بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى .. أما بعد :
*فإنه مهما عاش الإنسان في هذه الحياة ومهما طال به البقاء بها، ومهما استمتع بشهواتها وملذاتها، فإن المصير واحد والنهاية محتومة، ولابد لكل إنسان من نهاية، وهذه النهاية هي الموت الذي لا مفر منه، قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ......) آل عمران: 185
فيا أخي :
*يا من تعصي الله تصور نفسك وأنت واقف بين الخلائق ثم نودي باسمك: أين فلان ابن فلان؟ هلم إلى العرض على الله، فقمت ترتعد فرائصك، وتضطرب قدمك وجميع جوارحك من شدة الخوف، قد تغير لونك، وتحل بك من الهم والغم والقلق ما الله به عليم.
*وتصور وقوفك بين يدي بديع السموات والأرض، وقلبك مملوء من الرعب، وطرفك خائف، وأنت خاشع ذليل. قد أمسكت صحيفة عملك بيدك، فيها الدقيق والجليل، فقرأتها بلسان كليل، وقلب منكسر، وداخلك الخجل والحياء من الله الذي لم يزل إليك محسنا وعليك ساتراً . فبالله عليك، بأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فلعلك وعظيم جرمك؟ وبأي قدم تقف عدا بين يديه؟ وبأي طرف تنظر إليه؟ وبأي قلب تحتمل كلامه العظيم الجليل، ومسائلته وتوبيخه؟
*وكيف بك إذا ذكرّك مخالفتك له، وركوبك معاصيه، وقلة اهتمامك بنهيه ونظره إليك، وقلة اكتراثك في الدنيا بطاعته؟!
*ماذا تقول إذا قال لك: يا عبدي، ما أجللتني، أما استحييت مني؟! استخففت بنظري إليك؟! ألم أحسن إليك؟! ألم أنعم عليك؟! ما غرك بي؟
أخي :
*تذكر أهل الصالحات حين يخرجون من قبورهم وقد ابيضت وجوههم بآثار الحسنات، خرجوا بذلك الأثر العظيم من الله الكريم، وما عظم المقام عليهم، تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ... تذكر عندما يقول الرب تبارك وتعالى بحقهم : يا ملائكتي، خذوا بعبادي إلى جنات النعيم، خذوهم إلى الرضوان العظيم، فأصبحوا بحمد الله في عيشة راضية، وفتحت لهم الجنان، وطاف حولهم الحور والولدان، وذهب عنهم النكد والنصب، وزال العناء والتعب.
*وتذكر في المقابل تلك النفس الظالمة المعرضة عن منهج الله تعالى العاصية له، عندما يقول الله تبارك وتعالى بحقها: يا ملائكتي، خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني، فوقفت تلك النفس الآثمة الظالمة على نار تلظى وجحيم تغيظ وتزفر، وقد تمنت تلك النفس أن لو رجعت إلى الدنيا لتتوب إلى الله وتعمل صالحاً، لكن هيهات هيهات أن ترجع، فكبكبت على رأسها وجبينها، وهوت في تلك المهاوي المظلمة، وتقلبت بين الدركات والجحيم، والحسرات والزفرات... فلا إله إلا الله ما أعظم الفرق بين هؤلاء وأولئك بين من كان في النعيم ومن كان في الجحيم . وصدق الله تعالى إذ يقول: ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)) الأنفطار: 13،14
فيا أخي :
يا من تقرأ هذه الرسالة : قف قليلا وحاسب نفسك كثيراً :
*فإن كنت ممن يسارع في الطاعات والقربات ويتجنب المعاصي والمخالفات فاحمد الله على ذلك، واسأله الثبات حتى الممات، وهنيئا والله لك ما أنت مقدم عليه بإذن الله.
*وإن كنت غير ذلك فتب إلى الله وارجع إلى الهدى، ولا داعي للعناد والإصرار على المعاصي التي ستعرضك لعذاب الله ، فإنك والله لأعجز من أن تطيق شيئا من هذا العذاب، إن الجبال الشم الراسيات لو سيرت بالنار لذابت من شدة حرها! فأين أنت أيها الإنسان الضعيف من تلك الجبال؟ إنك تصبر على الجوع والعطش، وتصبر على الضر وعلى التكاليف، لكن والله الذي لا إله إلا هو لا صبر لك على النار ... ألا فأنقذ نفسك من النار ما دمت في زمن الإمهال قبل أن تندم ولات ساعة مندم، واعلم أن الصبر عن محارم الله في هذه الدنيا أيسر والله بكثير من الصبر على عذابه يوم القيامة.
*ثم اعلم أخي أن طريق الاستقامة والالتزام ليس فيه تعقيد وكبت حرية كما يظنه البعض، بل إن طريق الاستقامة والالتزام كله سعادة، كله لذة، كله راحة، كله طمأنينة، وماذا يريد الإنسان في هذه الحياة غير ذلك؟! أما حياة المعصية والآثام فكلها قلق ونكد وحسرة في الدنيا، ثم عذاب وهوان في الآخرة.
*فجرب يا أخي هذا الطريق من الآن ولا تتردد، فإني والله لك من الناصحين، وعليك من المشفقين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.