شروط لا إله إلا الله
ينبغي أن نعلم أنه [ليس المراد من هذا عد ألفاظها وحفظها، فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له أعددها لم يحسن ذلك، وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها والتوفيق بيد الله] (1) .
وقد قال وهب بن منبه (2) لمن سأله: أليس (لا إله إلا الله) مفتاح الجنة؟ قال: بلى. ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك (3) .
وأسنان هذا المفتاح هي شروط (لا إله إلا الله) الآتية: -
الشرط الأول: العلم بمعناها المراد منها نفياً وإثباتا، المنافي للجهل بذلك قال تعالى:
* فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ * [سورة محمد:19] .
_________
(1) معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي (ج1/377) الطبعة الأولى تصوير ادارات البحوث العلمية بالرياض.
(2) وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وابن عمر وغيرهم. قال العجلي: تابعي ثقة وكان على قضاء صنعاء ووثقه أيضاً: أبو زرعة والنسائي وابن حبان. كان مولده سنة 34 هـ ووفاته سنة 110 هـ. انظر تهذيب التهذيب (11/167) (3) رواه البخاري تعليقاً في كتاب الجنائز باب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله (ج3/109) .
وقال تعالى:
* إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ * [سورة الزخرف:86] .
أي: بـ "لا إله إلا الله": (وهم يعلمون) بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
وقال تعالى: * شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * [سورة آل عمران:18] .
وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علبه وسلم (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) (1) .
الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك. معنى ذلك: أن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة، يقيناً جازماً، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن (2) قال تعالى:
* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * [سورة الحجرات:15] وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا
_________
(1) معارج القبول (1/378) وانظر الجامع الفريد (ص356) . والحديث مروي في صحيح مسلم: (ج1/55) (ح26) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي كتاب الإيمان.
(2) معارج القبول (1/378) .
دخل الجنة) (1) . وفي رواية (لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة) . وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة) (2) .
وقال القرطبي: في (المفهم على صحيح مسلم) : (باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد، بل لابد من استيقان القلب. وهذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعاً) (3) .
الشرط الثالث: القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها، وانتقامه ممن ردها وأباها كما قال تعالى:
* وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * 23 * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * 24 * فانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * [سورة الزخرف:23-25] .
وقال تعالى:
* ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ * [سورة يونس:103] .
_________
(1) صحيح مسلم (ج1/56) (ح 27) كتاب الإيمان.
(2) صحيح مسلم (ج1/60) (ح31) كتاب الإيمان.
(3) قتح المجيد (ص36) .
ويقول تعالى:
* إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * 35 * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * (1) . [سورة الصافات:35- 36] .
الشرط الرابع: الانقياد لما دلت عليه، المنافي لترك ذلك
قال تعالى: * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ * [سورة الزمر:54] . وقال: * ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجه لله وهو محسن * [سورة النساء: 125] . وقال تعالى: * وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى * [سورة لقمان:22] .
أي بلا إله إلا الله
وفي الحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) (2) وهذا هو تمام الانقياد وغايته
_________
(1) معارج القبول (ج 1/380) .
(2) معارج القبول (1/381) وانظر الرسالة الخامسة حول لا إله إلا الله المطبوعة مع (الكلمات النافعة) للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص 73) ط- 2 سنة /1400 هـ السلفية بمصر.
والحديث مروي في: الأربعين النووية للإمام النووي (ص 134) الحديث الحادي والأربعون الطبعة الثانية سنة 1973م الناشر مطابع قطر. قال النووي: وهو حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
وقال تعالى: * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا * [سورة النساء:65] .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة، ولا منازعة، كما ورد في الحديث (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) (1) .
الشرط الخامس: الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه، ويواطئ قلبه لسانه، قال تعالى: * الم * 1 * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * 2 * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * (2) [سورة العنكبوت:1 – 3] .
وقال تعالى: * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * 8 * يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم
_________
(1) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (ج 2/306) تحقيق عبد العزيز غنيم ومحمد عاشور ومحمد البنا. مطبعة الشعب.
(2) معارج القبول 1/381.
وَمَا يَشْعُرُونَ * 9 * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * [سورة البقرة:8-10] .
وفي "الصحيحين" عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار" (1) .
قال العلامة ابن القيم:
(والتصديق بلا إله إلا الله يقتضي الإذعان والإقرار بحقوقها وهي شرائع الإسلام التي هي تفصيل هذه الكلمة، والتصديق بجميع أخباره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.. فالمصدق بها على الحقيقة هو الذي يأتي بذلك كله، معلوم أن عصمة المال والدم على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبالقيام بحقها، وكذلك النجاة من العذاب على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبحقها) (2) .
وفي الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه] (3) .
وقال ابن رجب:
(أما من قال: لا إله إلا الله بلسانه، ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى.
* وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ * (4) [سورة القصص:50] .
_________
(1) صحيح البخاري / (ج 1/226) (ح 128) كتاب العلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي المطبوع مع فتح الباري بالمطبعة السلفية بمصر سنة 1380 الطبعة الأولى , وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (ج1/8) (ح20) تصوير المكتبة الإسلامية – بيروت.
(2) التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص 43 تعليق طه يوسف شاهين.
(3) أخرجه الحاكم في كتاب المستدرك (ج1/70) كتاب الإيمان وقال: صحيح الاسناد ووافقه الذهبي.
(4) كلمة الإخلاص: 28
* وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ * [سورة ص:26] .
الشرط السادس: الإخلاص، وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك (1) .
قال تعالى * ألا لله الدين الخالص * [سورة الزمر: 3]
وقال تعالى: * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء * [سورة البينة: 5] .
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) : أو نفسه) (2) .
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك (3) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل) (4) .
وللنسائي في اليوم والليلة من حديث رجلين من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصاً بها قلبه، يصدق بها لسانه، إلا فتق الله لها السماء فتقاً حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله) (5)
_________
(1) معارج القبول (ج1/382) وانظر الجامع الفريد ص 356.
(2) صحيح البخاري كتاب العلم باب الحرص على الحديث (ج 1/193) (ح 99) .
(3) هو عتبان بن مالك بن العجلان الخزرجي السالمي الأنصاري. بدري عند الجمهور. كان إمام قومه في بني سالم. وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عمر. وقد مات في خلافة معاوية.
انظر الإصابة لابن حجر (2/452) .
(4) صحيح مسلم (ج 1/456) (ح 263) كتاب المساجد.
(5) أورد هذا الحديث ابن رجب في كلمة الإخلاص ص 61 وقال فيه الألباني: عزاه في الجامع الكبير (2/477/1) عن يعقوب بن عاصم قال: حدثني رجلان من الصحابة. ويعقوب هذا من رجال مسلم ووافقه ابن حبان فإن كان السند إليه صحيحاً فالحديث ثابت.
وقال الفضيل بن عياض رحمة الله: (إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة) (1) .
ولقد ضرب الله سبحانه في القرآن العظيم مثلاً واضحاً للمخلص في توحيده وللمشرك قال تعالى:
* ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً * [سورة الزمر: 29] .
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسيرها:
(هذا مثل يضربه الله للعبد الموحد والعبد المشرك، بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضاً فيه، وهو بينهم موزع، ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة.. وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه، ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح) (هل يستويان) ؟ لا. لأن الذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين، وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه، ووضوح الطريق. والذي يخضع لسادة مشتركين معذب مقلقل، لا يستقر على حال، ولا يرضى واحداً منهم فضلاً عن أن يرضي الجميع. وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك في جميع الأحوال. فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يسير على هدى من الله يستمد منه وحده ويتجه إليه وحده) (2) .
_________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 451 تحقيق محمد حامد الفقي. الطبعة الثانية سنة 1369 هـ مطبعة أنصار السنة.
(2) في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب (ج 5/3049) الطبعة المشروعة الناشر دار الشروق وانظر التفسير القيم لابن القيم ص 423 جمع محمد أويس الندوي تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر لجنة التراث – بيروت.
ويقول الشيخ القاسمي رحمه الله:
(إن القصد هو توحيد المعبود في توحيد الوجهة، ودرء الفرقة كما قال تعالى:
* أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * (1) [سورة يوسف: 39] .
إن الإسلام لابد فيه من الاستسلام لله وحده، وترك الاستسلام لما سواه وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) فمن أسلم لله ولغير الله فهو مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته وقد قال تعالى: * إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ * (2) . [سورة غافر: 60] .
الشرط السابع: المحبة لهذه الكلمة، ولما اقتضته ودلت عليه، ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها، وبغض ما ناقض ذلك، قال تعالى:
* وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ * (3) [سورة البقرة:165] .
_________
(1) محاسن التأويل للشيخ محمد جمال الدين القاسمي ج 14/5138 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
الطبعة الأولى 1376 هـ دار إحياء الكتب.
(2) انظر اقتضاء الصراط المستقيم ص 454 والتحفة العراقية لابن تيمية ص 41.
(3) أعلام السنة المنشورة لحافظ الحكمي ص 14 الطبعة الثالثة سنة 1399 هـ إدارات البحوث العلمية بالرياض وانظر معارج القبول ج 1/383 والجامع الفريد ص 356.
وقال تعالى:
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ * [سورة المائدة: 54] .
وفي الحديث: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) (1) .
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله (2) :
(وعلامة حب العبد ربه: تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله. ومعاداة من عاداه واتباع رسوله، واقتفاء أثره وقبول هداه) (3) .
ويقول ابن القيم في النونية:
شرط المحبة أن توافق من تحب ... على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلا ... فك ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي ... حباً له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهداً أحبابه ... أين المحبة يا أخا الشيطان
ليس العبادة غير توحيد المحبة ... مع خضوع القلب والأركان
_________
(1) صحيح البخاري (ج 1/60) (ح16) كتاب الإيمان وصحيح مسلم (ج 1/66) (ح43) كتاب الإيمان.
(2) هو الشيخ العلامة حافظ بن أحمد الحكمي. عالم سلفي من منطقة تهامة ولد سنة 1342 هـ بقرية السلام بالقرب من جيزان. كان آية في الذكاء وسرعة الحفظ والفهم. تتلمذ على الشيخ الداعية عبد الله القرعاوي. وكان ذا علم وتقوى وعفة. وتوفي رحمه الله سنة 1377 هـ وعمره 35 سنة.
انظر ترجمته بقلم ابنه أحمد بن حافظ في أول معارج القبول الجزء الأول.
(3) معارج القبول (1/383) .
إلى أن يقول:
ولقد رأينا من فريق يدعي الإ ... سلام شركاً ظاهر التبيان
جعلوا له شركاء والوهم وسو ... وهم به في الحب لا السلطان (1)
_________
(1) النونية ص: 158.