قالت مصادر ليبية متطابقة في نظام العقيد الليبي معمر القذافي والمجلس
الوطني الانتقالي المناهض له لـ«الشرق الأوسط»، إن بشير صالح مدير مكتب
القذافي، هو المسؤول الليبي الذي عقد يوم السبت الماضي، اجتماعا سريا في
جزيرة جربة التونسية، مع مسؤولين من إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما.
وعلمت «الشرق الأوسط»، أن صالح الذي يعتبر من أبرز المقربين من القذافي،
ويغيب إعلاميا منذ مدة عن المشهد السياسي في ليبيا، ويلعب دورا من وراء
الكواليس، قد طلب عقد اجتماع مع وفد أميركي رسمي منذ نحو عشرة أيام، وأنه
ألح في طلب اللقاء بتعليمات من العقيد القذافي.
سبق هذا الاجتماع، سلسلة اتصالات هاتفية ولقاءات شخصية، بين مدير مكتب
القذافي ودبلوماسيين أميركيين في جربة، للتمهيد للقاء الذي عقد في أجواء من
السرية وبعيدا عن أعين وسائل الإعلام المختلفة، على غرار اجتماعات مماثلة
مع مسؤولين من حكومات فرنسا وبريطانيا وإيطاليا عقدن مؤخرا. وقال مسؤول
ليبي على صلة بالاجتماع لـ«الشرق الأوسط»، إن الوفد الأميركي أكد لمبعوث
القذافي، أنه لا توجد أي مشكلة في مساعدته على إيجاد ملاذ آمن، إذا وافق
على التنحي والتنازل عن السلطة، مشيرا إلى أن الوفد الأميركي أبدى استعدادا
واضحا للمضي قدما في البحث عن مكان أو بلد يقبل استضافة القذافي مع توفير
الضمانات الأمنية له، بما في ذلك عدم ملاحقته قانونيا أو دوليا. وأوضح
المسؤول الذي طلب عدم تعريفه، أن الوفد الأميركي عرض لائحة من الدول
الأفريقية التي لم توقع بعد على اتفاقية الانضمام للمحكمة الجنائية
الدولية، محذرا نظام القذافي من التسويف ومحاولة إضاعة المزيد من الوقت.
ونقل عن الوفد الأميركي قوله لمبعوث القذافي «عليه (القذافي)، أن يحسم
أمره فورا. لا مكان له في مستقبل هذا البلد. الحل الوحيد هو أن يتنحى.
وبإمكاننا مساعدته في ذلك إذا أراد».. و«كلما أسرع القذافي بالخروج كان من
الممكن مساعدته، المسألة باتت في الذروة والعجلة لن تعود مجددا إلى
الوراء».
من جهته، كرر وفد القذافي على مسامع الوفد الأميركي، رغبة القذافي وحرصه
على إنقاذ العلاقات الليبية الأميركية من التدهور، واستعداد نظامه لفعل ما
يمكنه للحفاظ على علاقات طيبة مع إدارة الرئيس الأميركي أوباما.
كما عرض الوفد الليبي أيضا، فتح كافة مجالات التعاون من دون شروط أمام
الولايات المتحدة، بما في ذلك قطاع النفط الحيوي، لإقناعها بالعدول عن
دعمها المعنوي السياسي للثوار المناهضين لنظامه.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، إن الاجتماع عقد «لتوصيل رسالة
واضحة وحازمة، وهي أن السبيل الوحيد للمضي للأمام هو تنحي القذافي.» وأضاف
«لم يكن هذا تفاوضا.. بل كان توصيلا لرسالة». وقال إنه ليست هناك نية لعقد
المزيد من الاجتماعات.
في المقابل أقر موسى إبراهيم، الناطق الرسمي باسم الحكومة الليبية بحدوث
هذه الاجتماعات. وقال إن حكومته ترحب بأي حوار مع الفرنسيين أو الأميركيين
والبريطانيين. وأضاف أنها ستبحث كل القضايا لكن دون شروط مسبقة وأنه ينبغي
أن يقرر الليبيون مستقبلهم بأنفسهم.
وأبلغ موسى الصحافيين في العاصمة الليبية طرابلس، أن الاجتماع عقد في تونس يوم السبت الماضي.
وقالت مصادر المجلس الوطني الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»، إن المجلس تلقى
إخطارا رسميا من الإدارة الأميركية باعتزامها إرسال وفد للقاء وفد رسمي
يمثل القذافي بقيادة مدير مكتبه بشير صالح، مشيرة إلى أن هذا الإخطار جاء
في إطار ما وصفته بالتشاور المستمر بين الطرفين حيال تطورات الأزمة
الليبية.
وأوضحت المصادر أن المجلس الوطني رحب بفكرة اللقاء ولم يعترض عليه، خاصة
أنه تلقى تطمينات أميركية، مفادها أن اللقاء ليس للتفاوض مع القذافي نيابة
عن المجلس الانتقالي، وإنما بهدف نقل رسالة تحذير أخيرة للقذافي، بأنه
يتعين عليه الرحيل عن ليبيا مع أسرته كحل وحيد للوضع الراهن في ليبيا.
وقال عبد المنعم الهوني ممثل المجلس الوطني الانتقالي في مصر والجامعة
العربية لـ«الشرق الأوسط»، إن إدارة أوباما تضغط مع دول حلف شمال الأطلسي
(الناتو) لبلورة حل سياسي للأزمة الليبية في أسرع وقت ممكن.
واعتبر الهوني أن هذه الأطراف اتخذت قرارا بدعم الثوار المناهضين للقذافي
إلى أقصى حد ممكن، مشيرا إلى أن الخيارات باتت محدودة، فإما حل سياسي أو
حل عسكري، لاحظ أن تكلفته ستكون باهظة على الشعب الليبي.
وأضاف «هناك معركة سياسية وعسكرية فاصلة. لقد انتهينا مع الناتو من مرحلة
مهمة لجمع معلومات دقيقة حول مفاصل نظام القذافي، وأماكن وجود قواته
وعناصره. ستكون الحرب المقبلة هي بكل المقاييس حرب ضروس».
وتابع الهوني «أمامنا أسابيع قليلة فقط لحسم الأمور سياسيا وعسكريا»،
مشيرا إلى أن «المجلس الانتقالي سيتمكن في القريب العاجل من التصرف في
الأموال الليبية المجمدة لتسيير الأمور في كافة ربوع ليبيا وبخاصة المناطق
المحررة من قبضة القذافي». وقال إن «الأسابيع المقبلة حاسمة، ونتمنى على
القذافي إذا كان لديه بقية عقل أن يرحل ويكفيه ما فعله من خراب وتدمير
بمقدرات الشعب الليبي على مدى سنوات حكمه البالغة 24 عاما».
ولفت إلى أن الحرب الدائرة ليست حربا بين عدو خارجي ونظام القذافي، وإنما
هي حرب بين الشعب الليبي وبينه»، مضيفا «أولاد بلده يريدون الخلاص منه
فقط، وعليه أن يرحل والآن فورا».
من جهته توقع محمود شمام مسؤول الشؤون الإعلامية في المجلس الوطني
الانتقالي، أن يسقط نظام القذافي خلال أسابيع، معتبرا أن سيطرة الثوار على
البريقة تمثل ضغطا عسكريا هائلا على نظام القذافي وقواته العسكرية وكتائبه
الأمنية.
ونفى شمام لـ«الشرق الأوسط» أن يكون المجلس الوطني الانتقالي قد أجرى أي
مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع مسؤولين من نظام القذافي في الفترة
الأخيرة.
وقال شمام إن المجلس لم يفوض أحدا أيا كان للحديث حول مسألة المفاوضات،
ولم يوكل إلى أي جهة مسؤولية التفاوض في مواجهة نظام القذافي. وتابع
«موضوع التفاوض الوحيد مع القذافي هو حول إجراءات رحيله، أو مراسم دفنه».