الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ

الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)268

هذه الأية الكريمه من سورة البقره صفحة 45 تحمل دلالات مهمة جدا ذات علاقة بواقعنا المعاصر

الشيطان يوسوس لنا ويهددنا بالفقر ويضعه نصب أعيننا عندما نقبل الرشوه وعندما نتاجر في المحرمات وعندما نقبل الدنيه في ديننا , وعندما نستسلم للطغيان والقهر السياسي ويحذرنا أننا لو توقفنا عن قبول الرشوه والخضوع للظالمين وقبول الدنايا ,وإن نحن خرجنا من صمتنا ومن خوفنا أننا سوف نتعرض لمشكلة ماديه وأننا سوف نفقد وظائفنا وستكسد تجارتنا ولن نستطيع إطعام أولادنا ولن نتمكن من توفير مدخرات مناسبه للتقاعد, إن الشيطان يقيدنا بهذا الخوف الذي يسيطر به علي الفقراء فيُدخل عليهم الرعب من ضياع الأرزاق , ويسيطر به علي الأغنياء بتخويفهم من الإنتقال إلي طبقة الفقراء وضياع الثروه وما يصحبها من جاه وسلطان.

بهذا الخوف خنعت شعوب وتحولت أمم إلي طبقات من المنافقين يسحق بعضها بعضا ويخشي بعضها بعضا ويتملق بعضها بعضا إنه ما نطلق عليه تخلفا سياسيا إنه الحاجز الذي يحرم دولنا العربيه من التمتع بنظام سياسي حر لأن الخوف علي لقمة العيش يحرمها من أحرار يدافعون عن حقوقها.

الشيطان يخوف الحاكم الديكتاتور من الفقر كم يخوف المحكومين , فيتوهم أنه لو سمح بتبادل السلطه وخرج من دائرة الحكم فإن حياته ستصبح جحيما من الفاقة والعوز بينما واقع الحال غير ذلك فالتجربة الإنسانيه في البلاد الحره تعطي للحكام السابقين راحة واحتراما وتقديرا بعد خروجهم من السلطه بينما يظل المحتكرون لها في بلادنا غارقين في حالة خوف ورعب من كل حركة في الشارع السياسي ويدفعهم هذا الخوف إلي إرتكاب أفظع ما يمكن في حق معارضيهم السياسيين.

وعندما يعود الخائفون من الفقر إلي صوابهم لحظيا يرون أن عودتهم لجادة الطريق ستكلفهم غاليا , وأنه لا سبيل لهم للتكفير عن ذنوبهم التي تراكمت عبر سنوات طويله وأصبحت جبالا من الجرائم الماليه والسياسيه والأخلاقيه لدرجة أنهم يفقدون أثر وعدد ضحاياهم , إنها ذنوب تختلف عن ذنوب ترك الصلاه والإفطار في رمضان إنها ذنوب مركبة ومعقده تداخلت مع حياة الإنسان وغلبت عليها وتحولت إلي ضروره حياتيه وهنا يأتي القران ليذكر من خوفهم الشيطان من الفقر وأمرهم بارتكاب الفحشاء بأن الله غفور رحيم وأنه قادر علي غفران الذنوب مهما كانت مركبة وطويلة الأمد ,والقران لا يعد التائبين هنا ثروة ومالا ولكنهم يعدهم ما هو أشمل من الثروه والسلطه وهو الفضل الكبير الذي قد يكون راحة البال وقد يكون مجتمعا كاملا يُعني بك وبأولادك إن حدثت لك حادثه أو وقعت عليك فاقه

وكأن القران يقول لنا تخلصو من خوفكم علي لقمة العيش تُمنحون الحياة الطيبه والرفاهية الإقتصاديه والنظام السياسي الذي يحفظ حقوقكم.

ورغم إيماننا المطلق بأن الله سبحانه وتعالي قادر أن يُنزل علينا موائداً من السماء إلا أن هذه الأية الكريمه لا تعطينا وعدا بذلك ولكنها تلفت إنتباهنا لسنة كونيه وحقيقة من حقائق علم الإجتماع السياسي وهي أنه عندما يذهب خوف البشر علي لقمة العيش تتحقق لهم الحياة الطيبه والفضل الكبير