الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد:
فإن هذة الآيه الكريمة قدأستوقفتني وأنا أستمع إليها
أستوقفني قوله تعالى " في شغل فاكهون "
فقرأت هذا التفسير فقلت أنقله إليكم
والحمد لله،أولا وأخرا
************************************************** ****
القول في تأويل قوله تعالى ( فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ( 54 ) إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ( 55 ) )
يقول - تعالى ذكره - ( فاليوم ) يعني يوم القيامة ( لا تظلم نفس شيئا ) كذلك ربنا لا يظلم نفسا شيئا ، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح ، ولا يحمل عليها وزر غيرها ، ولكنه يوفي كل نفس أجر ما عملت من صالح ، ولا يعاقبها إلا بما اجترمت واكتسبت من شيء ( ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ) يقول : ولا تكافئون إلا مكافأة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا .
وقوله ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) اختلف أهل التأويل في معنى الشغل الذي وصف الله - جل ثناؤه - أصحاب الجنة أنهم فيه يوم القيامة ، فقال بعضهم : ذلك افتضاض العذارى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : شغلهم افتضاض العذارى .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : افتضاض الأبكار .
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، [ ص: 535 ] عن عكرمة ، عن ابن عباس ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : افتضاض الأبكار .
حدثني الحسن بن زريق الطهوي قال : ثنا أسباط بن محمد ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني الحسين بن علي الصدائي قال : ثنا أبو النضر ، عن الأشجعي ، عن وائل بن داود ، عن سعيد بن المسيب في قوله ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : في افتضاض العذارى وقال آخرون : بل عني بذلك : أنهم في نعمة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ) قال : في نعمة .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال : ثنا مروان ، عن جويبر ، عن أبي سهل ، عن الحسن في قول الله ( إن أصحاب الجنة ) . . الآية قال : شغلهم النعيم عما فيه أهل النار من العذاب .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهم في شغل عما فيه أهل النار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، عن أبان بن تغلب ، عن إسماعيل بن أبي خالد ( إن أصحاب الجنة ) . . . الآية قال : في شغل عما يلقى أهل النار .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله - جل ثناؤه - ( إن أصحاب الجنة ) وهم أهلها ( في شغل فاكهون ) بنعم تأتيهم في شغل ، وذلك الشغل الذي هم فيه نعمة ، وافتضاض أبكار ، ولهو ولذة ، وشغل عما يلقى أهل النار .
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله ( في شغل ) فقرأت ذلك عامة قراء المدينة وبعض البصريين على اختلاف عنه : ( في شغل ) بضم الشين وتسكين [ ص: 536 ] الغين . وقد روي عن أبي عمرو الضم في الشين والتسكين في الغين ، والفتح في الشين والغين جميعا في شغل . وقرأ ذلك بعض أهل المدينة ، والبصرة ، وعامة قراء أهل الكوفة ( في شغل ) بضم الشين والغين .
والصواب في ذلك عندي قراءته بضم الشين والغين ، أو بضم الشين وسكون الغين ، بأي ذلك قرأه القارئ فهو مصيب ، لأن ذلك هو القراءة المعروفة في قراء الأمصار مع تقارب معنييهما . وأما قراءته بفتح الشين والغين ، فغير جائزة عندي ، لإجماع الحجة من القراء على خلافها .
واختلفوا أيضا في قراءة قوله ( فاكهون ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار ( فاكهون ) بالألف . وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه : ( فكهون ) بغير ألف .
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بالألف ، لأن ذلك هو القراءة المعروفة .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فرحون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( في شغل فاكهون ) يقول : فرحون .
وقال آخرون : معناه : عجبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( فاكهون ) قال : عجبون .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فكهون ) قال : عجبون .
[ ص: 537 ] واختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك ، فقال بعض البصريين : منهم الفكه الذي يتفكه . وقال : تقول العرب للرجل الذي يتفكه بالطعام أو بالفاكهة ، أو بأعراض الناس : إن فلانا لفكه بأعراض الناس قال : ومن قرأها ( فاكهون ) جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة ، واستشهد لقوله ذلك ببيت الحطيئة :
ودعوتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر
أي عنده لبن كثير ، وتمر كثير ، وكذلك عاسل ، ولاحم ، وشاحم . وقال بعض الكوفيين : ذلك بمنزلة حاذرون وحذرون ، وهذا القول الثاني أشبه بالكلمة .
من كلام شيخ المفسرين الإمام بن جرين الطبري
http://www.islamweb.net/newlibrary/d...&bk_no=50&ID=1
**********************
قوله تعالى : إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم وامتازوا اليوم أيها المجرمون
قوله تعالى : إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد : شغلهم افتضاض العذارى . وذكر الترمذي الحكيم في كتاب مشكل القرآن له : حدثنا محمد بن حميد الرازي ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال : شغلهم افتضاض العذارى . حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس بمثله . وقال أبو قلابة : بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له : تحول إلى أهلك ، فيقول : أنا مع أهلي مشغول ، فيقال : تحول أيضا إلى أهلك . وقيل : أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار ، وما هم فيه من أليم العذاب ، وإن كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم ، قاله سعيد بن المسيب وغيره . وقال وكيع : يعني في السماع . وقال ابن كيسان : " في شغل " أي : في زيارة بعضهم بعضا . وقيل : في ضيافة الله تعالى . وروي أنه إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ؟ فيقومون كأنما وجوههم البدر والكوكب الدري ، ركبانا على نجب من نور ، أزمتها من الياقوت ، تطير بهم على رءوس الخلائق ، حتى يقوموا بين يدي العرش ، فيقول الله - جل وعز - لهم : السلام على عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ، أنا اصطفيتكم وأنا أجتبيتكم وأنا اخترتكم ، اذهبوا فادخلوا الجنة بغير حساب ف لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون . فيمرون على الصراط [ ص: 42 ] كالبرق الخاطف فتفتح لهم أبوابها . ثم إن الخلق في المحشر موقوفون فيقول بعضهم لبعض : يا قوم أين فلان وفلان ؟ وذلك حين يسأل بعضهم بعضا فينادي مناد إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون . و " شغل " و " شغل " لغتان قرئ بهما ، مثل الرعب والرعب ، والسحت والسحت ، وقد تقدم . " فاكهون " قال الحسن : مسرورون . وقال ابن عباس : فرحون . مجاهد والضحاك : معجبون . السدي : ناعمون . والمعنى متقارب . والفكاهة المزاح والكلام الطيب . وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج : " فكهون " بغير ألف ، وهما لغتان كالفاره والفره ، والحاذر والحذر ، قاله الفراء . وقال الكسائي وأبو عبيدة : الفاكه ذو الفاكهة ، مثل شاحم ولاحم وتامر ولابن ، والفكه : المتفكه والمتنعم . و " فكهون " بغير ألف في قول قتادة : معجبون . وقال أبو زيد : يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا . وقرأ طلحة بن مصرف : " فاكهين " نصبه على الحال .
هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون مبتدأ وخبره . ويجوز أن يكون " هم " توكيدا " وأزواجهم " عطف على المضمر ، و " متكئون " نعت لقوله فاكهون . وقراءة العامة : " في ظلال " بكسر الظاء والألف . وقرأ ابن مسعود وعبيد بن عمير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف : " في ظلل " بضم الظاء من غير ألف ، فالظلال جمع ظل ، وظلل جمع ظلة . " على الأرائك " يعني السرر في الحجال واحدها أريكة ، مثل سفينة وسفائن ، قال الشاعر :
كأن احمرار الورد فوق غصونه بوقت الضحى في روضة المتضاحك خدود عذارى قد خجلن من الحيا
تهادين بالريحان فوق الأرائك
وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكارا . وقال ابن عباس : إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة ، لا يملها ولا تمله ، كلما أتاها وجدها بكرا ، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته ، فيجامعها بقوة سبعين رجلا ، لا يكون بينهما مني ، يأتي من غير مني منه ولا منها .
من كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي رحمة الله تعالي
http://www.islamweb.net/newlibrary/d..._no=48&ID=2351