صفحات من التاريخ [2]..أصحاب السلطة واهل الدين ..

لا شك ان للسلطة سطوتها وابهتها التى تستميل اليها الناس إما حبا أو خوفا

وأيضا للدين وأهله مكانته فى قلوب الناس على مر العصور

ولكن كيف الحال لو اجتمع اصحاب السلطة واهل التقى والدين بين لفيف من الناس؟

ترى ،لمن يميل الناس ؟والى ايهما يكون التعظيم والتبجيل؟

ذلك ما كان بين الامام على زين العابدين بن الامام الحسين سبط رسول الله

وريحانته من الدنيا وبين هشام بن عبد الملك أحد أمراء بنى أمية وكان ابوه هو حاكم

الدولة الاسلامية وقتها .واليكم القصة كما روتها لنا كتب التاريخ :

قدم هشام بن عبد الملك للحج برفقة حاشيته وقد كان معهم الشاعر العربي الفرزدق

وكان البيت الحرام مكتظاً بالحجيج في تلك السنه ولم يفسح له المجال للطواف

فجلب له متكأ ينتظر دوره وعندما قدم الامام زين العابدين علي بن الحسين بن

ابي طالب عليهم السلام انشقت له صفوف الناس حتى ادرك الحجرالاسود فثارت حفيظة

هشام واغاظه ما فعلته الحجيج للامام علي، وتساءل احد مرافقيه قائلا :من هذا الذى

يهابه ويجله الناس أكثر من ابن الخليفة ؟فقال هشام بن عبد الملك لا اعرف!؟حتى لا

ينشغل الناس بذكره ،

فأجابه الشاعر العربي الفرزدق بهذه القصيدة المرتجلة [اى ألفها فى لحظتها]وهي

اروع ماقاله الفرزدق:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا بن خير عباد الله كُـلُّهمُ
هذا التقي النقي الطاهرُ العلم

هذا بن فاطمةٍ انْ كنت جاهله
بجده انبياء الله قد ختموا

وليس قولك : منْ هذا؟بضائره
العرب تعرف من انكرت والعجمُ

كلتا يديه غياثٌ عـمَّ نفعهما
يستوكفان ولا يعروهما عـَدمُ

سهل الخليقة ،لاتخشى بوادره
يزينه اثنان: حِسنُ الخلقِ والشيمُ

حـمّال اثقال اقوام ٍ اذا امتدحوا
حلو الشمائل ،تحلو عنده نعمُ

ما قال: لا قط ،ْ الا في تشهده
لولا التشهّد كانت لاؤه نـعم

عـمَّ البرية بالاحسان، فانقشعت
عنها الغياهب والاملاق، والعدم

اذا رأته قريش قال قائلها:
الى مكارم هذا ينتهي الكرم

يُغضي حياءً، ويغضي من مهابته
فما يكلـُّم الا حين يبتســم

بكفـّهِ خيزرانُ ريحها عبق
من كـف اروع، في عرنينه شمم

يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

الله شرّفه قدمـاً، وعظـّمـه
جرى بذاك له في لوحة القلم

ايُّ الخلائق ليست في رقابهمُ
لأوّليـّه هذا، اوله نِـعم

من يشكرِ الله يشكر اوّليـّه ذا
فالدين من بيت هذا ناله الامم

ينمي الى ذروة الدين التي قصرت
عنها الاكف، وعن ادراكها القدم

من جده دان فضل الانبياء له
وفضل امته دانت له الأمم

مشتقة من رسول الله نبعته
طابت مغارسه والخيم والشـيم

ينشق ثوب الدجى عن نور غرته
كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلم

من معشرٍ حبهم دينٌ وبغضهم
كفرٌ وقربهم منجى ومعتصـم

مقـدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم
في كِلّ بدءٍ ومختوم به الكـلم

إن عـدَّ اهل التقى كانوا ائمتهم
او قيل من خير اهل الارض؟ قيل: هم

لا يستطيع جوادُ بعد جودهم
ولا يدانيهم قوم، وإن كرموا

هم الغيوث، اذا ما أزمة أزمت
والاسد اسدُ الشرى والبأس محتدم

لاينقص العسر بسطاً من اكفّهم
سيّان ذلك: إن اثروا وإن عدموا

يستدفع الشرُّ والبلوى بحبّهم
ويسترد به الاحسان والنعـم

وبعدما سمع هشام القصيدة أمر بسجن الفرزدق ،ولما علم الامام زين العابدين بذلك

جمع ما معه وما مع بناته من حلى وأرسلها للفرزدق مكافئة له على قصيدته ،

لكن الفرزدق رد الهدية مع الخادمالذى جاءه بها وقال:والله لو كنت أطلب الدنيا لمدحت

من هى عندهم ،ولكنى مدحتكم ابتغاء مرضاة الله ورضا جدكم رسول الله ،فإن رأيت أن

تكافئنى فابعث الى بثوب مما تلبسه ومس جسدك الشريف ،فأرسل اليه الامام زين

العابدين بعضا من اثوابه ومعها المكافئة قائلا للخادم :قل للفرزدق إنا أهل البيت إذا

وهبنا شيئا لا نسترده ،والله يعلم نيتك وسيثيبك ليها .فقبل الفرزدق الهدية بعد ذلك .