الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبه ولا ولد ولم يكن له كفوا أحد سبحانه رفع السماء بلا عمد وبسط الارض على ماء جمد وبعد هذه مقامه لو كتبت بالابر علي اماق البصر لكانت عبره لمن اعتبر وقد اسميتها المقامه الديناريه نسبه الي احد الاشراف الابرار والذي قص لي قصته من بدايتها حتي نهايتها احد مشايخنا الاجلاء المقلب بمحمد بن عمر بوجه كالصبح اذا اسفر والروض اذا ازهر حكاها للعبد لله وقد بلغ ورعه منتهاه فجزاه الله عنا خير الجزاء واثابه جنه عرضها الارض والسماء قال لا فض فوه وهلك حاسدوه بدأ مالك بن دينار حياته سكيرا شريرا شره مستطيرا لا يقيم وزنا لسنه ولا فرض ويعيث فسادا في الأرض يتحاشاه الناس من معاصيه ولا يخاف ربا هو عاصيه وياكل الربا والحقوق ولم يكن حتي بنفسه شفوق يفعل المظالم ويجاور كل ظالم ويمشي بين الناس كشيطان رجيم مجرم زنيم ويقول سيدي محمد بن عمر عافاه الله ونال في الفردوس الأعلى مبتغاه ثم حدث بن دينار نفسه بان تكون له حليله حره اصيله ينجب منها البنات والبنين يكن له ظهرا وذخرا فرزقه الله بفتاه كانت كل امله ومبتغاه رقيقه كماء الطل يستبشر بوجهها ان رحل او حل
احبها حبا ملك شغاف قلبه فزاد قربه من ربه وترك المعاصي الا اللمم وعلم من دينه ما علم اسماها فاطمه تيمنا بزهراء بيت النبوه وكاد ان يخفيها في كوه حرصا عليها من عين الحاسد وكان يعيذها بالواحد واتمت فاطمه حولين كاملين فكانت قره عين ابيها وكانت لديه حبيبه مصطفيها وقد اشتاق يوما للشراب وان يكون العقل في غياب فامسك الكاس بيمناه وفاطمه بيسراه فمدت يدها فازاحته وكانما كرهت فعلته وهي بعد رضيعه صغيره فأرادت ان تبعده عن الكبيره
وكأن الله أمرها ان تفعل ذلك لتبعد مالك عن المهالك وزاد نور الايمان بقلب بن دينار فانكب علي الذكر والاستغفار ثم اتمت فاطمه عامها الثالث فكانت زينه المجالس ونفيسه من النفائس ثم وقع امر الله وهو محتم ومقدور علي كل الفيافي والثغور ماتت ريحانته فكأنما قامت قيامته
فلم يكن لديه صبر المؤمنين الصابرين المحتسبين فعاد الي سيرته الاولي بل انكي وأشد فسهر ليالي فاقت الحصر والعد خمر ونساء واشتد عليه البلاء وقد عقد العزم في احدي لياليه ان يسكر كما لم يسكر من قبل بين زمر وطبل وغيد حسان ومرد وغلمان الكاس يتبعها الكاس مع شرزمه من صفوه الجلاس حتي ثقلت راسه ونام بين الرؤي والأحلام فراي الأرض قد زلزلت زلزالها واخرجت اثقالها وقال الإنسان مالها فيوم اذن تحدث اخبارها وقال الإنسان ما لها بان ربك اوحي لها
وقد اظلمت الشمس وارتفع الصراخ والهمس وجاء الناس افواجا يهدرون امواجا وهم يتصايحون ويتنادون ومنادي من قبل السماء ينادي الأسماء فلان بن فلان للعرض علي الجبار فقد مضي زمن الإختيار فاما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) } [الحاقة]وهؤلاء اهل النعيم المقيم والخير العميموَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ(27) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
وهؤلاء هم اهل الخسران والبوار وحطب اهل النار
ثم يقول شيخنا محمد بن عمر مكملا قصته ثم نودى علي مالك فادرك انه لا محاله هالك وقاع جهنم اسفل المدارك وادركه الهوان والبوار وانه من اهل النار وقد اختفي البشر من حوله وفقد قدرته وحوله هذا مما يراه مالك بن دينار في حلمه ومنامه وزاد علته واسقامه ثم راي ثعبانا عظيما فاتحا فاه فادرك انه مقتول لا محاله وساء حاله وتبدلت أحواله ووجد رجلا عجوزا هضيما يبكي بكاء مرا اليما قال الغوث الغوث قال الرجل انما يستغاث الله ممن اطاعه وارتجاه وانا رجل كبير كسيف البال حسير لا اقدر نجدتك ولا مشاركه محنتكولكن اجري في هذه الناحيه لعلها تكون الناجيه فجري بن دينا فوجد امامه النار فقال اجري من الثعبان لآقع في اتون النيران فجري حتي وصل إلى العجوز فوجده يبكي لحاله علي سؤء مأله جراء فعاله فقال العجوز اجري الي هذا الجبل لعل فيه الامل
يقول راجي عفو الغفار مالك بن دينار فاسرعت الي الجبل والثعبان يلاحقه ويكاد يدركه فيسمع صوت صبيه صغار يا فاطمه ادركي اباكي يافاطمه ابا كي اباكي فعلمت أن فيها الامل بعد ان اعيتني الحيل فاخذتني بيمناه واطاحت بالاسود بيسراها وقلبي يكاد يتمزق من الخوف وانا بين امل ورجاء بعدما لقيت من العناء ثم جلست في حجري كما كانت تفعل في حياتها فحضنتها وقبلتها فقالت بمنطق فصيح الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله فقلت أن أن اخبريني يافاطمه ما خبر الثعبان والنيران وعن الرجل الضعيف الباكي قالت أما الثعبان فهو عملك الطالح ربيته وسمنته حتى كاد ياكلك واما الرجل العجوز الفاني عملك الصالح انهكته واضعفته فلم يقدر ان يساعدك وعلي بلواك يعاَونك الا تعلم ان الأعمال تتجسد يوم العرض علي الجبار
ولولا انك انجبتني ومت وانا صغيره لم تجد من يساعدك او يعاونك ويعاضدك ويشفق عليك ويؤيدك الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله فقمت من نومي مذعورا كسيرا كسيفا حسيرا وانا اقول قد أن يارب قد أن يارب وقمت وتحممت وتطيبت واغتسلت وذهب لصلاه الفجر واذ الامام يقرا نفس الايه وتاب بن دينار وداوم علي الصلاة والاستغفار واصبح من ائمه التابعين الهادىن المهديين رضوان ربي عليهم اجمعين وكان دوما يرتاد آلمساجد ولا يري الا راكعا وساجد وكان يناجي ربه رباه انت اعلم من اهل الجنه واهل النار ففي أيهما عبدك بن دينار وكان يقف علي باب المسجد ينادي ايها العبد الفار امن الجنه ألي النار وظل في صلاة َوذكر واستغفار حتي يحشر مع الاطهار الابرار المستغفرين بالأسحار وسكت سيدي محمد بن عمر عن كلامه معلنا نهايه المقامه الديناريه كتبها راجي رحمه ربه الغفور ومتنسم رحمه الرحيم يحيي بن إبراهيم ليله ميلاد المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام لالف وأربعمائة واربعه واربعين خلون بعد هجره المختار اترككم في حفظ الله ورعايته وفضله وعنايته