نبيلة محمود خليل مديرة موقع الرحمة والمغفرة
الدولة : مصر عدد المساهمات : 17810 نقاط : 28623 تاريخ التسجيل : 31/08/2009 العمل/الترفيه : مديرة موقع الرحمة والمغفرة المزاج : الحمد الله تعاليق : اللهم اجعلنا ممن يدعون الجنة من أبوابها كلها
| موضوع: مقاربة تاريخية لفن الترسل والرسائل الخميس ديسمبر 09, 2010 9:57 pm | |
| مقاربة تاريخية لفن الترسل والرسائل :
1- فن الرسائل في التراث العربي :
يعتبر فن الرسائل عند العرب من الفنون الأدبية القديمة ازدهر في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وفيهما انتشر صيته، وهو " فن نثري جميل يظهر مقدرة الكاتب وموهبته الكتابية وروعة أساليبه البيانية المنمقة القوية " ([1]) .
ولما كانت الكتابة والقراءة أقل شيوعا عند العرب في الجاهلية لم يكن لفن الرسائل دور في حياتهم الأدبية والاجتماعية في ذلك العصر، وهذا خلافا للفنون الأخرى كالشعر والخطابة والأمثال التي كانت منتشرة عندهم، ومزدهرة لكن مع مجيء الإسلام تغيرت الحال، فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب كان يشجع المسلمين على تعلم القراءة والكتابة وقد اتخذ كتابا يكتبون له القرآن الكريم، كما يكتبون له الرسائل التي كان يبعث بها إلى زعماء المناطق، ورؤساء القبائل، وملوك الدول كما فعل مع كسرى عظيم الفرس، وقصير عظيم الروم ([2]) .
ولما كانت الخطابة والشعر قادرين على أداء الدور العلمي الذي تؤديه الرسالة حين تنقل ما يتصل بسياسة الدولة من مراسيم سياسية حول تنظيم الحكم أو توجيهات أو تعليمات إدارية حول الحروب والغزوات، ومن هذا المنطلق التاريخي نافس الكاتب المترسل الشاعر والخطيب.
كما شجع الخلفاء الراشدون أبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي ـ رضي الله عنهم ـ على تعلم القراءة والكتابة، واتخذوا لهم كتابا فدون القرآن الكريم على مرحلتين، الأولى في عهد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، والثانية في عهد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فكان القرآن الكريم أول نص عربي اتخذ شكل كتاب. كما دون الحديث النبوي فيما بعد مع بداية العصر العباسي ([3]) .
وعندما قامت الدولة الإسلامية أنشئ ديوان الرسائل، وهذا الديوان يعنى بشؤون المكاتبات التي تصدر عن الخليفة إلى ولاته، وأمرائه، وقادة جنده، وملوك الدول الأخرى، وقد كان الخليفة في أول الأمر هو الذي يملي الرسائل على كاتبه، ثم بمرور الزمن أخذ الكتاب يستقلون بكتابتها ثم تعرض على الخلفاء، وكان أسلوبها آنذاك تغلب عليه البساطة والوضوح، ويخلو من التأنق والتصنع. لكنه شهد نقلة كبيرة في عهد هشام بن عبد الملك عندما تولى مولاه سالم رئاسة ديوان الرسائل في عهده ثم في عهد مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية الذي تولى أمر ديوانه عبد الحميد بن يحي الكاتب، وقد عرف بالبراعة في فن الترسل حتى غدت مكاتباته مضرب المثل في الجودة والاتقان حتى قيل "بدئت الكتابة بعبد الحميد" ([4]) .
وبعد قيام دولة بني العباس أخذ أمراؤها يولون كتابة الرسائل عناية أكثر من سابقيهم، ولهذا السبب كثر الكتاب، ونبغ كثير منهم في فن الترسل، وغدا مؤهلا للوصول إلى منصب الوزارة، ونستحضر في هذا المجال أسماء: يحي بن خالد البرمكي، وابنه جعفر، ومحمد بن عبد الملك الزيات، وأحمد بن يوسف الكاتب، وابن العميد، والصاحب بن عباد، وعبد العزيز بن يوسف وضياء الدين بن الأثير، وغيرهم . وقد بلغ فن كتابة الرسائل أوجه في القرنين الثالث والرابع الهجريين بحيث يمكن لنا أن نصف هذين القرنين بأنهما يمثلان الفترة الذهبية لهذا الفن ([5]) .
2 ـ فن الرسائل في التراث الأندلسي :
أما عن هذا الفن في بلاد الأندلس، فقد ارتفع شأن الرسائل التي ساعد على ظهورها بكثرة وانتشارها، كما ساعد على قيامها، وتعزيزها اهتمام الوزراء والأمراء بها، فاستقل فن الرسائل عن الكتابة الديوانية، وعالج موضوعات من الحياة، واعتمد الخيال في ابتكار الصور، وكان هذا الفن في عهده الأول مطبوعا لا يلتزم السجع إلا ما تقتضيه البلاغة، كما هي الحال في رسائل ابن زيدون، وابن شهيد، وبعض رسائل ابن حزم. ثم صار إلى تكلف السجع، والتزيين، وتقلب الجمل على المعنى الواحد، والاكثار من الأدعية والأمثال، والشواهد الشعرية كما في رسائل ابن برد الأصغر، وقويت موجة التنميق في المرحلة الأولى فغلبت الصنعة، وكثر التكلف، وغدا النثر في فن الرسائل عبارات مرصوفة، ومعاني جافة وصورا مسجوعة كما في رسائل " لسان الدين بن الخطيب " ([6]).
والرسائل من حيث غايتها في الحضارة الأندلسية قسمان: قسم فكري يعالج القضايا الاجتماعية والعقلية والنفسية من دون الاهتمام الزائد بوجوه البيان كرسائل "ابن باجة" الفلسفية‘ وقسم بياني يهدف إلى إظهار البراعة الأسلوبية كرسالة "ابن برد الأصغر" ([7]) في السيف والقلم ورسائل "ابن حسداي" في الزهريات .
وقد اهتم كتاب الرسائل الأندلسيون بوصف الرحلات إلى المدن والبلاطات كما هو الحال عند "أبي عبد الله محمد بن مسلم" الذي ترك رسالة «طي المراحل» وفيها يطرق أبواب المدن ويصور كيف حملته الأسفار المرهقة إلى ارتياد المناطق الطوال خلال سنوات عديدة خاض فيها أهوالا جمة، وصعوبات كثيرة ومسالك وعرة، فكانت تلك الرحلات المدونة في الورق من أصعب ما مر به "ابن مسلم " في مراحل عمره.
وللأندلسيين ـ كغيرهم من الشعوب ـ شروط لكتابة الرسائل لم يتعداها أغلبهم، فإذا كان المراد بالمراسلات " التعبير عن العواطف والميول وسائر الأحوال، وهذه تختلف في الناس باختلاف آدابهم الاجتماعية، وأحوالهم الأدبية وهي تتغير بتغيير الأحوال كان الترسل أكثر تعرضا للتغيير في أسلوبه وعبارته. ونبغ جماعة من أصحاب القرائح تعاونوا على ذلك حتى صار للإنشاء في هذا العصر طريقة اتخذها أهل العصور التالية نموذجا نسجوا على منواله، وهي الطريقة المدرسية في اصطلاح الغرب (Classique) وبعبارة أخرى إن الطريقة المدرسية للترسل العربي نضجت في هذا العصر كما نضج الإنشاء الروماني في عصر "شيشرون" ثم أخذ في التقهقر ..
وللطريقة المدرسية في الإنشاء العربي شروط ([8]) أهمها :
1- السجع : بحيث أصبح التسجيع شرطا من شروط الترسل، وهو ثمرة من ثمار التأنق لما يقتضيه من العناية في إتقانه، فالرسالة المسجعة يظهر فيها التأنق أكثر من غير المسجعة والسجع إذا أتقنت صياغته أكسب المعنى قوة .
2- الجناس والبديع: وقد أكثر المترسلون الأندلسيون من الجناس، وهو من قبيل الترصيع للأواني أو الوشي للثياب، والجناس والبديع لا يزيد العبارة معنى لكنه يكسبها رونقا، لا سيما مع السجع .
3- الإكثار من الخيال الشعري حتى أصبح سجعهم كالشعر المنثور لكنه مقفى فلا يعوزه غير الوزن ليصير شعرا يتغنى به، وينشر في الأعياد والأفراح، والمناسبات الأخرى .
4- كثرة تضمين مراسلاتهم الأمثال والنكت الأدبية، أو العبارات التاريخية أو العلمية التي تحتاج إلى شرح لغرابة لفظها، أو لتعقيد حبكها، وعمق مرادها .
5- أكثروا فيه من الاستشهاد بالأشعار في أثناء مراسلاتهم، وهو ترصيع جميل يزيد المعنى طلاوة، ووضوحا، ويكسبه قوة على إبداء ما في خاطر الكاتب .
6- صار للرسائل نمط خاص: فالرسالة تبدأ غالبا بمخاطبة المرسل إليه بلقبه أو نعته بعد الإشارة إلى كتابه، وقد يأتي اللقب مشفوعا بالدعاء بصيغة الغائب، وقد يجعلون الخطاب بصيغة الغائب وقد يجعلون الخطاب بصيغة المخاطب في بعض الأحوال .
7- تفرع الترسل إلى أبواب عملا بسنة النشوء، كما تفرع الشعر، فصارت الرسائل تقسم إلى رسائل للتهنئة والتعزية والمديح والرثاء، وإلى الاخويات والسلطانيات ونحو ذلك .
8- امتازت مقدماتهم بتقديم الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتختم بآية يحسن الختام بها أو بالحسبلة أو السلام ونحو ذلك من الخواتيم الحسنة .
_________________ اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
| |
|
???? زائر
| موضوع: رد: مقاربة تاريخية لفن الترسل والرسائل الخميس ديسمبر 09, 2010 11:19 pm | |
| وارى الرسائل فن وموهبة وابداع بارك الله فيكى أختنا نبيلة |
|