السفيه قد يغرق السفينة:
علينا أن نأخذ علي يد السفيه؛ لأن السفيه قد يغرق السفينة، وقد وصف صلي الله عليه وسلم المجتمع المسلم بالسفينة، (( فمثل من يسكت عن السفيه؛ كقوم علي السفينة، وقوم في أسفل السفينة، فكان أناس يأخذون الماء يريدون -السفينة لأخذ الماء، فيمرون عليهم قال: فإذا سكتوا عنهم غرقوا وغرقوا جميعاً ، وإذا نهوهم وأخذوا علي أيديهم نجوا جميعاً)) أو كما قال صلي الله عليه وسلم.
وجرم جــرة سفهاء قــوم
وحل بغير جانيه العذاب
والسفيه في مجتمعنا علي قسمين:
ـ سفيه يحارب الدين: فهو منخلع من الديانة، سيئ المعتقد ، خبيث النفس نذل الطباع، رذيل النهج، ينال القداسة، ويغمز الرسالة، ولا يحترم القبلة، ولا يعرف للدين قيمته وحرمته، همه أن يكون طابوراً خامساً، وسوسة تنخر في جسم الأمة، وغدة مليئة بالسم، ووباء قاتلاً في جسم هذا المجتمع الطاهر البريء ، فهو مريض القلب، سيئ الإرادة، منحرف الطباع، فهذا سفيه يؤخذ علي يديه.
ـ ويقابله سفيه يغلو في الدين: ركب من هواه الاعوجاج، واتخذ الغلو سفينة، فألغي آراء العلماء، وأخذ بالرأي المنفرد الشاذ، وجعل الشدة والعنف والقسوة سبيلا له، وهانت عليه الدماء، وقلب النصوص ظهراَ لبطن، وفهم من الدليل فهماً معوجاً، فقبل أن تغرق هذه السفينة علينا أن نتناصح، وأن يقوم الجمهور الوسط العاقل ، من الولاه والعلماء، والدعاة والعقلاء، والمصلحين، قياماً واحداً ، وصفا واحداً ، واجتماعاً موسعاً في مدارسة أمرهم، ومعرفة الخلل في صفوفهم، وإخراج السفيه من الطائفتين، قال عمر بن الخطاب في الطائفتين:
قصم ظهري رجلان: (( فاجر متهتك، وجاهل متنسك))، فالفاجر المتهتك لا هم له إلا النيل من هذا الدين الذي أكرمنا الله به، واجتمعنا عليه، ونادت به دولتنا وأسست عليه، فنصرها الله وأعلي قدرها، وشرفها بين بلاد العالم، لا لشيء إلا لأنها مهبط الوحي، ولأنها رفعت لا إله إلا الله، ولأنها احترمت القبلة، ولأنها قدمت الدعوة الإسلامية، فهذا الفاجر المتهتك لا يريد هذا، يريد مبدءاً آخر ، وشريعة أخري، وقيماً أرضية، فهو يتخذ من حماة الدين وحملته والمنتسبين إليه خصماً وعدواً لدوداً، ينالهم في كتاباته، ومجالسه، وتأليفه، فهذا هو الفاجر المتهتك الذي قصده عمر.
وجاهل متنسك: تدين ولكنه جاهل بالعلم، لم يحقق المسائل، ولم يطلب الدليل علي يد المشايخ، ولم يثن ركبه عند العلماء، ولم يغض في معرفة الحق، ولم يرسخ في فهم الدليل، بل ركب الصعب والذلول في تحقيق أغراضه ، فكلما فهم من الدليل شيئاً أصدره، فهو المكفر، والمبدع، والمفسق، والمضلل، وهو الناجي وحده ، والسالم من الخطأ، ومن خالفه زنديق أو كافر، أو مرتد، أو ضال، أو فاسق، فهذا هو الذي عناه عمر بقوله: (( جاهل متنسك))، يقول صلي الله عليه وسلم : (( من قال هلك الناس فهو أهلكهم)) رواه مسلم، والمعني: لإعجابه براية وانفراده بالشاذ من أحكامه، فحذار من هذا الفاجر المتهتك، ويصير خنجراً مسموماً في ظهر الأمة، وحذار أيضاً من الجاهل المتنسك، الذي يشد في الرأي ، ويلغي الدليل، ويخالف العلماء.