بسم الله الرحمن الرحيم
الفتاح العليم الذي لم يتخذ صاحبه ولا ولد
وبسط الارض على ماء قد جمد
وبعد ايها الاخوه الاحباب
وخلاصه الأصحاب
وبعد ان دارت الانخاب
من ماء ورد وعناب
فهذه مقامه
يسير بها الراكب من مصر الي تهامه
فقد حدثت احداثها
في غابر الازمان
واصبحت حديث الركبان
فسبحان الحنان المنان
سمي نفسه بالعدل
فاللهم حاسبنا بالفضل
في وقت حم فيه القضاء
وفسد القضاه والقضاء
وضاق بالناس الفضاء
علي اتساعه ورحابته
فقد خان الأمين وكاتباه
وفسد القاضي ووكبلاه
فقد حدث ايها الاخوه الاكارم
ان انتشرت المظالم
حتي بلغت عنان السماء
وطال الظلم بلا استثناء
ان ذهب احد الرعيه
بدجاجه ذبيحه بضه مليحه
الي احد حوانيت الدجاج
وقال لصاحبه بدون ازعاج
ارجو تنظيفها وإخراج الآحشاء
لوليمه اعدت للعشاء
ادعو بها بعض الاقارب والأصدقاء
في هذا المساء
فقال صاحب الحانوت
انصرف غانما وعدت سالما
اكون قد اعددتها
ولك هياتها
وانصرف الرجل علي عجل
لكي يقضي ما تيسر من عمل
وعلي حين غره
دخل قاضي المدينه الحانوت
وهو يحمل بعض النقل والقوت
وقال هلم الي بارجل
اسرع بلا ثماجه
واعطني دجاجه
فانا اليها بحاجه
قال صاحب الحانوت
سيدي ليس لدي دجاج
فانصرف سالما بدون ازعاج
قال القاضي في سماجه
وهذه الدجاجه
قال صاحب الحانوت
هي لرجل يبغى تجهيزها لوليمه
قال القاضي هي لي غنيمه
قال صاحب الحانوت
وعندما يعود ويطلب امانته
ويسترد وديعته
فكيف تاخذ انت دجاجته
قال القاضي قل له
لقد طارت
قال الرجل وهل يطير الاموات
لقد ولي زمن المعجزات
وسبحان من ببده المحيا والممات
الرجل جاء بها ذبيحه
وها هي امامك مقطعه وطربحه
قال القاضي قل للرجل كما اخبرتك
وهات الدجاجه فقد انذرتك
وان شاكلك او جادلك
فقل يحكم بيننا القاضي
فانا ذو راي ماضي
وحكم يبهر الألباب
واخذ الدجاجه
ومرق من الباب
وما هي الا برهه او تكاد
حتي صاحب الدجاجه عاد
يطلب دجاجته
ويسترد امانته
فوقف مبهوتا متحيرا
علي دجاجته متحسرا
وشاكل وجادل
والرجل اقسم وماطل
وانتهي بهم الامر الذهاب
لمولانا القاضي
لينظر في القضيه
وينصر الرعيه
وفي الطريق وصاحب القضبه
في غايه الضيق
اذ رايا تشاجر وتناحر
وتنابذ بالالقاب
وسيل من السباب
بين رجلين.
فاراد صاحب الحانوت
ان يفض الخناق
ويحصل الوفاق
وكانت المشاجره
بين مسلم وبهودي
قد بلغت اشدها
وعلا ضجيجها
وعلي حين غره
أثناء فض العراك
بعد ان التفت الساق بالساق
واشتد الخناق
اذ اصابت يد صاحب الحانوت
مدامع اليهودي
فقعلها
ففقدت نورها وبصرها
فامسك به القوم
ما بين تقريع ولوم
وهرعوا بهم الي مجلس القضاء
حيث عداله رب السماء
واليهودي يرغي ويزبد
ويقسم ويتوعد
وبالقاضي يهدد
وعندما اقتربوا من مجلس القضاء
انسل صاحب الحانوت
يجري بالأرض الفضاء
وهم خلفه يسرعون
وفي السير يجدون
حتي وجد صاحبنا احد المساجد
فدخله يجري ويكابد
ولحقو به فهرع الي المناره
يجري بكل جساره
وحينما ضيقوا عليه الخناق
وكان بهم لا يطاق
القي نفسه من فوق المنارة
ولسَوء حظه
ودوام نحسه
وقع فوق عجوز هضيم
نحيل دميم
فحانت ساعته
وازفت نهايته
ومات الرجل في الحال
فتكاكا عليه الرجال
وجاء بن القتيل باكيا
للرجل شاكيا
لعدل القاضي راجيا
ودخلوا محل القضاء
والقاضي ينظر اليهم في دهاء
ويظنها قضيه الدجاجه
فنظر اليهم في سماجه
فاخبروه بالقضايا
فاذ هي ثلاث بلايا
فقال قضيه قضيه
وباذنه مقضيه
نادي صاحب الدجاجه
فقص قصته
وروي حكايته
فقال القاضي هل تؤمن
بالله العظيم
الذي يحيي العظام وهي رميم
قال الرجل نعم وايم الله
قال القاضي من تلاه
انصرف يارجل راشدا
فليس لك عند صاحب الحانوت مظلمه
وانها لمعحزه مطلسمه
ثم نادي اليهودي ودمه يسيل
ويسرف بالبكاء والعويل
فقال القاضي بلا استحياء
ولا مواربه ولا خفاء
ديه الكافر بنصف المسلم
هكذا حكمت الشريعه السمحاء
والرساله الغراء
وقد قلع المسلم عين الكافر
فليخلع له الأخرى
من النواظر
حتي نحكم بالعدل
فنحن اولو الفضل
وحينما يخلع عينك الثانبه
تخلع انت له عين في أقل من
ثانيه
قال اليهودي
قد تنازلت
وللصلح قبلت
قال القاضي القضيه الثالثه
عسى الا تكون هناك خامسه
فجاء بن القتيل وعينه تورمت بالبكاء
ضاقت عليه الارض والسماء
وقال القصاص من القاتل اللعين
الذي قتل والدي بطرفه عين
قال القاضي
الحق والحق اقول
ميزان العدل ما له من افول
هيا الي المناره
وتصعد فوقها
والقاتل ينام تحتها
وتقفز عليه
لقتله ثارا لابيك
لعل هذا يرضيك
قال الغلام
وادا تحرك يمينا او يسار
سيدق عنقي بلا انتظار
قال القاضي ولما لم بتحرك اببك
حتي يفدي نفسه ويفديك
قال الغلام
لقد تركت حقي القوي العلام
وهكذا انكسر ميزان العدل ومال
واصبح العدل ضربا من المحال
وكما قال الشاعر الجميل
إِذا خَـــانَ الأميرُ وكاتباهُ *** وقاضِي الأَرْضِ داهَنَ في القَضاءِ
فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلُ *** لِقاضِي الأَرْضِ منْ قَاضِي السَّــمــاءِ
وإِنْ كانَ الوِدادُ لِذِي وِدادٍ *** يُزْحْــــزِحُـهُ عَنِ الحَقِّ الْجَلاءِ
فَلاَ أَبْقــاهُ رَبُّ العَرْشِ يَوْماً *** كَــحَـــلَـــهُ بِمِيلٍ مِنْ عَماءِ
وهكذا تننهي هذه المقامه
كتبت
في ست وعشرين من سبتمبر عام الفان وعشرون
قد خلون من السنون
لعلها تكون عبره لمن اعتبر
كتبها راجي رحمه ربه الكريم
يحيي بن ابراهيم
أمس في 10:47 am من طرف مريم صلاح
