تواجه مدينة بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي ومعقل المعارضة التي
تخوض حربا طاحنة للإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي خطر نشوب كارثة إنسانية،
بسبب نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية في وقت يميل فيه سكان المدينة
نحو استمرار تحدي حكم القذافي والصبر حتى سقوطه مهما كان الثمن.
وحذر مسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي- القيادة السياسية للثوار
الليبيين- من أن ملامح أزمة إنسانية غير مسبوقة بدأت ترتسم في بنغازي،
وباقي المدن التي تخضع لسيطرة قوات المعارضة، بسبب نفاد مخزون المستشفيات
من العقاقير الطبية.
وفي مركز بنغازي الطبي، أكبر وأحدث المستشفيات في شرق ليبيا، يشارف المخزون
الاحتياطي من التخدير على النفاد، وقال مدير الخدمات الطبية في المستشفى
الدكتور عز الدين بوسدرة لـ "العربية.نت": "نواجه وضعا صعبا، وأصبحنا لا
نجد ما يكفي من مواد التخدير لإجراء العمليات الجراحية، ويتم تأجيل بعض
العمليات وتفادي إجراء عمليات أخرى كلما كانت غير ضرورية جداً وملحة للمريض
أو المصاب".
وتواجه غرف العمليات في مستشفيات بنغازي نقصا أيضاً في الكفوف وقطع غيار
التجهيزات الطبية الازمة لإجراء العمليات الجراحية، وكشف مسؤولون في
المصالح الصحية التابعة للمعارضة عن إعداد قائمة بأكثر من 150 مادة دوائية
تحتاجها مستشفيات بنغازي في شكل عاجل، تشمل بالإضافة إلى الكفوف الطبية
والشاش، أدوية الأمراض المزمنة مثل إلتهاب الكبد الفيروسي والأدوية التي
يحتاجها مرضى القلب والسكري والأدوية اللازمة للمرضى في غرفة العناية
المركزة، فضلا عن السماعات الطبية وأجهزة مراقبة ضغط الدم والمواد الطبية
الازمة لتضميد الجراح وللتعامل مع حالات الكسور الكثيرة بسبب القصف
العشوائي الذي استهدف المباني السكنية.
ويشكو الأطباء في مستشفيات بنغازي من الضغط الشديد على المنشآت الصحية في
المدينة غير المجهزة أصلا لاستقبال ضحايا الحروب والعنف، ويقولون إن الجرحى
في الكثير من مدن الشرق والجنوب وحتى مصراتة في الغرب يجري نقلهم الى
بنغازي، ويشيرون إلى أن الكثير من الحالات تبدو معقدة وخطيرة.
ليبيات متطوعات وتعاني
مستشفيات بنغازي أيضاً من نقص حاد في الطواقم الطبية بعد أن لاذت مئات
الممرضات الآسيويات والأوكرانيات اللواتي كن يعملن في المدينة بالفرار خوفا
من أعمال العنف، ويحاول عدد كبير من الفتيات الليبيات، معظمهن جئن من
كليات الطب والصيدلة في المدن الليبية وحتى من جامعات أجنبية، تعويض هذا
النقص عبر عملهن التطوعي.
وترقد طفلة في ربيعها الحادي عشر منذ أكثر من شهرين في مركز بنغازي الطبي
داخل غرفة العناية المركزة، تنتظر إجراء عملية لتقويم عمودها الفقري بعد
إصابتها بشظية من صاروخ في قصف عشوائي شنته كتائب العقيد معمر القذافي على
أحياء سكنية في مدينة الكفرة جنوب ليبيا، استخدمت فيه راجمات الصواريخ لسحق
انتفاضة مسلحة قام بها شباب المدينة.
وقال أخصائي الجراحة في المستشفى الدكتور معتصم النايض لـ "العربية.نت":
"تصوروا أنه بسبب نقص في المسامير الطبية الازمة لإجراء عملية في العمود
الفقري، تبقى هذه المسكينة حبيسة هذا السرير" ، وترفع وفاء فوزي أصابعها
لترسم إشارة للنصر وتتلفظ ببضع كلمات في صوت خافت وبصعوبة وهي ترسم على
شفتيها ابتسامة بريئة، رغم حالتها النفسية السيئة، فهي تحتج من وقت لآخر،
بطريقتها الخاصة، كما تقول ممرضة تشرف على رعايتها، على بقائها الطويل
طريحة هذا الفراش، وتريد أن تذهب لتحتفل مع صديقاتها بنجاح الثورة في
الكفرة بعد أنسحاب كتائب القذافي.
وفيما تستنفد بنغازي مخزونها من العقاقير والمستلزمات الطبية، يسود قلق من
خطر تفاقم الأزمة الإنسانية التي تواجهها مستشفيات المدينة، إذا ما حدثت
هجمات جديدة أو نشبت معارك أخرى ضارية.
ويرى المجلس الانتقالي الليبي أن مواجهة الأزمة الإنسانية الحالية يتطلب
إفراجا سريعا عن الأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، وتدخلا دوليا إنسانيا
عاجلا، ويطمح المجلس إلى أن يتمكن من تغطية حاجيات البلاد من الأدوية
والمواد الأساسية عبر استخدام جزء من هذه الأموال الطائلة.
وأدى القتال الدائر حاليا في ليبيا بين الكتائب الموالية للعقيد معمر
القذافي وقوات المعارضة حتى الآن إلى سقوط أكثر من 10 آلاف قتيل في المنطقة
الشرقية وحدها، بالإضافة إلى عشرات آلاف الجرحى، بحسب حصيلة مؤقتة
للمعارضة، وفيما يتأهب طرفا الصراع الدامي لجولة جديدة من القتال في الجبهة
الشرقية، يأمل سكان بنغازي الذين أنهكهم إصرار القذافي على البقاء في سلطة
يوجد على رأسها منذ أكثر من 4 عقود، أن لا يكون ما هو قادم أسوأ، وأن لا
يزيد حال المستشفيات مأساوية، وأن تنتهي معاناتهم مع حلول شهر رمضان
المبارك.