كن واحدًا من السبعه
--------------
إخوتي الأحبة، مع شدة الحرارة التي نستشعرها في هذا الصيف القائظ أذكركم، فقط أذكركم بشمس تدنو من رءوس الخلائق على مقدار ميل، كما ورد في الصحيح وأذكركم، فقط أذكركم بتعليق الصحابي راوي الحديث: "فما أدري أهو ميل المكحلة؟! أم ميل المسافة؟!
إخوتي الأحبة، أذكركم بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة بن عامرعن أحمد، كيف يغرق الناس في عرقهم إلى أعقابهم، ومنهم من يبلغ عرقه ركبتيه، ومنهم من يبلغ عرقه نصف ساقه، ومنهم من يبلغ عجزه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ عرقه منكبيه، ومنهم من يبلغ وسط فمه، ومنهم من يغطيه العرق ويلجمه إلجامًا، والعرق- كما تعلمون- على قدر الذنوب عافانا الله وإياكم منها.
* إخوتي الأحبة سنعيش معًا في ظلال حديث نبوي شريف رواه أبو هريرة وخرجه الشيخان، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه".
* أولهم: حاكم عادل:
هو قوام كل مائل، وقصد كل حائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونَصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خرجه الطبراني بإسناد حسن "يوم من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة".
* واسمع إلى كلام خاتم الأنبياء والمرسلين فيما أخرجه الإمام مسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".
* وأزيدك ما رواه عياض بن حمار عند مسلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال".
وكما كان الناس في ظل عدلهم في الدنيا فإنهم في ظل عرش الله يوم القيامة، ظلاًّ بظل، جزاءً وفاقًا، ويكفيهم أن أهل السماوات والأرض يصلون عليهم ويستغفرون لهم.
واسمع إلى كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وهو يقول فيما أخرجه الإمام مسلم من حديث عوف بن مالك: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"، قال: قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة".
إنه الإمام العادل الذي ينصاع لأمر ربه إذ يقول: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: من الآية 90).
إنه الإمام المقسط الذي يحبه الله جل وعلا ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات: من الآية 9).
* ثانيهم: شاب نشأ في عبادة الله:
ذلك لأن الشباب فتوة وقوة، والشباب حماسة وحمية والشباب اندفاع وشهوة، وكل ذلك يدعو إلى اتباع الشهوات واتباع الأهواء خصوصًا في زمان الفتن الذي نعيشه حيث يكثر داعي الزيغ والضلال، وفي المقابل يصعب الزواج والعفاف للظروف الاقتصادية المتدنية، فعند ذاك إذا اعتصم الشاب بالله وكتابه واستقام على أمره فإن في ذلك خيرًا كثيرًا له وللأمة جمعاء.
إنه نداء للأمة بإعلامها وتعليمها، بدور عبادتها وعلمائها، بشوارعها وبيوتها، بآبائها وأمهاتها أن أحسنوا إلى شباب هذه الأمة وأدوا واجبكم في تنشئته على طاعة الله والالتزام بأخلاق الإسلام منذ البدايات، فإذا انقضى العمر انقطع معه العمل إلا من ثلاث منها "ولد صالح يدعو لك".
فنعم الاستثمار هذا، الاستثمار الأخروي، وهنيئًا لك بولد يجري عليك دعاؤه واستغفاره بعد انتهاء العمر وانقطاع العمل!!.
* ثالثهم: رجل قلبه معلق بالمساجد:
إنهم الرجال الذين لا يُعرف لهم مصنع سوى المساجد، أليس الله هو الذي قال: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ... ﴾ (النور).
والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)﴾ (التوبة)" (رواه أحمد والترمذي) وقال: حديث حسن.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا معلمًا: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط" رواه أبو هريرة عند مسلم.
ولعلك تلاحظ أخي الحبيب أن كلهن تنبع من تعلق القلب بالمساجد.
* رابعهم: رجلان تحابا في الله:
إنها الأخوة في الله! ولاحظ أن الرجلين تحابا في الله بغير مصلحة دنيوية، فهي ليست تجارات ولا قرابات، ولكنها المحبة في الله من أجل نصرة دينه والعمل على نشر رسالته، وتفرقا من أجل ذلك، فهم في ظل العرش يوم القيامة، وهم على منابر من نور، لا يحزنون إذا حزن الناس، ولا يخافون إذا خاف الناس، "المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي" (رواه أحمد).
* خامسهم: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله:
أيها المسلمون: الدين الإسلامي يربي أتباعه على الطهارة والعفة والنقاء والمحافظة على العرض، ويرفع من قدر المتطهرين، ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب: من الآية 35).
﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 222).
فإذا ما امتنع المسلم عن سبل الغواية التي تيسرها الآن وسائل الإعلام وتذكر نظر الله إليه ورقابته له فامتنع عن الحرام خوفًا منه سبحانه ورغبة فيما عنده واقتداءً بنبي من أنبياء الله الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، حينما راودته امرأة العزيز عن نفسه، ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾ (يوسف).
فما بال أقوام يعملون ليل نهار، وصباح مساء على إشاعة الفاحشة بوسائل الإعلام وغيرها في صفوف المسلمين، لا يخافون عذاب الله ولا يرهبون سلطانه، وقد هددهم وأنذرهم بقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)﴾ (النور).
* سادسهم: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه:
الإسلام أيها الإخوة الأحبة دين التكافل والتراحم، يمد غنيه يد العون لفقيره، بلا منٍّ ولا أذى، بلا رياء محبط للعمل، واسمع إلى كلام الله تعالى في ثواب الصدقة: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)﴾ (البقرة).
وأزيدك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ِميتة السوء". الترمذي وقال حسن غريب.
* سابعهم: رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه:
أيها المسلمون: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، والمسلم يغسل خطأه بدمعة من عينه فاضت من خشية الله، وفي الحديث: "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" (رواه الترمذي وقال حسن).
أيها المسلم: لتكن لك لحظات كل يوم تجلسها خاليًا، لتكون بعيدًا عن مظاهر الرياء، تجلسها مع الله، تذكره، وتبكي على خطيئتك، هكذا كان نبيك صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم يخشون الله وتفيض أعينهم بالدمع في السر والعلن.
واسمع إليه وهو يقول: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" (رواه الترمذي وقال حسن).
أيها المسلمون الأحبة، أختم كلماتي هذه بالتذكير أن النجاة يوم القيامة من الحر الشديد والنار التي تلظى أقول: النجاة في هذه السبعة وكلها أخلاق: "العدل، والعبادة، والتعلق ببيوت الله، والحب في الله، والعفة، والتصدق على المحاويج، والذكر في الخلوات".
فأنعم به من دين في أخلاقه النجاة والظل يوم الحرور.
رزقنا الله حسن الاتباع وصلى الله وسلم وبارك على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أستاذنا الفاضل..لقد توقفت كثيرا عند الصنف الأول من هؤلاء الفائزين وهو الامام العادل الذي اشتقنا اليه كثيرا والذي حرمنا منه طوال ثلاثين عاما بسبب رضوخنا للذل "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين" وعلمت لماذا جعله رسول الله صلي الله عليه وسلم أول الذين يستظلون في ظل عرش الله يوم لا ظل الا ظله فجزاك الله عنا خيرا
بواسطة: مصراوي مسلم - د. أحمد حسن