يـوٍم ـآ‘لـقـيـامـة ( الخـطـبـة ـآ‘لـثـانـيـة )

ـآ‘لـخـُطـبـَة ـآ‘لـثـَانيـَة

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره وتعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي

له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً

كيف يكون الميزان عباد الله يوم القيامة ..؟

قال عز وجل : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .. الأنبياء : 47

قال عز وجل : وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ .. الأعراف 8-9

ميزان الحق يوم القيامة عباد الله توزن فيه الأعمال ، وتوزن فيه الأقوال ، وتوزن فيه صحائف الأعمال ، يوزن فيه ثواب العمل ، ويوزن

فيه العبد نفسه يوم القيامة كما دلت علي ذلك الأدلة ، توزن فيه الأعمال والأقوال كما قال النبي صلي الله عليه وسلم : كلمتان خفيفتان

علي اللسان ، ثقيلتان فى الميزان ، حبيبتان إلي الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ..

وقال عز وجل : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ

وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .. الزلزلة: 7-8 .

فالعمل يوزن فى ميزان الحق يوم القيامة ، وكذلك توزن صحائف الأعمال ، كما ورد فى الحديث فى السنن والمساند :

" يصاح برجل علي رؤوس الخلائق يوم القيامة فيقال له : احضر وزنك ، فينشر له تسعة وتسعون سجلاً ، كل سجل مد البصر ، مليئة بالذنوب والخطايا ، فيقال له : أظلمك كتبتي الحافظون ..؟ فيقول : لا ياربي ، فيقول الله عز وجل : أفلك حسنة فيستحي فيقول :لا .. فيقول الله عز وجل بلي إن لك عندنا حسنة ، فتخرج له بطاقة عليها لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة ، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة ، ولا يثقل شئ مع لا إله إلا الله ..

وفهم العلماء هذا الحديث علي أن هذا الرجل قد أخلص توحيده لله عز وجل وقام بالتوحيد حق القيام ، ووقع فى ذنوب دون الشرك ، فنجا ببركة التوحيد ، كما قال الله عز وجل فى الحديث القدسي : ياابن آدم ، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقتني لا تشرك بي شيئاً
،لأتيتك بقرابها مغفرة ..

ولكن أكثر الناس كما قال الله عز وجل : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ.. يوسف :106

فأكثر المسلمين يحلفون بغير الله ، وينذرون لغير الله ، ويذبحون لغير الله ، ويتوكلون علي غير الله عز وجل ، ويخافون غير الله عز

وجل أكثر من خوفهم من الله عز وجل ، ويحبون غير الله عز وجل أكثر من حبهم لله عز وجل ، فهذا الرجل عباد الله قد قام بالتوحيد

حق القيام فنجا ببركة التوحيد ، والحديث يدل علي أن صحائف الأعمال توزن فى ميزان الحق يوم القيامة ، كذلك ثواب الأعمال كما ورد

في صحيح مسلم وجامع الترمذي عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : قال رسول الله_صلي الله عليه وسلم : يؤتي بالقرآن يوم

القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به ، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران ..

ثم ضرب لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاثة أمثال : قال مانسيتهم : كأنهما غمامتان ، أو كأنهما غيابتان بينهما مشرق ، أو

كأنهما فرقان من طير صواف ..

قال الإمام الترمذي : أي يؤتي بثواب قراءته ، أي : أن هذا ثواب القراءة يأتي يوم القيامة وهو الذي يوزن فى ميزان الحق يوم القيامة

كذلك يوزن العبد نفسه يوم القيامة كما قال النبي _ صلي الله عليه وسلم : إنه ليؤتي بالرجل العظيم السمين يوم القيامة ، فلا يزن

عند الله جناح بعوضة ..

أي أن الرجل العظيم السمين الذي ليس له هم إلا الدنيا ، وليس له هم إلا الشهوات ، لم يعرف رب الأرض والسموات ، ولم يقترب إلي

الله عز وجل بالطاعات يوزن فى ميزان الحق يوم القيامة ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة ، ثم قول الله عز وجل : أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا .. الكهف : 105

أي : ليس لهم وزن عند الله عز وجل ، وكان ابن مسعود رضي الله عنه نحيفا قصيراً وكان الصحابة يتعجبون من دقة ساقيه ، فقال

النبي صلي الله عليه وسلم : إنهما فى ميزان الله عز وجل يوم القيامة أثقل من أحد ..

بل يوزن فى ميزان الحق مافي القلوب من حب وبغض ، من حب لله عز وجل وحب للإيمان وبغض للكفر والفسوق والعصيان ، ويوزن ما

في القلوب كذلك عباد الله من حب لأعداء الله ، ومن حب للذين يشيعون الفواحش ، فكل ذلك يحاسب عليه العبد يوم القيامة ..

وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً .. الإسراء:36 .

تتطاير الصحف يوم القيامة عباد الله فكيف حالك وسط الخلائق والصحف تتطاير ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله من خلف ظهره :

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ 7 فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا 8 وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا 9 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ 10

فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا 11 وَيَصْلَى سَعِيرًا 12 إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا 13 إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ 14 .. الإنشقاق 7_14 ..

كيف يكون حالك ياعبد الله وأنت تنتظر الصحف وهي تتناثر ، وهي تلقي علي الناس من فوقهم يوم القيامة ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ،

والحساب اليسير هو العرض علي الله عز وجل ، أي أن الله عز وجل لا يسأله عن اعماله وعن ذنوبه ، بل يغفر الله عز وجل له

سيئاته ويدخله الجنه برحمته "ومن نوقش الحساب عـُذب" كما قال النبي _ صلي الله عليه وسلم أي أن الله عز وجل لو حاسبنا علي

نعمه علينا وعلي تقصيرنا فى شكر الله عز وجل فإن جميع أعمالنا الصالحة لا تفي فى شكر بعض نعم الله عز وجل علينا ، فتبقي بقية

النعم بلا وفاء ، بالإضافة إلي الذنوب وإلي المظالم ، وبعد أن يقاسي الناس هذه الأهوال أمام الميزان ، وعند تطاير الصحف ، وعند اهوال

وأحوال الآخرة عندما تتناثر النجوم ، وعندما يجمع الشمس والقمر ويكوران فى نار جهنم وعندما تنسف الجبال نسفاً فيذرها الله عز وجل قاعاً

صفصفا ، بعد هذه الأحوال والأهوال لابد عباد الله من المرور علي الصراط ، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : إن الصراط يضرب

ظهري جهنم .. أي علي متن جهنم ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، ودعوي الرسل اللهم سلم سلم ، فإذا كان الرسل يقولون : اللهم سلم سلم ..

فسائر الخلق عباد الله كيف يقولون ..؟ وبماذا يتكلمون ..؟ ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، ودعوي الرسل : اللهم سلم سلم ،

وفي جهنم كلاليب وحسكة مفلطحة تكون بنجدٍ يقال لها السعدان تخطف الناس بأعمالهم : أي أن الناس يمرون علي الصراط علي متن جهنم

وهذه الكلاليب تخرج من النار وتخطف أهل النار الذين وقعوا فى ذنوب استوجبت عذاب الله عز وجل ، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم

المكردس ، ومنهم المجازي ، ومنهم الناجي المخدوش .

يمر الناس علي الصراط بحسب قوة إيمانهم وبحسب مااكتسبوا فى الدنيا من الإيمان والعمل الصالح ، فمنهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر

كالطرف ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الرجل أي إسراع الرجل فى المشي ، ومنهم من يتلبط علي بطنه ، تعلق يد

فيجرها ، وتعلق قدم فيجرها ، فإذا نجا يقول : يارب لما أبطأت بي ، فيقول الله : لم أبطئ بك ولكن أبطأ بك عملك .

فبحسب الإيمان والعمل الصال يكون المرور علي الصراط ، فمن استقام علي صراط الله المستقيم فى الدنيا خف علي صراط الآخره ونجا ،

ومن تنكب الصراط فى الدنيا تردي فى أول قدم علي الصراط وهلك ، ووقع فى النار والعياذ بالله ، نسأل الله تعالي أن ينجينا من أهوال

يوم القيامة وأحوالها .

اللهم إنا نسألك أن تقسم لنا من خشيتك ما تحول به وبيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ماتهون به علينا

مصائب الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما احييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا علي من ظلمنا وانصرنا علي من

عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولايرحمنا

اللهم أهدنا واهد بنا ، وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا ، وانصرنا علي من بغي علينا ..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الكفر والكافرين ، وأعل راية الحق والدين .

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام علي يديه ، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يارب العالمين ورد كيده

فكده يارب العالمين ، ورد كيده فى نحره ، واجعل تدبيره فى تدميره ، واجعل الدائرة تدور عليه .

اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلا والوبا والزنا وردهم إليك رداً جميلاً .

وصلي الله وسلم وبارك علي محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً ...

الكتاب للشيخ :/ أحمد فريد ..

الله يبارك فيه ويجزيه خيراً ..

قال عز وجل : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .. الأنبياء : 47
ما شاء الله قمة قمة قمة ربنا يكرمك

السلم عليكم مجاهدة

كل الشكر والتقدير لكى مجاهدة بارك الله فيكى

جعله الله فى موازين حسناتك

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا

» يـوٍم ـآ‘لـقـيـامـة ( الخـطـبـة ـآ‘لأولي )