الرؤساء العرب: اللهم لا شماتة
د. عائض القرني
لو تمنيت لأعدائك عذابا وبيلا أو منقلبا بئيسا هل تتمنى لهم أكثر مما وصل
إليه حال الرؤساء العرب؟ وسبحان المعز المذل المتفرد بالكمال والعظمة
والجبروت «مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، انظر كيف انقلب
الحال لكثير من الرؤساء العرب الذين عطلوا شريعة الله وظلموا واستبدوا
وتجبروا واضطهدوا، فابن علي طريد، وحسني سجين، والقذافي خنيق، وبشار غريق،
وعلي صالح حريق، قال تعالى: «فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ
وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ». ورب ضارة نافعة؛ فقد ظهر في الثورات العربية مشاهد تستحق أن
يكتب فيها روايات عالمية مضحكة ومبكية، وأنا أسوق بعض هذه المشاهد.. ففي
ليبيا، يلتفت العقيد القذافي خائفا وجلا مذهولا مندهشا، يلتفت يمينا إلى
الغرب، ويشير إلى شعبه الثوار ويقول: إنهم من «القاعدة» ومن أتباع بن لادن،
ثم يلتفت شمالا إلى الشعب الليبي ويقول لهم: جاءكم الصليبيون - يقصد
الغرب - وهي لقطة تضحك منها الثكالى، وقد وصل الثوار إلى مشارف طرابلس وهو
يتصل من قبو تحت الأرض بإذاعته ويقول: سنزحف عليهم بالملايين. وأقول له:
عليك الصبر والانتظار لا تستعجل فالعجلة من الشيطان. وفي مصر خطب الرئيس
المصري فقال: ويعلم الله أني ما حرصت يوما من الأيام على منصب أو شهرة أو
دنيا زائلة. ونقول: فلماذا يا أخي اعتقلت مصر ثلاثين سنة وأغلقت عليها في
صندوق وضيعت مفتاحه، أفلا رحمت الإنسان والحيوان والطيور والزواحف، وأطلقت
قيدهم وأخرجتهم من الزنزانة قبل أن يثوروا كالبركان؟ ويقول: أفنيت عمري
وشبابي في خدمة مصر، فيعلق أحدهم في ميدان التحرير قائلا: شكر الله سعيك،
أجرك على الله، يكفي ما حصل. وفي اليمن، يخرج اليمنيون بلوحة كبيرة مكتوب
عليها: حكمَنا الإمام يحيى حميد الدين 14 سنة، وحكمنا الإمام أحمد حميد
الدين 13 سنة، وحكمنا الإمام علي عبد الله صالح 32 سنة. ثم خرج الرئيس علي
صالح فقال: أنا لا أريد الرئاسة، الرئاسة مغرم لا مغنم. قلنا: فلماذا يا
أبا أحمد، شفاك الله وعافاك، قبضت على اليمن ثنتين وثلاثين سنة، وأنت في
غرفة العناية المركزة وبعد ثماني عمليات تبشر الشعب اليمني بأنك سوف تعود
حاكما حتى تسلم الأمانة والتركة المباركة لابنك الإمام أحمد بن علي بن عبد
الله بن صالح الأحمر رضي الله عنه وعن والديه وأهل بيته أجمعين؟ ولماذا
ثار اليمنيون على إمامة آل حميد الدين ليعودوا إلى حكم الإمامة في قالب
رئاسي؟ وفي سوريا، يقول أحد المذيعين الأدباء لإحدى القنوات: أظن بشار
الأسد إذا خلا بنفسه بعد ثورة الشعب السوري يقول وهو يندب حظه مخاطبا
والده حافظ الأسد بقول أبي العلاء المعري الذي أمر أن يُكتب على قبره:
«هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد». ومن المضحك أن النظام السوري اتهم
العالم بأنه مندس في المظاهرات السورية ومتآمر على سوريا، فاتهم إسرائيل
المسكينة اليتيمة المظلومة، واتهم أميركا الدولة الضعيفة المؤدبة
المحترمة، واتهم أوروبا، واتهم الإخوان المسلمين، والسلفيين،
والفلسطينيين، حتى قام أحد المتظاهرين خطيبا في درعا وأمامه مئات الألوف
من المتظاهرين فقال: نحن مندسون جميعا، ثم التفت إلى آلاف النساء
المتظاهرات فقال وهؤلاء كلهن مندسات. وكتب أحد المتظاهرين في سوريا يسخر
من النظام: الشعب السوري كله مندس. وكتب آخر لوحة عليها: خبر عاجل خبر
عاجل: الشعب السوري كله معتقل. والعجيب أنه إذا خرجت مظاهرة تؤيد النظام،
فلا مندسون ولا قتلى، وهذه من كرامات الأولياء، وإذا خرج متظاهرون ضد
النظام حضر المندسون ووقع القتل. وخطب بشار الأسد كثيرا، وكل خطبه قصيرة
موجزة بليغة لا تتجاوز الخطبة الواحدة أربع ساعات حتى ينام الناس ويصحون
ويخفقون ويتثاءبون ويفكرون ثم يرقدون، ووعد بالإصلاح السريع لا المتسرع؛
لأنه لم يمض عليه هو ووالده في الحكم إلا خمسون سنة، والإصلاح لا يأتي بين
عشية وضحاها «ولكنكم قوم تستعجلون». وكتب المتظاهرون المؤيدون للنظام
السوري لوحة عليها: سوريا لا تركع لأحد، والصحيح: النظام السوري لا يركع
إلا لإسرائيل، والدليل كما في الشكل رقم واحد: الجولان. وابن علي في تونس
خطب فقال: أنا فهمت عليكم، والجواب: «آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ»، ولكن
للأسف يا فخامة الرئيس الشعب التونسي ما فهم عليك فهاج كالبحر الثائر.
وكلما رأيت الثورة تشتعل في بلد عربي وتنتقل للآخر تذكرت قول أبي تمام لما
أحرق المعتصم مدن الروم؛ فكل مدينة كانت تحترق بعد الأخرى قال:
لما رأت أختها بالأمس قد خَرِبت كان الخراب لها أعدى
من الجربِ قال تعالى: «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ
رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ».