مكاشفه القلوب للغزالى
...............
بيان شدة الموت
سئل " صلي الله عليه وسلم " عن الموت وشدته فقال : ( إن أهون الموت بمنزلة حسكة في صوف ، فهل تخرج الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف ) .
وقال شداد بن أوس : الموت أفظع من هول الدنيا والآخرة علي المؤمن وهو أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض ، وغلي في القدور . ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بالموت ما انتقعوا بعيش ولا لذوا بنوم .
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال : إذا بقي علي المؤمن من درجاته شيء لم يبلغهما بعمله ، شدد عليه الموت ليبلغ بسكرات الموت وكربه درجته في الجنة ، وإذا كان للكافر معروف لم يجز به ، هون عليه الموت ليستكمل ثواب معروفه ، فيصير إلي النار . ( ص 175 )
وقال " صلي الله عليه وسلم " : ( موت الفجأة راحة للمؤمن وأسف علي الفاجر ) .
ويروي:( لو أن قطرة من ألم الموت وضعت علي جبال الدنيا كلها لذابت )
وروي عن موسي عليه السلام : أنه لما صارت روحه إلي الله تعالي قال له ربه : يا موسى كيف وجدت الموت ؟ قال : وجدت نفسي كالعصفور حين يقلي علي المقلي ، لا يموت فيستريح ، ولا ينجو فيطير.
وقال النبي " صلي الله عليه وسلم " : ( إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته ، وإن مفاصله ليسلم بعضها علي بعض ، تقول : عليك السلام تفارقني وأفارقك إلي يوم القيامة .
فهذه سكرات الموت علي أولياء الله وأحبابه ، فما حالنا ونحن المنهمكون في المعاصي وتتوالي علينا سكرات الموت بقية الدواهي ، فإن دواهي الموت ثلاث :
الأولي : شدة النزع – كما ذكرناه .
الداهية الثانية : مشاهدة صورة ملك الموت ودخول الروع والخوف منه علي القلب ، فلو رأي صورته التي يقبض عليها روح العبد المذنب أعظم الرجال قوة ، لم يطق رؤيته .
فقد روي عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال لملك الموت : هل تستطيع أن تريني صورتك التي تقبض عليها روح الفاجر ؟ قال : لا تطيق ذلك . قال بلي . قال : فأعرض عني . فأعرض عنه ثم التفت ، فإذا هو برجل أسود قاتم الشعر منتن الريح أسود الثياب ، يخرج من فيه ومناخيره لهيب النار والدخان . فغشي علي إبراهيم عليه السلام ثم أفاق وقد عاد ملك الموت إلي صورته الأولي ، فقال : يا ملك الموت لو لم يلق الفاجر عند الموت إلا صورة وجهك لكان حسبه . ( ص 177 )
الداهية الثالثة : مشاهدة العصاة مواضعهم من النار ، وخوفهم قبل المشاهدة ، فإنهم في حال السكرات ، قد تخاذلت قواهم واستسلمت للخروج أرواحهم ، ولن تخرج أرواحهم ما لم يسمعوا نغمة ملك الموت بإحدي البشريين : إما أبشر يا عدو الله بالنار ، أو أبشر يا ولي الله بالجنة .
ومن هذا كان خوف أرباب الألباب .
وقد قال النبي " صلي الله عليه وسلم " : ( لن يخرج أحدكم من الدنيا حتى يعلم أين مصيره ، وحتى يري مقعده من الجنة أو النار ) ( ص 178 )
_________________
اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا