مقامه البخلاء
حدثني صديقي المفضال محمد بن عبد المتعال عن مقامه حدثت له في غابر الزمان باحدي بلاد العربان التي تتصف بالبخل والشح حتي بالماء والملح وكان صديقي رحاله ليس له نظير يسابق الطيور بالتبكير بلاد الله خلق الله يصف حال عباد الله ويصف احوالهم ونسابه باجدادهم واخوالهم يلقي هنا البخل وهنا الكرم ويري الظالم ومن ظلم ويسطر باوراق ويكتب بحرف راق ومداد رقراق حتي وصل الي احدي بلاد العربان تجوع بها آلبوم والغربان لا عن فقر وفاقه واملاق وانما من فساد في الاخلاق وشح مطاع وهوي مستطاع ورجال انطاع
يهرب الفار من ديارهم ويلعن كبيرهم وصغيرهم فلا قطعه جبن تسد جوعته ولا لقمه ترد طنين معدته فقال فقال صديقي المفضال محمد بن عبد المتعال والله لاكتبن عن شحهم مقامه في غايه الدقه والاستقامه يسير بها الراكب من وهران الي تهامه فالشح رزيله مقبوحه وعاده مفضوحه وتذكر حاتم الطائي ذلك الرجل الذي يضرب به المثل في الكرم وكان نهاره قد انصرم وردته كل البيوت فلم يظفر بزاد ولا قوت وقد بلغ من شحهم تنفسهم من احد منخارهم ضنا بالمنخار الثاني فاقسم بالسبع المثاني انه علي فضحهم لقدير وهو عمل بهم جدير وهاجت قريحته فانشأ يقول
نويت الصيام لما جئت اليكموا
يامعشر البخلاء من عربان
قالوا جئت لا مرحبا
فكأنك اتيت في رمضان
لا تحسبن نفسك سوف تنال
مكارم فالكرم بعني الفقد والخسران
ان الشحيح بيننا باسيدي
يأمن غدر الاهل والازمان
اما الكريم فمفتقر
وليس له عندنا ايمان.
انا الوليد عندنا قد يفطم
بعد سنون طويله وزمان
واذا تنفس فمن منخار واحد
ويبقي الاخر لقادم الازمان
ومر صديقي علي بيت فالقي السلام
بكل توقير واحتشام فردت سيده البيت تفضل ايها الضيف علي الرحب والسعه فبيتنا ما اوسعه فقال جرعه ماء لا ازيد لا لحم ولا ثريد فقالت ورب الكعبه لا نسقيك الا حليبا فهو لكل داء طبيبا فتعجب صديقي وقال هذا بيت مفضال دون كل البيوتات فلعلها فاتحه خير ولن اكتب مقامه تنالهم بالضير من اجل تلك الكريمه
التي اكرمت منزلي واربكت مغزلي وخرجت بانآء من الفخار به حليب يعتليه بخار وقالت اشرب هنئيا وتجرع مريئا فشرب بنهم وشكر ربه الدار وحمد الله علي الاقدار التي ساقته الي تلك الكريمه بتلك القريه الظالم اهلها اللئيمه
وقال سيدتي اكرمتني غايه الاكرام وفاضت علي شخصي بغايه الانعام وليس لي الا مجرد سؤال بسيط فهل تجيبي زياده في اكرامي وترحيبي قالت قل ما تريد فداك اللحم والثريد قال سمعت انكم قوم بخلاء اشحاء فما غير حالكم في ساعه من نهار انني شديد الانبهار قال في ذلك سر لا تحسبنه كرم او بر انما زوجي ابو معاذ من الكرم قد استعاذ وقد اشتري هذا الحليب البارحه ولكن حدثت الجائحه اذ سقط فار ملعون
فافسد اللبن وقلب معاذ قد اغتبن فقلن نجعله قري للأضياف الغرباء فغضب بن عبد المتعال وقال قبحك الله من امرأة سوء اتجعلينني اشرب مكان الفار يا للمذله والعار ثم قذف الاناء بالارض وهو يغلي ويفور كانه تنور فتهشم الاناء فصرخت السيده حتي جاوزت صرختها الفضاء ووصلت الي عنان السماء وقالت ايها الرجل التعيس شقيق ابليس كسرت اناء واسأت الادب مع النساء وماذا افعل مع الغلام ان هاجت معدته واراد قضاء حاجته فقد كان يقضيها في هذه الانيه ياشر بليه وقعت فوق راسي واورثتني حزني وياسي فافرغ بن عبد العال معدته وكتب مقامته التي اقسم انها حقيقيه وقد شاهدها بالعيان وكادت تصيبه بالجنان وقد حدثت بالفعل باحدي بلاد العربان
وبهذا ينتهي كلام صديقى المفضال محمد بن عبد المتعال وتنتهي هذه المقامه كتبها راجي رحمه ربه الغفور ومتنسم رحمه الرحيم يحيي بن إبراهيم لتسع خلون من شهر الله جماد الثاني بعد الف وأربعمائة واثنين واربعين من هجره المختار عليه اتم الصلاة والتسليم