتاب سأنشره. أنا كلغوي أفهم القانون اللغوي وحتى يشيع في المجتمع يحتاج إلى مئات السنين . تتماشى لغتنا الفصحى مع لغة القدماء وهناك من يتمنى زوال اللغة الفصحى ويقولون نحتاج إلى لغة بسيطة سهلة غير معقدة. وأقول أن أبسط اللغات هي أكثرها تعقيداً الفرنسية مثلاً هي أكثر تعقيداً من العربية ومع ذلك نجد من يصفها بالبساطة والجمال واللغة العربية ينهال عليها التهم. يكفي أن يُقال أن أصناف تصريف الفعل في الفرنسية 13 طريقة لتصريف الفعل بينما في العربية يوجد ثلاث طرق الماضي والمضارع والأمر ومع ذلك يريدون أن يزيلوا العربية وهي خطة لمحاربة الاسلام. ومن يتعوّد الحديث بلغة يتحدثها بسهولة واللغات تحتاج لقرون حتى تتكون.
(قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف بدأ الله الخلق) نحن مطالبون بالسير في الأرض والبحث عن الخلق. في كتاب فتح الباري للعسقلاني عندما وجد بعض الأحاديث تتحدث عن شكل آدم عندما خُلِق (كان طوله ستون ذراعاً وعرضه أربعة أذرع) قال وفي هذا إشكال عندما ننظر إلى ديار ثمود في شمالي الجزيرة العربية ونرى جثثاً قديمة متحجرة وقال عندما ننظر إلى أجساد الثموديين (قوم ثمود) نجدها كأجسادنا والمسافة الزمني بين آدم وثمود أقل منها بيننا وبين ثمود فكيف نفسّر هذا الإشكال؟ نتركه لله تعالى وهذه عظمة العلماء السابقين يتوقفون عند ما يُشكِل عليهم ومن الأدب أن لا نقول فيما لا نفهمه شيئاً.
وهناك مسألة ثانية وهي فكرة الجنة وأن آدم خُلِق في الجنة وأنه أُهبِط منها إلى الأرض. حاولت أن أفهمها فلم أستطع إلا بضوء القرآن: الله تعالى يربط الخلق بالأرض (منها خلقناكم وفيها تعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) (فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تُخرجون) نحن مرتبطون بهذه الأرض والجنة يستخدمها القرآن بمعنيين : معنى غيبي وهو جنة الخُلد ومعنى دنيوي أرضي وهو الحديقة (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه) (جعلنا لأحدهما جنتين) (كما بلونا أصحاب الجنة) لم تُذكر جنة الآخرة حتى تُذكر جنة الدنيا. وُجِد آدم في جنة هيأها الله تعالى وقال له ولزوجه احذرا من الشيطان (لا يخرجنّكما من الجنة فتشقى) ثم يصف تعالى الجنة (إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) خواص الجنة هذه ستوفر له الأكل والشرب والظِلّ والكسوة. أين هذا من وصف الجنة الأخروية (وإذا رأيت ثمَّ رأيت نعيماً وملكاً كبيرا) (مثل الجنة التي وُعِد المتقون)؟ جنة الدنيا فيها الطعام والشراب والكسوة والظل معنى ذلك أن آدم على الأرض فوسوس لهما الشيطان (فقال هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى) معنى هذا أن معلوماتهما وتجربتهما الحياتية أعطتهما فكرة عن الخلود والمُلك الذي لا يبلى وأنها أمنية يتمنيان أن يصلا إليها ويعدما بها الشيطان. الحالة التي كانوا فيها في الجنة متواضعة والشيطان أغواهما ولا شك أنهما رأيا تجربة الموت وانظر إلى حوار ابني آدم فلو كانت أول تجربة للقتل لما قال ما قال (لأقتلنّك) (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) هذه تجارب حياتية حيوية ومع ذلك فهو اجتهاد ولا يختلف مع أصول العقيدة وثوابتها ويمكن أن يصل بعض المجتهدين إلى أن الجنة في زُحل أو المشتري أو غيره من الكواكب ولا أحد يستعلي على العلم ويكبر على المعرفة أما أن تتحجر العقول فيصل بعضهم في الإسفاف إلى حدّ التكفير ومع ذلك فلقد مرّت وكأن لم تكن بالأمس وحسمها القضاء من ناحية ومجمع البحوث الإسلامية من ناحية وأعتقد أن الله تعالى سيتولى إسكاتها تحقيقاً لأمنيتي أن ينصر الله الحق ويخذِل الباطل.
سؤال من د.هداية: من الواضح في الكتاب التركيز على بشر وإنسان والكتاب أنا أراه مستوفياً هذه الجزئية لكن بعض المشاهدين لم يطّلعوا على الكتاب وأرجو أو توضح الفرق بين بشر وإنسان والتركيز على كلمة خليفة وقد ثار جدل حول ما قلناه سابقاً حول هذه الكلمة. فبعض الكلمات استقرت في الأذهان على مفاهيم خاطئة فإذا شرح أحدنا فهمه للنصّ يُكفّر.
الجواب: كان المنطلق إلى هذه القصة بداية سورة ص باعتبار أن النص في السورة هو أول نص تناول هذه القصة والمهم والغريب أن نص سورة ص لم يذكر آدم إطلاقاً إنما اقتصر على بشر (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهنا مسألة غريبة جداً يسوقها بعض المعارضين يقول إن الله عز وجلّ يقص علينا قصة خلق آدم (قال يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي) ويتخيلون الله تعالى كما يتخيلون أنفسهم نحن نعلم أن اللغة العربية تستخدم كلمة يد للدلالة على القدرة بالاضافة (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا ) فليس الخاق بيدي الله تعالى مقتصر على آدم لكنه سارٍ في فهمنا لخلق الأنعام (يُنبت لكم) (هو الذي أنزل من السماء) بقدرته وبيديه هذه مسألة يجب أن نحسمها ونهندس فكرة المشاهدين عن ألفاظ القرآن ومن ناحية أخرى ما جاء في سورة ص. المدخل هنا يتحدث عن بشر ثم جاء قصة البشر وآدم (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) و(ثم) كما نعلم تفيد الترتيب والتراخي وجب أن يفسر القرآن بعضه بعضاً وأنه لا نتوقف أمام رؤية محددة وإنما يتعاون النص القرآني على الفهم. هنا عندما ذُكِر آدم وهو في الواقع كما قلنا ونحن موقنين بهذا أنه أول نبي وهو بداية الدين ومرحلة النبوة وبداية الحضارة الإنسانية فالإنسان المكلّف هم بنو آدم الذين شاء الله تعالى لهم أن يتلقوا علم الدين وحضارة السماء عن طريق نبوة آدم. كيف حدث هذا في خطواته الأولى؟ هذا شأن الله تعالى لكن المهم أن آدم البشر دخل في مرحلة الإنسانية فصار إنساناً بشراً ولذلك يصح أن يقول القرآن للنبي r(قل إنما أنا بشر مثلكم) بحسب الأصل أي أنا من البشر الذين خلقهم الله للتكليف وإنما الدين لينقلكم من المرحلة البشرية إلى المرحلة الإنسانية وقد جئت خاتماً للنبوات وداعياً إلى توحيد الله بالإسلام دين كل الأنبياء وهذه قضية أخرى لكن المهم أننا لا نتناقض مع آيات القرآن ولا مه فهمنا للقرآن ولا نفتري على القرآن وإنما نتحدث حديثاً منطقياً مع القرآن وسائراً مع معانيه ببساطة ومن كان له رأي آخر فليقله كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نزل قوله تعالى (ألا له الخلق والأمر) قال عمر: من كان له شيء بعد ذلك فليقله. أنا أعرض اجتهادي ولا أزعم أني ملكت الحقيقة وحدي وإنما أعلم أن أناساً قبلي أفضل كثيراً مني قالوا مثل هذا الرأي أنه قبل آدم كان هناك أوادم كثيرة منهم وفي مقدمتهم محي الدين العربي وهو فيلسوف وله نظرية اجتهادية ولا نستطيع أن نخطّئه فمن أراد أن يُخطّئ فما هو دليله؟ وأنا اعتمدت على القرآن وهو يغنيني عن الكثير ولا يوقعني في التفسيرات المتضاربة.
أنا بشر وأنا إنسان ولم أفقد بكوني إنساناً أني كنت بشراً وسأُبعث يوم القيامة بشراً وإنساناً في نفس الوقت.
كلمة خليفة: (وإذ قال ربك للملائكة إن جاعل في الأرض خليفة) خليفة بأي معنى؟ هل هو خليفة عن الله؟
في الواقع وهذا فيما أرى مذهب سائغ في الفهم لا يمكن أن يسلّم لأن الله تعالى لا يغيب حتى يتخذ خليفة (وهو معكم أينما كنتم) (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) حتى الملائكة التي وُصِفت بأنها حفظة (إنا عليكم حافظين) ليسوا خلفاء ولا يوصفون بأنهم خلفاء وإنما هم موظفون في خدمة النبي وذريته من بني آدم ويكفي أن يقتصر النداء في القرآن على (يا بني آدم) لنعرف كيف خصص الله تعالى هذه الذرية بهذا التعظيم وكيف ذكرهم بهذا التخصيص وحدهم. إننا لا نستطيع أن نقول من كان يعمر الأرض قبل آدم أو ما زال يعمر الأرض بعد آدم كل هذا علمه عند الله تعالى. وعلينا أن نتعلم الأدب من القرآن عندما يأتي بقصة من التاريخ يقول تعالى (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) على إخوة يوسف (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك) الأدب أن نكِل علم ما لا نعلم لله تعالى فنحن بيد الله عز وجل وما نتلقاه من علم الله نقول به ونتلقاه بالحمد والشكر والتواضع لله تعالى (وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا) فعندما نقرأ (إني جاعل في الأرض خليفة) خليفة أي رسول موظف وظّفه الله تعالى وعندما يقول خليفة على الذين وصفتهم لملائكة بأنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء وهذا دليل على وجود خليفة مع أنها قراءة شاذة لكني لا آخذ بها ولذلك خليفة تعني موظفاً ونبياً سيقوم بتبليغ دعوتي وكل الأنبياء مرسلون من قِبَل الله تعالى (وتلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) الرسل كلهم من خلفاء الله تعالى أي ممن اختارهم الله تعالى لحمل رسالته هذا ما يؤدي إليه اجتهادي في فهم خليفة.
من عام 1967 إلى 1998 كنت أعيش الفكرة وأناقش نفسي فيها والذين يناقشون الكتاب لم يقرأوه ومن يناقش يناقش بانطباع وفِكر اللحظة فذكرت أمام أحد الفضلاء عندما كنت في المدينة المنورة وهو الاستاذ محمد المجذوب رحمه الله سمع مني كلمة خليفة وظنّ أنني أقول أنه خليفة عن الله فقال كيف تقول هذا؟ هل الله يغيب حتى تقول خليفة عن الله فشكرته لأنه فتح علي فهماً جديداً وقلت له لقد علّمتني شيئاً لم أكن أعلمه وهذا ما ينبغي أن يكون سلوكنا.
سؤال من الدكتور هداية: أطلب عرض الفكرة كاملة هل كان لآدم أب وأم؟ فهل طُرِح هذا في الكتاب؟
الجواب: لو أني سرت مع البشر عندما خُلِقوا وسرت معهم وهم ينالون تسوية الله لخلقهم ثم سزت معهم في نفخ الله تعالى من روحه ومنحهم العقل الذي هو مقصود بقوله (ونفخت فيه من روحي) الروح هنا ليست روح الحركة في تفسير الكتاب لأن الحركة موجودة في كل كائن ولكن من نِعَم الله تعالى أنه نفخ فيه من روحه ثم أتخيل وأنا لغوي كيف اهتدى الإنسان إلى توظيف صوته وكيف استخدم الصوت وكيف خصّه بالمعنى وكيف كوّن التركيب الأول ليقل بابا وماما وهي من أقدم الكلمات وهي كلمات فصحى ثم بعد ذلك تطوّر توظيف الصوت عبر القرون ومن جيل إلى جيل ومن قبيلة إلى قبيلة ومن لغة إلى لغة ومن لغة إلى لهجة كل هذا أيمكن بكل بساطة أن أفهمه أنه تمّ بين لحظة وأخرى؟ كلا فلا بد من الزمان لأن الزمان قانون الله وسنة الله في الخلق.
وهنا كانت مداخلة للدكتور محمد المسيّر أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر:
شكر الدكتور المسيّر للدكتور هداية استضافة الدكتور عبد الصبور شاهين وبدأ مداخلته فقال: أرسطو يقول : أفلاطون حبيب إلى نفسي ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع.
بالنسبة للقضايا توجد مسائل ليست محل خلاف نشأة عمر الدنيا، نشأة الدين وموقفنا من الإسرائيليات. لكن القضايا الأساسية هي محور الخلاف: هل آدم فرد أم نوع؟ إذا قلنا أن آدم نوع هذا يتعارض مع النصوص الشرعية فآدم فرد.
هل الكائنات نشأت عن طريق تطوّر الأنواع كما هو مذهب داروين؟ أظن أن الدكتور شاهين نفسه يرفضه فأين الخلق المُستقل إذا كان آدم نشأ من البشر؟ أنا لا أجد فرقاً بين نشأة آدم من البشر ونشأة الإنسان من الخليّة الأولى.
هل تفاصيل صفة آدم والنشأة الأولى هي مسألة علمية تجريبية أو مسألة دينية؟
المسأة دينية (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض) العلم يقول كلمته لكنها تبقى ظنّية ولن تكون تعينية. التفرقة بين البشر والانسان أرى أنها مصطنعة فالألفاظ المترادفة كثيرة جداً في اللغة ما صدق واحد كما نقول في المنطق. كلمة بشر لها دلالة وكلمة إنسان لها دلالة من حيث المفهوم لكن ما يصدق عليه اللفظ هو واحد. ثم القول أن البشرية كانت صمّاء بكماء عمياء ثم جاء منها آدم، فهل آدم فرد أو نوع؟ هل خرج من هذه البشرية نوع فرد واحد هو آدم أم أنه تحوّل إلى أوادم؟ القول أن آدم نشأ من البشرية وهو وحده أظن أن هذا بعيد جداً ويتنافى مع نصوص القرآن الكريم. فقضية أنه يوجد مشروع لبناء الانسان وإن هذا المشروع مرّ بمراحل أعتقد أنها من الخيال الجامح عند الدكتور وأظن أن الدكتور رفض الخرافة لكن لديه خيال الشعراء فخيال الشعراء جمح به إلى هذه المعاني كلها.
ثم إن جنة آدم هل هي في الأرض أو في الملأ الأعلى أظن أن إطار القصة يضعها في إطار الملأ الأعلى فهل عندما علّم آدم الأسماء كلها كان في الجنة الأرضية وهل سجد الملائكة لآدم في الجنة الأرضية؟ فما الفرق بين البستان الأرضي وبقية الأرض؟
أنا أتصور أن ظواهر القرآن تُحترم ما لم يكن هناك صارف عقلي أو علمي يدفعني لذلك.
مسألة خليفة الله لها أكثر من معنى ومستحيل أن تكون خليفة عن الله. خليفة بمعنى حاكم ويخلق الكائنات الأخرى التي سبقت لآن آدم خاتمة الخلق الإلهي لأن كل الكائنات خُلِقت قبل آدم (وعلّم آدم الأسماء كلها) قال تعالى (إني خالق بشراً من طين) ليس المقصود آدم وإنما المقصود به ذرية آدم (يسفكون الدماء).
الجواب:
هل هي مسألة دينية أم مسألة علمية؟ هي بين الاعتبارين هنالك ما يتصل بالفهم الديني والعنصر الديني وفي نفس الوقت هنالك أمور تتصل بالعلم ربما نفيده من بحوث العلم في تاريخ الخلق على الأرض والموجودات على الأرض وأظن أن هناك معايير الآن لقياس زمن الوجود وتكوّنه عن طريق الإشعاعات النووية وهذا ليس من اختصاصي وإنما يقول به بعض العلماء المسلمين. أنا أعتبرها مسألة يتعاون فيها الفكر الديني مع العلم لتكوين فكرة جديدة متكاملة عن حقيقة هذا الأمر.
جنة آدم: يقول الدكتور المسيّر أن جنة آدم في السماء أوقع من أن تكون على الأرض هذا اجتهاده وأنا لا أُصادر عليه وربما استدل بقوله (اهبطوا منها جميعا) تفسير أنها نزول من السماء إلى الأرض وهنالك من يفسرها وأنا منهم أفسرها على أنها هبوط منزلة ودرجة كما قال موسى لقومه (اهبطوا مصر) والقرآن يتحمل هذا المعنى.
خليفة: اتفق معنا الدكتور المسيّر بأنه لا يمكن أن يكون خليفة عن الله وهذا ما اخترناه في تفسير قوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) ولكن البعض تكلم أن من يقول أن آدم ليس خليفة الله فقد كفر فما رأيكم في هذا؟ الله تعالى أعلم بما يفعل وبمُراده بذلك فمن تصور أن آدم ليس خليفة عن الله فهو كافر. أما خليفة بأي معنى فنحن نكِل هذا إلى عِلم الله تعالى ونحن ننزّه الله تعالى أن يكون له خليفة أو أن يغيب عن خلقه لحظة واحدة (وهو معكم أينما كنتم) لكن آدم خليفة من الله وليس خليفة عن الله؟
هل آدم فرد أم نوع؟ آدم رسول من الله ولا يمكن تحويله إلى نوع إلا بعد ذلك وإنما صار بعد ذلك أصل النوع الإنساني المدعو إلى الدين والتكليف. قبل آدم لم يكن هناك تكليف ولا دين وكانوا قبله يفسدون ولا تكليف لكن لما جاء آدم أصبح هناك تكليف وقُلتُ أنه لا حضارة بلا دين وأن آدم بُعِث بالدين بالإسلام الذي هو دين الله وهو الاسلام. فلا دين من آدم إلى محمد إلا الاسلام هذه هي عقيدتنا وكل حرف جاء به نبيّ فهو جزء من تعاليم الاسلام الذي هو دين الله (إن الدين عند الله الاسلام).
هل المسألة في وجهة نظرك دينية أم علمية أم مزيج بين الاثنين؟ هي قضية دعوة للعلم وليس فخراً أني ارتبطت بالعمل في مجال الدعوة منذ عام 1943 عندما كان عمري 13 عاماً ولم أفارق المنبر منذ ذلك التاريخ حتى الآن حتى أنني أتخيل أحياناً أني من فوق المنبر اخِرُّ في رحلتي إلى ربي. ارتباطي بالدعوة عرّضني للكثير من مناقشة قضايا الخلق والتفسير وقد خطبت على المنبر إحياء علوم الدين كاملاً والترغيب والترهيب كاملاً وحفظته وصحيح البخاري ومسلم كاملاً عرّضني لمناقشة كثير من القضايا والأسئلة وعندما بدأت أعمل في سنّ النضج والثقافة بدأتُ سنة 1957 السنة التي تخرّجت فيها من دار العلوم وبدأت أقدّم لقرّاء العربية كتباً إسلامية لأنني فيما أُبلِغت أني لا مستقبل لي بعد التخرّج في عمل مدرّس أو مُعيد ولا أي وظيفة في البلد فقررت أن أعمل مترجماً وتعلّمت الفرنسية وساق الله تعالى لي فيما قدّره المفكّر الإسلامي مالك فترجمت كتبه وهي متصلة بمشكلات الفكر الاسلامي منها الظاهرة القرآنية طُبع منه أربعون طبعة إلى الآن وهو أعظم كتاب صدر في القرن العشرين وهو كتاب متميز وقدّم له الدكتور محمود شاكر وهو أكثر من طه حسين والعقّاد ديناً. وتقلّبت في كثير من الكتب ويكفي أن أقول شيئاً سألت الله أني عندما ألقاه أن يؤتيني يوم القيامة نسخة من كتاب دستور الأخلاق في القرآن للدكتور محمد عبد الله دراز حتى تكون شفيعاً لي بين يدي ربي. هذه مسألة أفخر بها واشتغالي بالترجمة فتح لي الأفكار ورقّ عقلي. المسألة دعوية أساساً وفي كتاب اسمه تاريخ القرآن الذي طُبِع منه 35 طبعة ويُدرّس الآن مقرراً على كثير من الكليات في معهد الدراسات الإسلامية وكتبت في القراءات القرآنية وأدخلتها في مجال دراسات التخصص الأكاديمية في الماجستير والدكتوراه. فهل يمكن أن أُتّهم في عقيدتي أو أنني أفرِّط في عقيدتي فأنا أفتديها بحياتي.
سؤال من الدكتور هداية: رأيكم في خلق حواء هل خُلِقت من ضلع آدم أو من تراب؟
الجواب: قرأت بحثاً نُشر أن هذه القضية متداولة في بعض الأساطير والحكايات في وسط آسيا وأنها وُجِدت في كتب العهد القديم ويصفون أن آدم جلس فنام ثم فتح عينيه فرأى حواء وكلها أساطير وشاعت حكايات ثم تبناها الكثيرون على أنها منطلق عقدي. أيهما أكثر منطقية أن يكون آدم وحواء خُلِقا مخلوقين بسُنّة الله تعالى وبالقاعدة الخلقيّة من سلالة البشر (من سلالة من طين) أم يُقال آدم بمساحة 240 متراً مربعاً ثم تصاغر وتصاغر وأن حواء خُلِقت من ضلعه مع أن عدد الأضلاع متساوية عند الرجل والمرأة ويُقرُّ بذلك العلماء. أنا لا أُفسّر الغيب ولا أزعم أني أعرفه ولا أفرض أني وصلت للحقيقة لكني أفرض احتمال الحدوث على هذا النحو ولكن في النهاية الله أعلم.

بُثّت الحلقة بتاريخ 4/7/2004م
ملاحظة:
اقرأوا الرسالة الموجّهة من أحد الإخوة للدكتور عبد الصبور شاهين رداً على ما قاله حول كتاب أبي آدم
ولقراءة الرسالة باللغة الانجليزية اضغط هنا




_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:51 pm


حلقة الموت (11) – تتمة حديث خروج الروح
ضيوف الحلقة الدكتور محمد هداية والشيخ عمرو عطية
بدأ الدكتور هداية الحلقة بشكر الدكتور عبد الصبور شاهين على حضوره في الحلقة السابقة للحوار حول ما جاء في كتابه أبي آدم وأشاد الدكتور هداية بطريقة عرض الدكتور شاهين للفكرة والتوضيح والتلقّي والتفكّر. وكيف أنه ضرب لنا مثالاً في يجب الاستفادة منه وهو أنه استمرفي فكرته يتدبر فيها ويقلبها بين آراء العلماء منذ عام 1967 إلى عام 1998 وسيناقش الدكتور هداية الفكرة مع الدكتور شاهين بعد أن يلتقيه خلال الأسبوع المقبل ثم يعرض رأيه الخاص فيها في الحلقات المقبلة بإذن الله تعالى. ومن اللافت أن ننبه أن الدكتور شاهين لم يتعرض أو يجتهد مع نصّ أو في أمر انتهى إليه أهل الأصول وإنما هو اجتهد في موضوع ووضع رأيه بين آراء المفسرين ليبحث فيها المعاصرون واللاحقون. والموضوع الذي طرحه الدكتور شاهين لا يخص العامّة من الناس وإنما يخص الخاصّة وبعضاً من العامّة الذين يبحثون في هذه المواضيه ولهم شأن بها. لهذا نقول أن الدكتور شاهين ليس في موضع اتهام أصلاً وإنما اجتهد كما اجتهد غيره من علمائنا في هذا العصر أمثال الدكتور رمضان عبد التةاب وعبد الله شحاته رحمهم الله تعالى فقد أثروا المكتبة الاسلامية. وإذا أخذنا مثالاً على ما نقول نجد في تفسير قوله تعالى (ونحن أعلم ما توسوس به نفسه) فسّر الكثيرون بل حوالي 90% منهم كلمة الوسوسة على أنها الصوت الخفي ونحن لا نُعيب هذا التفسير لكننا نقول أن لهؤلاء العلماء قالتهم ولعلماء هذا العصر قالتهم أيضاً ولولا ما قالوه ما احتهدنا ولا قلنا ما لدينا من آراء. وأنا أقول كرجل لغة أن كلمة الصوت الخفي لا أساس لها من الصحة وليس هناك ما يُسمى صوت خفي فالصوت صوت والضوء ضوء والصوت أُذن والضوء عين فلة قصد العلماء الحديث الخفي لكان هذا مقبولاً لغوياً لأنه كما قلنا لا يوجد صوت خفي وإنما نقول الوسوسة هي حديث النفس أو حديث الشيطان وسُمّي وسوسة لأنه حديث لا يُسمع فعل إذا قلنا هذا نكون قد ضيّعنا اجتهاد العلماء السابقين كالبيضاوي وغيرهم؟ أقول لا مانع من أن نجتهد نحن كما اجتهد العلماء السابقون والدكتور شاهين اجتهد وأسأل الله أن يكون له أجران أجر الاجتهاد وأجر الاصابة. والإصابة ليس معناها الوصول إلى الحقيقة لأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى الحقيقة حتى إن وصل لها فهو لا يعلم أنه وصل لها. لكن الإصابة كما أراها أن يكون صادقاً في إخلاصه وفي اجتهاده في العمل. ولو كان هناك تفسير واحد واجتهاد واحد لآيات القرآن الكريم لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس به ولكان وضع لنا تفسيراً واحداً للقرآن إلى أن تقوم الساعة. ولولا الاجتهاد والتأويل لضيّعنا قيمة القرآن ويجب على كل أهل زمان أن يكون لهم قولتهم فقوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم) فسّرها الأعرابي الذي سمعها منذ قرون أنها من قدرة الله تعالى وجاء العلم الحديث وشرح لنا الدكتور زغلول النجار هذه الآية من وجهة نظر علمية فالأعرابي فهمها بدافع إيمانه والتسليم للنص القرآني ولا بد في كل زمان أن يعجز أهل ه عن الوصول إلى الحقيقة المطلوبة, ولا يمكن لأحد أن يصف الله تعالى الإله الحق فكنا مؤمنون به لكننا نعجز عن وصفه " لايستطيع مخلوق لله أن يصف الإله الحق كل الحق حتى إذا صادف قوله الحق لا يدري هو أنه وصل إلى الحق". وبما أنه يصعب وصف الله تعالى فبالتأكيد يصعب وصف كلامه تعالى لأن الكلام وسيلة التفاهم بين المتكلم والمستمع ونحن في حياتنا اليومية لا نستطيع أن نصف إنساناً ما إلا بعد أن نسمع كلامه فنصفه أنه مؤمن، كافر، جاهل، عالم، متعلم أو غيره. ومن المهم أن يجتهد كل منا في القرآن الكريم قدر امكانه في زمانه ثم يأتي بعدنا آخرون يقرأون ما اجتهدنا فيه فيأخذون منه ويضيفون عليه ويقرّون بعضه ويردون بعضه وهذه عظمة القرآن الكريم لكن مع هذا كله علينا أن نعترف بآراء الآخرين ونُقرّ اجتهادهم ونضع كلامنا إلى جانب كلامهم للبحث فيه. وعلى المجتهد أن يكون عالماً بعلم الأصول والفقه والتفسير وأن يكون دارساُ للغة عالماً بها ومن هنا أقول أن الدكتور عبد الصبور شاهين على رأس من له حق بالاجتهاد في التفسير.
قرأ الشيخ عمرو عطية آيات مباركات من سورة ق:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
لو تأملنا في آيات القرآن الكريم لوجدنا أن كل مجموعة آيات تتحدث عن خروج الروح تُذكر كلمة قرآن. ويجب أن نتوقف عند سورة ق طويلاً لأنه من الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأها يوم الجمعة وفي العيدين ولو قرأنا السورة بتدبّر وقرأنا كيف ردّ الله تعالى على ما قاله الكفار في بدايتها لوجدنا عجباً. فالسورة تنقسم إلى أقسام هي:
من الآية 1 – 3: يعرض الله تعالى لما قاله الكفار ولِما تعجّبوا له من إرسال الرسول ومن البعث بعد الموت (ذلك رجع بعيد).
الآيات 4 – 15 و 16 – 37 و 38 -45 يردّ الله تعالى على القضية التي ادعاها الكفارفي ثلاث فقرات تبدأ كل منها بـ (قد، ولقد، ولقد) ولقد ردّ الله تعالى عليهم بأن إعادة الشيء أهون من بدئه وخلقه هذا عمليناً وتجريبياً بالنسبة للبشر أما بالنسبة لله تعالى فقدرته سبحانه لا تُناقش وهو تعالى ليس كمثله شيء. وتعرض الآيات إعجاز الله تعالى في خلق السموات والأرض وغيرهما وفي وسط هذا يأخذ ملمحاً (ولقد خلقنا الانسان) ليمحو تعجُّب الكفّار من البعث.
معنى كلمة ق: قلنا أنه كلما يأتي ذكر لخروج الروح يأتي كلام عن القرآن أو تحدي بالقرآن أو كلمة القرآن قبلها. أول السورة يبدأ بـ (ق والقرآن المجيد) فإذا سألت ما معنى ق؟ أقول أن هذا السؤال لا أصل له ولا علم للسائل به لأنه ليس للحروف معاني فمن سأل ما معنى الحرف يعني أنه لا يفهم اللغة لأن الحرف في حد ذاته ليس له معنى إنما قد يكون له مدلول أو إشارة. وأقول أن الحروف المقطعة لها أسرار وليس لها معاني وتجدر الاشارة أن (ق) هي أول حرف مقطّع نزل من القرآن في ترتيب النزول. وقد قال أبو بكر الصديق لا تسألوا عن معنى ق أو كهيعص أو ألم أو يس أو طه لأنها من أسرار الله تعالى في القرآن. وقلنا سابقاً أن الكلام يصف المتكلِّم فعجزُنا عن وصف الله تعالى يُعجزنا عن وصف القرآن الذي هو كلام الله تعالى. ونحن نفهم القرآن على قدر طاقتنا وعلى قدر ما فتح الله تعالى به علينا وعلينا أن نفهم القرآن على مُراد الله تعالى فيه ونسأله تعالى أن يوفقنا لفهمه. ونلاحظ أنه عندما نزلت الحروف المقطعة لم يُذكر في السيرة أو في الأحاديث أن أحداً من الصحابة رضوان الله عليهم أو الكافلاين أو المنافقون سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناها مع أن المنافقين كان يمكن أن يتعرضوا للقرآن من هذا الباب لكنهم لم يفعلوا. ومن حكمة الله تعالى أن جعل سورة الفاتحة بداية الكتاب والسورة التي تليها مباشرة أي سورة البقرة تبدأ بالحروف المقطهة مع أن ترتيبها في النزول كان 57 وهذا من مُراد الله تعالى الذي لا نعرفه. واجتهادي الشخصي وفي توصيفي أنا أرى أن الناس على اختلاف فئاتهم (مؤمنين ومنافقين ومشركين) انقسموا قسمين منهم من فهم مدلول الله تعالى في هذا الحروف فسكت ولم يسأل ومنهم من لم يفهم ولم يسأل من قوة إيمانه. وتبقى هذه الحروف المقطعة سِرّاً من أسرار الله تعالى ومن أسرار حفط القرآن (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) وهذا سِرٌّ معجز ولو أن الناس عرفوا مدلول هذه الأحرف لجاؤوا بمثلها ووضعوا قرآناً. وأنا أقرأ سورة ق تذكرت بيتاً من الشعر للوليد بن المغيرة يقول فيه: قُلت لها قفي فقالت ق. وق هنا بمعنى وقفت أو أنا واقفة. ولقد استخدم العرب الأحرف المقطعة للدلالة على كلمات، وعندما سُئل الشاعر عن المعنى عرف مدلول الحرف لكن عندما يقول الله تبارك وتعالى ق نسمع الآراء الكثيرة وكأنها أسرار لا تقف على مدلول واحد.
فالحروف إذن ليس لها معاني في القرآن وإن دلّت في القرآن على شيء فهي تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة السّماع وليس قراءة الكتابة. فالقرآن يصف الرسول الكريم بالنبي الأمّي ولقد تحدثنا سابقاً عن معنى الأمي وقلنا أن ابن منظور قال في عرضه عن فحول اللغة أن الأمي هو الذي لا يكتب. والقرآءة تنقسم قسمين: قراءة عن سماع وقراءة عن كتاب فالذي تعلّم حروف الهجاء في المدرسة وكتبها يعرف القراءة والكتابة وهو يقرأ لأنه كتب أما الرجل الأمي الذي لم يذهب إلى مدرسة لو أجلسته مع شيخ يقرأ عنه سماعاً لكنه لا يكتب وهذا هو مُراد الله تعالى في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم إقرأ. وكيف نعرف أنه صلى الله عليه وسلم قرأ ؟ من الأحرف المقطّعة لأنه علِم اسم الحرف ومسمّى الحرف أيضاً أما الذي يعرف فقط مسمّى الحرف لا يمكن أن يُهجئ كلمة واحدة لأنه لا يعلم إسم الحرف. ولهذا دأب القرآن أن نقرأه ونتلقّاه سماعاً لأننا لو قرأناه كتابة قد نُخطئ. ومعنى كلمة قرآن من قراءة والقرآءة من سماع فلمّا اكتمل القرآن سمّاه الله تعالى كتاباً ولذلك لم تظهر كلمة كتاب إلا بعد استقرّت القراءة وأعلمهم أسماء الحروف وكتابة الآيات فأصبح اسمه كتاباً (ذلك الكتاب لا ريب فيه).
(ق والقرآن المجيد) الله تعالى أنزل القرآن تحدياً للكفار الذين استعملوا ق في شعرهم ثم يتكلم سبحانه وتعالى عن اعتراض الكفار على بعثة الرسول وعلى البعث فيردّ الله تعالى عليهم في ثلاث فقرات (ولقد خلقنا الانسان) أي أن الذي خلق قادر على البعث وله الحق بارسال الرسول. وحبل الوريد كما جاء في السورة هو العِرق الذي إذا قُطع مات الانسان فوراً وحبل الوريد تحتمل معنى حبل هو الوريد وهذا من باب عطف الخاص على العامّ أو الصفة على الموصوف. تكلم تعالى عن خلق الانسان أولاً ثم انتقل إلى الكلام عن سكرة الموت ثم ينتقل فجأة إلى يوم القيامة ولا يتكلم عن خروج الروح أو عن القبر والحكمة من عدم الكلام عنهم في سورة ق أنها فترة أقلّ من أن نتكلم فيها في هذه السورة أما في سورة القيامة وسورة الواقعة سيكون الكلام مفصّلاً. فالفترة في القبر قليلة مهما طالت بدليل ما جاء في سورتي الكهف في قصة أهل الكهف الذين بقوا ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعا وقصة العُزير الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه هؤلاء جميعاً لمّا سُئلوا كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو لعض يوم. فالأيام تُحسب بطلوع الشمس وغروبها وليس في القبر شمس فالميت يكون في انقطاع من الدنيا واقبال من الآخرة وبينهما فترة انتقالية مقطوع فيها الزمان وحتى لو سألنا رجلاً مات من عهد آدم كم لبثت لقال يوماً أو بعض يوم أيضاً. أما في سورة الواقعة فقد تكلم سبحانه وتعالى عن خروج الروح وعن إعجاز الله تعالى فيها (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم وأنتم نتظرون ) (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) وكذلك في سورة القيامة (حتى إذا بلغت التراقي وقيل من راق) من راق بمعنى من يُشفق عليه ويُعيد روحه؟ وكان التعقيب (فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذّب وتولّى) كذّب عكس صدّق وتولى بمعنى نأى وبعُد عكس صلّى فكأنما الذي يصلي يقترب من الله تعالى فصدق تعالى في قوله (كلا لا تطعه واسجد واقترب) فكلما سجد الانسان وصلّى كلما اقترب من ربه تعالى ورحم الله تعالى الدكتور عبد الجليل عيسى الذي قال في تفسير كلمة (صدّق) أن الله تعالى صعّفها ليجمع فيها معنى الصِّدق والتصدّق وهي كلمة تحتمل المعنيين.
سؤال: في القرآن 14 موضعاً للسجود فما الحكمة في ذلك؟
أولاً لا يجب لأن نقول ما الحكمة في أنها 14 موضعاً أو ما شابه لأنها لو كانت أكثر أو أقل لكنا سألنا نفس السؤال لكن علينا أن نطرح السؤال بشكل مختلف وهو لماذا نسجد عند قراءة هذه الآيات بالنحديد؟ ونقول أن السجود له معنيان المعنى اللغوي وهو الخضوع والخشوع والتذلل لله تعالى معنى اصطلاحي وهو أن تسجد بهامتك على الأرض بحيث يكون الرأس والرجلين على استقامة واحدة وهذا اعلان بمنتهى الخشوع والتذلل بين يدي الله تبارك وتعالى فعلينا أن نكون خاضعين لله تعالى خضوعاً تاماً (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) وهل يوجد أكثر من أن يموت للانسان شخص يحبه وهو واقف أمامه لا يستطيع أن يفعل له شيئاً؟! فالاسلام لله تعالى من كل من في السموات والأرض (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً أو كرهاً) وهذا اسلام خضوع. المسلم مسلمٌ طواعية وغير المسلم مسلمٌ كراهية لأنه لا يملك كل يوم عندما يستقيظ من أن يفعل ما لم يكتبه الله تعالى له فهو بهذا مسلم ٌ رغماً عنه. والسجود كذلك هو منتهى الخضوع لله تعالى ومنتهى الخضوع أن ترى حبيبك أو صفيّك روحه تصعد وأنت لا تستطيع أن تفعل له شيئاً فهو ميت ميت ولهذا لم يعقّب الله تعالى على هذه الآية وإنما ذكر بعدها أصناف الموتى الثلاثة (المقرّبين، أصحاب اليمين، المكّذبين) ومسألة خروج الروح هي أوقع وأعظم من أن يتكلم عنها القرآن لأنها واقعة واقعة تكلّم عنها أم لم يتكلم وعندما تكلم فيها في سور أخرى كان ذلك من باب الاعجاز ثم ترك تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ان يتكلم عنها في الحديث الشريف عن توصيف خروج الروح الذي بدأنا باستعراضه في الحلقة ما قبل السابقة. وكأن السُنّة النبوية والأحاديث الشريفة هي بمثابة مذكّرة إيضاحية للقرآن لكن لها حدود فالرسول صلى الله عليه وسلم لمّا تحدث عن الجنة في أحاديثه الشريفة قال:" فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" فكأنه عليه الصلاة والسلام يعجز عن وصف الجنة مع أنه رآها. وعليه فإن القرآن الكريم يتحدث في أمور ويترك أخرى للرسول صلى الله عليه وسلم ليتحدث بها.
قلنا سابقاً أن القرآن الكريم ما تكلم عن خروج الروح بطريقة الاعجاز هذه إلا وذكر كلمة القرآن قبلها. ففي سورة ق قال تعالى (ق والقرآن المجيد) وقلنا سابقاً أن النفس هي جماع الروح والبدن، وفي سورة الواقعة (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) ثم قال تعالى (فلولا إذا بلغت الحلقوم) ونسأل بلغت تعود لمن؟ للروح؟ أي روح؟ هل هي الروح بمعنى القرآن في السورة كما أوردنا في حلقة سابقة عن معاني الروح السِتّ المختلفة في القرآن كما قال الدكتور عبد الصبور شاهين في قوله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) الروح هنا ليست قوام الحياة وإنما هذه الروح منسوبة إلى الله تعالى والضمير في روحي يحتاج لوقفة طويلة، والوحيد الذي أخذ روحاً منسوبة إلى الله تعالى هو الانسان.
وفي سورة القيامة (حتى إذا بلغت التراقي) بلغت هنا تعود للروح وليس صُدفة أن تكلّم عن الروح والقرآن فكأن الله تعالى يريد أن يقول أن للمقرّبين والسابقين وأصحاب اليمين روحان روح هي القرآن (روحاً من أمرنا) وروح هي قوام الحياة وهو يختلفون عن المكذبين الضالين الذين ليس لهم روح إلا روح هي قوام الحياة. فالذي لم يكن مسلماً عندما يقرأ القرآن بعد إسلامه تتغير حياته فيصلّي ويصوم ويصبح له روحان روحه التي بين جنبيه والروح التي هي القرآن. فليس صدفة أن يتكلم تعالى عن القرآن ثم يتكلم عن خروج الروح (ق والقرآن المجيد) (إنه لقرآن كريم) (لا تحرّك به لسانك لتعجل به) أي القرآن. والمقرّبين كُرّموا بتكريمهم للقرآن والكفار كذبوا بالكتاب الذي هو كتاب أوامر ونواهي وفيه تكليف والنفس البشرية من طبيعتها أنها لا تحب التكليف. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في توصيف خروج الروح يوصّف لنا ما جاء في الآيات السابقة التي عجزنا عن فهمها. فمسألة الحلقوم هي المسألة السابقة لخروج الروح وفي سورة القيامة (إذا بلغت التراقي وقيل من راق) كأنه لو قيل من راق قبل التراقي تنفع. قال تعالى (وهو الذي قضى أجلاً وأجلٌ مسمّى عنده) معناها أنه يوجد أجلٌ للدنيا كلها وأجلٌ لكل واحد منا على حدة وأنا أعيب على الذين يقولون حينما يتوفى أحد الناس صغيراً سؤالهم هل مات ميتة ربه؟ فكأن هناك ميتة ربه وميتة غير ذلك! حاشا لله فالمولى تعالى لا يحتاج لأسباب للموت لكن مفهومنا نحن البشر ضيّق ومحدود.
ونصّ الحديث الشريف عن البراء بن عازب: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ولمّا يُلحد وفي يده عود ينكت في الآرض ففك رسول الله طويلاً ثم رفع رأسه وقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر ثلاثاً ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة تأتيه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس يجلسون منه مدّ البصر ثم يأتي ملك الموت ويجلس عند رأسه ويقول: يا أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من ربك ورضوانه وفي إحدى الروايات (النفس الطيبة) (وهنا استخدم كلمة النفس لأن الروح ما زالت في الجسد) وعندما تصعد الملائكة بالروح في السماء تسأل ملائكة السماء ما هذا الروح الطيّب؟
مناجاة:
أناجيك يا إلهنا لعلّك تسمع نداءنا، فقد عظُم جُرمنا وقلّ حياؤنا وحتى متى وإلى متى نقول لك العتبى ثم لا تجد عندنا صدقاً ولا وفاء. لولا لم يكن إلا الموت لكفى، كيف وما بعد الموت أعظم وأدهى فيا غوثاه بك يا إلهنا من هوى قد غلبنا ومن دُنيا قد تزيّنت لنا ومن نفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربُّنا فيا ربّاه إن كنت رحمت مثلنا فارحمنا، إرحمنا إذا ودّعنا الأهل والاحباب وحُثي علينا التراب وبليت أجسادُنا ونُسيت أسماؤنا وهُجرت قبورنا فلم يزرنا زائر وم يذكرنا ذاكر. إرحمنا يوم يأتيك كل منا فرداً شاخصاً إليك بصره مقلَّداً عمله وقد تبرّأ جميع الخلق منّا، ارحمنا إذا ظهرت منّا المآثم واستولت علينا المالم وطالت شكاية الخصوم وانتصرت دعوة المظلوم، إرحمنا إذا ذهبت أيام لذتنا وبقيت مآثمنا وتبِعاتنا فإن لم ترحمنا فمن يرحمنا ومن يُؤنس في القبر وحشتنا ومن يُنطِق ألسنتنا إذا خلونا بأعمالنا وسألتنا عمّا أنت أعلم به منا، فإن قُلنا نعم فأين المهرب من عدلِك؟ وإن قُلنا لم نفعل قلت اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، فعفوك يا الله عفوك يا أرحم الراحمين.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/7/2004م




_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
نبيلة محمود خليل
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
مديرة موقع الرحمة والمغفرة
نبيلة محمود خليل


عين تدمع
الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 17810
نقاط : 28623
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة
المزاج : الحمد الله
تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالإثنين يناير 18, 2010 6:52 pm


حلقة الموت (12) – تتمة حديث خروج الروح
الموت كما قلنا في الحلقات السابقة هو نقض الحياة والذي يجب أن نعرفه ونفهمه من الأحاديث هو أن نسير على سُنّة رسول الله r لأنه حينما يتكلم في أمر ونبحث فاذا يحدث في مجتمعنا المسلم كثيراً ما نرى أن البِدع قد تفشت والنتشرت والناس أصبحوا يغلّبون البدعة على السنة لأن العُرف غلب فالمسلم يجب أن يفهم القرآن في ضوء السُنّة وتوجد في القرآن آيات يجب أن ينساها المسلم ويجب أن يعمل بها ولها من هذه الآيات في توصيف الحقّ تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى.
وأريد أن أنبّه الناس أن بعض الدعاة هداهم الله وخطباء المنابر يقولون أن الله تعالى يقول كذا في الأحاديث القدسية وهذا لا يجب أن يكون فالله تعالى تكلم في القرآن والأحاديث القدسية فما قاله تعالى في القرآن لا أستطيع أن أغيّره وما فعله الرسول r لم يفعله أحد من الصحابة وما في الأحاديث القدسية هو كلام الله تعالى نقله الرسول r فلا يمكننا أن نتخطّى الحديث. فإذا كان الرسول r يقول :"من تقوّل علي حرفاً فليتبوأ مقعده من النار" وبعض الدعاة يقولون للناس أن الله تعالى سيقول كذا وكذا وهذا لم يرد في القرآن ولا في الحديث. لقد تفشّت البِدعة بأن بدأ الأمر كلاماً ثم حكاية ثم انتشاراً على اعتبار أن الشيخ فلان قال ثم تصبح قاعدة. ثم أن محمداً r له توصيف في القرآن يجب أن نتّبعه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الاحزاب) ونحن كمسلمين عقيدتنا تكونت وجاءت من اتّباع الرسول r نقلاً عن الصحابة فما جاءنا عنه نلتزم به والصحابة رضوان الله عليهم لم يتركوا أمراً إلا وعرضوه على الرسول r فعله أم لم يفعله. فعلينا أن نتبعهم لأنهم أخذوا القرآن والسُنّة الصحيحة وأقول هذا الكلام لأم أكثر البِدع هي في الموت والدفن. وأسمع بعضهم عند الدفن يقول للميّت وكأنه يغششه إذا جاءم ملك الموت وسألك كذا فقل له كذا وكذا وهذا لم يرد عن سول الله r فالذين يدفنون بدون أن يقرأوا يفعلون هذا عن جهل وغير قصد فهل نغشش الميّت؟ هذه لا أصل لها ولم ترد عن رسول الله r.
لماذا نزور القبور؟ إذا تأملنا في الحديث عن البراء بن عازب نتعلم منه الكثير خرجوا في جنازة رجل من الأنصار فجلس الرسول ينظر إلى السماء والأرض ووصف الصحابة: كأن على رؤوسنا الطير كأنهم ينظرون إلى الرسول r يتعلمون منه لأنه نبيّهم ففي رواية قال الرسول r استعيذوا بالله من عذاب القبر وفي رواية الحاكم أن الرسول r قال أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاثاً فالرسول بقوله هذا علّم الصحابة أن أن يتعوذوا وتعوّذ هو أيضاً لأنه معلّمهم. فمن ذهب منا إلى القبور فالرسول r يوجهه للاستعاذة من عذاب القبر.
في البداية وجههم الرسول r وتعوّذ حتى يكون الأسوة (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) والرسول لم يذهب لدفن الأنصاري لكنه ذهب ليعلّم الأمة كلها. فالإنسان لا يذهب إلى القبور مع الأطفال والشاي والقهوة كما يحصل الآن ولا تجد بين هؤلاء الزوّار من يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وترى بعضهم نسي أن يترحّم على الميت أصلاً وبعضهم يتحادث في أمور الدنيا والعمل وغيرها. زيارة القبور ليست خاصة لقبر أبي مثلاً أو أحد من أهلي أنا لا أزور وإنما أتّعظ. وقد تفشّت بعض الأحاديث عن أن الموتى يتلاقون يوم الخميس فهل هذا معقول؟ وترى أحدهم يذهب يوم الجمعة ليُخبر أباه أن ابنته ستتزوج وغير هذا من الأشياء غير المعقولة. هذه تحتاج إلى وقفة لأن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.
ثم هل يشعر الميت بالزيارة؟ الرسول r قال تعوّذوا بالله من عذاب القبر قبل أن يقول ادعوا لأخيكم. فإذا ذهبت تدفن أحداً خُذ العِظة والميت له عليك حق الدعاء له لكنك أنت أولى عند رسول الله r كما يقولون في المثل الشعبي (الحيّ أبقى من الميت). ولنتذكر ما قاله الرسول r عندما مرت به جنازة يهودي فقال أفلت من يدي فسقط في النار لأن الرسول r كان حريصاً أن يُسلم كل الناس. وعلينا أن نركّز في حديث الرسول r حتى نصل إلى صحيح السُنّة وهوالاحتضار والموت والتسليم لقضاء الله تعالى والصبر والحمد ولا تأتي هذه الأشياء إلا بعد تصحيح العقيدة. فلنقارن بين رجل كفر عندما مات ولده وآخر صبر وحمد واسترجع فالذي صبر وحمد عنده رصيد إيماني وعقيدته سليمة فانتهى نهاية سليمة.
نعود إلى حديث خروج الروح:
عن البراء بن عازب خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل منالأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمايلحد، فجلس رسولالله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكتبه في الأرض، فرفع رأسه فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثا، (وفي رواية أعوذ بالله من عذاب القبر، ثلاث مرات) ثمقال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليهملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوطمن حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت – عليه السلام – ؛ حتىيجلس عند رأسه، فيقول : أيتها النفس الطيبة وفيرواية : المطمئنة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفةعين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسكوجدت على وجه الأرض، قال : فيصعدون بها، فلا يمرون – يعني – بها على ملأ منالملائكة؛ – إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب؟! فيقولون : فلان بن فلان – بأحسنأسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا -، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا،فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتىينتهي به إلى المساء السابعة، فيقول الله – عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين،وأعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال : فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له : من ربك؟! فيقول : ربيالله، فيقولان له : ما دينك؟! فيقول : ديني الإسلام، فيقولان له : ما هذا الرجلالذي بعث فيكم؟! فيقول : هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقولان له : وماعلمك؟! فيقول : قرأت كتاب الله؛ فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء : أن قد صدقعبدي؛ فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال : فيأتيه من روحها وطيبها، فيفسح له في قبره مد بصره، قال : ويأتيه رجل حسن الوجه،حسن الثياب، طيب الريح، فيقول : أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له : من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالخير! فيقول : أنا عملك الصالح، فيقول : رب! أقمالساعة، رب! أقم الساعة؛ حتى أرجع إلى أهلي ومالي.قال : وإن العبد الكافر وفيرواية : الفاجر إذا كانفي انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه،معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول : أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله، قال : فتفرق في جسده، فينتزعها كماينزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتىيجعلوها في تلك المسوح، وتخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدونبها، فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة؛ إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون : فلان بن فلان – بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا -، حتى ينتهيبه إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له – ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليهوسلم - : {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} -، فيقول الله – عز وجل- : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحهطرحا-ثم قرأ : {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريحفي مكان سحيق}-، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له : منربك؟! فيقول : هاه هاه، لا أدري! فيقولان له : ما دينك؟! فيقول : هاه هاه، لا أدري! فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول : هاه هاه لا أدري! فينادي منادمن السماء : أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرهاوسمومها، ويضيق عليه قبره؛ حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيحالثياب، منتن الريح، فيقول : أبشر بالذي يسؤوك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول : منأنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالشر! فيقول : أنا عملك الخبيث، فيقول : رب! لا تقمالساعة (إسناد الرواية الأولى صحيح وأما الأخرى ففيها يونس بنخباب وهو ضعيف) المحدّث: الألباني ، المصدر: مشكاة المصابيح رقم 1573

في نصّ الحديث ذكر للكافر وفي رواية الفاجر وأضع خطاً تحت الفاجر لأنه لمّا وصّف لنا الرسول r الحديث قال من آيات المنافق أنه إذا خاصم فجر وأرجو من كل مسلم يسمع الحديث أن يصحح وضعه فاليوم أفضل من الغد ولقد تتبعت الروايات عند الألباني الذي خرّج الحديث بكل رواياته ليخدم القضايا، ففي بعض الروايات ألفاظ معينة تخدمك في قضية السُنة الصحيحة كما في الحديث :من قال لا إلى إلا الله دخل الجنة" هذا حديث صحيح جداً بمفهومه وكذلك الحديث:" من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" كلها أحاديث صحيحة بمفهومها وليس بمفهومنا نحن والمسألة ليست مجرد كلام وإنما عمل وفي رواية مسلم لفظ يخدم هذه القضية :" من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" لأن الناس تتصور أن من قال لا إله إلا الله فقط يدخل الجنة والألباني لمّا جمع الروايات المختلفة للحديث خدم القضية.
وكأن الرسول عندما يقول (العبد الفاجر) وأية المنافق ثلاث أن الذي فيه خصلة من خصال النفاق يُبطلها والرسول r وضع المؤمن في ناحية والفاجر مقابل الكافر المنافق.
وعندما يذكر في الحديث (جاءته ملائكة بيض الوجوه) فالمؤمن غرفته تنير من الملائكة ويجلس الملائكة من المؤمن مدّ البصر كأنهم أتوا ليطمئن بهم وفي هذه اللحظة يعرف المؤمن إلى أين يذهب ولهذا في سورة الفجر يقول الإنسان يوم القيامة (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)) مقابل (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) هذه اللحظة أسمّيها لحظة نتاج الحياة الدنيا بما في الكلمة من المعاني هذه الدنيا التي ركضنا وراءها بكل طاقتنا. بعض المسلمين الذين نحسبهم على خير تأتي عليهم ساعات دنيا يفكرون بها في الدنيا في كل شيء وهم أناس جيدون ويفهمون الآخرة فلذا علينا أن نُراجع آيات سورة الفجر لأنه من السور القيّمة في هذا الموضوع. الدنيا قصة يجب أن نفهمها لأنه لو لم نفهمها (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ك (100) المؤمنون) يأتي الجواب (َلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وكفانا أنها تنتهي بقول ملك الموت للنفس ساعة خروج الروح. وهنا أريد أن أركز على نقطة أسمع بعض الدعاة يسمون ملك الموت (عزرائيل) وهذا لم يرد عن رسول الله r في الأحاديث الصحيحة وإنما هو من الاسرائيليات وقد ركّز عليها الألباني وعلينا أن نسمي ملك الموت كما قال الرسول r في الحديث فهو (ملك الموت) وليس عندنا عزرائيل.
تجلس الملائكة من الميت مدّ البصر وملك الموت مهمته قبض الروح وجلوس ملك الموت عند رأس الميت والملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة هؤلاء الملائكة أتوا لمهمة وهي تكفين الروح ونحن كبشر نكفّن البدن. وهذه قضية تبيّن أن الروح تحتاج لفهم جديد ويجب أن نفهم كيف نبقى المولى عزّ وجلّ وكيف ننام على فراش الموت وكيف نستعدّ للقاء الحق تبارك وتعالى. فالملائكة تجلس من الميت مدّ البصر والمتوفى يراهم. وفي الحديث إما أن تكون مطمئناً اطمئناناً وجدانياً لا فعلياً لأن النفس كما قلنا في حلقات سابقة إذا اكمأنت في الدنيا ضاعت والرسول r يعلّم الأمة وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو أول العشرة المبشرين بالجنة لم يجلس ويترك العمل بل أكثر من عمله يقول: أنا لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة والرسول r يقول "أنا لا آمن من مكر الله أن يخرُج النّفَس فلا يعود". فيجب أن نحتاط فهذا الرسول r الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر لم يجلس وإنما أكثر العمل قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله هوّن عليك ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر (هذا بمفهوم السيدة عائشة رضي الله عنها) قال لها r أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا وفي رواية أخرى (أفلا أكون عبداً شكورا) فالرسول عمِل وهو يتمنى أن يكون عبدا شكورا ولا يجزم قطعاً أنه هكذا.
يجلس ملك الموت عند رأس العبد المؤمن والملائكة على مدّ البصر معهم حنوط من الجنة والحنوط هو عبارة عن خليط من الروائح الطيبة المسك والزعفران . والبعض يسمع كلمة حنوط فيقول هل هو التحنيط؟ المهم وظيفة ملك الموت نهاية خروج الروح وقلنا سابقاً أن الروح تخرج عكس ما دخلت فيأخذها ملك الموت فلا يدعوها في يده طرفة عين ليضعوها في الحنوط والكفن فتخرج منه أطيب ريح في الدنيا وليس شرطاً أن يشُمّ المحيطين بالميت 





_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almaghfera.ahlamontada.com
مادو

مادو


الدولة : مصر
التوقيع : لا اله الا الله انثى عدد المساهمات : 985
نقاط : 1143
تاريخ التسجيل : 07/01/2010

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالثلاثاء يناير 19, 2010 8:53 am

:فكرية سيد:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جميلة

جميلة


الدولة : مصر
انثى عدد المساهمات : 1107
نقاط : 1272
تاريخ التسجيل : 15/09/2009

الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه   الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه Icon_minitimeالثلاثاء يناير 19, 2010 8:57 am

}الحياة سجن المؤمن وجنّة الكافر{

:9809:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الي محبي مشاهده محاضرات الدكتور هدايه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيديوهات اسلاميه مشاهده مباشره..
» الدكتور الفاضل
» رؤية الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم نحو الأحزاب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
~ منتديات الرحمة والمغفرة ~ :: منتدى مكتبة الرحمة والمغفرة :: قسم صوتيات و مرئيات متنوعة-
انتقل الى: