المقامه السلطانيه
~
المقامه السلطانيه
.....................................
الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد
وبسط الارض علي ماء جمد له العزه والكبرياء سبحانه لم يتخذ صاحبه ولا ولد ..
وبعد فهذه مقامه
يسير بها الركبان من بغداد الي تهامه .
ولو كتبت بالابر
علي اماق الشجر
لكانت عبره لمن اعتبر.
في احد العصور
ومنذ عده دهور .
جمع السلطان وزراءه وشركاء حكمه ووكلاءه. واراد ان يختبر حنكتهم وقوه عزيمتهم
ومقدار شكيمتهم.
فكلفهم بمهمة يسيره
كان هو يراها خطيره
اذا جد الجد
وهم يرونها مهمه حقيره .
اذ اعطاهم ثلاثه من الاجوله لمهمه عاجله .
وامرهم ان يذهبوا الي حديقه القصر
في وقت العصر .
وان يحضروا ما لذ وطاب من الفاكهه والاعناب.
مما تدور له الرؤس
وتهنأ برؤيته النفوس
ويسر له الوقوف والجلوس علي الا يساعدهم اويشاركهم الخدم والعسس في جمع الاثمار
وقطف الازهار
ولقياهم غدا برابعه النهار .
انطلق الثلاثه في الحال وكل في خير حال.
الي البستان وهم يضربون اخماس في اسداس وامرهم في التباس .
من مهمه موكوله اليهم فرضها السلطان عليهم.
فقال الاول وكان حكيم اريب
شاعر اديب
ان طلب السلطان امرا لابد ان يكون علي خير ما يرام وان يتم بالكمال والتمام. فجمع الطيب من الثمار
من حالق الأشجار
واجتهد حتي يرضي سلطانه
ومليكه وصاحب ايوانه. ومالك عرشه وصولجانه. وعاد بالطيب من الارزاق مما افاض به عليه الخلاق. اما الوزير الثاني فقال:
وماذا يريد السلطان من اثمار
وعنده الخير من سائر الاقطار.
فلن يفتش السلطان فيما اجمعه. واليه ارفعه
فجمع كيفما اتفق له ان يجمع
فلم يتحرى الطيب من الفاسد... والرائج من الكاسد فجمع بلا رويه
ولم يحسن النيه
فسلطانه ليس لديه وقت لانتخاب الاثمار
والنظر فيها رابعه النهار.. فمهامه السلطانيه كثيره واعمال السلطنه وفيره.. وعاد من فوره الي اهله وعياله
ومعه جواله
واما ثالث الوزراء فقال :
ما لهذا السلطان يطلب
ما لا يطلب وما لا فيه فائده ولا مأرب..
لاجمعن من الارض حشيشها
وورق الشجر ووضيعها.. فلن ينظر الي ما قد جمع فلا راي ولا سمع ..
ولما اجهد نفسي
واتعب راسي. .
فيما لا طائل منه ولا فؤائد بل مشقه ومكابد..
وعاد بجواله وما فيه من خشاش الارض
وفي رابعه اليوم التالي جمعهم السلطان ولم ينظر فيما قد جمع
ولا نظر ولا سمع
بل امر باخذهم الي الحبوس مع العسس وامرهم عليهم قد التبس وان يسجن كل منهم في حبس وحده
مع ما جمعه ووجده
ولا يصل احد اليهم
ولا يشفق عليهم
مده شهران بالتمام والكمال حسبما اشار وقال.
ودخل الثلاثه في حبوسهم مع ما قدمت يديهم
فاما الاول فكان ياكل من طريف الخيرات
وظريف المسرات
مما جمعه بكده ويداه
فكان خير ما التقاه.
ففي فاكهته طعام وشراب وتمور واعناب ..
مما لذ له وطاب
في رغد من العيش وبحبوحته
ويشكر ربه علي نعمته..
واما الثاني فعاش في ضنك وضيق وياكل مما أصابه العفن من مآكول ومشروب وعاني كافه الضروب
ولاقي الويل والكروب
اما ثالثهم فلم يكن معه
الا الحشائش والاعشاب
فلا فاكهه ولا اعناب..
حتي ادركته مسغبه
وصار الي مكربه
حتي ادركه هادم اللذات وهو يبكي عما بدر منه وفات .
حيث لا ينفع الندم
واصبح في صحبه العدم ومر الشهران
وخرج الوزيران
فاذا احدهم سليما معافي بادي النشاط والهمه
والاخر هزيل ضامر
بصره حائر.. وعزمه خائر وثالثهم قد لاقي ربه بالممات
وجمعهم السلطان وقال لهم: هذه هي الدنيا ما تجمعه فيها سيكون رفيقك
ونور دربك وطريقك
فماذا جمعت اذا حم القضاء ونزل امر قيوم الارض والسماء
هل ستذهب بعمل صالح جنته يداك
ام بعمل طالح قد ابكاك
وانشأ السلطان يقول
ولدتك امك يابن آدم باكيا
والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل ليومك ان تكون
في يوم موتك ضاحكا مسرورا.
وبهذا تتنتهي هذه المقامه السلطانيه
وفيها من العبر المرعيه.. كتبها راجي رحمه ربه الغفور واملا بعفو ربه الكريم يحيي ابراهيم لإنثي عشر خلون من شهر الله رمضان بعد الف واربعمئه واثنان وأربعون من هحره المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه