التوحيد مصدر وحد يوحد توحيدا اي جعله واحدا وسمي دين الاسلام توحيدا لأن مبناه على ان الله واحد في ملكه وافعاله لا شريك له وواحد في ذاته وصفاته لا نظير له وواحد في إلهيته وعبادته لا ند له والى هذه الانواع الثلاثة ينقسم توحيد الانبياء والمرسلين الذين جاؤوا به من عند الله وهي متلازمة كل نوع منها لا ينفك عن الآخر فمن أتى بنوع منها ولم يأت بالآخر فما ذاك الا أنه لم يأت به على وجه الكمال المطلوب وان شئت قلت التوحيد نوعان توحيد في المعرفة والاثبات وهو توحيد الربوبية والاسماء والصفات وتوحيد في الطلب والقصد وهو توحيد الالهية والعبادة ذكره شيخ الاسلام وابن القيم وذكر معناه غيرهما
النوع الأول توحيد الربوبية والملك وهو الاقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار الذي له الامر كله وبيده الخير كله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الايمان بالقدر وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الاسلام بل لا بد ان يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الآلهية لان الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا التوحيد لله وحده قال تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض امن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون وقال تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وقال و لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله وقال تعالى أمن يجيب المضطر اذا دعاه الآية فهم كانوا يعلمون أن جميع ذلك لله وحده ولم يكونوا بذلك مسلمين بل قال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون قال مجاهد في الآية إيمانهم بالله قولهم إن الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وعن ابن عباس وعطاء والضحاك نحو ذلك فتبين أن الكفار يعرفون الله ويعرفون ربوبيته وملكه وقهره وكانوا مع ذلك يعبدونه ويخلصون له أنواعا من العبادات كالحج والصدقة والذبح والنذر والدعاء وقت الاضطرار ونحو ذلك ويدعون أنهم على ملة ابراهيم عليه السلام فأنزل الله تعالى ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين وبعضهم يؤمن بالبعث والحساب وبعضهم يؤمن بالقدر
كما قال زهير ... يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم ...
وقال عنترة ... ياعبل اين من المنية مهرب ... إن كان ربي في السماء قضاها ...
ومثل هذا يوجد في اشعارهم فوجب على كل من عقل عن الله تعالى ان ينظر ويبحث عن السبب الذي اوجب سفك دمائهم وسبي نسائهم وإباحة أموالهم مع هذا الاقرار والمعرفة وما ذاك الا لاشراكهم في توحيد العبادة الذي هو معنى لا اله الا الله
النوع الثاني توحيد الأسماء والصفات وهو الاقرار بأن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه الحي القيوم الذي لا تأحذه سنة ولا نوم له المشيئة النافذة والحكمة البالغة وأنه سميع بصير رؤوف رحيم على العرش استوى وعلى الملك احتوى وأنه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون الى غير ذلك من الأسماء الحسنى والصفات العلى
وهذا أيضا لا يكفي في حصول الاسلام بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه من توحيد الربوبيه والالهية والكفار يقرون بجنس هذا النوع وإن كان بعضهم قد ينكر بعض ذلك إما جهلا وإما عنادا كما قالوا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فأنزل الله فيهم وهم يكفرون بالرحمن
قال حافظ ابن كثير والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم فانه قد وجد في بعض أشعار الجاهلية تسمية الله بالرحمن
قال الشاعر ... وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق ...
وقال الآخر ... ألا قضب الرحمن ربي يمينها ...
وهما جاهليان
وقال زهير ... فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم ...
قلت ولم يعرف عنهم إنكار شيء من هذا التوحيد إلا في اسم الرحمن خاصة ولو كانوا ينكرونه لردوا علىالنبي صلىالله عليه وسلم ذلك كما ردوا عليه توحيد الآلهية
فقالوا اجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب لا سيما السور المكية مملوءة بهذا التوحيد
النوع الثالث توحيد الآلهية المبني على إخلاص التأله لله تعالى من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والدعاء لله وحده وينبني على ذلك إخلاص العبادات كلها ظاهرها وباطنها لله وحده لا شريك له لا يجعل فيها شيئا لغيره لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما وهذا التوحيد هو الذي تضمنه قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين وقوله تعالى فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون وقوله تعالى فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وقوله تعالى رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا وقوله تعالى عليه توكلت واليه أنيب وقوله تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا وقوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره وباطنه وظاهره وهو اول دعوة الرسل وآخرها وهو معنى قول لا إله إلا الله فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والاجلال والتعظيم وجميع انواع العبادة ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار وسعداء اهل الجنة وأشقياء أهل النار قال الله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون
ادعوا لي بالنجاح
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم