ابن عساكر المعاصر الكاتب الإسلامي :
عبد الفتاح عساكر .
يقدم :
حوارات
معاصرة
الوعي الحضاري
بقلم:أ . د. أحمد عبد الرحيم السايح
.
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعات :
أم القري وقطر والأزهر .
مما
هو مؤكد أن الله سبحانه وتعالي فضل الإنسان وكرمه , وهذه الكرامة التي
اختص الله بها الإنسان ذات أبعاد مختلفة , تنطوي علي احترام حرية
الإنسان: عقله, وفكره, وإرادته, وهذه الكرامة تعني في النهاية
الحرية الحقيقية , وهي تلك الحرية الواعية المسئولة التي تدرك أهمية
تحملها أمانة المسئولية.
وإذا كان الله قد اختص الإنسان بالتكريم ,
وجعله مكلفا , ومسئولا, فإنه قد خلق له هذا الكون بما فيه , ليمارس
فيه نشاطاته المادية والروحية علي السواء , وإذا كان الله قد سخر للإنسان
هذا الكون, فلا يجوز أن يقف منه موقف اللامبالاة , بل ينبغي علي
الإنسان أن يتخذ لنفسه منه موقفا إيجابيا. وإيجابية الإنسان هذا تتمثل في
النظر فيه , للاستفادة منه , والاستفادة من كل ما سخر الله لا تكون
إلا بالعلم والفهم . والعلم والفهم يأخذان إلي الرقي الحضاري الذي يشيع
في المجتمعات الإنسانية : الحق , والعدل , والأمن.
وقد يكون
واضحا : أن المجتمع الإسلامي ـ وهو المجتمع الذي يطبق القيم الإنسانية في
كل جوانب الحياة ـ هو وحده المجتمع المتحضر, يقوم عليها , هي السائدة
فيه . وإذا كان هذا هو مفهوم التحضر, فإن التخلف الحقيقي هو تحويل
منجزات العلم الهائلة إلي قوي باغية للتدمير والتسلط , وتسخير إمكان
العلم في نشر الفوضي والاضطراب . إن مهمة العلم في مفهوم المجتمع
الإسلامي المتحضر, ليست قهر الطبيعة أو الانتصار عليها , بل الجد في
اكتشاف قوانين الله فيها . وإذا كان هذا هو عمل الإسلام حينما ينشئ
حضارة , فإن هذه الحضارة تتميز: بأنها منفتحة الحدود الفكرية والنفسية
والمادية . فالتأثيرات الحضارية , والاستعارات الثقافية, والأفكار
, والآراء , والنظريات المتبادلة بين الأمم والشعوب , إنما هي ظاهرة
صحية طبيعية سليمة لا خطر فيها ولا خوف منها . والتفاعل الحضاري ضرورة من
ضرورات الحياة, ولابد منه لقيام الحضارات, وتقدم الإنسان في كل ما من
شأنه أن يأخذ بيد الإنسان , ويشيع في المجتمعات الإنسانية الاستقرار
والأمن والسلام . أما الانغلاق الحضاري فهو قاتل للإنسان , والتبعية
الحضارية هي الأخري قاتلة لكل إبداع , ولذا لابد من حوار الحضارات .
وإذا تأمل الباحث في حالة مجتمعات الأمة الإسلامية, وجد أنها من وجهة
نظره محاصرة بين غربتين: غربة زمان, وغربة مكان . أما غربة الزمان:
فهي بعد مجتمعات إسلامية عن ماض حضاري مشرق , لم تعد تربطها به عوامل
الثقافة الفاعلة أو المؤثرة . وأما غربة المكان : فهي بعد مجتمعات
إسلامية عن وضع حضاري معاصر تجهل عنه كل شيء , مما مثل فجوات حضارية
كبري , ليس من السهل علي مجتمعات الأمة الإسلامية تجاوزها أو تجاهلها .
ولذلك كان لابد لهذه المجتمعات لكي تتمكن من مواجهة التحديات أن تعود إلي
التفاعل الحضاري , وتستفيد من حضارات الإنسانية وفق معاييرها وضوابطها
الإسلامية . ولابد من خروج مجتمعات الأمة من الاغتراب الزماني والاغتراب
المكاني, وذلك بالربط بين الواقع وثوابت الحضارة الإسلامية وبين مصادر
وعامل التقدم المعاصر. وليس هناك من وسيلة للربط غير الدين والعلم في
إطار من حرية الفكر , وسياسة عقلانية , وتسامح منير, فإن فعلت
مجتمعات الأمة ذلك , كان ذلك بداية في طريق حضاري يتصدي للتيارات الهدامة
. ومما لا شك فيه : أن التقدم البشري في مختلف المراحل والمجالات ليس
إلا حصيلة الإبداع الفكري, والتعاون البناء بين المجتمعات . ولا عيب أن
يأخذ المسلمون من حضارات الأمم ما يفيدهم , ولكن العيب أن تظل مجتمعات
المسلمين عالة علي أمم الأرض , تأخذ منها ولا تعطي . ومما يحسن أن يدرك
: أن الانغلاق ليس بالموقف اللائق بالعقلاء , ولا التبعية الحضارية
بمفيدة أو ملائمة , لمن يمتلكون خصوصية حضارية إسلامية. والعزلة
الحضارية والجهل صنوان , كلاهما تخلف, وكلاهما حجاب يمنع وصول الضوء
, وكلاهما عقبة كأداء في طريق التقدم والتطور . والأمة الإسلامية ـ وهي
تتطلع إلي مستقبل مشرق ـ لابد أن تخوض معركة بناء الذات وتجديدها , مسوقة
بقيم وأفكار ومواريث , لها في وعيها فاعليتها.ولا يخفي أن الأمة
الإسلامية تملك رصيدا ضخما من القيم الهادفة وتوجيهات الإسلام, وهذه
القيم كفيلة عند استثمارها بأن تجعل الأمة في وضع يسمح لها بأن تنمي
فلسفتها الحضارية الإنسانية, وتتسابق مع أمم الأرض في بناء حضارة
إنسانية.أ . هـ .
جريدة الأهرام :السبت 19 من ذى القعدة 1430 هـ =7
نوفمبر2009م . السنة 133-. العدد=44896 .