السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخونى الكرام وأخواتى الفاضلات "ألا بذكر اللهتطمئن القلوب"
أساتذتى: أقدم هذه الموعظة أعظ بها نفسى أولا ثم إلى أصحاب القلوب الحية ، نعم إلى أصحاب القلوب الحية ولا عجب فى ذلك لأن أصحاب القلوب الميتة لا يتعظون..
نسأل الله أن يحى قلوبنا بكثير ذكره ودوام طاعته
كما نسأله سبحانه ألا يحرمنا من طاعته بذنوبنا
إخوانى فى الله
وقفة مع النفس , رب مسرور مغبون يأكل ويشرب ويضحك وقد حق له فى كتاب الله عز وجل أنه من وقود النار، فأى لذة بعدها؟؟
وحتى لا أطيل أقدم لكم هذا الكلام النفيس من كتاب مواعظ ابن الجوزى -رحمه الله- وأسأل الله أن يجعل الكلام بردا وسلاما على قلوب القارئين..
ابك على خطيئتك"
لو تَفكَّرت النُّفُوسُ فِيمَا بَينَ يَدَيهَا، وَتَذَكَّرَت حِسَابهَا فيما لها وعليها، لبعث حزنها بريد دمها إليها؛ أما يحق البُكاء لمن طالَ عِصيانهُ: نهاره في المعاصي، وقد طال خُسرانه، وليله في الخطايا؛ فقد خفَّ ميزانه، وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه0 وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، فالتفت، فإذا هو بعمر يبكي، فقال: يا عمر ههنا تُسكبُ العبراتُ)0 وقال أبو عمران الجوني: بلغني أن جبريل عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال: يا رسول الله ما يُبكِيكَ: قال: أو ما تَبكى أنت؟ فقال: يا محمد، ما جفت لي عينٌ منذ خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه فيلقيني فيها0 وقال يزيد الرقاشي: إن لله ملائكة حول العرش تجرى أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة: يميدون كأنما تنفضهم الريح من خشية الله، فيقول لهم الرب عز وجل: يا ملائكتي، ما الذي يخيفكم وأنتم عبيدي: فيقولون: يا ربَّنا لو أن أهل الأرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا: ما ساغوا طعاماً ولا شراباً، ولا انبسطوا في شربهم، ولخرجوا في الصحارى يخورون كما تخور البقر..
بكيتُ على الذنوب لِعِظَم جُرمِي ... وَحَقَّ لِمَن عَصَى مُرُّ البُكَاءِ
فَلَو أَنَّ البُكَاءَ يَرُدُّ هَمِّي ... لأَسعَدت الدُّمُوع مَعَ الدِّمَاءِ
أَنُوحُ عَلَى نَفسِي وَأَبكِى خَطِيئةً ... تَقُودُ خَطَايا أَثقلت مِنِّي الظَّهرَا
فيا لَذَّة كانت قَلِيل بَقَاؤُهَا ... ويا حَسرَةً دَامَت ولم تُبق لي عُذرَا
قال سليمان التيمي: ما شرب داود عليه السلام شراباً إِلا مزجه بدموع عينيه..
وقال بعض أصحاب فتح: (رأيته ودموعه خالطها صُفرة فقلت: على ماذا بكيتَ الدَّم؟ قال: بكيتُ الدموع على تخلفي عن واجب حق الله، والدم خوفاً أن لا أُقبل، قال: فرأيته في المنام، فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: فدموعك ؟! قال: قربتني، وقال: يا فتح على ماذا بكيت الدموع؟ قلت: يا رب على تخلفي عن واجب حقك، قال: فالدم؟ قلت: بكيت على دموعي خوفاً أن لا تصبح لي، قال: يا فتح، ما أردت بهذا كله، وعزتي وجلالي لقد صعد إِلى حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة)0
أجارتنا بالغدر والرَّكب مُتَّهم ... أَيَعلَم خالٍ كيف بات المُتَيَّمُ
رحَلتُم وعُمرَ الليل فينَا وفِيكُم ... سواءً ولَكِن سَاهِرَاتٌ وَنُوَّم
تَنَاءَيتُم من ظَاعنين وخلَّفوا ... قُلُوباً أَبَت أَن تَعرِفَ الصَّبرَ عَنهُمُ
وَلَمَّا جلى التَّودِيع عَمَّا حذَّرته ... وَلا زَال نظرة تَتَغنَّم
بَكِيتَ علَى الوادِي فحُرِمت ماؤهُ ... وَكيفَ يَحل المَاء أَكثَرَهُ دم
قال عبد الله بن عمرو: كان يحيى يَبكِي حتى بَدَت أَضراسه0 قال مجاهد: كانت الدُّموع قد اتخذت في خَده مجرى0 يا من معاصيه أكثر من أن تحصى، يا من رضي أن يطرد ويقصى، يا دائم الزلل وكم ينهى ويوصى، يا جهولاً بقدرنا ومثلنا لا يعصى، إن كان قد أصابك داء داود فنح نوح نوح، تحيا بحياة يحيى0 روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطوط مُسودة من البكاء0 وبكى ابن مسعود، حتى أخذ بكفه من دموعه فرمى به0 وكان عبد الله بن عمر يطفئ المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عينيه0 وقال أبو يونس بن عبيد: كنا ندخل عليه فيبكي حتى نرحمه0 وكان سعيد بن جبير، قد بكى حتى عمش0 وكان أبو عمران الجوني، إذا سمع المؤذن، تغير وفاضت عيناه0 وكان أبو بكر النهشلي، إذا سمع الأذان تغير لونه وأرسل عينيه بالبكاء0 وكان نهاد بن مطر العدوى، قد بكا حتى عمى0 وبكى ابنه العُلا، حتى عشى بصره0 وكان منصره قد بكى حتى جردت عيناه0 وكانت أمه تقول: يا بني، لو قتلت قتيلاً ما زدت على هذا0 وبكى هشام الدستوائي حتى فسدت عيناه وكانت مفتوحة، وهو لا يبصر بها0 وبكى يزيد الرقاشي أربعين سنة حتى أظلمت عيناه وأحرقت الدموع مجاورتها0 وبكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب، وقيل له: نعالجك، على أن لا تبكي، فقال: لا خير في عين لم تبك:
بَكَى البَاكُونَ لِلرَّحمنِ لَيلاً ... وبَاتُوا دَمعُهُم ما يَسأَمُونَا
بِقَاعُ الأَرضِ من شوقي إِليهم ... تَحُنُّ متى عَليها يَسجُدونا
كان الفضلُ قد أَلِفَ البُكا، حتى ربما بكى في نومه حتى يسمع أهل الدار:
وَرَقَّت دُمُوعُ العين حتىَّ كأَنَها ... دُمُوعُ دمُوعِي، لا دُمُوع جُفُونِي
وكان أبو عبيدة الخوَّاص يبكي، ويقول: قد كبرت فاعنقني0 ويقول الحسن بن عدقة: رأيت يزيد بن هارون بواسط من أحسن الناس عينين ثم رأيته بعد ذلك مكفوف البصر فقلت له: ما فعلت العينان الجميلتان؟ قال: ذهب بهما بكاء الأَسحَار، يا هذا لو علمت ما يفوتك في السحر ما حملك النوم، تقدم حينئذ قوافل السهر على قلوب الذاكرين، وتحط رواحل المغفرة على رباع المستغفرين، من لم يذق حلاوة شراب السحر لم يبلغ عِرفانه بالخير، من لم يتفكر في عمره كيف انقرض لم يبلغ من الحزن الغرض0 قيل لعطاء السليمي: ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أبكي حتى لا أَقدر أن أبكي، وكان يبكي الليل والنهار، وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه0 وبكى مالك بن دينار حتى سود طريق الدموع خديه، وكان يقول: لو ملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا:
أَلا ما لعين لا ترى قُلَل الحمى ... ولا جبل الديَّان إِلا استهلت
لجوخِ إِذا الحبُّ بكى إِذا بَكَت
قادت الهوى وأَحَلَّت ... إِذا كانت القلوب للخوف وَرَقَّت
رفَعَت دموعها إِلى العين وقت ... فأعتقَت رِقاباً للخطايا رَقَّت
من لم يكن له مثل تقواهم، لم يعلم ما الذي أبكاهم، من لم يشاهدُ جمال يوسف: لم يعلم ما الذي آلم قلب يعقوب:
مَن لَم يبت والحب حشو فؤادهِ ... لَم يدرِ كيفَ تُفَتَّتُ الأَكباد
فيا قياسي القلب، هَلاَّ بكيت على قسوتك، ويا ذاهل العقل في الهوى هَلاَّ ندمت على غفلتك، ويا مقبلاً على الدنيا فكأنك في حفرتك، ويا دائم المعاصي خف من غبِّ معصيتك؛ ويا سيئ الأعمال نُح على خطيئتك، ومجلسنا مَأتَمٌ للذنوب، فابكوا فقد حَلَّ مِنَّا البُكَاء، ويوم القيامة ميعادنا لكشف الستور وهتك الغطاء..
وأخيرا نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص فى القول والعمل وأن يغفر لنا الذلات ويكفر عنا السيئات والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أسألكم ألا تحرمونى من دعواتكم الصادقة
أخوكم: رامى بن احمد الجمل