الاستعاذة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
فصل اتفق الأكثرون على أن وقت الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة .
فصل في حكم التعوذ قبل القراءة
فصل في الجهر والإسرار بالتعوذ
فصل في موضع الاستعاذة من الصلاة
فصل في بيان هل التعوذ في كل ركعة ؟
فصل في بيان سبب الاستعاذة
السنة أن يقرأ القرآن مرتلا
فصل في استحباب تحسين القراءة جهرا
فصل في صحة الصلاة مع النطق بالضاد والظاء
فصل في عدم جواز الصلاة بالوجوه الشاذة
فصل في قولهم : " القراءات المشهورة منقولة بالتواتر "
فصل في اشتقاق الاستعاذة وإعرابها
فصل في احتجاج المعتزلة لإبطال الجبر
فصل في المستعاذ به
فصل في المستعيذ
فصل في المستعاذ منه ؛ وهو الشيطان .
فصل في وجود الجن
فصل في قدرة الجن على النفوذ خلال البشر
فصل في تنزه الملائكة عن شهوتي البطن والفرج
الاستعاذة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
هذا ليس من القرآن إجماعا ، وإنما تعرضت له ؛ لأنه واجب في أول القراءة ، أو
مندوب ، وقيل : واجبة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده .
وأصح كيفيات اللفظ هذا اللفظ المشهور ؛ لموافقته قوله تعالى : ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( [ النحل : 98 ] .
ورووا فيه حديثين :
قال الشافعي - رضي الله عنه - : واجب أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،
" " صفحة رقم 80 " "
وهو قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - قالوا : لأن هذا النظم موافق للآية المتقدمة ،
وموافق لظاهر الخبر .
وقال أحمد - رضي الله تعالى عنه - : الأوْلى أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم ، إنه هو السميع العليم ؛ جمعا بين الآيتين .
وقال بعض الشافعية : الأوْلى أن يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
الرجيم ؛ لأن هذا - أيضا - جمع بين الآيتين .
وروى البيهقي في كتاب " السنن " بإسناده ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قام من النوم كبّر ثلاثا ، وقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم .
" " صفحة رقم 81 " "
وقال الثوري ، والأوزاعي : الأوْلى أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن
الله هو السميع العليم .
وروى الضحاك عن ابن عباس : أن أول ما نزل جبريل - عليه السلام - على محمد -
عليه الصلاة والسلام - قال : قل يا محمد : استعذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم
قال : قل : ( بسم الله الرحمن الرحيم
( ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( [ العلق : 1 ] .
ونقل عن بعضهم ، أنه كان يقول : أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد .
فصل اتفق الأكثرون على أن وقت الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة .
وعن النخعي : أنه بعدها ، وهو قول داود الأصفهاني ، وإحدى
" " صفحة رقم 82 " "
الروايتين عن ابن سيرين .
وقالوا : إذا [ قرأ ] الفاتحة وأمّن ، يستعيذ بالله .
دليل الجمهور : ما روى جبير بن مطعم - رضي الله عنه - : أن النبي _ ( صلى الله عليه وسلم )
وشرف وكرم وبجل وعظم وفخم - حين افتتح الصلاة قال : " الله أكبر كبيرا ،
ثلاث مرات ، والحمد لله كثيرا ، ثلاث مرات ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، ثلاث مرات ،
ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " .
واحتج المخالف بقوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) { النحل : 98 ] دلت هذه الآية على أن قراءة القرآن شرط ، وذكر الاستعاذة جزاء ، والجزاء
متأخر عن الشرط ؛ فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن القراءة .
ثم قالوا : وهذا موافق لما في العقل ؛ لأن من قرأ القرآن ، فقد استوجب الثواب
العظيم ، فربما يداخله العجب ؛ فيسقط ذلك الثواب ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - :
" ثلاث مهلكات " وذكر منها إعجاب المرء بنفسه ؛ فلهذا السبب أمره الله - تعالى - [ بأن
" " صفحة رقم 83 " "
يستعيذ من الشيطان ؛ لئلا يحمله الشيطان بعد القراءة ] على عمل محبط ثواب تلك الطاعة .
قالوا : ولا يجوز أن يكون المراد من قوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ( أي : إذا
أردت قراءة القرآن ؛ كما في قوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ( [ المائدة : 6 ] .
والمعنى : إذا أردتم القيام فتوضئوا ؛ لأنه لم يقل : فإذا صليتم فاغسلوا ؛ فيكون نظير
قوله : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ ( وإن سلمان كون هذه الآية نظير تلك ، فنقول : نعم ، إذا
قام يغسل عقيب قيامه إلى الصلاة ؛ لأن الأمر إنما ورد بالغسل عقيب قيامه ، وأيضا :
فالإجماع دل على ترك هذا الظاهر ، وإذا ترك الظاهر في موضع لدليل ، لا يوجب تركه
في سائر المواضع لغير دليل .
" " صفحة رقم 84 " "
أما جمهور الفقهاء - رحمهم الله تعالى - فقالوا : إن قوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن
" " صفحة رقم 85 " "
فاستعذ ( يحتمل أن يكون المراد منه : إذا أردت ، وإذا ثبت الاحتمال ، وجب حمل اللفظ
عليه توفيقا بين الآية وبين الخبر الذي رويناه ، ومما يقوي ذلك من المناسبات العقلية ، أن
المقصود من الاستعاذة نفي وساوس الشيطان عند القراءة ؛ قال تعالى : ( وما أرسلنا من
قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( [ الحج : 52 ] فأمره الله
- تعالى - بتقديم الاستعاذة قبل القراءة ؛ لهذا السبب .
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - : " وأقول : ها هنا قول ثالث : وهو [ أن ]
" " صفحة رقم 86 " "
يقرأ الاستعاذة قبل القراءة ؛ بمقتضى الخبر ، وبعدها ؛ بمقتضى القرآن ؛ جمعا بين الدلائل
بقدر الإمكان " .
قال عطاء - رحمه الله تعالى - : الاستعاذة واجبة لكل قراءة ، سواء كانت في الصلاة
أو غيرها .
وقال ابن سيرين - رحمه الله تعالى - : إذا تعوذ الرجل مرة واحدة في عمره ، فقد كفى
في إسقاط الوجوب ، وقال الباقون : إنها غير واجبة .
حجة الجمهور : أن النبي - ( صلى الله عليه وسلم ) وشرف وكرم وبجل وعظم -
لم يعلم الأعرابي الاستعاذة في جملة أعمال الصلاة .
ولقائل أن يقول : إن ذلك الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصلاة ، فلم
يلزم من عدم الاستعاذة فيه ، عدم وجوبها .
واحتج عطاء على وجوب الاستعاذة بوجوه :
الأول : أنه - عليه الصلاة والسلام - واظب عليه ؛ فيكون واجبا - لقوله تعالى :
) واتبعوه ( [ الأعراف : 158 ] .
الثاني : أن قوله تعالى : ( فاستعذ ( أمر ؛ وهو للوجوب ، ثم إنه يجب القول بوجوبه
عند كل [ قراءة ] ، لأنه تعالى قال : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) { النحل : 98 ] وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على التعليل ، والحكم يتكرر
بتكرر العلة .
الثالث : أنه - تعالى - أمر بالاستعاذة ؛ لدفع شر الشيطان ؛ وهو اجب ، وما لا يتم
الواجب إلا به ، فهو واجب .
" " صفحة رقم 87 " "
فصل في حكم التعوذ قبل القراءة
التعوذ في الصلاة مستحب قبل القراءة عند الأكثرين .
وقال مالك - رضي الله تعالى عنه - لا يتعوذ في المكتوبة ، ويتعوذ في قيام شهر
" " صفحة رقم 88 " "
رمضان للآية والخبر ، وكلاهما يفيد الوجوب ، فإن لم يثبت الوجوب ، فلا أقل من
الندب .
فصل في الجهر والإسرار بالتعوذ
روي أن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - لما قرأ أسر بالتعويذ .
وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - : أنه جهر به ؛ ذكره الشافعي - رحمه الله
تعالى - في " الأم " ثم قال : فإن جهر به جاز ، [ وإن أسر به جاز ] .
فصل في موضع الاستعاذة من الصلاة
قال ابن الخطيب : " أقول : إن الاستعاذة إنما تقرأ بعد الاستفتاح ، وقبل الفاتحة ،
فإن ألحقناها بما قبلها ، لزم الإسرار ، وإن ألحقناها بالفاتحة ، لزم الجهر ، إلا أن المشابهة
بينها ، وبين الاستفتاح أتم ؛ لكون كل منهما نافلة " .
" " صفحة رقم 89 " "
فصل في بيان هل التعوذ في كل ركعة ؟
قال بعض العلماء - رحمهم الله - : إنه يتعوذ في كل ركعة.
وقال بعضهم : لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى .
حجته : أن الأصل هو العدم ، وما لأجله أمرنا بالاستعاذة ؛ هو قوله تعالى : ( فإذا قرأت
القرآن فاستعذ بالله ( [ النحل : 98 ] وكلمة " إذا " لا تفيد العموم .
ولقائل أن يقول : إن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على العلة ؛ فيتكرر
الحكم بتكرر العلة .
فصل في بيان سبب الاستعاذة
التعوذ في الصلاة ، لأجل القراءة ، أم لأجل الصلاة ؟
عند أبي حنيفة ومحمد - رضي الله تعالى عنهما - أنه للقراءة [ وعند أبي يوسف :
" " صفحة رقم 90 " "
أنه للصلاة ] ويتفرع على هذا الأصل فرعان :
الأول : أن المؤتم هل يتعوذ خلف الإمام ؟
عندهما : لا يتعوذ ؛ لأنه لا يقرأ وعنده يتعوذ ؛ وجه قولهما قوله تعالى : ( فإذا قرأت
القرآن فاستعذ ( [ النحل : 98 ] علق الاستعاذة على القراءة ، ولا قراءة على المقتدي .
وجه قول أبي يوسف - رحمه الله - التعوذ لو كان للقراءة ؛ لكان يتكرر بتكرر
القراءة ، ولما لم لكن كذلك ، بل يتكرر بتكرر الصلاة ؛ دل على أنها للصلاة .
الفرع الثاني : إذا افتتح صلاة العيد فقال : سبحانك اللهم ، هل يقول : أعوذ بالله ، ثم
يكبر ، أم لا ؟
عندهما أنه يكبر التكبيرات ، ثم يتعوذ عند القراءة .
وعند أبي يوسف - رحمه الله - يقدم التعوذ على التكبيرات .
السنة أن يقرأ القرآن مرتلا
لقوله تبارك وتعالى : ( ورتل القرآن ترتيلا ( [ المزمل : 4 ] .
والترتيل : هو أن يذكر الحروف مبينة ظاهرة ، والفائدة فيه أنا إذا وقعت القراءة على
هذا الوجه ؛ فهم من نفسه معاني تلك الألفاظ ، وأفهم غيره تلك المعاني ، وإذا قرأها سردا ،
لم يفهم ولم يفهم ، فكان الترتيل أولى .
روى أبو داود - رحمه الله تعالى - بإسناده عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -
قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يقال للقارئ : اقرأ وارق ، ورتل ، كما كنت ترتل في الدنيا ؛
[ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " ] .
" " صفحة رقم 91 " "
قال أبو سلمان الخطابي - رحمه الله - : جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على عدد
درج الجنة ؛ يقال للقارئ : اقرأ وارق في الدرج على عدد ما كنت تقرأ من القرآن ، فمن
استوفى ، فقرأ جميع آي القرآن استولى على أقصى الجنة .
فصل في استحباب تحسين القراءة جهرا
إذا قرأ القرآن جهرا ، فالسنة أن يحسن في القراءة ؛ روى أبو داود ، عن
البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله ( ( صلى الله عليه وسلم ) ) : " زينوا القرآن
بأصواتكم " .
فصل في صحة الصلاة مع النطق بالضاد والظاء
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - : " المختار عندنا أن اشتباه الضاد بالظاء عندنا لا
يبطل الصلاة ؛ ويدل عليه أن المشابهة حاصلة بينهما جدا ، والتمييز عسر ، فوجب أن يسقط
التكليف بالفرق .
بيان المشابهة أنهما من الحروف المجهورة ، وأيضا من الحروف الرخوة ، وأيضا من
الحروف المطبقة ، وأيضا : أن النطق بحرف الضاد مخصوص بالعرب ؛ قال - عليه الصلاة
" " صفحة رقم 92 " "
والسلام - : " أنا أفصح من نطق بالضاد " فثبت بما ذكر أن المشابهة بينهما شديدة ،
والتمييز عسر .
وأيضا : لم يقع السؤال عنه في زمن النبي - عليه الصلاة والسلام - وأزمنة الصحابة ،
لا سيما عند دخول العجم في الإسلام ، فلما لم ينقل وقوع السؤال عن هذا ألبتة ، علمنا أن
التمييز بين هذين الحرفين ، ليس في محل التكليف .
فصل في عدم جواز الصلاة بالوجوه الشاذة
اتفق على أنه لا تجوز القراءة [ في الصلاة ] بالوجوه الشاذة : لأن الدليل ينفي جواز
القراءة مطلقا ، لأنها لو كانت من القرآن ، لوجب بلوغها إلى حد التواتر ، ولما لم يكن
كذلك ، علمنا أنها ليست من القرآن ، عدلنا عن هذا الدليل في جواز القراءة بها خارج
الصلاة ، فوجب أن تبقى قراءتها في الصلاة على أصل المنع .
فصل في قولهم : " القراءات المشهورة منقولة بالتواتر "
اتفق الأكثرون على أن القراءات المشهورة منقولة بالتواتر ، وفيه إشكال ؛ وذلك لأنا
" " صفحة رقم 93 " "
نقول : هذه القراءة إما أن تكون منقولة بالتواتر ، أو لا .
" " صفحة رقم 94 " "
فإن كان الأول ، فحينئذ قد ثبت بالنقل المتواتر أن الله - تعالى - قد خيّر المكلفين بين
هذه القراءة ، وسوى بينهما في الجواز .
وإذا كان كذلك ، كان ترجيح بعضها على البعض واقعا على خلاف الحكم المتواترة ؛
فواجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض ، مستوجبين للتفسيق إن لم يلزمهم التكفير ،
لكنا نرى أن كل واحد يختص بنوع معين من القراءة ، ويحمل الناس عليها ، ويمنعهم من
غيرها ، فوجب أن يلزم في حقهم ما ذكرناه .
وإن قلنا : هذه القراءات ما ثبتت بالتواتر ؛ بل بطريق الآحاد ، فحينئذ يخرج القرآن عن
كونه مفيدا للجزم ، والقطع اليقين ؛ وذلك باطل بالإجماع ؛ ولقائل أن يجيب عنه ؛ فيقول :
بعضها متواتر ، ولا خلاف بين الأمة فيه ، وتجويز القراءة بكل واحد منها ؛ وبعضها من باب
الآحاد ، لا يقتضي كون القراءة بكليته خارجا عن كونه قطعيا ، والله أعلم ؛ ذكره ابن
الخطيب .
فصل في اشتقاق الاستعاذة وإعرابها
العوذ له معنيان : أحدهما : الالتجاء والاستجارة .
والثاني : الالتصاق ؛ ويقال : " أطيب [ اللحم ] عوذه " هو : ما التصق بالعظم .
فعلى الأول : أعوذ بالله ، أي : ألتجئ إلى رحمه الله ، ومنه العوذة : وهي ما يعاذ به
من الشر .
وقيل للرقية ، والتميمة - وهي ما يعلق على الصبي : عوذة ، وعوذة [ بفتح العين
وضمها ] ، وكل أنثى وضعت فهي عائذ إلى سبعة أيام .
ويقال : عاذ يعوذا عوذا ، وعياذا ، ومعاذا ، فهو عائذ ومعوذ ومنه قول الشاعر :
[ البسيط ]
1 - ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا
وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني
" " صفحة رقم 95 " "
قيل : عائذ - هنا - أصله اسم فاعل ؛ ولكنه وقع موقع المصدر ؛ كأنه قال : " وعياذا
بك " وسيأتي تحقيق هذا القول إن شاء الله تعالى .
و " أعوذ " فعل مضارع ، وأصله : " أعوذ " بضم الواو ؛ مثل : " أقتل ، وأخرج أنا " وإنما
نقلوا حركة الواو إلى الساكن قبلها ؛ لأن الضمة ثقيلة ، وهكذا كل مضارع من " فعل " عينه
واو ؛ نحو : " أقوم ، ويقوم ، وأجول ، ويجول " وفاعله ضمير المتكلم .
وهذا الفاعل لا يجوز بروزه ؛ بل هو من المواضع السبعة التي يجب فيها استتار
الضمير على خلاف في السابع ولا بد من ذكرها ؛ لعموم فائدتها ، وكثرة دورها :
الأول : المضارع المسند للمتكلم وحده ؛ نحو : " أفعل " .
الثاني : المضارع المسند للمتكلم مع غيره ، أو المعظم نفسه ؛ نحو : " نفعل نحن " .
الثالث : المضارع المسند للمخاطب ؛ نحو : " تفعل أنت " ، ويوحد المخاطب بقيد
الإفراد ، والتذكير ؛ لأنه متى كان مثنى ، أو مجموعا ، أو مؤنثا - وجب بروزه ؛ نحو :
" تقومان - يقومون - تقومين " .
الرابع : فعل الأمر المسند للمخاطب ؛ نحو : " افعل أنت " ويوحد المخاطب أيضا
- بقيد الإفراد ، والتذكير ؛ لأنه متى كان مثنى ، أو مجموعا ، أو مؤنثا - وجب بروزه ؛ نحو :
" افعلا - افعلوا - افعلي " .
الخامس : اسم فعل الأمر مطلقا ، سواء كان المأمور مفردا ، أو مثنى ، أو مجموعا ، أو
مؤنثا ؛ نحو : " صه يا زيد - يا زيدان - يا زيدون - يا هند - يا هندان - يا هندات " .
بخلاف فعل الأمر ؛ فإنه يبرز فيه ضمير غير المفرد المذكر ، كما تقدم .
السادس : اسم الفعل المضارع ؛ نحو : " أوه " أي : أتوجع ، و " أف " أي : أتضجر ،
و " وي " أي : أعجب .
وهذه الستة لا يبرز فيها الضمير ؛ بلا خلاف .
وتحرزت بقول : " اسم فعل الأمر ، واسم الفعل المضارع " عن اسم الفعل الماضي ؛
فإنه لا يجب فيه الاستتار كما سيأتي .
السابع : المصدر الواقع موقع الفعل بدلا من لفظه ؛ نحو : " ضربا زيدا " ؛ وقول
الشاعر : [ الطويل ]
2 - يمرون بالدهنا خفافا عيابهم
ويرجعن من دارين بجر الحقائب
3 - على حين ألهى الناس جل أمورهم
فندلا زريق المال ندل الثعالب
" " صفحة رقم 96 " "
وقوله تعالى : ( فضرب الرقاب ( [ محمد : 4 ] .
هذا إذا جعلنا في " ضربا " ضميرا مستترا ؛ وأما من يقول من النحويين : إنه لا يتحمل
ضميرا ألبتة ؛ فلا يكون من المسألة في شيء .
والضابط فيما يجب استتاره ، وإن عرف من تعداد الصور المتقدمة - " أن كل ضمير لا
يحل محله ظاهر ، ولا ضمير متصل ، فهو واجب الاستتار كالمواضع المتقدمة ، وما جاز أن
يحل محله ظاهر ، فهو جائز الاستتار ؛ نحو : " زيد قام " في " قام " ضمير جائز الاستتار ،
ويحل محله الظاهر ؛ نحو : " زيد قام أبوه " أو الضمير المنفصل ، نحو : " زيد ما قام إلا هو "
فإن وجد من لسانهم في أحد المواضع المتقدمة ، الواجب فيها الاستتار ضمير منفصل ،
فليعتقد كونه توكيدا للضمير المستتر ؛ كقوله تعالى : ( اسكن أنت وزوجك الجنة ( [ البقرة :
35 ] ف " أنت " مؤكد لفاعل " اسكن " .
و " بالله " جار ومجرور ، وكذلك : " من الشيطان " وهما متعلقان ب " أعوذ " .
ومعنى الباء : الاستعانة ، و " من " : للتعليل ، أي : أعوذ مستعينا بالله من أجل
الشيطان ، ويجوز أن تكون " من " لابتداء الغاية ، ولها معان أخر ستأتي إن شاء الله تعالى .
وأما الكلام على الجلالة ، فيأتي في البسملة إن شاء الله تعالى .
والشيطان : المتمرد من الجن ، وقيل : الشياطين أقوى من الجن ، والمردة أقوى من
الشياطين ، والعفريت أقوى من المردة ، والعفاريت أقواها .
وقال أبو عبيدة - رحمه الله - : الشيطان : اسم لكل عارم من الجن ، والإنس ،
والحيوانات ؛ [ لبعده ] من الرشاد قال تبارك وتعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين
الإنس والجن ( [ الأنعام : 112 ] ، فجعل من الإنس شياطين .
" " صفحة رقم 97 " "
وركب عمر - رضي الله تعالى عنه - برذونا ، فطفق يتبختر ؛ فجعل يضربه ، فلا
يزداد إلا تخبترا ؛ فنزل عنه ، وقال : " ما حملتموني إلا على شيطان " .
وقد يطلق على كل قوة ذميمة في الإنسان ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : " الحسد
شيطان ، والغضب شيطان " ؛ وذلك لأنهما ينشآن عنه .
واختلف أهل اللغة في اشتقاقه :
فقال جمهورهم : هو مشتق من : " شطن - يشطن " أي : بعد ؛ لأنه بعيد من رحمة الله
تعالى ؛ وأنشد : [ الوافر ]
4 - نأت بسعاد عنك نوى شطون
فبانت والفؤاد بها رهين
" " صفحة رقم 98 " "
وقال آخر : [ الخفيف ]
5 - إيما شاطن عصاه عكاه
ثم يلقى في السجن والأكبال
وحكى سيبويه - رحمه الله - : " تشيطن " أي : فعل فِعل الشياطين ؛ فهذا كله يدل
على أنه من " شطن " ؛ لثبوت النون ، وسقوط الألف في تصاريف الكلمة ، ووزنه على هذا :
" فيعال " .
وقيل : هو مشتق من " شاط - يشيط " أي : هاج ، واحترق ، ولا شك أن هذا المعنى
موجود فيه ، فأخذوا بذلك أنه مشتق من هذه المادة ، لكن لم يسمع في تصاريفه إلا ثابت
النون ، محذوف الألف ؛ كما تقدم ، ووزنه على هذا " فعلان " ويترتب على القولين : صرفه
وعدم صرفه ، إذا سمي به ، وأما إذا لم يسم به ، فإنه متصرف ألبتة ؛ لأن من شرط امتناع
" فعلان " الصفة ألا يؤنث بالتاء ، وهذا يؤنث بها ؛ قالوا : " شيطانة " .
قال ابن الخطيب : و " الشيطان " مبالغة في الشيطنة ؛ كما أن " الرحمن " مبالغة في
الرحمة . و " الرجيم " في حق الشيطان " فعيل " بمعنى " فاعل " .
إذا عرفت هذا ، فهذه الكلمة تقتضي الفرار من الشيطان الرجيم إلى الرحمن الرحيم .
قوله : " الرجيم " نعت له على الذم ، وفائدة النعت : إما إزالة اشتراك عارض في
معرفة ؛ نحو : " رأيت زيدا العاقل " .
وإما تخصيص نكرة ؛ نحو : " رأيت رجلا تاجرا " وإما لمجرد مدح ، أو ذم ، أو
ترحم ؛ نحو : " مررت بزيد المسكين " وقد يأتي لمجرد التوكيد ؛ نحو قوله : ( نفخة واحدة ) { الحاقة : 31 ] ولا بد من ذكر قاعدة في النعت ، تعم فائدتها :
اعلم أن النعت إن كان مشتقا بقياس ، وكان معناه لمتبوعه ، لزم أن يوافقه في أربعة
من عشرة ؛ أعني في واحد من ألقاب الإعراب : الرفع ، والنصب ، والجر ، وفي واحد من :
الإفراد ، والتثنية ، والجمع ، وفي واحد من : التذكير ، والتأنيث ، وفي واحد من : التعريف ،
والتنكير .
" " صفحة رقم 99 " "
وإن كان معناه لغير متبوعه ، وافقه في اثنين من خمسة : في واحد من ألقاب
الإعراب ، وفي واحد من التعريف والتنكير ؛ نحو : " مررت برجلين عاقلة أمهما " ، فلم
يتبعه في تثنية ولا تذكير .
وإذا اختصرت ذلك كله ، فقل : النعت يلزم أن يتبع منعوته في اثنين من خمسة مطلقا :
في واحد من ألقاب الإعراب ، وفي واحد من التعريف و التنكير ، وفي الباقي كالفعل ؛ يعني :
أنك تضع موضع النعت فعلا ، فمهما ظهر في الفعل ، ظهر في النعت ؛ مثاله ما تقدم في :
" مررت برجلين [ عاقلة أمهما " ] ؛ لأنك تقول : " مررت برجلين عقلت أمهما " .
" والرجيم " قد تبع موصوفه في أربعة من عشرة ؛ لما عرفت ، وهو مشتق من
" الرجم " ، والرجم أصله : الرمي بالرجام ، وهي الحجارة ، ويستعار الرجم للرمي بالظن
والتوهم .
قال زهير : [ الطويل ]
6 - وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
ويعبر به - أيضا - عن الشتم ؛ قال تعالى : ( لئن لم تنته لأرجمنك ( [ مريم : 46 ]
قيل : أقول فيك قولا سيئا .
والمراجمة : المسابة الشديدة استعارة كالمقاذفة ، فالرجيم معناه : المرجوم ، فهو
" فعيل " بمعنى " مفعول " ؛ كقولهم : كف خضيب أي : مخضوب : ورجل لعين أي : ملعون
قال الراغب : والترجمان تفعلان من ذلك كأنه يعني أنه يرمي بكلام من يترجم عنه إلى
" " صفحة رقم 100 " "
غيره ؛ والرجمة : أحجار القبر ، ثم عبر بها عنه ؛ وفي الحديث : " لا ترجموا قبري " ، أي :
لا تضعوا عليه الرجمة .
ويجوز أن يكون بمعنى " فاعل " ؛ لأنه يرجم غيره بالشر ، ولكنه بمعنى " مفعول " أكثر ،
الموضوع الأصلي: أحكام الاستعاذة ** الكاتب: ابراهيم بن كمال ** المصدر: شبكة الفرسان للعوم الشرعية