فصل في اشتقاق البسملةفصل فيما يحصر به الجرفصل في لغات " الاسم "فصل في متعلق الجار والمجرورفصل الاسم هل هو نفس المسمى أم لا ؟فصل في الأدلة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمىفصل في اختصاص لفظ الجلالة به سبحانهفصل في خواص لفظ الجلالةفصل في رسم لفظة الجلالةفصل في بيان هل البسملة آية من كل سورة أم لافصل في بيان أن أسماء الله توقيفية أم اصطلاحيةفصل في بيان صفات لا تثبت في حق اللهفصل في عدد أسماء اللهفصل في فضل البسملةفصل في اشتقاق البسملة
البسملة : مصدر " بسمل " ، أي : قال : " بسم الله " ، نحو : " حوقل ، وهيلل ، وحمدل ،
وحيعل " ، أي قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا إله إلا الله ، والحمد لله ، وحي على
الصلاة ومثله " الحسبلة " وهي قوله : " حسبنا الله " ، و " السبحلة " وهي قول : " سبحان الله "
و " الجعفلة " : قول : جعلت فداك " ، و " الطلبقة والدمعزة " حكاية قولك : " أطال الله
تعالى بقاءك ، وأدام عزك " .
وهذا شبيه بباب النحت في النسب ، أي أنهم يأخذون اسمين ، فينحتون منهما لفظا
واحدا ؛ فينسبون إليه ؛ كقولهم : " حضرمي ، وعبقسي ، وعبشمي " نسبة إلى " حضرموت ،
وعبد قيس وعبد شمس " ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]
7 - وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
" " صفحة رقم 117 " "
وهو غير مقيس ، فلا جرم أن بعضهم قال في : " بسمل ، وهيلل " : إنهما لغة مولدة .
قال الماوردي رحمه الله تعالى : يقال لمن قال : " بسم الله " : " مبسمل " وهي لغة
مولدة ؛ وقد جاءت في الشعر ؛ قال عمر بن أبي ربيعة : [ الطويل ]
8 - لقد بسملت ليلى غداة لقيتها
فيها حبذا ذاك الحبيب المبسمل
وغيره من أهل اللغة نقلها ، ولم يقل إنها مولدة ك " ثعلب " و " المطرزي " .
" " صفحة رقم 118 " "
" بسم الله " : جار ومجرور ، والباء متعلق بمضمر ، فنقول : هذا المضمر يحتمل أن
يكون اسما ، وأن يكون فعلا ، وعلى التقديرين ؛ فيجوز أن يكون متقدما ومتأخرا ، فهذه
أقسام أربعة .
أما إذا كان متقدما ، وكان فعلا ؛ فكقولك : أبدأ ببسم الله .
وإن كان متقدما ، وكان اسما ؛ فكقولك : ابتدائي ببسم الله .
وإن كان متأخرا ، وكان فعلا ؛ فكقولك : بسم الله أبدأ .
وإن كان متأخرا ، وكان اسما ؛ فكقولك : بسم الله ابتدائي .
وأيهما أولى التقديم أم التأخير ؟
قال ابن الخطيب : كلاهما ورد في القرآن الكريم ، أما التقديم ، فكقوله ) بسم الله
مجراها ومرساها ( [ هود : 41 ] وأما التأخير ؛ فكقوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك ( [ العلق : 1 ]
وأقول : التقديم أولى ؛ لأنه - تعالى - قديم واجب الوجود لذاته ، فيكون وجوده سابقا على
وجود غيره ، لأن السبق بالذات يستحق السبق في الذكر ؛ قال تبارك وتعالى : ( هو الأول
والآخر ( [ الحديد : 3 ] وقال تعالى : ( لله الأمر من قبل ومن بعد ( [ الروم : 4 ] ، وقال
تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ( [ الفاتحة : 5 ] .
قال أبو بكر الرازي - رحمه الله تعالى - إضمار الفعل أولى من إضمار الاسم ؛ لأن
نسق تلاوة القرآن يدل على أن المضمر هو الفعل ، وهو الأمر ، لأنه - تبارك وتعالى - قال :
) إياك نعبد وإياك نستعين ) ، فكذا قوله تعالى ) بسم الله الرحمن الرحيم
(
التقدير : قولوا : بسم الله .
" " صفحة رقم 119 " "
وأقول : لقائل أن يقول : بل إضمار الاسم أولى ؛ لأنا إذا قلنا : تقدير الكلام : بسم
الله ابتداء كل شيء ، كان هذا إخبارا عن كونه مبدأ في ذاته لجميع الحوادث ، ومخالفا
لجميع الكائنات ، سواء قاله قائل ، أو لم يقله ، ولا شك أن هذا الاحتمال أولى ، وتمام
الكلام يأتي في بيان أن الأولى أن يقال : الحمد لله وسيأتي لذلك زيادة بيان في الكلام في
الاسم إن شاء الله تعالى .
فصل فيما يحصر به الجر
الجر يحصل بشيئين :
أحدهما بالحرف ؛ كما في قوله تعالى : " بسم الله " .
والثاني : بالإضافة ؛ كما في قوله تعالى : " الله " من قوله " بسم الله " .
وأما الجر الحاصل في لفظة " الرحمن الرحيم " فإنما حصل ، لكون الوصف ثابتا
للموصوف في الإعراب ، فها هنا أبحاث :
أحدها : أن حروف الجر لم اقتضت الجر ؟
وثانيها : أن الإضافة لم اقتضت الجر ؟
وثالثها : أن اقتضاء الحروف أقوى ، أم اقتضاء الإضافة ؟
ورابعها : أن الإضافة بين الجزء والكل ، أو بين الشيء الخارج عن ذات الشيء
المنفصل ؟
قال مكي - رحمه الله تعالى - : كسرت الباء من " بسم الله " ؛ لتكون حركتها مشبهة
لعملها ؛ وقيل : كسرت ليفرق بين ما يخفض ، ولا يكون إلا حرفا ؛ نحو : الباء ، واللام ،
وبين ما يخفض ، وقد يكون اسما نحو : الكاف .
وإنما عملت الباء وأخواتها الخفض ؛ لأنها لا معنى لها إلا في الأسماء ، فعملت
الإعراب الذي لا يكون إلا في الأسماء ، وهو الخفض ، وكذلك الحروف التي تجزم
الأفعال ، إنما عملت الجزم ؛ لأنها لا معنى لها إلا في الأفعال ، فعملت الإعراب الذي لا
يكون إلا في الأفعال ، وهو الجزم .
والباء - هنا - للاستعانة ؛ ك " عملت بالقدوم " ؛ لأن المعنى : أقرأ مستعينا بالله ، ولها
معان أخر تقدم الوعد بذكرها وهي :
" " صفحة رقم 120 " "
الإلصاق : حقيقة أو مجازا نحو : مسحت برأسي ، " مررت بزيد " .
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - : فرّع أصحاب أبي حنيفة - رحمه الله - على
" باء " الإلصاق مسائل :
إحداها : قال محمد - رحمه الله تعالى - في " الزيادات " : إذا قال لامرأته : أنت طالق
بمشيئة الله ، لا يقع الطلاق ؛ وهو كقوله : أنت طالق إن شاء الله ، ولو قال : لم يشأ الله
يقع ؛ لأنه أخرجه مخرج التعليل ، وكذلك أنت طالق بمشيئة الله تعالى لا يقع الطلاق ،
ولو قال أو بإرادة الله لا يقع ، [ ولو قال لإرادة الله يقع ] أما إذا قال : أنت طالق بعلم
الله ، أو لعلم الله ، فإنه يقع في الوجهين ، ولا بد من الفرق .
وثانيها : في باب الأيمان لو قال : إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني ، فأنت طالق ،
تحتاج في كل مرة إلى إذنه ، ولو قال : إن خرجت إلا أن آذن لك ، فأذن لها مرة كفى ، ولا
بد من الفرق .
وثالثها : لو قال : طلقي نفسك ثلاثا بألف ، فطلقت نفسها واحدة ، وقعت بثلث
الألف ، وذلك أن الباء تدل على البدلية ، فيوزع البدل على المبدل ، فصار بإزاء كل طلقة
ثلث الألف ، ولو قال : طلقي نفسك ثلاثا على ألف ، فطلقت نفسها واحدة ، لم يقع عند
أبي حنيفة ، لأن لفظة " على " كلمة شرط ولم يوجد الشرط ، وعند صاحبيه يقع واحدة
بثلث الألف دلت وها هنا مسائل متعلقة بالباء .
قال أبو حنيفة رضي الله عنه : الثمن إنما يتميز عن المثمن بدخول " الباء " عليه ، فإذا
قلت : بعت كذا بكذا ، فالذي دخل عليه " الباء " هو الثمن وعلى هذا تبنى مسألة البيع
الفاسد ، فإذا قال بعت هذا الكرباس من الخمر صح البيع ، والعقد فاسد .
وإذا قال : بعت هذا الخمر ، فالكرباس لم يصح ، وله الفرق في الصورة الأولى : أن
الخمر ثمن ، وفي الثانية الخمر مثمن ، وجعل الخمر مثمنا لا يجوز .
ومنها قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - : إذا قال : بعتك هذا الثوب بهذا الدرهم
تعيّن ذلك الدرهم .
وعند أبي حنيفة - رحمه الله - لا يتعين .
والسببية : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا ( [ النساء : 160 ] أي : بسبب ظلمهم .
" " صفحة رقم 121 " "
والمصاحبة : نحو : " خرج زيد بثيابه " أي : مصاحبا لها .
والبدل : كقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ما يسرني بها حمر النعم " ، أي : بدلها ؛
وكقول الآخر : [ البسيط ]
9 - فليت لي بهم قوما إذا ركبوا
شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
أي بدلهم .
والقسم : " أحلف بالله لأفعلن " .
والظرفية : نحو : " زيد بمكة " أي : فيها .
والتعدية : نحو : ( ذهب الله بنورهم ( [ البقرة : 17 ] .
والتبعيض : كقول الشاعر في هذا البيت : [ الطويل ]
10 - شربن بماء البحر ثم ترفعت
متى لجج خضر ، لهن نئيج
أي : من مائه .
والمقابلة : " اشتريت بألف " أي : قابلته بهذا الثمن .
والمجاوزة : نحو قوله تعالى : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ( [ الفرقان : 25 ] ، ومنهم من
قال : لا يكون كذلك إلا مع السؤال خاصة ؛ نحو : ( فسئل به خبيرا ( [ الفرقان : 59 ]
أي : عنه ، وقول علقمة : [ الطويل ]
" " صفحة رقم 122 " "
11 - فإن تسألوني بالنساء فإنني
خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء [ أو ] قل ماله
فليس له في ودهن نصيب
والاستعلاء كقوله تعالى : ( من إن تأمنه بقنطار ( [ آل عمران : 75 ] ، أي : على
قنطار .
وبمعنى " إلى " : كقوله ) وقد أحسن بي ( [ يوسف : 100 ] .
والجمهور يأبون جعلها إلا للإلصاق ، أو التعدية ، ويردون جميع المواضع المذكورة
إليهما ، وليس هذا موضع استدلال .
وقد تزاد مطردة ، وغير مطردة :
فالمطردة : في فاعل " كفى " نحو : ( كفى بالله ( [ العنكبوت : 52 ] أي : كفى الله
بدليل سقوطها في قول الشاعر : [ الطويل ]
12 - . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وفي خبر " ليس " و " ما " أختها غير موجب ب " إلا " ؛ كقوله تعالى : ( أليس الله بكاف
عبده ( [ الزمر : 36 ] ) وما ربك بغافل ( [ الأنعام : 132 ] ، وفي : " بحسبك زيد " .
وغير مطردة : في مفعول " كفى " ؛ كقوله : [ الكامل ]
13 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا
حب النبي محمد إيانا
" " صفحة رقم 123 " "
أي : كفانا ، وفي البيت كلام آخر ، وفي المبتدأ غير " حسب " .
ومنه في أحد القولين : ( بأييكم المفتون ( [ القلم : 6 ] .
[ أي : أيكم المفتون ] وقيل : المفتون مصدر كالمعقول والميسور ، فعلى هذا ليست زائدة .
وفي خبر " لا " أخت " ليس " ؛ كقول الشاعر : [ الطويل ]
14 - وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
أي : مغنيا .
وفي خبر " كان " منفية ؛ نحو : [ الطويل ]
15 - وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
أي : لم أكن أعجلهم .
وفي الحال ، وثاني مفعولي " ظن " منفيين أيضا ؛ كقول القائل في ذلك البيت : [ الوافر ]
16 - فما رجعت بخائبة ركاب
حكيم بن المسيب منتهاها
وقال الآخر : [ الطويل ]
" " صفحة رقم 124 " "
17 - دعاني أخي والخيل بيني وبينه
فلما دعاني لم يجدني بقعدد
أي : ما رجعت ركاب خائبة ، ولم يجدني قعددا .
وفي خبر " إن " ؛ كقول امرئ القيس : [ الطويل ]
18 - فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها
فإنك مما أحدثت بالمجرب
أي : فإنك المجرب .
وفي ) أو لم يروا أن الله ( [ الإسراء : 99 ] .
والاسم لغة : ما أبان عن مسمى ، واصطلاحا : ما دل على معنى في نفسه فقط غير
متعرض بببنيته لزمان ، ولا دال جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه .
وبهذا القيد الأخير خرجت الجملة الاسمية ، والتسمية : جعل اللفظ دالا على ذلك
المعنى .
قال أبو عبيدة - رحمه الله تعالى - : ذكر الاسم في قوله تعالى : " بسم الله " صلة
زائد " ، والتقدير : " بالله " ، وإنما ذكر لفظة " الاسم " : إما للتبرك ، وإما أن يكون فرقا بينه
وبين القسم .
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - : وأقول : المراد من قوله تعالى : " بسم الله "
ابدءوا ب " بسم الله " ، وكلام أبي عبيدة ضعيف ، لأن الله أمرنا بالابتداء ، فهذا الأمر إنما
" " صفحة رقم 125 " "
يتناول فعلا من أفعالنا ، وذلك الفعل ، هو لفظنا وقولنا ، فوجب أن يكون المراد : ابدءوا
ب " بسم الله " .
وقال صاحب " البحر المحيط " : اختلف الناس : هل الاسم عين المسمى ، أو غيره ؟
وهي مسألة طويلة تكلم الناس فيها قديما وحديثا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .
واستشكلوا على كونه هو المسمى إضافته إليه ؛ فإنه يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه .
وأجاب أبو البقاء - رحمه الله - عن ذلك بثلاثة أجوبة :
أجودها : أن الاسم - هنا - بمعنى التسمية ، والتسمية غير الاسم ؛ لأن التسمية هي :
اللفظ بالاسم ، والاسم هو : اللازم للمسمى ؛ فتغايرا .
الثاني : أن في الكلام حذف مضاف تقدير : بسم مسمى الله .
الثالث : أن لفظ " اسم " زائد ؛ كقوله : [ الطويل ]
19 - إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
أي : السلام عليكما .
وقول ذي الرمة : [ البسيط ]
20 - لا ينعش الطرف إلا ما تخونه
داع يناديه باسم الماء مبغوم
" " صفحة رقم 126 " "
وإليه ذهب أبو عبيدة ، والأخفش وقطرب - رحمهم الله - واختلفوا في معنى
الزيادة :
فقال الأخفش : " ليخرج من حكم القسم إلى قصد التبرك " .
وقال قطرب : " زيد للإجلال والتعظيم " . وهذان الوجهان ضعيفان ؛ لأن الزيادة ،
والحذف لا يصار إليهما إلا إذا اضطر إليهما .
ومن هذا القبيل - أعني ما يوهم إضافة الشيء إلى نفسه - إضافة الاسم إلى اللقب ،
والموصوف ، إلى صفته ؛ نحو : " سعيد كرز " و " زيد قفة " و " مسجد الجامع " و " بقلة
الحمقاء " ؛ ولكن النحويين أوّلوا النوع الأول بأن جعلوا الاسم بمعنى المسمى ، واللقب
بمعنى اللفظ ، فتقديره : جاءني مسمى هذا اللفظ ، وفي الثاني جعلوه على حذف مضاف ،
فتقدير " بقلة الحمقاء " : " بقلة الحمقاء " ، و " مسجد الجامع " : " مسجد المكان الجامع " .
واختلف النحويون في اشتقاقه :
فذهب أهل " البصرة " : إلى أنه مشتق من السمو ، وهو [ العلو و ] الارتفاع ؛ لأنه
يدل على مسماه ، فيرفعه ويظهره .
" " صفحة رقم 127 " "
وذهب الكوفيون : إلى أنه مشتق من الوسم ، وهو : العلامة ؛ لأنه علامة على مسماه ،
وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى ؛ لكنه فاسد من حيث التصريف .
واستدل البصريون على مذهبهم بتكسيرهم له على " أسماء " ، وتصغيرهم له على
" سمي " ، لأن التكسير والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها .
وتقول العرب : " فلان سميّك ، وسميت فلانا بكذا وأسميته بكذا ، فهذا يدل على أن
اشتقاقه من : " السمو " ، ولو كان من : " الوسم " لقيل في التكسير : " أوسام " ، وفي التصغير
" وسيم " ؛ ولقالوا ؛ وسيمك فلان ، ووسمت ، وأوسمت فلانا بكذا فدل عدم قولهم ذلك ؛
أنه ليس كذلك .
وأيما فجعله من " السمو " مدخل له في الباب الأكثر ، وجعله من " الوسم " مدخل له
في الباب الأقل ؛ وذلك أن حذف اللام كثير ، وحذف الفاء قليل .
وأيضا فإنا عهدنهم غالبا يعوضون في غير محل الحذف ، فجعل همزة الوصل عوضا
عن اللام موافق لهذا الأصل ، بخلاف ادّعاء كونها عوضا عن الفاء .
فإن قيل : قولهم : " أسماء " في التكسير ، و " سمي " في التصغير ، لا دلالة فيه ؛ لجواز
[ أن يكون ] الأصل : " أوساما " و " وسيْما " ، ثم قلبت الكلمة بأن أخرت فاؤها بعد
لامها ، فصار لفظ " أوسام " ، " أسماوا " ثم أعل إعلال " كساء " ، وصار " وسيْم " ، " سميّوا "
ثم أعل إعلال " جريّ " تصغير " جرو " .
فالجواب : أن ادّعاء ذلك لا يفيد ؛ لأن القلب على خلاف القياس ، فلا يصار إليه ، ما
لم تدع إليه ضرورة .
وهل لهذا الخلاف فائدة أم لا ؟
والجواب : أن له فائدة ، وهي أن من قال باشتقاقه من العلوّ يقول : إنه لم يزل
موصوفا قبل وجود الخلق ، وبعدهم ، وعند فنائهم ، ولا تأثير لهم في أسمائه ، ولا صفاته ،
وهو قول أهل السنة - رحمهم الله - .
ومن قال : إنه مشتق من الوسم : يقول : كان الله تعالى في الأزل بلا اسم ، ولا صفة ،
فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، وهو قول المعتزلة . وهذا أشد خطأ من قولهم
" بخلق القرآن " ، وعلى هذا الخلاف وقع الخلاف أيضا في الاسم والمسمى .
فصل في لغات " الاسم "
وفي الاسم خمس لغات : " اسم " بمض الهمزة وكسرها ، و " سم " بكسر السين
وضمها . وقال أحمد بن يحيى : من قال : " سم " بضم السين ، أخذه من سموت أسمو ،
" " صفحة رقم 128 " "
ومن قال بالكسر أخذه من سميت أسمي ، وعلى اللغتين قوله : [ الرجز ]
21 - وعامنا أعجبنا مقدمه
يدعى أبا السمح وقرضاب سمه
مبتركا لكل عظم يلحمه
ينشد بالوجهين .
وأنشدوا على الكسر : [ الرجز ]
22 - باسم الذي في كل سورة سمه
فعلى هذا يكون في لام " اسم " وجهان :
أحدهما : أنها واو .
والثاني : أنها ياء ؛ وهو غريب ، ولكن أحمد بن يحيى - رحمه الله تعالى - جليل القدر
ثقة فيما ينقل .
و " سمى " مثل : هدى ؛ واستدلوا على ذلك بقول الشاعر : [ الرجز ]
23 - والله أسماك سما مباركا
آثرك الله به إيثاركا
ولا دليل في ذلك لجواز أن يكون من لغة من يجعله منقوصا مضموم السين ، وجاء
به منصوبا ، وإنما كان ينتهض دليلا لو قيل : " سمى " حالة رفع أو جر .
وهمزته همزة وصل ، تثبت ابتداء ، وتحذف درجا ، وقد تثبت ضرورة ؛ كقوله :
[ الطويل ]
24 - وما أنا بالمخسوس في جذم مالك
ولا من تسمى ثم يلتزم الإسما
وهو أحد الأسماء العشرة التي ابتدئ في أوائلها بهمزة الوصل وهي : اسم ، واست ،
وابن ، وابنم ، وابنة ، وامرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان ، وايمن في القسم .
والأصل في هذه الهمزة أن تثبت خطا ، كغيرها من همزات الوصل .
" " صفحة رقم 129 " "
وإنما حذفوها حين يضاف الاسم إلى الجلالة خاصة ؛ لكثرة الاستعمال .
وقيل : ليوافق الخط اللفظ .
وقيل : لا حذف أصلا ، وذلك لأن الأصل " سِم " أو سُم " بكسر السن أو ضمها ،
فلما دخلت الباء سكنت السين تخفيفا ؛ لأنه وقع بعد الكسرة كسرة أو ضمة .
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - : إنما حذفوا ألف " اسم " في قوله تعالى :
" بسم الله " وأثبتوها في قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك ( [ العلق : 1 ] لوجهين :
الأول : أن كلمة " بسم الله " مذكورة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال ؛ فلأجل
التخفيف حذفوا الألف ، بخلاف سائر المواضع ، فإن ذكرها يقلّ .
الثاني : قال الخليل - رحمه الله تعالى - إنما حذفت الألف في " بسم الله " ؛ لأنها
إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن ، فلما دخلت الباء على الاسم نابت
عن الألف ، فسقطت في الخط ، وإنما لم تسقط في ) اقرأ باسم ربك ( ؛ لأن الباء لا تنوب
عن الألف في هذا الموضع ، كما في " بسم الله " ؛ لأنه يمكن حذف الباء من ) اقرأ باسم
ربك ( مع بقاء المعنى صحيحا ، فإنك لو قلت : اقرأ اسم ربك صح المعنى ، [ أما لو ]
حذفت [ الباء ] من " بسم الله " لم يصح المعنى ، فظهر الفرق .
قال بعضهم : فلو أضيفت إلى غير الجلالة ثبتت نحو : " باسم الرحمن " هذا هو
المشهور ، وحكي عن الكسائي ، والأخفش - رحمه الله تعالى عليهما - جواز حذفها إذا
أضيف إلى غير الجلالة من أسماء الباري تعالى ؛ نحو : " بسم ربك " و " بسم الخالق " .
" " صفحة رقم 130 " "
وإنما طوّلوا الباء من " بسم الله " ولم يطولوها في سائر المواضع لوجهين :
الأول : أنه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طوّلوا هذه الباء ؛ ليدل طولها على الألف
المحذوفة التي بعدها ، ألا ترى أنهم لما كتبوا ) اقرأ باسم ربك ( بالألف ردوا الباء إلى صفتها
الأصلية .
قال مكي - رحمه الله تعالى - : حذفت الألف من " بسم الله " لكثرة الاستعمال .
وقيل : حذفت لتحرك السين في الأصل ؛ لأن أصل السين الحركة ، وسكونها لعلة
دخلتها .
الثاني : قال القتيبي : إنما طولوا الباء ، لأنهم أرادوا ألا يستفتحوا كتاب الله - تعالى -
إلا بحرف معظم وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يقول لكتابه : " طوّلوا الباء ،
وأظهروا السين ، ودوروا الميم تعظيما لكتاب الله تعالى .
فصل في متعلق الجار والمجرور
الجار والمجرور لا بد له من شيء يتعلق به ، فعل ، أو ما في معناه ، إلا في ثلاث
صور :
" حرف الجر الزائد " ، و " لعل " و " لولا " عند من يجر بهما ، وزاد ابن عصفور
- رحمه الله تعالى - " كاف التشبيه " ؛ وليس بشيء ، فإنها تتعلق .
إذا تقرر ذلك ف " بسم الله " لا بد من شيء يتعلق به ، ولكنه حذف ، واختلف
النحويون في ذلك :
" " صفحة رقم 131 " "
فذهب أهل البصرة : إلى أن المتعلق اسم .
وذهب أهل " الكوفة " : إلى أنه فعل .
واختلف كل من الفريقين :
فذهب بعض البصريين : إلى أن ذلك المحذوف مبتدأ حذف هو ، وخبره ، وبقي
معموله ، تقديره : ابتدائي بسم الله كائن أو مستقر ، أو قراءتي بسم الله كائنة أو مستقرة ؛
وفيه نظر : من حيث إنه يلزم حذف المصدر ، وإبقاء معموله وهو ممنوع . وقد نص مكي
- رحمه الله تعالى - على منع هذا الوجه .
وذهب بعضهم : إلى أنه خبر حذف هو ومبتدؤه - أيضا - ، وبقي معموله قائما مقامه ؛
والتقدير : ابتدائي كائن بسم الله ، نحو : " زيد بمكة " ، فهو على الأول : منصوب المحل ،
وعلى الثاني : مرفوعه ؛ لقيامه مقام الخبر .
وذهب بعض الكوفيين : إلى أن ذلك الفعل المحذوف مقدر قبله ، قال : لأن الأصل
التقديم ؛ والتقدير : أقرأ بسم الله ، أو أبتدئ بسم الله .
ومنهم من قدره بعده ، والتقدير : بسم الله أقرأ ، أو أبتدئ ، أو أتلو .
وإلى هذا نحا الزمخشري - رحمه الله - قال : " ليفيد التقديم الاختصاص ؛ لأنه
وقع ردا على الكفرة الذين كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم ؛ كقولهم : باسم اللات ، وباسم
العزى " وهذا حسن جدا .
ثم اعترض على نفسه بقوله تبارك وتعالى : ( اقرأ باسم ربك ( حيث صرح بهذا العامل
مقدما على معموله .
ثم أجاب : بأن تقديم الفعل في سورة العلق أوقع ؛ لأنها أول سورة نزلت ؛ فكان
الأمر بالقراءة أهمّ .
وأجاب غيره : بأن " بسم ربك " ليس متعلقا ب " اقرأ " الذي قبله ، بل ب " اقرأ " الذي
" " صفحة رقم 132 " "
بعده ، فجاء على القاعدة المتقدمة ، وفي هذا نظر ؛ لأن الظاهر على هذا القول أن يكون
" اقرأ " الثاني توكيدا للأول ؛ فيكون قد فصل بمعمول المؤكد بينه ، وبين ما أكده مع الفصل
بكلام طويل . واختلفوا - أيضا - هل ذلك الفعل أمر أو خبر ؟
فذهب الفرّاء : إلى أنه أمر تقديره : " اقرأ أنت بسم الله " .
وذهب الزجاج : إلى أنه خبر تقديره : " أقرأ أنا ، أو أبتدئ " ونحوه .
قال ابن الخطيب - رحمه الله تعالى - : أجمعوا على أن الوقف على قوله تعالى :
" بسم " ناقص قبيح ، وعلى قوله تعالى : " بسم الله الرحمن " كاف صحيح ، وعلى قوله :
" بسم الله الرحمن الرحيم
" تام .
واعلم أن الوقف لا بد وأن يقع على أحد هذه الأوجه الثلاث : وهو أن يكون ناقصا ،
أو كافيا ، أو كاملا ، فالوقف على كل كلام لا يفهم بنفسه ناقص ، والوقف على كل كلام
مفهوم المعاني ، إلا أن ما بعده يكون متعلقا بما قبله يكون كافيا ، والوقف على كل كلام
تام ، ويكون ما بعده منقطعا عنه يكون تاما .
" " صفحة رقم 133 " "
ثم لقائل أن يقول : قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ( [ الفاتحة : 2 ] كلام تام ،
إلا أن قوله تعالى : ( الرحمن الرحيم مالك ( [ الفاتحة : 3 ] متعلق بما قبله ؛ لأنها
صفات ، والصفات تابعة للموصوفات ، فإن جاز قطع الصفة عن الموصوف ، وجعلها
وحدها آية ، فلم لم يقولوا : " بسم الله الرحمن " آية ؟ ثم يقولوا : " الرحيم " آية ثانية ، وإن لم
يجز ذلك ، فكيف جعلوا " الرحمن الرحيم " آية مستقلة ؟ فهذا الإشكال لا بد من جوابه .
الموضوع الأصلي: البسملة ** الكاتب: ابراهيم بن كمال ** المصدر: شبكة الفرسان للعوم الشرعية