مستقر الأرواح "حصرياً "

عقد ابن القيم فصلاً ذكرفيه أقوال العلماء فى مستقر الارواح ثم ذكر القول الراجح فقال : قيل : الارواح متفاوتة فى مستقرها فى البرزخ أعظم التفاوت .
فمنها أرواح فى اعلى عليين فى الملأ الأعلى ، وهى أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وهم متفاوتون فى منازلهم ، كما رآهم النبى " صلى الله عليه وسلم " ليلة الإسراء .

- ومنها أرواح فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت وهى أرواح بعض الشهداء لا جميعهم ، بل من الشهداء من تحبس روحه عن الجنة لدين عليه أو غيره كما فى المسند عن محمد بن عبد الله بن جحش " أن داء إلى النبى " صلى الله عليه وسلم " فقال : يا رسول الله مالى إن قتلت فى سبيل الله ؟ قال : الجنة : فلما ولى قال إلا الذين سارنى به جبريل آنفاً .

-ومنهم من يكون محبوساً على باب الجنة ن كما فى الحديث الاخر : رأيت صاحبكم محبوساً على باب الجنة .

ومنهم من يكون محبوساً فى قبره كحديث صاحب الشملة التى غلها ثم استشهد ، فقال الناس : هنيئاً له فى الجنة فقال النبى " صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده . إن الشملة التى غلها لتشتغل عليه ناراص فى قبره .

- ومنهم من يكون مقره باب الجنة كما فى حديث ابن عباس : الشهداء على بارق نهر بباب الجنة فى قبة خضراء يخرج عليها رزقهم من الجنة بكرةً وعشياً ، رواه احمد ، وهذا بخلاف دعفر بن أبى طال حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما فى الجنة حيث شاء .

ومنهم من يكون محبوساً فى الأرض لم تعل روحه إلى الملأ العلى فإنها كانت روحاً سفلية أرضية ، فإن الانفس الأرضية لا تجامع النفس السماوية ، كما لا تجامعها فى الدنيا ، والنفس التى لم تكتسب فى الدنيا معرفة ربها ومحبتة وذكره والنس به والتقرب إليه هى أرضية سفلية ولا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك ، كما أن النفس العلوية التى كانت فى الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الارواح العلوية المناسبة لها ، فالمرء مع من أحب فى البرزخ ويوم القيامة ، والله تعالى يزوج النفوس ببعضها ببعض فى البرزخ ويوم المعاد ويجعل روحه ( يعنى المؤمن ) مع القسم الطيب ( يعنى الأرواح الطيبة المشاكلة لروحه ) فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وإخوانها وأصحاب عملها فتكون معهم هنالك .

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا

ومنها أرواح تكون فى تنور الزناة والزوانى ، وأرواح فى نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة ، فليس للأرواح - سعيدها وشقيها - مستقر واحد ، بل روح فى أعلى عليين ، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض ز

وانت إذا تاملت السنين والاثار ، وكان لك بها فضل اعتناء ، عرفت حجة ذلك ، ولا تظن ان بين الآثار الصحيحة تعارضاً ، فغنها كلها حق يصدق بعضها بعضاً ، لكن الشأن فى فهمها ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأناً غير شأن البدن ، وأنها مع كونها فى الجنة فهى فى السماء وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه ، وهى أسرع شئ حركة وانتقلاً وصعوداً وهبوطاً ، وانها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة ، وعلوية وسفلية ، ولها بعد المفارقة صحة ومرض ، ولذة ونعيم ، وألم وأعظم مما كان لها حالاتصالها بالبدن بكثير ، فهناك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة ، وهناك اللذة والراحة والنعيم والانطلاق وما أشبه حالها فى هذا البدن بحال البدن فى بطن أمه ، وحالتها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار ؟ فلهذا الأنفس أربع دور ، كل دار أعظم من التى قبلها .

------------ الدار الأولى :
فى بطن الأموذلم الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث .

-----------الدار الثانية :
هى الدار التى نشات فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاوة .

----------- والدار الثالثة : دار البرزخ ، وهى أوسع من هذه الدار وأعظم ، بل نسبتها إليها كنسة هذه الدار إلى الأولى .

---------- والدار الرابعة : دار القرار وهى الجنة أو النار ، فلا دار بعدها ، والله ينقلها فى هذه الدور طبقاً بعد طبق حتى يبلغها الدار التى لا يصلح لها غيرها ولا يليق بها سواها ، وهى التى خلقت لها وهيئت للعمل الموصل لها إليها .

ولها فى كل دار من هذه الدور حكم وشان غير شأن الدار الأخرى فتبارك الله فاطرها ومنشئها ومميتها ومحييها ومسعدها ومشقيها ، الذى فاوت بينها فى درجات سعادتها وشقوتها كما فاوت بينها فى مراتب علومها وأعمالها وقواها وأخلاقها . فمن عرفها كما ينبغى شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك كله ، وله الحمد كله ، وبيده الخير وإليه يرجع الأمر كله وله القوة كلها والقدرة كلها والعز كله ، والحكمة كلها والكمال المطلق من جميع الوجوه ، وعرف بمعرفة نفسه صدق أنبيائه ورسله ، وأن الذى داءوا به هو الحق الذى تشهد به العقول وتقر به الفطر وما خالفه فهو باطل .

_________________

اللهم كما علمت آدم علمنا وكما فهمت سليمان فهمنا
اللهم كما أتيت داود وسليمان علماً علمنا
والحمد لله الذى فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا

- ومنهم من يكون مقره باب الجنة كما فى حديث ابن عباس : الشهداء على بارق نهر بباب الجنة فى قبة خضراء يخرج عليها رزقهم من الجنة بكرةً وعشياً ، رواه احمد ، وهذا بخلاف دعفر بن أبى طال حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما فى الجنة حيث شاء .

ربنا يجعل ارواحنا فى عليين ، موضوع جميل جدا