سؤال يجب
أن نسأله أنفسنا في جلسة صادقة للنفس .. حتى نتبع ذلك .. فكل مخلوق يتمنى
أن يحصل على إجابة هذا السؤال .. فكم من ملك عبر التاريخ ذهب يبحث عن إجابة
هذا السؤال ؟!! كم من إنسان أفنى عمره بحثاً عن هذه الإجابة ..
فالعديد من الملوك والحالمين
وجميع الناس عبر التاريخ بحثوا عن السعادة .. أنها أكبر لغز للجنس البشري
منذ خلق آدم عليه السلام .. فقابيل عندما قتل هابيل كان يبحث عن السعادة
عند زوجة أخيه .. ومنذ ذلك الوقت العديد من الناس تفني أعمارها بحثاً عن
السعادة .. والقليل منهم من وجدها ..
لذلك ألا يستحق هذا السؤال منا أن نجلس جلسة صادقة مع أنفسنا لنبحث عن إجابة هذا السؤال !!!
من هو السعيد ؟!!
الذي أمتلئ قلبه بالله ..
من هو السعيد ؟!!
الذي إذا أمسى وأصبح ليس في قلبه غير الله جل وعلى ..
من هو السعيد ؟!!
الذي أسعده الله في نفسه ..
فطمأن قلبه بذكر الله ولهج لسانه بالثناء على الله ..
من هو السعيد ؟!!
الذي أقر الله عينه بالطاعات .. وسره بالباقيات الصالحات ..
من هو السعيد ؟!!
الذي أسعده الله في أهله .. وماله وولده ..
فرأى قرة العين وحمد الله سبحانه وتعالى على القليل والكثير ..
من هو السعيد ؟!!
الذي رزقه الله محبة الناس .. فوجد من يحبه .. ومن يحبونه ..
من هو السعيد ؟!!
الذي اذا حانت ساعته .. وقامت
قيامته .. تنزلت عليه ملائكة ربه تبشره بالروح والريحان .. والرحمة
والغفران .. وأن الله راض عنه غير غضبان ..
من هو السعيد ؟!!
الذي ختم له بخاتمة السعداء .. وكان آخر كلامه أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ..
من هو
السعيد ؟ ... هو الذي أسعده الله في قبره وأقر عينه في لحده حتى إذا أدخل
في ذلك القبر وثبٌته الله وسدد لسانه فقال: ربي الله وديني الإسلام ونبيي
محمد-صلى الله عليه وسلم-فنادى منادٍ من السماء أن صدق عبدي ففرش له من
الجنان وفتح له منها يأتيه من الروح والريحان فقال السعيد: يا رب أقم
الساعة يا رب أقم الساعة شوقاً إلى رحمة الله وحنيناً إلى عظيم ما ينتظره
من فضل الله .
من هو
السعيد ؟ ... هو الذي إذا بعث من قبره وخرج إلى حشره ونشره خرج مع السعداء
الذي لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون
.
من هو
السعيد ؟ ... هو الذي إذا وقف بين يدي ربه وقف موقف الكريم فأعلى الله شأنه
وأنطق بالخير لسانه ونادى منادي الله عيه بالبشرى بالجنة .
من هو السعيد ؟ ... هو الذي ينتهي مآله ويكون قراره إلى الجنة دار السعداء ونزل الأتقياء .
.
أيها الأحبة في الله ...إنها السعادة الحقيقية التي يتمناها كل عبد مؤمن .
وكما قال الشاعر :
و لست أرى السعادة جمع مال
و لكن التقي هو السعيد
ولنا في كلام الله غنى عماً سواه ..
قال الله تعالى(
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
يقول الإمام القرطبي عليه رحمة الله : وفي الحياة الطيبة خمسة أقوال
(الأول) أنه الرزق الحلال.
(الثاني) القناعة .
(الثالث) توفيقه إلى الطاعات فإنها تؤديه إلى رضوان الله .
وقال أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة. وقيل: الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق. وقيل: الرضا بالقضاء .
ويقول الإمام ابن كثير عليه رحمة الله :
هذا وعد من الله تعالى لمن عمل
صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
من ذكر أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله وإن هذا العمل المأمور
به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن
ما عمله في الدار الآخرة والحياة الطيبة تشتمل وجوه الراحة من أي جهة كانت
وقد روى عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب .
ويقول الإمام الطبري عليه رحمة الله :
يقول تعالى ذكره من عمل بطاعة
الله وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن يقول
وهو مصدق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة وبوعيد أهل معصيته على
المعصية فلنحيينه حياة طيبة واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بالحياة
الطيبة التي وعد هؤلاء القوم أن يحيوها فقال بعضهم عني أنه يحييهم في
الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال . وقال آخرون فلنحيينه حياة طيبة بأن
نرزقه . وقال آخرون بل يعني بالحياة الطيبة الحياة مؤمنا بالله عاملا
بطاعته . وقال آخرون الحياة الطيبة السعادة . وقال آخرون بل معنى ذلك
الحياة في الجنة .
وأولى
الأقوال بالصواب قول من قال تأويل ذلك فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة وذلك أن
من قنعه الله بما قسم له من رزق لم يكثر للدنيا تعبه ولم يعظم فيها نصبه
ولم يتكدر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه
فيها .
ويقول الإمام الشوكاني عليه رحمة الله :
هذا شروع فى ترغيب كل مؤمن فى
كل عمل صالح وتعميم للوعد ومعنى من عمل صالحا من عمل عملا صالحا أى عمل كان
وزيادة التمييز بذكر أو أنثى مع كون لفظ من شاملا لهما لقصد التأكيد
والمبالغة فى تقرير الوعد . فلنحيينه حياة طيبة وقد وقع الخلاف فى الحياة
الطيبة بماذا تكون فقيل بالرزق الحلال ، وقيل بالقناعة ، وقيل بالتوفيق إلى
الطاعة ، وقيل الحياة الطيبة هى حياة الجنة ، وقيل الحياة الطيبة هى
السعادة ، وقيل هى المعرفة بالله ، وقيل هى الإستغناء عن الخلق والإفتقار
إلى الحق وأكثر المفسرين على أن هذه الحياة الطيبة هى فى الدنيا لا فى
الآخرة لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا
يعملون .
ويقول الإمام الألوسي عليه رحمة الله :
والمراد بالحياة الطيبة الحياة
التي تكون في الجنة إذ هناك حياة بلا موت وغنى بلا فقر وصحة بلا سقم وملك
بلا هلك وسعادة بلا ، وقال شريك هي حياة تكون في البرزخ فقد جاء القبر روضة
من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، وقال غير واحد هي في الدنيا وأريد
بها حياة تصحبها القناعة والرضا بما قسمه الله تعالى له وقدره ، ووجه بعضهم
طيب هذه الحياة بأنه لا يترتب عليها عقاب بخلاف الحياة بالرزق الحرام فقد
جاء إيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به .
وأولى الأقوال على تقدير أن يكون ذلك في الدنيا تفسيرها بما يصحبه القناعة .
أخي الحبيب أعلم لو أن كل من في الأرض.. سعوا لك في السعادة ... فلن تنالها ما لم يرد الله
لتعلم يا عبد الله أنك كلما اقتربت من الله بفعل الطاعات
كلما شعرت بحلاوة في قلبك وسعادة لا تعادلها شهوات الدنيا ولذاتها
وأنك كلما أعرضت عن الله كلما أصابك من الهم والغم والألم في قلبك
كما قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )
وهذه أبيات جميلة .. عليك بتقوى الله ان كنت غافلا
يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري
فكيف تخاف الفقر والله رازقا
فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة
ما أكل العصفور شيئا مع النسر
تزول عن الدنيا فإنك لا تدري
إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا
وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم
وقد أدخلت أجسامهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
فمن عاش ألفا وألفين
فلا بد من يوم يسير إلى القبر وقبل الإجابة على هذا السؤال ..
من هو السعيد ؟!!
عليك الإجابة على هذا السؤال البسيط ..
هل السعادة شيء سهل يستطيع الإنسان تحقيقه؟
وللمساعدة في الإجابة على هذا السؤال
قال أبو هريرة : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ
سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ )