كيف تستغلين يوم عرفة والعيد؟الاحد 14 نوفمبر 2010
ها هي أيام الله تأتي إليك أختي الحبيبة، فاتحة ذراعيها لكي تأخذكِ إلى محبة الله ورضوانه، ففي هذه الأيام يكون العمل الصالح أحب إلى الله من غيرها، وسنحاول في هذا المقال أن نرشدكِ أيتها الأخت الحبيبة إلى بعض الأمور التي تعينك على استغلال يوم عرفة والعيد.
الدواء الشافي:
حقًا إنه القرآن الذي لا يدع قلب يدخله حتى يترك فيه نور الإيمان {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].
فلتحافظي على قرائته أيتها الأخت الحبيب، إذا أردتِ أن يدخل نور الإيمان في قلبك، وأبشري أختي المتدبرة (فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تُطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما.
وتُثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه، وتعطيه فرقانًا ونورًا يفرق به بين الهدى والضلال، والغي والرشاد.
وتعطيه قوة في قلبه وحياة وسعة وانشـراحًا وبهجة وسرورًا، فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه، وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل، وتسهل عليه الأمور الصعاب والعقبات الشاقة غاية التسهيل.
وفي تأمل القرآن وتدبره وتفهمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد) [مدارج السالكين ، ابن القيم، (1/451-453)، بتصرف].
فإذا أردت أختاه أن تكوني من المتدبرين لكتاب الله تعالى، فعليك برباعية التدبر التي أخبر عنها الله تعالى؛ حين قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
فتمام التأثر بالقرآن متوقف على هذه العوامل الأربعة؛ ألا وهي:
1. وجود المؤثر المقتضي للتأثير.
2. وجود المحل القابل لحدوث التأثر.
3. وجود الشرط اللازم لحدوثه.
4. انتفاء المانع الذي يمنع التأثر.
(فقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} فهذا هو المؤثر؛ وقوله:{لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله، وقوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي وجه سمعه، وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام، وقوله تعالى: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساهٍ، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيابه عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله.
فإذا حصل المؤثر: وهو القرآن، والمحل القابل: وهو القلب الحي، ووجد الشرط: وهو الإصغاء، وانتفى المانع: وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر؛ حصل الأثر، وهو الانتفاع والتذكير) [الفوائد، ابن القيم، ص(3)].
وهنيئًا يا تالية القرآن بجبال الحسنات من تلاوة كتاب الله تعالى، فلكِ بكل حرف تقرئينه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول "ألم" حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2910)].
أحب الأعمال في أحب الأيام:
وما ظنكِ إن جمعتِ في أحب الأيام أحب الأعمال إلى الله، ألا وهي الصلاة على وقتها، كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم حين سئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال (الصلاة على وقتها)[متفق عليه].
واعلمي أن أفضل شيء تتقربين به إلى الله تعالى هي الفرائض، فهي أحب الأعمال إلى الله، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه) [رواه البخاري]، فتقرَّب إليه بأحب الأعمال ينجيك برحمته من سوء المآل.
صيام يبعد عن النار:
باعدِ بينك وبين النار مئات الأعوام بصوم يوم عرفة وبقية الأيام: (ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا) [متفق عليه]، وقد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة) [صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (2437)].
أريد أن أسألكِ سؤال أيتها الأخت الحبيبة، هل ذنوبكِ أثقلتكِ أيتها الحبيبة؟! أتريدين أن تغفر لكِ ذنوبكِ الماضية واللاحقة بإذن الله تبارك وتعالى؟!
نعم ... صدِّقي ما قرأتيه ستغفر ذنوبكِ أيتها التائبة الأوابة ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، لمن صام يوم عرفة: (صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده) [رواه مسلم].
إليك إله الخلق أرفع رغبتي وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنوبي فلما قرنتها بعفوك كان عفوك أعظما
فلا زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما
الخير الكبير:
وذكر الله في هذه الأيام وغيرها هو خير ما تشبثتِ به، وإليكِ وصية النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاءه فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبَّث به، قال: (لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله) [حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2687)].
ثم كررها النبي صلى الله عليه وسلم لحبيبه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين سأله فقال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله) [حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2694)].
فالذكر كالماء البارد ينساب على لسانك فينديه ويرطبه، ثم يتدفق إلى قلبك فيضفي عليه بردًا وحلاوةً وسكونًا واطمئنانًا، كما أخبر ربنا سبحانه وتعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨].
فقلوب المحبين لا تطمئن إلا بذكره وأرواح المشتاقين لاتسكن إلا برؤيته، قال ذو النون: ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة الا برؤيته.
فلسفة الذكر: ليس الذاكر من قال سبحان والحمد لله وقلبه مُصِر علي الذنوب، وإنما الذاكر من إذا هم بمعصية ذكر مقامه بين يدي علام الغيوب.
يقول ابن القيم: محبة الله تعالي ومعرفته ودوام ذكره والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي علي هموم العبد وعزماته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين.
نسمات من الخير الكبير:
وهذه نسمات يسيرة نقدمها لكِ أيتها الأخت الحبيبة، لنرشدكِ إلى الأذكار التي تواظبين عليها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك) [متفق عليه].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) [متفق عليه].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأنَّ غراسها، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)[حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2755)].
صلي رحمك:
لا ينقضي العيد أيتها الأخت الحبيبة إلا وقت وصلتِ رحمك، فهي فرصة لكي تتواصل الأرحام وتتناغم في سرب واحد، نؤكد على صلة الأرحام في هذه الأيام المباركة (أيام العيد) وخاصةً الأرحام المقطَّعة، ولنجعل أول أيام العيد للأهل والأقارب، نتفقدهم ونزورهم ونُدخِل البهجةَ والسرورَ عليهم، ثم بعد ذلك من الممكن أن نرى أصدقاءنا في اليوم الثاني أو الثالث أو نخرج معهم للتنزُّه في غير معصية؛ لأن العيد هدية من الله لنا على طاعتنا له، فلا نجعله يومًا للذنوب والأوزار.
وصلة الرحم لها فضلٌ كبيرٌ وثوابٌ عظيمٌ من الرحمن الرحيم، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال "خلق الله الخلق فلمَّا فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عزَّ وجل فقال: مه!! فقالت: "هذا مقام العائذ بك من القطيعة"، فقال تعالى: (ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك"، قالت: بلى، قال: فذاك لكِ" قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)) [حسنه الألباني].
ونقول لكِ في نهاية المقال تقبل الله منا ومنكِ.