أبوعبدو عضو نشيط
العمر : 32 الدولة : لبنان عدد المساهمات : 75 نقاط : 175 تاريخ التسجيل : 03/09/2010 العمل/الترفيه : معلم المزاج : رايق
| موضوع: سـورة القارعة الخميس نوفمبر 18, 2010 10:30 am | |
| سـورة القارعة
بعد أن بيَّن لنا تعالى في سورة التكاثر مسؤولية الإنسان عما يقدِّمه من الأعمال في حياته الدنيا، جاءت هذه السورة الكريمة تبيِّن لنا شأن ذلك اليوم الذي تقع فيه الصيحة، فيقف الخلق جميعاً بين يدي الله. وهنالك يتقرر المصير ويكون الفصل بين الشقي والسعيد، ففريقٌ في الجنَّة، وفريقٌ في السعير، قال تعالى: {الْقَارِعَةُ}:
والْقَارِعَةُ: مأخوذة من القرع. هو أن يصدُم شيءٌ شيئاً آخر. فتحصل من أثر هذا الصدم هزةٌ نفسيةٌ وأثر مزعج. يُقال: قرع الباب: إذا كان في طرقه ما يهز النفس ويزعجها. ويُقال: قرع جُلجُلُ المدرسة، لما ينشأ عن القرع من هزةٍ في النفس تقطع عن التلميذ استرساله في اللعب والمرح. أو هدوءه واستسلامه للدرس، وفي كلا الحالين هزَّةٌ للنفس. والمراد بالقارعة الواردة في هذه الآية: تلك الصيحة التي تسمعها الأنفس يوم القيامة بعد الخروج من القبور.
فالناس بعد خروجهم من قبورهم، وعودة أرواحهم إلى أجسادهم، ينادى بهم للوقوف بين يدي ربِّهم، فإذا سمعوا الصيحة، وجَفَتْ قلوبهم، واهتزَّتْ من الفزع نفوسهم. ويكون المراد من القارعة: تلك الصيحة التي تنزعج منها النفوس المعرضة، وتهتزُّ لها القلوب الغافلة عن الله في ذلك اليوم العظيم الذي يتقرر فيه المصير. وبما أن القارعة وردت في الآية الأولى عامة، وتشمل كلَّ نداء وصيحة تنشأ على أثرها هزةٌ نفسيةٌ مزعجة، لذلك أراد تعالى أن يعرِّفنا بهذه القارعة فقال: {مَا الْقَارِعَةُ}:
أي: ما هذه القارعة؟. وأي قارعة هي؟. ثم بيَّن تعالى عظيم أمرها وكبير أثرها فقال: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ }:
أي: ما أعظمها عليك أيها الإنسان، وما أشد أثرها في نفسك. ثم بيَّن تعالى يوم وقوعها بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}:
والفراش: هي تلك الحشرات الضعيفة الخفيفة التي مع ضعفها لا تكاتف بين أفرادها ولا اتحاد ولا قوة لها على الوقوف أمام أضعف المؤثرات التي تقع عليها. والمبثوث: هو المنتشر، فالناس يومئذٍ ضعفاء متفرِّقون أشبه بالفَراش، وهم يومئذٍ منتشرون على صعيد واحد، واقفون بين يدي ربهم ينتظرون الفصل ليروا نتائج أعمالهم. {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}
والعهن: هو الصوف. والمنفوش: هو المتباعد الأجزاء. فالجبال الصلبة المتماسكة الآن ستكون في ذلك اليوم كالصوف المنفوش، فهي قائمة منتصبة، ولكنها مُتخلخلة متفرقة الذرَّات، فلا تماسك ولا ترابط بين ذرَّاتها. فإذا كان هذا شأن الجبال العظيمة الصلبة بين يدي ربها في ذلك اليوم فما حَوْلُكَ وما قوّتك يوْمئذٍ أنت أيها الإنسان؟. ثم بيَّن تعالى نتائج الناس ومصيرهم فقال: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}:
والموازين: جمع ميزان. وثِقلُ الميزان إنما يكون على حسب ما يوضع فيه من عمل ثقيل. ويكون العمل الثقيل ثقيلاً على حسب ما فيه من نيَّةٍ صادقة وإخلاص. فالعمل الذي يريد به صاحبه وجه الله تعالى، ولا يبتغي من ورائه فائدةً دنيوية ولا منفعة شخصية، هذا العمل يكون ثقيلاً لما انطوى عليه من الصدق، ولما ينشأ عنه من الخير. فقد يتكلم الإنسان بكلمةٍ تكون سبباً في هداية شخص، ومن ورائه أشخاص كثيرون، فهذه الكلمة إنما هي ثقيلة عند الله لما يتولد عنها من الخيرات. قال تعالى:
( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) سورة إبراهيم (24-25). ولكن ما هو المراد من ثقل الميزان؟. إن ثقل الميزان لا يعني رجحان كفةٍ على كفة، إنما المراد أن تتكوَّن لدى الإنسان الثقة بإحسانه، تلك الثقة التي تُنسيه كلَّ سيئةٍ.
فإذا قدَّم الإنسان عملاً من أعمال الخير العظيمة، فعندها يرجح عمله على سيئاته، فتنسى نفسه كل سيئة. وبنسيانها لسيِّئاتها يتيسَّر لها طريق الإقبال على ربِّها، وبإقبالها يحصل الشفاء والطهارة، وتخلص بذلك من كل علَّة، وتصبح أهلاً لكل إكرام ونعمة، فتدخل الجنة، ويغمرها الله بإحسانه، وتحيا حياةً طيبة، وهذا ما تعنيه آية: { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ }.
فهذا الإنسان إنما هو في عيشة راضية لما يُقدَّم له من الإكرام الإلهي العظيم، ذلك الإكرام التام المتمادي في الازدياد، والذي لا تشوبه شائبة، ولا يَعْرُضُ له نقصان. {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}: وذلك بأن كانت أعماله صادرة عن مطامع شخصية وغايات دنيوية، فهذا الرجل لا وزن لأعماله، لأنها مجردة من كل خير، خالية من كل فائدة، ولذلك تظهر له يوم القيامة خفيفة لا وزن لها، وعندها تتراءى له سيئاته فيقف بين يدي ربه خجلاً، ويحول خجله بينه وبين الإقبال على الله، فيبقى مريض النفس ويصيح ألماً، ثم يستغيث مُستنجداً، عندها يُساق إلى النار، ولذلك قال تعالى: { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ }: والأم: هي التي يؤمُّها الإنسان ويأوي إليها، فيجد في أحضانها عطفاً ورحمة، والنار للمجرم أمّ لأنه يؤمُّها بسبب ما فيه من ألم وأوجاع، وهي هاوية لأنه يهوي عليها ويرتمي في أحضانها ليكون حريقها وسعيرها دواءً له يخفف عن نفسه آلامها وأوجاعها. وقد أراد تعالى أن يبيِّن لنا شأن النار وخطرها، فقال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ }. ثم أجاب تعالى بقوله: { نَارٌ حَامِيَةٌ }: وإذاً فالعمل الصالح سبب الإقبال، وفي الإقبال شفاء وحياة. والعمل السيِّء سبب الإدبار، وفي الإدبار ممات النفس والهلاك، وإنه لا بدَّ للإنسان من عمل صالح يجعله يقبل بوجهه على الله، ومن لا عمل صالح له فيُخشى عليه من الهلاك. وفي الحديث الشريف: « يكاد الفقر أن يكون كفراً » رواه البيهقي وغيره مرفوعاً. وليس المراد من الفقر فقر المال، وإنما المراد الفقر بالخير، والتقصير في الأعمال الصالحة. والحمد لله رب العالمين. هذا الشرح من كتاب تأويل جزء عم لفضيلة العلامة الكبير محمد أمين شيخو
| |
|
**فيروز** نائب المدير
الدولة : مصر عدد المساهمات : 1837 نقاط : 2637 تاريخ التسجيل : 01/09/2009
| |
نبيلة محمود خليل مديرة موقع الرحمة والمغفرة
الدولة : مصر عدد المساهمات : 17809 نقاط : 28622 تاريخ التسجيل : 31/08/2009 العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة المزاج : الحمد الله تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها
| موضوع: رد: سـورة القارعة الخميس ديسمبر 01, 2011 1:07 pm | |
| منتهى الابداع والتميز من ابو عبده
فى انتقاء وطرح الموضوعات الرائعة والهادفة
بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء
_________________ اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
| |
|