شغلت قضية كبار المسؤولين فى النظام السابق المتهمين بالإثراء غير
المشروع، الرأى العام، وقد فجرت مصادر قانونية مفاجآت صادمة قد تقضى على أحلام قطاع
كبير من الشعب المترقب لصدور أحكام رادعة لكل رموز النظام السابق، وأيضاً مفاجآت
حول طريقة استعادة هذه الأموال باستخدام شركات دولية.
الصدمة الأولى كشفها
خبراء القانون، وتشير إلى احتمالات خروج كبار رموز الحزب الوطنى ونظام الرئيس
السابق محمد حسنى مبارك، الذين تقرر حبسهم على خلفية تضخم ثرواتهم واستغلالهم
النفوذ فى التربح لأنفسهم ولعائلاتهم، حيث أشار المحامى والناشط الحقوقى نجاد
البرعى، رئيس مجلس إدارة المجموعة المتحدة للقانون، إلى أن قانون الكسب غير المشروع
يتضمن ثغرة قانونية فى غاية الخطورة تفتح الباب أمام جميع رموز النظام المحبوسين
بمزرعة طره للطعن على الأحكام الصادرة بحقهم والحصول على البراءة بداية من نجلى
الرئيس السابق علاء وجمال مبارك وصفوت الشريف وزكريا عزمى وفتحى سرور، ضارباً المثل
بقضية عبدالحميد حسن، محافظ الجيزة الأسبق ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة،
الذى حصل على حكم نهائى بالبراءة من محكمة النقض من التهم المنسوبة إليه بالكسب غير
المشروع وتضخم ثروته بقيمة بلغت 556 ألف جنيه و22 ألف دولار أمريكى و798، استناداً
إلى تلك الثغرة القانونية فى المادة الثانية من قانون الكسب غير
المشروع.
وأضاف البرعى أن قانون الكسب غير المشروع قد سقط عمليا بحكم لمحكمة
النقض فى أبريل 2004، والذى أقر ببطلان المادة الثانية - العمود الفقرى للقانون -
وعدم دستوريتها، وذلك لهدمها قرينة البراءة ونقلها عبء دليل الإثبات من النيابة
العامة إلى المتهم، مما يعد مخالفة صريحة للمبادئ الأساسية المقررة بالمادة 67 من
الدستور والمادة 15 من الإعلان الدستورى الأخير.
وأشار البرعى إلى أن محكمة
النقض قالت فى أسباب حكمها فى قضية الكسب غير المشروع الشهيرة لعبد الحميد حسن،
محافظ الجيزة الأسبق: إن الدستور قد نص على أن الأصل فى الإنسان البراءة, فى حين
تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 الخاص بالكسب
غير المشروع على «أنه كل زيادة فى الثروة تطرأ على الموظف بعد تولى الخدمة أو على
زوجه وأولاده القصر لا تتناسب مع مواردهم، وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها، تعد أمراً
مؤثماً» بالمخالفة لما نصت عليه المبادئ الأساسية بالمادة 67 من الدستور من أن
الأصل فى الإنسان هو البراءة، فضلاً على أن قانون الكسب نقل عبء الإثبات على عاتق
المتهم بدلاً من أن يكون على عاتق سلطة الاتهام، بمعنى أن يقدم المتهم ما يثبت
مصادر عدم مشروعية ثروته دون أن يتولى الكسب تقديم مصادر عدم المشروعية بما يجعل
قانون الكسب غير دستورى.
ذلك الحكم الشهير فى قضية عبدالحميد حسن، محافظ
الجيزة الأسبق، الذى أوجد جدلاً واسعاً فى قانون الكسب غير المشروع لم يتم حسمه حتى
الآن من قبل المحكمة الدستورية، لكنه محل اهتمام من قبل كبار القانونيين لصدوره من
محكمة أعلى درجة وهى محكمة النقض برئاسة المستشار عبداللطيف على عمر أبوالنيل
وبعضوية المستشارين محمد يونس ومصطفى صادق ويحيى خليفة ومحمد عيد ومنصور القاضى
وعثمان متولى ومصطفى المتولى وعلاء الدين مرسى، نواب رئيس محكمة
النقض.
وطالب البرعى بضرورة أن يتولى المحققون بجهاز الكسب البحث عن أدلة
الثروات غير المشروعة، ضماناً لتكامل التحقيقات مع رموز الفساد السابق وسد أى ثغرات
قد يستغلها فريق دفاعهم فى الحصول على البراءة.
من جهة أخرى، وفيما يعد أول
خطوة حقيقية نحو استعادة أموال مصر المهربة إلى الخارج، استعانت الحكومة المصرية
بمنظمة عالمية تدعى «ستار» متخصصه فى استعادة أصول الدول المسروقة، ووقف تدفقها إلى
الخارج، حيث التقى المستشار عاصم الجوهرى، رئيس اللجنة القضائية لاسترداد أموال مصر
من الخارج، يوم الخميس الماضى، بوفد من تلك المنظمة بمقر وزارة العدل لوضع خارطة
عمل مشتركه.
اللجوء إلى منظمة عالمية فى استعادة الأموال المهربة، بحسب ما
يقول المستشار الجوهرى لـ«اليوم السابع»، هو ضرورة حتمية، لأن تلك المنظمة لديها من
الإمكانيات والأدوات والوسائل المختلفة فى استعادة الأموال والكشف عن سرية الحسابات
فى بنوك العالم المختلفة، فضلاً عن الضغط على الدول الكبرى فى مساعدة الدول النامية
لاستعادة أموالها المهربة والإعلان عن عدم شفافية أية دولة ترفض رد
الأموال.
منظمة ستار التى تمثل الهيكل الأساسى فى استرداد أموال مصر من
الخارج هى نتاج مبادرة لشراكة بين البنك الدولى والأمم المتحدة فى ضوء جهود مساعدة
الدول النامية على استعادة مليارات الدولارات المنهوبة فى جميع الأنشطة غير
القانونية بداية من المخدرات والبضائع المزيفة وتجارة الأسلحة غير المشروعة ومروراً
بالتهرب من الضرائب.
المنظمة تم تأسيسها فى سبتمبر 2007 ونجحت فى استعادة ما
بين تريليون دولار أمريكى و1.6 تريليون كل عام، وكان الدافع الرئيسى وراء تأسيسها،
بحسب المعلومات المتوفرة عنها، هو استعادة أصول الدول النامية المسروقة، ووقف
تدفقها إلى الخارج، وخاصة بعد واقعتين شهيرتين لدولتين فى قارتى أفريقيا وآسيا تم
الاستيلاء على ثرواتهما من قبل رؤسائهما وقطعت سنوات طويلة من أجل استعادتها، حيث
ظلت دولة نيجيريا خمسة أعوام لاستعادة نصف مليار دولار من البنوك السويسرية تم
نهبها ونقلها للخارج، بينما قضت الفلبين 18 عاماً لاستعادة 624 مليون دولار سرقها
الزعيم السابق، فيردناند ماركوس.
تحاول منظمة ستار تقديم الحلول للدول النامية
والتغلب على المصاعب فى سعيها لاستعادة أصولها المسروقة، فالكثير من البلدان التى
من المفترض أن تتلقى أموالها المنهوبة، لا تملك إطارا قانونيا لاستردادها، وعلى
الرغم من قدرة أى دولة على تجميد أصولها المنهوبة غير فإنها لا تستطيع
استعادتها.
وفى ذلك الإطار، تقوم منظمة «ستار» بتوفير المساعدة الفنية التى
من شأنها تعزيز قدرة نظام العدالة الجنائية للتمكن من استرداد الأصول المنهوبة،
فضلاً عن قيامها بالضغط على الدول الغنية لكى لا تصبح وعاء لإخفاء الأموال المسروقة
من خلال تصديقها وتفعيلها لاتفاقية مكافحة الفساد، مع فرض عقوبات على المؤسسات
المالية التى يتبين عملها مع الأفراد الفاسدين حتى تفضح سياسياً الأشخاص الذين لا
يؤدون عملهم كما ينبغى، وتضع مبادئ توجيهية واضحة بشأن المعاملة المالية من تقوية
أنظمة أجهزة منع غسيل الأموال عبر برنامج «اعرف عميلك»، والإبلاغ عن أى المتورطين
فى ذلك.
منظمة ستار تعتمد أيضاً على بعد اجتماعى هام فى استعادة الثروات،
وهو أن كل 100 مليون دولار يتم استردادها، يمكن أن تمول كل ما يحتاجه 4 ملايين طفل،
فضلا عن أنها يمكن أن توفر توصيلات المياه لأكثر من 250 ألف أسرة، أو تمول علاج
الفيروسات لأكثر من 600 ألف شخص مصاب بمرض الإيدز لمدة عام كامل.
فى مسار
آخر لاستعادة الأموال المنهوبة بالخارج، أكد المستشار عاصم الجوهرى أن اللجنة
القضائية لاستعادة أموال مصر، ستتعاون مع عدد من المكاتب الدولية المتخصصة فى تعقب
الأموال التى تم تهريبها من بينها مكاتب قبرصية، خاصة أن تلك المكاتب تمتلك
إمكانيات الكشف عن خيوط عمليات نقل الأموال من حساب إلى آخر، وفى ذلك الصدد يستعد
أعضاء من اللجنة القضائية للسفر إلى 17 دولة أجنبية بهدف إجراء محادثات مع مسؤولى
وزارة العدل بهذه الدول، للاتفاق على استرجاع الأموال المهربة من مصر للبنوك
الأوروبية والأمريكية، على أن تبدأ الجولة بالولايات المتحدة نهاية الشهر الجارى.