حرص رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان على عدم تحول ليبيا إلى عراق جديد في
المنطقة دفعه للتحفظ بشدة على أي تدخل عسكري أطلسي في ليبيا حين أطلق صرخته الشهيرة
"لاشأن للناتو في ليبيا" الأمر الذي فسره البعض بالتخاذل الأردوغاني لصالح العقيد
القذافي- لكن تطورات الأحداث التالية والتحرك العسكري الفرنسي المنفرد دفع الموقف
التركي للتحرك في منحى العمل العسكري بتفويض أممي يصدر عن مجلس الأمن فكان لها ما
أرادت.
تركيا أيدت قراري مجلس الأمن 1970 و 1973 وأبدت استعدادها لتنفيذ
الجانب الإنساني منهما، معلنة ضرورة وقف العمليات العسكرية من جانب قوات العقيد
القذافي والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الثوار وكان هذا بعد أن أخلت رعاياها الذين
بلغ عددهم نحو 28 ألفا معظمهم من العاملين في قطاع البناء والتعهدات في ليبيا
تاركين وراءهم ما يزيد على ثلاثين مليار دولار أمريكي من الاستثمارات في مهب ريح
الثورة الليبية.
تعرضت حينها حكومة أنقرة ورئيس وزرائها أردوغان لحملة إساءة
مبرمجة واتهامات له بالسعي وراء مصالحه التجارية وقيل إن الحملة مدعومة من أطراف
قال عنها أردوغان إنه يعرفها جيدا ويتابع تحركاتها لكن دون أن يسميها مباشرة، ثم
سمع العالم من مستشاريه أن الرئيس كان يقصد فرنسا ودولة خليجية صغيرة تمتلك سلطة
إعلامية مؤثرة في المنطقة.
وفي الواقع كان أردوغان وبكل بساطة يسعى إلى حقن
الدم الليبي بشتى الطرق والوسائل خاصة أن خسائر الشركات التركية تعهد بتعويضها وزير
التجارة التركي ظفر تشاغليان فيما عوضت شركات الضمان السويسرية كافة خسائر الشركات
التركية والحكومة التركية في ليبيا.
أما وزارة الخارجية التركية فتعرضت
لضغوط كبيرة كي تحيد عن موقف أردوغان الرافض للحلول والتدخلات العسكرية وبدورها
تمسكت بموقفها المطالب بعمليات عسكرية لا تتجاوز في مهامها الدعم اللوجستي للمدنيين
والإنقاذ، وتحت المزيد من الضغوط الأطلسية والدولية وافقت على المشاركة باثنتي عشرة
قطعة بحرية ومقاتلات أف 16 في مهمة حظر التسلح المفروضة على قوات العقيد معمر
القذافي الأمر الذي فسره البعض بتحول في الموقف التركي إلى جهة المشاركة العسكرية
الفاعلة في العمليات.
ما يزال موقف أنقرة المعلن على الأقل من الحرب
الدائرة في ليبيا غير مفهوم لدى الكثيرين، فالبعض يراه ممانعا ومعرقلا للحسم
الأطلسي عسكريا لصالح الثوار، فيما يعتبره آخرون مصلحيا ومتخاذلاً لصالح مصالح
أنقرة المرتبطة بالقذافي، وأبرز معالم التضارب في فهم الموقف تجلت في ردود الفعل
على مبادرة أردوغان بداية أبريل/ نيسان الحالي التي أيدتها دول عربية وغربية لكنها
لم تلق مباركة الثوار لعدم مطالبتها القذافي وأبناءه التنحي عن السلطة صراحة كما
تحفظ عليها القذافي لرفضه فكرة التفاوض مع من يسميهم إرهابيين
أنقرة وعلى
لسان وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو كررت مؤخرا قلقها الشديد بسبب ارتفاع عدد
الضحايا بسبب الاقتتال الدائر بين قوات القذافي والمعارضة وطالبت لأول مرة حلف شمال
الأطلسي التدخل بشكل أكثر فعالية وجدية لوقف حمام الدم، وهذا يعني موافقة أنقرة على
الحل الأطلسي لوقف هجمات قوات القذافي التي وصفتها بالشرسة ودون تمييز وتخلق حالة
مأساوية بين المدنيين- لكن مايزال الموقف التركي حذر ومترقب لعدم وقوع ليبيا في
المطب العراقي أو دخولها تحت نير الاستعمار من جديد.