منذ تولي المجلس العسكري مقاليد الأمور في مصر بعد تنحي الرئيس مبارك في الحادي
عشر من فبراير/ شباط الماضي، على إثر ثورة شعبية، ارتبطت حياة المصريين بقرارات
المجلس ومواقفه، ونظرا لميل المجلس بحكم انضباطه العسكري بالحسم والتريث قبل إصدار
أي بيان حول بعض الأحداث التي تؤثر في الحياة العامة، يحدث أحيانا قدر من القلق
والارتباك داخل الشارع المصري في انتظار القول الفصل في القضية المطروحة من جانب
المجلس العسكري.
بدت تلك الظاهرة واضحة خلال الأيام القليلة الماضية، في ضوء
ما اشيع عن توتر مكتوم في العلاقة بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة, وشائعات
عن رفض الأخيرة منح تاشيرات للمصريين أو تجديد إقامة بعضهم.
وسلطت صحيفة "الشرق الأوسط" الضوء على تلك القضية في عدد
الخميس 28-4-2011 من خلال تحقيق تتبع أوضاع أسرة مصرية يعمل عائلها في الإمارات منذ
3 سنوات.
وحسبما أوردت الصحيفة ظلت شيماء، الزوجة الشابة، تتابع بقلق بالغ
وسائل الإعلام المصرية والعربية، كل يوم تتنقل بين المحطات الفضائية، متلهفة لأن
تلتقط بصيصا من النور يطمئنها على وضع زوجها المهندس المصري المغترب في دولة
الإمارات العربية منذ ثلاث سنوات، حتى يتمكن من توفير حياة كريمة لها ولابنتها ذات
العامين، إضافة إلى والديه اللذين يعولهما.
وتمضى للقول زاد توتر شيماء
إشاعات تناثرت هنا وهناك حول توتر ما في العلاقات بين البلدين، وكلام عن أن آثاره
ستنعكس بقوة على العمالة المصرية هناك. ولم تفلح في تهدئة شيماء تصريحات متتابعة
لوزير الخارجية ثم رئيس الوزراء المصري، وكذلك تصريحات مؤكدة من وزارة الخارجية
الإماراتية وسفيرها في القاهرة، فرغم تقديرها البالغ لهذه التصريحات، فإن هاجس
الخوف ظل كما هو، خاصة أن الوضع الراهن في مصر، لا يزال ينهض بصعوبة من عباءة
الثورة.
لم تهدأ شيماء أو يرتاح لها بال إلا بعد سماعها بيانا للجيش المصري
صدر منذ يومين أكد فيه على هدوء الأوضاع.. ما جعلها تقول: "الآن فقط اطمأن قلبي".
شيماء ليست الوحيدة من نوعها التي أصبحت تستشعر الأمان في كنف الجيش، بل يشاركها في
ذلك ملايين المصريين. ومن باب زيادة الأمان والمحبة، ينتقد - أحيانا - الكثيرون
منهم بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليس من حيث محتواها، وإنما من حيث
تأخرها عن رصد بعض الأحداث المهمة، في الشارع المصري وعلى الصعيدين العربي والدولي،
والرد عليها بصورة قاطعة.. تفسر شيماء هذا الأمر بجملة دالة ومقتضبة قائلة "الجيش
ما بيعرفش يمسك العصا من الوسط".
وقريبا من رأي شيماء يرجع محللون سياسيون
هذا التأخر إلى أنه نوع من أنواع الرصانة الزائدة التي يمتاز بها العمل العسكري في
كل الدول، لكن البعض رأى أنها تمثل فجوة في التوقيت بين الجيش والشارع، أحيانا لا
تتحمله بعض الأوضاع الراهنة، مطالبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسؤول عن
إدارة شؤون البلاد بالتفاعل بصورة أسرع لحماية المواطن من الوقوع تحت طائلة البلبلة
التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. واستشهدوا بعدة مواقف برزت فيها تلك الفجوة، من
بينها تأكيدات المجلس العسكري على محاسبة رموز النظام السابق، وكذلك تأكيده على
وجود الرئيس السابق حسني مبارك في مدينة شرم الشيخ (قبل البدء في إجراءات التحقيق
معه).. وظهر آخرها في البيان الذي حمل عنوان "الرسالة رقم 41"، مؤكدا عدم صحة ما
يثار عن تعرض مصر لضغوط خارجية من السعودية أو الإمارات خلال الفترة الأخيرة. وأشار
إلى متانة العلاقات معها ودور مصر القومي في الحفاظ على أمن الخليج.
منذ
مطلع الثورة أشار المجلس إلى حرصه على عدم التدخل في السياسة الإعلامية لكافة وسائل
الإعلام، والتي تنشر ما تراه مناسبا ومتوافقا مع سياستها الخاصة، بكل الحرية. على
أن تتحمل تبعات ما تنشره أمام الرأي العام، وفقا لقواعد الحرية، موضحا أن المجلس
يتبع الشفافية المطلقة في تعامله مع الجماهير، ودعمه الصادق للإعلام المصري. كما
أهاب في معظم رسائله بوسائل الإعلام تحري الدقة في الأنباء التي ينشرونها.. وأفرد
المجلس رسالته رقم «42» للتأكيد على اهتمامه بالتواصل مع الشعب المصري، فيما يخص
نشر الحقائق والرد على الإشاعات التي من شأنها الإضرار بمنجزات الثورة، وإثارة
الفتنة بين الشعب والجيش.
رغم هذا، يتخوف البعض، من أن يؤدي هذا التأخر
النسبي في التعامل مع الأمور الحساسة إلى رواج سوق الإشاعات، ما يعرض الثقة في
المجلس العسكري للاهتزاز.. في المقابل يرى كثيرون من العاملين في المجال الإعلامي
أن تأخر تعليقات الجيش الحاسمة، وما سموه بـ«فارق التوقيت» بين المجلس العسكري
والمواطنين، يفتح ثغرة لـ«بعض أصحاب المنافع»، أو من أطلق عليهم الثورة المضادة،
لإثارة البلبلة، مؤكدين أن الإعلام لا يجب تحميله مسؤولية ترويج الإشاعات، لأن
الإعلام يلاحق الخبر.