مكاشفه القلوب للغزالى
في فضل الصلوات
قال محمد بن سيرين رحمه الله تعالي : ( لو خيرت بين ركعتين وبين الجنة لاخترت الركعتين علي الجنة ، لأن الركعتين رضا الله تعالي ، وفي الجنة رضائي ) . ( ص 235 ، 236 )
ويقال : إن الله تعالي لما خلق سبع سموات حشاها بالملائكة ، وتعبدهم بالصلاة لا يفترون ساعة ، فجعل لكل أهل سماء نوعاً من العبادة ، فأهل سماء قيام علي أرجلهم إلي نفخة الصور ، وأهل سماء ركع ، وأهل سماء سجد ، وأهل سماء مرخية الأجنحة من هيبته تعالي ، وأهل عليين وأهل العرش وقوف ، يطوفون حول العرش ، يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ، فجمع الله ذلك كله في صلاة واحدة كرامة للمؤمنين ،حتى يكون لهم حظ من عبادة أهل كل سماء ، وزادهم القرآن يتلونه فيها ، فطلب منهم شكرها ، وشكرها إقامتها بشرائطها وحدودها ، قال الله تعالي : (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم -ينفقون ) ( البقرة آية 3 ) وقال : ( أقيموا الصلاة ) ( البقرة آية 43 ) وقال : ( وأقم الصلاة ) ( هود آية 114 ) وقال : ( والمقيمين الصلاة ) ( النساء آية 162 ) (ص236)
وقد قيل : إن في الصلاة اثني عشر ألف خصلة ، ثم جمعت هذه الإثنا عشر ألفاً في اثنتى عشر خصلة ، فمن اراد أن يصلي فلابد أن يتعاهد هذه الاثنتى عشرة خصلة ، لتتم صلاته ، فستة قبل الدخول في الصلاة وستة فيها :
أولها : العلم : لأن النبي " صلي الله عليه وسلم " قال : ( عمل قليل في علم ، خير من عمل كثير في جهل ) .
والثاني : الوضوء : لقوله عليه السلام : ( لا صلاة إلا بطهور ) .
والثالث : اللباس : لقوله تعالي : ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ( الأعراف آية 31 ) يعني : البسوا ثيابكم عند كل صلاة .
والرابع : حفظ الوقت : لقوله عز وجل : ( إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتباً موقوتاً ) ( النساء آية 103 ) يعني : فرضاً مؤقتاً .
والخامس : استقبال القبلة لقوله تعالي : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) . ( البقرة آية 144 ) يعني نحوه .
والسادس : النية : لقوله " صلي الله عليه وسلم " : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
والسابع : التكبير : لقوله عليه السلام( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم )
والثامن : القيام : لقوله عز وجل : ( وقوموا لله قانتين ) ( البقرة 238 ) يعني : صلوا راكعين .
والتاسع : الفاتحة : لقوله تعالي : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) ( المزمل آية 20 ) .
والعاشر : الركوع : لقوله عز وجل : ( واركعوا ) ( البقرة آية 43 ) .
والحادية عشر : السجود : لقوله عز وجل ( واسجدوا ) ( الحج آية 77 )
والثاني عشر : القعود : لقوله " صلي الله عليه وسلم " : ( إذا رفع الرجل رأسه من آخر السجدة ، وقعد قدر تشهد فقد تمت صلاته ) .
فإذا وجدت هذه الإثنتا عشر يحتاج إلي الختم ، وهو الإخلاص ، لتتم هذه الأشياء لأن الله تعالي يقول frown رمز تعبيري فاعبد الله مخلصاً له الدين ) ( الزمر آية 2 )
فأما العلم فعلي ثلاثة أوجه : أولها أن يعرف الفريضة من السنة . والثاني أن يعرف ما في الوضوء من الفريضة والسنة أيضاً . فإن ذلك من تمام الصلاة . الثالث : أن يعرف كيد الشيطان ، فيأخذ في محاربته بالجهد .
وأما الوضوء فتمامه في ثلاثة أشياء : أولها أن تطهر قلبك من الغل والحسد والغش . والثاني أن تطهر البدن من الذنوب . والثالث أن تغسل الأعضاء غسلاً سابغاً بغير إسراف في الماء .
وأما اللباس فتمامه بثلاثة أشياء : أولها أن يكون أصله من الحلال . والثاني أن يكون طاهراً من النجاسات . والثالث أن يكون موافقاً للسنة ولا يكون لبسه علي وجه الفخر والخيلاء .
وأما حفظ الوقت ففي ثلاثة أشياء : أولها أن يكون بصرك إلي الشمس والقمر والنجوم تتعاهد به حضور الوقت . والثاني أن يكون سمعك إلي الآذان . والثالث : أن يكون قبلك متفكراً متعاهداًَ للوقت .
وأما استقبال القبلة فتمامه في ثلاثة أشياء : أولها أن تستقبل القبلة بوجهك والثاني أن تقبل علي الله بقلبك . والثالث أن تكون خاشعاً ذليلاً .
وأما النية فتمامها ثلاثة أشياء : أولها أن تعلم أي صلاة تصلي . والثاني أن تعلم أنك تقوم بين يدي الله تعالي وهو يراك ، فتقوم بالهيبة . والثالث أن تعلم أنه يعلم ما في قلبك فتفرغ قلبك من أشغال الدنيا .
وأما التكبير فتمامه في ثلاثة أشياء : أولها أن تكبر صحيحاً جزماً والثاني أن ترفع يديك حذاء أذنيك . والثالث أن يكون قلبك حاضراً فتكبر مع التعظيم .
وأما تمام القيام ففي ثلاثة أشياء : أولها أن تجعل بصرك في موضع سجودك والثاني أن تجعل قلبك إلي الله . والثالث ألا تتلفت يميناً ولا شمالاً .
وأما تمام القراءة ففي ثلاثة أشياء : أولها أن تقرأ فاتحة الكتاب قراءة صحيحة بالترتيل بغير لحن . والثاني أن تقرأ بتفكر ، وتتعاهد معانيها والثالث أن تعمل بما تقرأ . ( ص 237 : 238 )
وأما تمام الركوع ففي ثلاثة أشياء : أولها أن تبسط ظهرك ولا تنكسه ولا ترفعه . والثاني أن تضع يديك علي ركبتيك وتفرج به أصابعك . والثالث أن تطمئن راكعاً وتسبح التسبيحات مع التعظيم والوقار .
وأما تمام السجود ففي ثلاثة أشياء : أولها أن تضع يديك بحذاء أذنيك . والثاني ألا تبسط ذراعيك . والثالث أن تطمئن فيه وتسبح مع التعظيم .
وأما تمام الجلوس ففي ثلاثة أشياء أولها أن تقعد علي رجليك اليسري وتنصب اليمني نصباً . والثاني أن تتشهد بالتعظيم ، وتدعوا لنفسك وللمؤمنين . والثالث أن تسلم علي التمام .
وأما تمام السلام : فأن يكون النية الصادقة من قلبك أن سلامك علي من كان عن يمينك من الحفظة والرجال والنساء ، وكذلك عن يسارك ، ولا تجاوز بصرك عن منكبيك .
وأما تمام الإخلاص ففي ثلاثة أشياء : أولها أن تطلب بصلاتك رضا الله تعالي ولا تطلب رضا الناس . والثاني أن تري التوفيق من الله تعالي . والثالث أن تحفظها حتى تذهب بها يوم القيامة . لأن الله تعالي قال : ( من جاء بالحسنة ) ( الأنعام آية 160 ) ولم يقل : من عمل الحسنة .
( ص 238 : 239 )