قتال أهل البغي والمرتد
قوله تعالى : " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ”
قوله تعالى : " من كفر بالله من بعد إيمانه
قوله تعالى : " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ”
( أَنَا ) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ، قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لِرَسُولِ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } إلَى قَوْلِهِ { فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ } . فَبَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : مِنْ الْقَتْلِ . ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ : الَّذِي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ؛ فَقَالَ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } بَعْدَ الْإِيمَانِ ، كُفْرًا إذَا سُئِلُوا عَنْهُ أَنْكَرُوهُ وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ ؛ وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ : وَهُمْ مُقِيمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ } ؛ فَأَخْبَرَ : بِكُفْرِهِمْ ، وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ ، وَكَذِبِ سَرَائِرِهِمْ بِجَحْدِهِمْ . وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ ، وَسَمَّاهُمْ بِالنِّفَاقِ ؛ إذْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ : وَكَانُوا عَلَى غَيْرِهِ . قَالَ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } . فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفْرِ ، وَحَكَمَ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ مِنْ أَسْرَارِ خَلْقِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ، وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِأَيْمَانِهِمْ ، وَحَكَمَ فِيهِمْ [ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] فِي الدُّنْيَا أَنَّ مَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا [ بِهِ ] كَاذِبِينَ . لَهُمْ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ : وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ ، الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ . وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي كِتَابِهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ : { قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } فَأَعْلَمَ أَنْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ ، وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ : ( أَسْلَمْنَا ) أَسْلَمْنَا : مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي إنْ أَحْدَثُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْأَعْرَابُ لَا يَدِينُونَ دِينًا يَظْهَرُ ؛ بَلْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيَسْتَخْفُونَ : الشِّرْكَ وَالتَّعْطِيلَ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ } . وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } . [ فَأَمَّا أَمْرُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ ] فَإِنَّ صَلَاتَهُ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفَةٌ صَلَاةَ غَيْرِهِ ، وَأَرْجُو : أَنْ يَكُونَ قَضَى إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا غَفَرَ لَهُ ، وَقَضَى : أَنْ لَا يَغْفِرَ لِمُقِيمٍ عَلَى شِرْكٍ . فَنَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ لَا يَغْفِرَ لَهُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُسْلِمًا ، وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ بَعْدَ هَذَا أَحَدًا . قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ : [ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } مَا هُمْ بِمُخْلِصِينَ .
قوله تعالى : " من كفر بالله من بعد إيمانه
( أَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } . فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ، فَأُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ ، وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ قَدْ أُكْرِهَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفْرِ ، فَقَالَهُ ؛ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، فَذَكَرَ لَهُ مَا عُذِّبَ بِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بِاجْتِنَابِ زَوْجَتِهِ ، وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا عَلَى الْمُرْتَدِّ