أهمية الشمس :
كيف يكون حالنا بدون شمس؟ سيلفنا الظلام من حولنا، وسيتوقف نمو النباتات ويفسد الهواء، فلا نجد الأكسجين الذي تنتجه النباتات، وينعدم وجود الغذاء، وتبرد الأرض برودة لا تبقى للحياة أثراً، وتتوقف الأمطار، وعندئذ تستحيل الحياة للكائنات على وجه الأرض.
فإذا أردنا تعويض ما تقوم به الشمس بمصابيح للإضاءة ووسائل للتدفئة فعندئذ سنحتاج إلى شبكات وخطوط للإضاءة والتدفئة تغطي بقاع الأرض كلها.
وعلى افتراض وجود تلك الشبكات والخطوط فسنحتاج إلى طاقات هائلة من الحرارة تغطي أسطح البحار لتبخير المياه اللازمة لتكون السحب وتحريك الرياح، ولابد أن يكون مصدر تلك الحرارة بعيداً عن الأرض بقدر كافٍ يمنع احتراق سكان الأرض بها، وسنجد أن مصدر تلك الطاقة الحرارية يحتاج إلى وقود دائم مستمر حتى لا تخبو فيه نيران التدفئة، وسنحتاج إلى قوة هائلة ترفعها بعيداً عن الأرض.
فمن الذي يستطيع أن يوفر كل تلك الشبكات للإضاءة، وكل تلك الأفران بتلك المواصفات؟ لكن الله قد هيأ لنا أسباب الحياة فخلق لنا الشمس وجعلها أحد تلك الأسباب .
الشمس: ذلك السراج الوهاج :
لقد جعل الله الشمس في هيئة كرة ملتهبة هي عبارة عن فرن نووي هائل يتكون من الغازات الملتهبة يبلغ قطرها 1.392,530 كم وهو أطول من قطر الأرض بأكثر من مائة مرة، ويزيد حجمها على حجم الأرض بـ 1,350,000 مرة، وتزيد كتلتها على كتلة الأرض بـ332.950 مرة، وتساوي 1.9891× 10 30 كجم.
وتصل درجة حرارة سطح الشمس الخارجي إلى 6.000 (ستة آلاف درجة مئوية) تتزايد باتجاه المركز حتى تصل إلى 20 مليون درجة مئوية عند المركز، وتنتج هذه الحرارة العالية في قلب الشمس من تصادم ذرات الهيدروجين في اندماج نووي متحولة إلى ذرات الهليوم بمعدل 4 بليون طن في كل ثانية ومنتجة طاقة هائلة تخرج في صورة إشعاعات من نوع جاما والتي يتم امتصاصها بواسطة الغاز المحيط بالشمس، فينتج عن ذلك طاقة حرارية هائلة، وضوء بالأطوال الموجية المختلفة المرئية منها وغير المرئية.
وتشع الشمس طاقة تقدر كتلتها بـ40 مليون طن في كل ثانية، مقدار ما يصل منها إلى الأرض في الثانية يعادل أربعة أرطال فقط ويبلغ الإشعاع الشمسي الساقط على الأرض كل عام 178.000تيراواط وينعكس إلى الفضاء من هذه الطاقة الواصلة إلى الأرض مرةً ثانية 30%، وتمتص الأرض منها 50%، تتحول إلى حرارة يعاد إشعاعها إلى الفضاء، وأما الـ20% الباقية فتتحرك بها الرياح وتدفع دورة الماء وتزود عمليات التركيب الضوئي في النبات.
وتبعد الشمس عنا في المتوسط حوالي 150 مليون كم، ويقطع الضوء هذه المسافة في حوالي ثمان دقائق وثلث، ولو ابتعدت الشمس عنا نصف تلك المسافة لقلت الطاقة الواصلة إلى الأرض ولتجمدت الكائنات الحية حتى أن الدماء لتتجمد في عروقنا، ولو اقتربت نصف المسافة بيننا وبينها لأحرقت الشمس كل شئ، ولكن الله يمسك الأرض والشمس على مسافات محكمة تجعل الحياة ممكنة ومزدهرة في هذا النظام البديع.
نحن والشمس:
انظر إلى حركة يديك إنها بحاجة إلى طاقة لتحركها، وتلك الطاقة هي القوة التي خلقها الله سبحانه وتعالى في الشمس ابتداءً، وانتقلت إلى أجسامنا بواسطة الطعام.
فالجائع الذي منع من الطعام فترة من الزمن لا يقوى على الحركة، فإذا شبع دب فيه النشاط بتلك الطاقة التي جاءته من الطعام والتي خزنها الله سبحانه وتعالى في النبات يوم أن كان النبات معرضاً لضوء الشمس، وحول الله تلك الطاقة الضوئية إلى طاقة كيمائية مخزونة في الطعام الذي نأكله .
وما يقال في حركة الإنسان يقال في حركة الحيوان. كما إن حركة السحب والأنهار والأمواج في البحر مردها إلى الطاقة التي جاءت بإذن الله من الشمس، فتعمل الشمس على تسخين أسطح البحار فتتحرر جزيئات الماء الساخنة من ماء البحر فتطير في الهواء وتتكاثف مكونة السحب.
وأما حركة الرياح فتحصل عندما تسخن الشمس الهواء، فيتمدد في المنطقة المعرضة لسطوع الشمس (النهار) في حين تبقى الكتلة الهوائية منكمشة في المنطقة التي يسودها الليل، وهذا التمدد والانكماش مع دوران الأرض يسبب حركة الرياح بإذن الله تعالى.
وأما الأنهار فما هي إلا الأمطار التي رفعها الله بالحرارة من بخار البحر إلى عنان السماء وساقتها الرياح فتنزل على قمم الجبال، وبقوة الجاذبية تسيل وتجري، لكن السبب في رفعها إلى هذا المكان بقدرة الله هو الشمس.
وتستخدم قوة انحدار مياه الأنهار في توليد الطاقة الكهربائية في كثير من البلدان.
كما أن جميع أنواع الوقود التي تولد الطاقة المشاهدة سواء كان الوقود فحماً حجرياً أو بترولاً أو أحد مشتقاته إنما مصدرها طاقة الشمس لأنها نشأت من النباتات التي سبق أن حزنت الطاقة الشمسية .
فتصور كيف تكون الحياة بدون شمس ! وإذا كانت الحركة هي التحول من مكان إلى مكان، أو من حال إلى حال، ولا تتم تلك الحركة أو التحول إلا بقوة أو طاقة، أدركنا معنى قولنا " لا حول ولا قوة إلا بالله " . فلا حركة في الكون إلا بطاقة، وكل طاقة من عند الله سبحانه .
حركات الشمس المقدرة :
إن هذه الكتلة الهائلة من الشمس بهذا الحجم العظيم مرفوعة في السماء بغير معالق أو أعمدة نراها، وهي مع ذلك تتحرك وتجري في حركات متعددة منتظمة مقدرة، فهي :
1) تدور حول نفسها مرة واحدة كل 26.8 يوماً باعتبار سرعتها عند خط الاستواء.
2) وتترنح حول مركز ثقل المجموعة الشمسية .
3) وتجري حول مركز مجرة درب التبانة بسرعة 230 كم في الثانية .
4) وتجري مع مجرة درب التبانة باتجاه مجرة المرأة المسلسلة بسرعة 40 كم في الثانية .
5) وتجري مع درب التبانة والمرأة المسلسلة والزمرة المحلية للمجرات بسرعة 600 كم في الثانية بالنسبة للنسيج الفضائي.
6) وتجري مع حركة التوسع العام للكون .
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}... وتجر معها في كل هذه الحركات جميع أفراد المجموعة الشمسية التابعة لها من الكواكب والأقمار.
وهي في كل حركة من هذه الحركات تقطع مسافة معلومة في زمن محدد دقيق، وفي اتجاه ثابت، ولو اختلت تلك الحركات في سرعتها أو اتجاهها لاختل نظام الشمس ومجموعتها، وقد علمنا أنها تتحرك عدة حركات في عدة اتجاهات بعدة سرعات وفي آن واحد ؟!
وتبقى الشمس مع ذلك كله محافظة على علاقاتها الدقيقة المحكمة المقدرة مع سائر الكواكب والأقمار والنجوم، ويستمر ذلك السير المتقن المقدر المحكم بلايين السنين في خضم هائل من بلايين النجوم وبلايين المجرات؛ إن لكل حركة حساباً دقيقاً ولمجموع ذلك الحساب حسبان تسير به الشمس كما قال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}.. (الرحمن:5).
إن تلك المقادير المحكمة لسير الشمس وتوابعها من الكواكب والأقمار، شاهدة بإرادة الذي قدر تلك الأقدار الدقيقة الصحيحة التي لو تغيرت أو تبدلت لاختل النظام بأجمعه.
وسبحان الله القائل فى سور يس: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}.
تفكروا يا أولي الألباب :
إن المتأمل في تكوين الشمس وحجمها وموقعها وسيرها ونظامها يرى آثار القوة والقدرة التي رفعت الشمس، وأشعلتها وحركتها، فتدله على قوة القوي وقدرة القادر سبحانه وتعالى.
والمتأمل في حركاتها وسيرها المحكم المتقن يرى التقدير الدقيق للمسافات والأزمنة والاتجاهات بحسبان موزون يشهد للمتأمل بالتقدير المحكم البديع، ويدل على إرادة الذي قدر وأحكم واختار المقادير الصحيحة بدقة وإتقان إنه الله الحكيم الفعال لما يريد.
ويرى المتأمل ما يحدثه هذا السراج من آثار في الحياة في أرضنا فيشهد له أنه من صنع الخبير العليم بحاجات أهل الأرض وما عليها من كائنات، وأنه الرزاق الرحيم الذي أمدهم بالطاقة الضرورية لإنبات النبات وإنضاج الثمر وتكوين السحب وتحريك الرياح وجريان الأنهار فكيف يتخذ الناس أصناماً وطواغيت أنداداً من دون الله،ولا حول ولا قوة إلا بالله ؟
قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}.. (فاطر:13) .
المصدر: كتاب (علم الإيمان) للشيخ عبدالمجيد الزندانى